وداع لبنان
الأهل أهلي والبلاد بلادي
لهفي للربوع ...
حنين المهاجر
الشاعر المنتحر
في ذكر زحلة
هياكل بعلبك
الفينيقيون
قبر توت عنخ آمون
فتحي وصادق
نهاية العالم!
سيف أبي عبد الله
فنون الطبيعة
على شاطئ «الريو» ...
إلى بخيل
سليمان البستاني
بطريرك العرب
خشوعا أمام الموت
الغربة في الوطن
دولة الشعر أتعس الدول
حمام على الشاطئ
خمر الأحاديث
ستذكرني
نجوى
لفافة التبغ
من يديك هوت روحي على قدميك!
فؤادي
الحب الصامت
بائعة الهوى
على منارة بيروت
شعلة العذاب
الحب يكبر بالصدود
لماذا هجرت الوطن
شوق على شوق!
قبل القمر
أواه غرناطة
نحن في نيسان
هناك تحظى بمي!
باقة الزهر
لو ...
الكفارة
وداع لبنان
الأهل أهلي والبلاد بلادي
لهفي للربوع ...
حنين المهاجر
الشاعر المنتحر
في ذكر زحلة
هياكل بعلبك
الفينيقيون
قبر توت عنخ آمون
فتحي وصادق
نهاية العالم!
سيف أبي عبد الله
فنون الطبيعة
على شاطئ «الريو» ...
إلى بخيل
سليمان البستاني
بطريرك العرب
خشوعا أمام الموت
الغربة في الوطن
دولة الشعر أتعس الدول
حمام على الشاطئ
خمر الأحاديث
ستذكرني
نجوى
لفافة التبغ
من يديك هوت روحي على قدميك!
فؤادي
الحب الصامت
بائعة الهوى
على منارة بيروت
شعلة العذاب
الحب يكبر بالصدود
لماذا هجرت الوطن
شوق على شوق!
قبل القمر
أواه غرناطة
نحن في نيسان
هناك تحظى بمي!
باقة الزهر
لو ...
الكفارة
ديوان فوزي المعلوف
ديوان فوزي المعلوف
تأليف
فوزي المعلوف
وداع لبنان
ربة الشعر وقفة نتملى
والتنائي حان
من سماه، وليس أجلى وأحلى
من سما لبنان
انظريها والليل مد عليها
من نسيج الحلى وشاحا ثمينا
فتخالي الأديم فيها غديرا
وتخالي النجوم فيها عيونا
واخشعي للظلام فهو إله
كم عبدنا في بردتيه السكونا!
واسمعيه يدعو الشفاه إلى الصم
ت ويدعو إلى الهدوء الجفونا
واذكري كم لنا هنالك قبلا
موقف فتان
نرتوي بالكئوس تحسى وتملا
من بنات الحان •••
ربة الشعر وقفة نتملى
والتنائي حان
من هواه، وليس أنقى وأحلى
من هوا لبنان
ولنودع أنفاسه ونداها
ولنزود صدورنا منه طيبا
سوف يغدو عنا بعيدا، ونغدو
بعد حين غريبة وغريبا
نشتهي منه نشقة تنعش الرو
ح وتملا من الغرام القلوبا
وتعالي نروي جناحيه بالدم
ع عسى أنه يزور الحبيبا
كم حنا قبل فوقنا وتدلى
من يد الأغصان
ثم أوحى لنا القوافي وأملى
أعذب الأوزان •••
ربة الشعر وقفة نتملى
والتنائي حان
من رباه وليس أبهى وأحلى
من ربى لبنان
كم عشقنا الحياة فوق ذراها
وعبدنا الجمال في واديها
ورتعنا والغيد ما بين شهد
نحتسيه ووردة نجتنيها
وعلينا من الخيال جناح
يحتوينا معا كما يحتويها
ولنشيع من بعدها كل أنس
ولنحطم قيثارة الشعر فيها
ولنودع صحبا هناك وأهلا
وحبيبا بان
وسماء صفت ووعرا وسهلا
وهوا ريان
الأهل أهلي والبلاد بلادي
أطلق لمدمعك العنان وخله
يهمي إلى أن ينتهي بنفاد
ودع الضلوع تذيبها نيرانها
حتى تجللها بثوب رماد
أصبحت في بحر كقلبك هائج
متواصل الإرغاء والإزباد
متلاطم الأمواج تهدر فيه من
هوج الرياح روائح وغوادي
ونأت ديار الأهل عنك فلم يعد
لك مأمل برجوع عهد الوادي
أيام كنت به وعيشك زاهر
