وتقول الفتاة: «إن الناس ليذهبون مذاهب شتى في تقدير المبلغ الكافي لنفقة معاش الزوجين.» قالت ذلك بأدب وتلطف، وقلبها يخفق ارتقاب جوابه على مقالها هذا.
قال الفتى بجمود بعد فترة قصيرة، وتحول نحو الغادة قليلا: «وما مذهبك أنت في ذلك؟ كم ترين يكفي الزوجين؟»
في هذه اللحظة كان لهيب النار الأحمر يلقي شعاعه الوهاج على ذيل مئزرها، ووقع بصر الفتى على ساقها المستدير، وعلى إحدى قدميها اللطيفتين مستقرة على أسفل قائمة الموقد، وكانت بقية شخصها مستورة في الظل الأسود إلا جانبا من كتفها المكتنز البديع الاستدارة، ووبيصا لماعا فوقه من شعرها الذهبي.
فرنا إليها الفتى طويلا، وعرته هزة فجائية، وأحس بدنه ينمو، ويتمدد لفرط اهتياج أعصابه، ولكن لقوة إرادته لم يبد على ظاهره أدنى حركة تدل على القلق والاضطراب، وجعل الفتى ينتظر جوابها على سؤاله في أتم سكينة وهدوء. فترددت الفتاة في فكرها وهي تنظر إليه.
لقد بدا سؤاله هذا في غاية السخافة والسخرية إزاء فرط حبها له، وغرامها الذي لا يعرف حدا ولا غاية.
كيف تقدر لعيشها معه مبلغا من المال، وهي التي يكفيها معه أي شيء ولا شيء!
في هذه اللحظة كان تيار شعورها الباطن الخفي المنساب تحت الطبقة الظاهرة من أفكارها، والذي كان يشوش هذه الأفكار، ويصعب عليها طريق التعبير والإبانة - كان ذلك التيار الوجداني الخفي هو بالنص الآتي: «أشهى لي وأحب إلي أن أموت جوعا بين ذراعيك، من أن أعيش يوما واحدا بعيدة عنك.»
هذا شعورها الباطن، فبماذا تجيب؟ إن تحديدها مبلغا قليلا في نظره خطأ كبير كتحديدها مبلغا عظيما؛ فسيراها على أية حال سخيفة غبية منقادة للعواطف الخيالية المتطرفة، لا للحقيقة العادلة، جاهلة بما تتعرض له من هذا الموضوع الخطير؛ جاهلة بمسئولية الحياة العظمى.
وكانت تعلم فوق ذلك أن تحديدها مبلغا ضئيلا كان يثير أمام عينه صورة عيشة حقيرة ضنكة تجرح شعوره، وتؤذي إحساسه، وتملؤه اشمئزازا وسخطا.
أليس الفتى فقيرا قليل ذات اليد؟ بلى، لقد خبرها أنه فقير وإنها لتصدق ذلك، ولكنها تعلم أنه يقترض ويستدين؛ ليستطيع أن يعيش ويلبس كما يلبس ويعيش الرجل المحترم.
Shafi da ba'a sani ba