Hawayen Bilyatsho
دموع البلياتشو: مجموعة قصصية تنشر لأول مرة
Nau'ikan
قال وهو ينفخ الهواء من الغيظ المكتوم في صدره: طبعا حقهم، ويقرءوا الكتب ويعرفوا أخبار الدنيا ويتمتعوا بالثقافة والحضارة، يقولوا نعم ولا وقت اللزوم. الديمقراطية يا أمي.
سألت: إيه يا ابني؟
استمر في اندفاعه: والاشتراكية، مجتمع المساواة، مجتمع العدالة، مجتمع ...
أشفقت عليه من هذا الهياج، صعب عليها أن يفور الدم في وجهه وتنتفخ عروقه ويسيل العرق أنهارا على صدره دون أن يشعر، أخذت تنظر إليه صامتة، فقال يطمئنها: لن ننسى الريف يا أمي، لن ننساه بعد الآن، سنزحف عليه كالجيوش الهائلة لنمدنه ونعلمه ونشفيه ونعالج رمده القديم، سنعمل، سنعمل.
تردد صوتها الخافت في أذنيه: العمل عمل الله يا حبيبي، لا تنس قراءة الفاتحة على روحي.
بدا له أنها تعاود بالتهمة التي تصور أنه دفعها عن نفسه، قال وفي صوته احتجاج لم يستطع أن يغطي على الندم: أنسى؟ كيف ينسى الإنسان أمه؟
بدأ وجهها الساطع يلتف في سحابة تبيض وتسود، اختفت عيناها الضيقتان الصافيتان، زادت الابتسامة الوديعة الساخرة اتساعا حتى لم يبد له سوى فتحة كادت تملأ قلبه خوفا، وجد نفسه يقف ويتقدم منها ويؤكد كلامه بيديه وخلجات وجهه وأطرافه وانتفاضة جسده: أقسم لك إننا سنعمل، إن لم يعمل هذا الجيل فلا بد أن يعمل الجيل الذي بعدنا، والجيل الذي بعده.
بدت الابتسامة كهلال نحيل يضيء وحيدا في السماء الصافية، خيل إليه أن الشفتين تتحركان في همس يرن مع ذلك رنينا واضحا: إن كنت تحبني حقا، فلا تنسني.
بعدت الابتسامة، أضاءت ثم شحبت ثم انتفضت قبل أن تتلاشى. صرخ حسني بملء صوته:
أنساك، لا يمكن أبدا، أنت أمي، أمنا، لا بد أن نعيش معك، لك، فيك، لا بد أن نبني البيوت الصحية والمدارس والحدائق والمسارح، لا بد أن نعمل، نعمل، نعمل.
Shafi da ba'a sani ba