وهواك بسام وفكرك هادي
تتصيد اللذات بين رياضه
وعلى جفونك نشوة الصياد
وترى المنى ترنو إليك وكلها
فرص تفوز بها بلا ميعاد
والحسن يلهمك البيان فتنثني
ونهاك مبتدع وقلبك شادي
حينا تغني مع بلابل دوحه
وتئن حينا أنة الأعواد •••
أواه من ذكرى القديم وحبذا
عود القديم وإن عدته عوادي
أشتاقه شوق المحب إلى الهوى
مهما يكن فيه من استبداد
وأحبه بالرغم عما نالني
منه وأمحضه صحيح ودادي
مهما يجر وطني علي وأهله
فالأهل أهلي، والبلاد بلادي
أرثي لبؤسهم فأندب حالهم
بفمي، وأرثي حظهم بمدادي
هذا لساني لا يجيء بذكرهم
حتى يلعثمه أنين فؤادي
ويراعتي ما أن تمر بأبيض
إلا وتلبسه ثياب حداد •••
تالله إني قد وقفت عليهم
روحي وأفكاري وكل جهادي
وإذا انتقدتهم فما لي غاية
إلا قيادتهم لنهج سداد
خبطوا بظلمات الضلال ولم يقم
فيهم إلى السبل القويمة هادي
واستعذبوا ذل القيود فأصبحوا
يتفاخرون بنير الاستعباد
وغدا به لبنان بعد عجيجه
بالأسد مأسدة بلا آساد
هم ضيعوا إرث الجدود فنالهم
غضب الجدود ولعنة الأحفاد
قسما بأهلي لم أفارق عن رضى
أهلي وهم ذخري وكل عمادي
لكن أنفت بأن أعيش بموطني
عبدا وكنت به من الأسياد
أنا بعدهم لا ينتهي شوقي ولا
يدنو صفاي ولا يطيب رقادي
البحر تحتي واللظى في أضلعي
والماء من حولي وقلبي صادي
لهفي للربوع ...
عاد عهد الشقا إليه فعودي
واندبيه يا طير فوق العود
حولت شدوك الليالي نواحا
فارجعي ... فارجعي عن التغريد
كان روض المنى فبات وأهلو
ه لحود تسير بين لحود
يرهق الدهر كل حر عليه
فهو فيه المسيح بين اليهود •••
إيه لبنان! كم بكيت وتبكي
بين عهد مضى، وعهد جديد
كنت تبكي فيه وها أنت تبكي
ه على رغم بؤسه المعهود
يا حنيني إلى مغانيك لولا
صارم فيك سل للتهديد
وإلى الأفق صافيا فيك لولا
ما به اليوم من غمائم سود
وإلى الماء طيب الورد لولا
ما جرى فيه من سموم الوعيد
وإلى الريح من صرودك لولا
نفثات الفساد بين الصرود
وإلى البحر في شواطيك لولا
أنه نم بالعداء الشديد
وإلى الأرز شامخ الرأس لولا
أنهم حملوه ذل السجود
وضعوه طي المثلث، تحت ال
بيض، بين الدما وبين الحديد •••
لهفي للربوع تضحي وتمسي
وهي خلو إلا من التنكيد
ينزح الساكنون عنها ووجه ال
أرض رحب إلى المزار البعيد
من فتاة، ومن فتى، وغني
وفقير، ووالد ووليد
مثلما تنزح الطيور عن الرو
ض وقد راعها ذبول الورود
أو كما تنفر الظبا عن غدير
أمه الذئب طالبا للورود
ودعوها والدمع ملء المآقي
لنواها، والنار ملء الكبود
ولو ان الأصم يسمع صوتا
صرخوا بالبواخر الصم: عودي
حنين المهاجر
وا طول أشواقي إلى الوادي!
وادي الهوى والحسن والشعر
ملهى صباي ومهد ميلادي
وعسى يكون بحضنه قبري •••
والكرم يكسو سنى الشفق
ألوانه ويشع بالعنب
فترى به في صفرة الورق
عسلا بلؤلؤة على ذهب •••
والماء تشعر حين تشربه
بقوى تدب به إلى جسدك
ليس الندى، والفجر يسكبه
للزهر، أعذب منه في كبدك •••
وإلى الربى، والليل كللها
بسكونه المملوء بالسحر
ومشى الهوى فيها فظللها
بمواكب الأحلام والشعر •••
والنهر ما أحلاه ينتقل
في حضن حصباء من الدرر!
