الحذر من التسويف
المفهوم العاشر والأخير: إياك والتسويف، ولا أقول لك: لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، ولكن أقول لك: لا تؤجل عمل اللحظة الحالية إلى اللحظة القادمة.
فإن لكل أمة أجل، ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأعراف:٣٤].
فإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أردت دعاءً فمن الآن، وإذا أردت مقاطعة فمن الآن، وإذا أردت صلاة وصيامًا وزكاة فمن الآن، وإذا أردت صلحًا مع أخيك وصلة لرحمك وبرًا لوالديك فمن الآن، وإذا أردت دعوة إلى الله وأمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر فمن الآن، وإذا أردت وقفًا لفساد أو رشوة أو وساطة فمن الآن، وإياك والتسويف، والشيطان لا يأمر المؤمنين بالامتناع عن الأعمال الصالحة ولكن يأمرهم بتأجيلها، فإذا أجلوها تركوها في أغلب الأحوال، فلا تسلمن نفسك للشيطان، ولا تكن متبعًا لهواك.
تلك عشرة كاملة، لو فهمناها وفهمناها وتحركنا بها لقامت لنا أمة، ولرفعت لنا راية، ولكتب لنا نصر وسيادة وتمكين.
وختامًا: ليست هذه أول الأزمات التي مرت بأمتنا الإسلامية، ليست هذه أول الجروح والآلام، والخطوات، فبعد وفاة رسول الله ﷺ ارتدت جزيرة العرب بكاملها إلا ثلاث مدن وقرية، وظهر من يدعي أنه نبي يوحى إليه، وأنه رسول بعد رسول الله ﷺ، وقد قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ﴾ [الأنعام:٩٣].
فظهر مسيلمة الكذاب وارتد معه عشرات الآلاف ومع ذلك لم تنزل طير أبابيل، ولم ترم حجارة من سجيل، بل ظل الوضع كما هو عليه إلى أن بعث الله ﷿ رجالًا ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾ [المائدة:٥٤]، فجاء خالد بن الوليد وأصحابه؛ ليطهروا الأرض من مسيلمة وأصحابه، أما قبل قدوم المجاهدين فلا طير أبابيل.
وذبح الصليبيون في بيت المقدس سبعين ألفًا من المسلمين في يوم واحد، ولم تنزل الطير الأبابيل، ولم ترم حجارة من سجيل، وظل الوضع كما هو عليه إلى أن جاء صلاح الدين الأيوبي ومن معه من المجاهدين؛ ليطهروا الأرض من الصليبيين.
واستباح التتار بغداد وقتلوا من أهلها ألف ألف -مليون مسلم- في أربعين يومًا، ولم تنزل الطير الأبابيل على التتار المشركين الظالمين الكافرين، وظل الوضع كما هو عليه إلى أن بعث الله قطز ومن معه من أبطال المسلمين، فكانت معركة عين جالوت، وكان النصر والتمكين.
بل أشد من ذلك جهز القرامطة -وهم طائفة من أخبث طوائف الشيعة، كفرها كثير من علماء المسلمين- جيشًا لغزو مكة المكرمة، ودخلوا الحرم المكي والبيت الحرام في اليوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية في سنة ٦١٧هـ، واستباحوا مكة وأهلها، وسفكوا دماء كل من كان بالحرم من الحاجين، حتى من تعلق بأستار الكعبة، وتناثرت الأشلاء في الكعبة المشرفة، وسالت الدماء على أطهر بقعة في الأرض، وكان زعيمهم عليه لعنة الله: أبو طاهر سليمان الجنابي -وما هو بطاهر- يقف على باب الحرم يقول: أنا لله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا وهذا كفر بواح، بل وأرسل رجلًا من أتباعه فنزع الحجر الأسود من مكانه وأتي به إليه، فرفعه إلى السماء وقال في كفر صريح: أين الطير الأبابيل أين الحجارة من سجيل ولم تنزل الطير الأبابيل، ولم ترم حجارة من سجيل، وانتزع الحجر الأسود من مكانه لمدة اثنتين وعشرين سنة كاملة، ولم يعد إلا في سنة ٣٣٩ هـ، وظل المسلمون يحجون إلى بيت الله الحرام اثنتين وعشرين سنة بدون حجر أسود؛ لأن السنة الإلهية المستقرة لهذه الأمة: ﴿إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد:٧]، فنحن لسنا في زمان أبرهة، بل نحن في زمان رسول الله ﷺ، وبغير شرعه ﷺ لا نصر ولا فوز ولا نجاة، فدين الله واضح لا غموض فيه، فهو قواعد شرعية معلومة وسنن إلهية ثابتة، إن سار عليها المسلمون فازوا في دنياهم وأخراهم، وإن أبوا فلا يلومن إلا أنفسهم، وصدق الله ﷿ إذ يقول: ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء:١٥].
﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [غافر:٤٤].
وجزاكم الله خيرًا كثيرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
8 / 20