Hawayen Bilyatsho
دموع البلياتشو: مجموعة قصصية تنشر لأول مرة
Nau'ikan
والأنقياء من أبناء العصور القديمة لم يكونوا يحبون الحياة، ولا كانوا يكرهون الموت، كان البدء لا يوقظ فيهم الفرح، وكان المنتهى لا يثير فيهم نوازع الصراع، إنهم يأتون في ثبات، ويذهبون في ثبات: وكان في ذلك الكفاية، لم ينسوا ذلك الأصل الذي انحدروا منه، ولم يشقوا أنفسهم بذلك المصب الذي سينتهون إليه، لقد أخذوا نصيبهم عن طيب خاطر، وانتظروا داعي الموت في سلام، هذا هو الذي يوصف بعدم مقاومة الطريق، ولا محاولة استبدال ما هو من شأن الإنسان بما هو من شأن السماء، هذا هو طبع الأنقياء.
إن أرواح هؤلاء الناس أرواح حرة، ومواقفهم تتسم بالوداعة، ووجوههم مرحة مستبشرة، برودهم من برودة الخريف، وحرارتهم من دفء الربيع، وتقلب دوافعهم يتم بوحي من قانونهم الخاص كما هو الشأن مع تقلب الفصول، إنهم يعيشون في تجانس مع كل شيء، وما من أحد يحيط علما بحدودهم.
لذلك يمكن أن يدمر «الحكيم» الكامل مملكة دون أن يخسر قلب الشعب، وبغير أن يتعمد «حب البشر» تجده قادرا على إسعاد عشرة آلاف جيل.
من يفرح بالناس ليس هو الكامل. من يشعر بالميل ليس هو المحب. من يراقب «تحول» الأزمنة ليس هو الحكيم. من لا يتلقى الخير والشر بقدر متساو ليس هو القدوة. ومن لا يضحي بنفسه تضحية مطلقة فلن يصلح للحكم.
2
الطريق
أنا الباحث عن المعرفة، هذا هو الاسم الذي أطلقه الناس علي، هل عرفوا أن معرفتي لم تزدني إلا جهلا وشقاء؟ جبت جميع الطرقات ولكني لم أجد الطريق، تجولت نحو الشمال، عبرت الماء الأسود وصعدت جبل الأسرار المجهولة، هنالك التقيت بذلك الناسك الذي طالما سمعت عنه، وكل من سألته كان يهمس قائلا: إنه الناسك الذي لا يعمل شيئا ولا يقول شيئا، دخلت عليه كوخه في أعلى الجبل، ركعت وعفرت جبهتي بالتراب وقلت: أريد أن أسألك: فيم أفكر؟ ماذا أتأمل أو أعمل لكي أعرف الطريق؟ أين أضع قدمي لكي أقترب منه؟ من ذا يمكنني أن أتبع، وعلى أي سبيل أخطو، حتى أصل إلى الطريق؟
ظل الناسك صامتا لا يتكلم، ساكنا لا يتحرك، أخذ ينظر في الفراغ الممتد أمامه وحوله دون أن يقول كلمة أو يحرك إصبعا، هل كان أخرس لا يقدر على النطق؟ هل كان يعرف الجواب ولم يرد أن يتفوه به؟ هل أراد أن يقوله فلم يستطع؟
انحنيت الإنحاءات الواجبة، عفرت جبيني بالتراب، كررت السؤال فلم يجرح السكون صوت، وأدرت ظهري وخرجت، يممت وجهي نحو الجنوب، عبرت الماء الأبيض وصعدت جبل الأنوار المشرقة، هنالك لقيت زاهدا نحيلا خفيف الحركة بادرني بالتحية من وجهه الطلق وابتسامته العذبة وسألني قبل أن أفتح فمي: آه! كنت تبحث عن دوامة الوهم.
تحيرت وارتج علي القول، كان أسرع مني فقال: هذا هو الاسم الذي يدعونني به، أعرف، أعرف ما تبحث عنه، أريد أن أقول لك، أريد ...
Shafi da ba'a sani ba