تهوي عليه الشهب تغتسل
في الليل، والأنوار في السحر •••
واها على الماضي وأيامه
ما كان أسعدها وأقصرها!
فرت فرار لذيذ أحلامه
لم تبق لي إلا تذكرها •••
أيام أنس ما أحيلاها
وأحب صورتها إلى فكري!
قلبي يذوب جوى لذكراها
في أضلعي، ومدامعي تجري
الشاعر المنتحر
مائت أنت؟ ماذا دهاك؟ لماذا
مت والعمر في أوان افتراره
شبح الموت مرعب يبعث الهول
ويصبو كل إلى إدباره
كيف أحببته، وماذا تصباك
فأسرعت في اختيار جواره
باسما لاعتناقه ومشوقا
للقاه وموجسا من فراره
أهي الروح فيك جازت إلى حد
تكل العقول عن إظهاره
أم هو الجسم ضاق عن ضم نفس
حرة حملته فوق اقتداره
لست ميتا. بل أنت حي وإن ألقى
عليك الممات ظل اصفراره
إنما المرء خالد بالذي يبقيه
في العالمين من آثاره
كم تواري القبور حيا وكم يمشي
على الأرض ميت لم تواره
إنما القبر راحة الجسم من
آلامه والفؤاد من أكداره
ووجود الإنسان في الكون سر
وكذاك الخلود من أسراره
كبري يا قبور جاءك ضيف
هو غير الأحياء في أطواره
يذهب الناس مرغمين إلى القبر
وقد جاء بملء اختياره
شاعر لا يرى الحياة سوى ليل
بهيم والموت من أسحاره
وخطيب ألقى على منبر الموت
دروسا كبيرة بانتحاره
هجر العيش باحتقار وهل في العيش
شيء يدعو لغير احتقاره
كل ما يحتويه هم فهم
ينقضي بين ليله ونهاره
إن عمر الشقاء عمر طويل
ومصيب من يعتني باختصاره
ليس عار في الانتحار مشين
فهو خير من البقاء وعاره •••
ما دعوت البيان حتى عصاني
مذ درى بانقطاع عمر هزاره
يا لشعري يرثي ضياع قوافيه
وعودي يبكي على أوتاره!
في ذكر زحلة
أتنسى ليالينا بزحلة، والولا
يقيدنا فيها فؤادا ومذهبا
أتنسى تمشينا على ضفة الصفا
نراقب في النهر اللجين المذوبا
تمر بنا الغادات شاردة الخطى
وقد سدلت في غيهب الليل غيهبا
ونقفو خطاها خافقين صبابة
مجدين وجدا، منشدين تشببا
ونلتحف الظلماء خشية أن ترى
تتبعنا تلك الظباء فتهربا
فيا لك بعدا صار يقظة حسرة!
ويا لك عهدا كان كالحلم طيبا!
هياكل بعلبك
وقفت وقد مد السكون رواقه
عليها وغطاها أصيل من التبر
خشوعا كأني ساجد ضمن هيكل
صموتا كأني مستقل على قبر
وكلي عيون معجبات شواخص
منعن على قلبي التنفس في صدري
تنقلن فيها وهي للمجد صفحة
ذواهب من سطر مجيد إلى سطر •••
فيا لطلول لا الزلازل زعزعت
بناها ولا الإنسان أو غير الدهر
فأبقت عليها من قصور ورهبة
وليس لتخليد الصناعة والذكر
وأعمدة ملء الفضاء كأنها
بأعناقها تبغي معانقة الزهر
جبابرة ترنو بكبر إلى الثرى
وترمق وجه الأفق بالنظر الشزر
وضخم حجار كالجبال إذا هوت
على جبل شقت روابيه بالوقر
على خالق منصوبة عز خفضها
تحير في كيفية الرفع والجر •••
ومتقن أصنام عفا الفن قبلما
عفا ما بها من دقة النقش والحفر
خلت أعصر كثر عليها وما خلت
من المنظر الخلاب والرونق النضر
وزاهي نقوش لو تفحصت صنعها
لأكبرت ما فيها من النظم والنثر
ذوى الروض مرات وأزهر بعدها
وما زال غضا ما تضم من الزهر
وأسد من الصخر الأصم تخالها
تهم بوثب ثم تربض عن كبر
إذا فاتها من ليث غاب زئيره
فما فاتها أن تملأ القلب بالذعر •••
وما راعني فيها سوى صوت بومة
نعوب على الأطلال تفحص بالظفر
وكان سكوت ثم ألقى جناحه
فألقى على روحي جناحا من السحر
وطار بها في عالم غير عالمي
يطل على الماضي الممنطق بالسر
فهامت به تطوي العصور بلحظة
وتنشرها بين النواظر والفكر
وخيل لي أني من الحلم في دجى
أو اني غريق في عباب من السكر
فأبصرت ما حولي استعاد رواءه
وعاد إليه زهو أيامه الخضر
وعادت محجا بعلبك يؤمها
بنو الأرض طرا للعبادة والنذر
يروح ويغدو العابدون بساحها
يموجون موج البحر بالمد والجزر
فكدت لإعجابي وشدة حيرتي
أخر على وجهي وأجهر بالكفر
وأنسى إلهي وهو في الغيب مضمر
وأعبد أصناما هناك من الصخر •••
ولم يمض حين فاستفقت بغصة
أرى ما رأيت الآن أوهام مغتر
فيا لك وكرا صار لليوم مسرحا
وقد كان حصنا للهزار وللنسر!
