إن الموت لا يستأذنُ على أحدٍ، ولا يحابي أحدًا، ولا يجاملُ، وليس للموت إنذارٌ مبكر يخبرُ به الناس، ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾
﴿لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ﴾
ذكر الطنطاويُّ أيضًا في سماعاتِه ومشاهداتِه: أن باصًا كان مليئًا بالركاب، وكان سائقُه يلتفتُ يَمْنَةً ويسْرَةً، وفجأة وقف، فقال له الركابُ: لِم تقفُ؟ قال: أقفُ لهذا الشيخ الكبيرِ الذي يُشيرُ بيده ليركب معنا. قالوا: لا نرى أحدًا، قال: انظروا إليه. قالُوا: لا نرى أحدًا! قال: هو أقبل الآن ليركب معنا. قالوا كلُّهم: واللهِ لا نرى أحدًا من الناسِ! وفجأة مات هذا السائقُ على مقعدِ سيارتِهِ.
لقدْ حضرتْ منيَّتُه، وحلَّتْ وفاتُه، وكان هذا سببًا، ﴿فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾، إنَّ الإنسان يجبُن من المخاوفِ، وينخلعُ قلبه منِ مظانِّ المنايا، وإذا بالمآمنِ تقتلُه، ﴿الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ . والعجيبُ فينا أننا لا نفكرُ في لقاءِ اللهِ ﷿، ولا في حقارةِ الدنيا، ولا في قصةِ الارتحالِ منها إلا ذا وقعْنا في المخاوفِ.
1 / 462