على أنني لم أجحد ما في منازل الأحباب من ذكر حبيب ومنزل ولا تحملت على مصنفه فوا عجبًا من قلبي المتحمل ولكن قصدت التنبيه على أن حسن التأليف مواهب وأن للناس فيما يعشقون مذاهب ومعلوم أن الجنون فنون وكل حزب بما لديهم فرحون ولم يزل كتابنا هذا في مسوداته منذ حجح وبيوته من بحورها في لجج لا أبيح ما فيه من منازل الأحباب لساكن ولا أمكن عاشقًا من المرور بتلك الأماكن:
أغار إذا آنست في الحي أنة ... حذارًا وخوفًا أن تكون لحبه
حتى برز لطلبه المرسوم الشريف الملكي الناصري أدام الله نشر إعلامه ولا أخلى كنانة من سهامه ما نفذت مراسيم سهام المقل وتثني قوام الحبيب الذي طاب به الزمان واعتدل فبادرت إلى تجهيزه وسبك إبريزه حسب المرسوم والمعدن الشريف من غير تسويف ولا تكليف ولم أبح زهر منثوره لغير حضرته الشريفة من الأنام لأنه كان يقال كل ما يصلح للمولى على العبد حرام لا جرم أنه جاء بنظره السعيد نزهة للنظر وقال الواقف على عتبة بابه أن السعادة لتلحظ الحجر فهو للسلطان بستان وللعاشق سلوان وللمحب الصادق جبيب موافق وللمهجور نجوة وللنديم قهوة وللناسي تذكرة وللأعمى تبصرة وللشاعر المجيد بيت القصيد وللأديب الماهر مثل سائر وللمحدث قصص وللحاسد غصص وللفقيه تنبيه وللحبيب بالقمر تشبيه:
تبادره بالبدر منه بوادره ... وتحلو له عند المرور نوادره
ففيه له في كل يوم وليلة ... حبيب ملم أو نديم يسامره
ولي فيه نظم أن تضوع نشره ... ففي طيه حلو الكلام ونادره
ولي فيه منثور غدا في مقامه ... وعرف سناه مشرق الروض عاطره
ولي فيه من سحر البيان رسائل ... إذا ما جفاني أحور الطرف ساحره
ولي فيه أسرار الحروف لأنه ... ينقطه دمعي فتبدو سرائره
فنثور دمعي مثل نظيم سطوره ... خدودي إذا ما خط فيها دفاتره
تمد مداد الدمع أقلام هديه ... فدمعي حبري والسواد محابره
خدمت بديوان الصبابة عاملا ... فباشر قتلي من سباتي ناظره
فلولا الهوى ما مات مثلي عاشق ... ولا عمرت بالعامري مقابره
وفي غزلي ذكر الغزال ومربع ... تطار حتى فيه الحديث جآذره
أنزهه عن وصف خدر عنيزة ... ومنزل قفر سرن عنه اباعره
تجر قوافيه معال غدا بها ... جرير كعبدًا وثقته جرائره
يشيب بها فود الوليد لأنه ... يسير وجنح الليل سود ضفائره
ولست أرى يومًا بدارة جلجل ... سوى شاعر دارت عليه دوائره
إذا ما نسي ذكر حبيب ومنزل ... فإني لمن أهواه ما عشت ذاكره
أجاور في سفح المقطم جيرة ... فيا حبذا المحبوب حين تجاوره
فيا طيف من أهواه طرفي إن غفا ... أتهجره بالله أم أنت زائره
وحقك لو سايرته بعض ليلة ... لسايرت صيامات في الحب سائرة
ويا تيه طيف من خيالك طارق ... فيطرق إجلالًا كأنك حاضرة
وبي من يحج الغصن رمح قوامها ... إذا بات في الروض النضير بناظره
إذا قبلت في الحلي والطيب قيل لي ... حبيبك بستان تضوع أزاهره
وإن رمت منها وهي غضبى التفاتة ... ثنت عواطفها نحو الغزال تشاوره
أيبرد ما ألقاه من حر هجرها ... وقد حميت يومًا علي هواجره
تحصنت في حصن الهوى من عواذلي ... وبات لقلبي جيش هم يحاصره
ولو لم يكن أعمى البصيرة عاذلي ... لما عميت عمن هويت نواظره
يشبهها بالغصن والغصن عندها ... يشاهدها يغضي ويطرق ناظره
أللغصن خد كالشقيق إذا بدا ... وشعر كجنح الليل سود غدائره
1 / 2