ويا لك قصرا كان للفن والتقى
فأصبح قبرا للمناحة والذكر!
الفينيقيون
يا أمة طماحة، في صدرها
يغلي الشباب ويخفق الإقدام
ما بين لبنان وشاطئ سوريا
والأرض قحط والرمال عقام
عما يفتش ناظر لك نير
من وطأة الحمى عليه ظلام
لله صور وهي تسبح في الضيا
والبحر يلمع موجه البسام
في زرقة الشط الجميل تألقت
بيضاء تخفق فوقها الأعلام
وهناك أشرعة لهن تموج
وصدى مجاذيف لهن صدام
سفن من الأرز المتين يعدها
مستعرضا أحمالها حيرام
بالصولجان الأسود اللماع من
درر لهن توهج ونظام
من عسجد فيها وبرفير ومن
خز ومن غالي العقيق ركام
سيروا فملقار يبارك من جلوا
والشوق خلف والرجاء أمام
من أرض صيدون ومن آرادس
وجبيل قد شدوا الحبال وقاموا
ليوسعوا سبل الحياة وينشروا
علم الحضارة والشعوب نيام
قبر توت عنخ آمون
لا القبر مسحور ولا في بابه
رصد يذود هناك عن أصحابه
لكن فيه حرمة مدفونة
هي حرمة المدفون بين رحابه
في ذمة القبر الوفي مكفن
لا يستباح قبيل يوم حسابه
نصبته أوصاب الحياة فعافها
مستشفيا بالموت من أوصابه
في مخدع تقف النوائب عنده
مشلولة وتغور تحت قبابه
يلقى به العاتي نذيرا عاتيا
ويرى به العاني محط رغابه
ليست تخير الروح غير سكونه
لو خيرت والجسم غير ترابه •••
فدع الدفين ينام ملء جفونه
في نعشه، وحذار من إغضابه
حرم عليك رفاته فاربأ به
واربأ بنفسك من مساس نقابه
إن المغير على القبور وأهلها
يغدو الردى المحتوم بعض عقابه
إن ينج من صمصامهم وذبابه
لم ينج من غضب الثرى وذبابه
هذا الدفين وإن ثوى ذو صولة
ما فل سيف زج ضمن قرابه •••
أتبيح نفسك للردى متعمدا
فينالها، وتحار في أسبابه
من راح يقتحم الخضم مكافحا
أمواجه دفنته طي عبابه
ومدغدغ الثعبان داخل جحره
مستهدف عمدا لسم لعابه
ومروع الضرغام في عريسه
يهوي فريسة مخلبيه ونابه •••
دع للقضاء كتابه يقضي بما
يقضي فلست رهين أمر كتابه
ما كان سعدك من صداح هزاره
أو كان نحسك من نعيب غرابه
كلا ولا أولاك ماء غديره
غير الذي أولاك لمع سرابه
حكم الردى في الكون حكم مبرم
ولو اعتصمت بنجمه وسحابه
لكن من يقضي بعجز مشيبه
غير الذي يقضي بزهو شبابه •••
إيه أخا اللوردات كعبة فخرهم
ومحلي الأنساب من أحسابه
تالله ما أنا شامت بملمة
طعنت صميم العلم في أعصابه
نزلت عليك فغيبت بك كوكبا
سرعان بين سطوعه وغيابه
رمت الخلود وقد خلدت وإن تكن
ذهبت حياتك في سبيل طلابه
ما مات من ملأ المجالس ذكره
وحباه كل الكون من إعجابه
لم تأل في وادي الملوك منقبا
في سفح قمته ورأس هضابه
حتى وقعت على دفين كنوزه
وأذعت آي حجابه وعجابه
أشرفت منه على القرون خواليا
فأعدت ماضيها على أعقابه
ورأيت في التاريخ أكبر ثلمة
وأضفت أبوابا إلى أبوابه
فسموت بالوادي إلى أسمى الذرى
لكن جنيت على نزيل شعابه
ولو اكتفيت بسلب كل كنوزه
ومتاعه وطعامه وثيابه
لعفا ولم يحقد عليك وإنما
حدثت نفسك بانتهاك حجابه •••
أيهان فرعون الكبير بقبره
وهو العزيز بملكه وجنابه
أفما رأيت أمامه وحياله
حرس البلاط مدججا بحرابه
ورأيت «أنوبيس» في ناووسه
متحفزا، و«أمون» في محرابه
هو صامت لكنه في صمته
أقوى وأبلغ منه في إعرابه
أعيى الفناء فلم ينله ولم يزل
متألق اللمعان نور إهابه
الروح حائمة على تابوته
والجسم رطب العود في جلبابه
مضت القرون عليه وهو كأنه
بالأمس حط هناك يمن ركابه
فترى اللظى متنفسا بطعامه
وترى الحباب مشعشعا بشرابه
وكأنه في قصره لا قبره
متربع بالعز فوق وثابه
والعلم من كهانه، والموت من
حراسه، والدهر من حجابه •••
مهلا بني «التاميز» في غلوائكم
فالظلم كم يجني على أربابه
أقلقتم في البحر حوت عبابه
وذعرتم في البر قسور غابه
وثللتم في الأرض عرش ملوكها
ونزعتم في الجو حكم عقابه
وسحقتم الشعب الضعيف بجوركم
ووضعتم الأغلال فوق رقابه
فدعوا المكفن آمنا تحت الثرى
بعد الجهاد وبعد طول عذابه
فتحي وصادق
هما الطياران العثمانيان اللذان سقطت بهما طائرتهما في 14 شباط (فبراير) 1914، وقد حققا أول إنجاز في حقل الطيران لدولة شرقية.
يا سمخ لا سحب سقتك عهادها
فلقد أسلت من العيون عهادا
وصرعت من ركب الجماد فراضه
والريح تزبد تحته إزبادا
خاض الفضاء وداس متن سحابه
ببسالة وعلا السهى أو كادا
ما روعت شهب السماء فؤاده
بل طاف فيها مبرقا رعادا •••
يا من سموت إلى العلى فبلغته
وسبقت أسراب الطيور طرادا
خفقت ضلوع الريح تحتك والتوت
فرقا وكم فطرت عليك فؤادا
حتى كبت أخت النسور كليلة
فهويت، لا جبنا ولا إرعادا
لكن علاؤك ما ارتضى بطن الثرى
مثوى وآثر في العلاء رقادا
فتخذت ثوب السافيات سوابحا
كفنا وأطباق السحاب وسادا
نهاية العالم!
والآن يا موت إلي اقترب
يا مرحبا بالموثق المعتق
معتق نفسي من قيود الأسى
موثق جسمي في المدى الضيق
هاك شبابا ناضرا، فاحتسب
وهاك قلبا نابضا فاخنق
لم يبق لي في الأرض من بغية
ما الأرض إلا جنة الأحمق •••
الناس؟ ما فيهم سوى غادر
مراوغ، أو مفسد مقلق
المال؟ ليس المال عندي سوى
جرادة العيار والزئبق
الشعر؟ بحر كامل وافر
وليس يروي غلة المستقي
السيف؟ والفرد بطيارة
أقوى من الفرقة والفيلق
العلم؟ والكاسب من معول
خير من الكاسب من مهرق
الحب؟ قف يا موت واشفق على
قلبي ودعه لحظة يخفق
دع مقلتي تبكي قبيل النوى
تبكي على الورد، على الزنبق
تبكي على روض غرام ذوى
ما فيه من زاه ومن ريق
لي بغية قبل الردى ليتها
تمت فلم آسف ولم أفرق
وتلك أن ألمح محبوبتي
فنحن بعد اليوم لن نلتقي
سيف أبي عبد الله
يا سيف آخر مالك في دولة
الفخر كل الفخر في آثارها
ليت الفناء عدا عليك مغيبا
ذكرى تلطخ صفحتيك بعارها
أولى بأرباب الظبى تحطيمها
أو موتهم بالعز تحت شفارها
من طرحها بيد العدو بذلة
يستنكف الحفداء من تذكارها
فنون الطبيعة
طبيعة كأنها دمية
صنع يدي مصور ماهر
لولا هواها ما عرفنا الهوى
ولا ابتسمنا للغد الحائر
ولا نظمنا الشعر لولا ندى
منتظم في سلكها الناضر
ولا أجدنا النثر لولا هوا
تنثره بحكمة الناثر
ولا عرفنا الحب يجري دما
في جسمنا بالجوهر الطاهر
لولا اعتناق البان في أيكها
وقبلة الطائر للطائر
على شاطئ «الريو» ...
خل البداوة رمحها وحسامها
والجاهلية نوقها وخيامها
مضت العصور الخاليات فما لنا
نحيا بها متلمسين ظلامها
أيكون عصر النور طوع بناننا
ونلم من تلك العصور حطامها
ماذا تفيد الشعر وقفة شاعر
يبكي الطلول قعودها وقيامها
يرثي، ولا طلل هناك وإنما
هي عادة ضمن الخمول دوامها
رثت قصائده فمطلعها «قفا
نبك» الديار وقد يكون ختامها
شرط البلاغة وضع كل مقالة
بمقامها إما طلبت زمامها
أتكون في الفردوس بين أزاهر
نفح الغدير أقاحها وخزامها
وتجد في الصحراء تطلب زهرة
من تربة لفح الهجير رغامها
فاترك تقاليد القديم مهدما
أقداسها ومحطما أصنامها
بلي القديم بلى عظام عظامه
فإلام تنبش في القبور عظامها •••
ودع السياسة حربها وسلامها
واحفظ لنفسك في الحياة سلامها
شط المزار فما صياحك نافع
شيئا وقد ألوت بلادك هامها
أتكون فارسها وتحجم دونها
مستنجدا حورانها وشآمها
والبحر بينك في الجهاد وبينها
وقاك نيران الوغى وسهامها
لله من حرب تثير ضرامها
لترى سواك وقيدها وطعامها
إن الألى استلوا هنا أقلامها
غير الألى استلوا هناك حسامها
والحاملون على الصدور كلامها
غير الرواة عن الصدور كلامها
هذي بلادك ما نفعت قيامها
في ما نظمت ولا بعثت نيامها
هي لم تزل هي رغم كل شكية
أبدا تسوس ذئابها أغنامها
ومتى رأيت كما ترى حكامها
فاحكم بفوضى ضعضعت أحكامها
واترك لخدام السياسة أمرها
فهي التي اختارتهم خدامها
وذوو السيوف رعوا هناك ذمامها
ولك اليراعة فارع أنت ذمامها •••
بلد البدائع يحتويك فحيه
ببدائع عزت على من رامها
هذا مقام الوحي في جنباته
جعلت ملائكة الخيال مقامها
فاستوح سيناء الجمال قصيدة
تهدي الجمال صلاتها وسلامها
هي من عيون الشعر نزل وحيها
شعر العيون وأنت صغت نظامها
حلمت بجنات النعيم نفوسنا
حتى رأته فحققت أحلامها
تمشي الفصول عليه مشيتها وما
برح الربيع مرافقا أيامها
يغويك فيه البحر وهو ململم
أمواجه حتى تخاف زحامها
ما أن ترى في جزره إحجامها
حتى ترى في مده إقدامها
ويروعك الجبل الأشم معانقا
سحب السماء مطاولا أجرامها
خلع الخلود عليه ثوب مهابة
سجد الزمان برغمه قدامها •••
أما شواطئه فكم لي وقفة
برحابها مستنزلا إلهامها
نامت على حضن المحيط فأيقظت
عين المحيط فلن تذوق منامها
وشدا لها بهديره تهويمة
أبدا يوقع موجه أنغامها
فعلى الأصيل هناك صفرة غيرة
فضحت عواطف شمسه وغرامها
فتحس في برد الأثير دموعها
وتجس في برد النسيم سقامها
حتى إذا هبط الظلام وبخرت
أنفاسه فوق الرمال ضرامها
شاهدت أجمل منظر في وصفه
يعيي اليراعة أن تنال مرامها
أفق من الأنوار شع على الثرى
ودت سماؤك لو كسته غمامها
فتظن نفسك ضمن عقد لآلئ
خفيت مصابيح النجوم أمامها
وتخال فوق البحر من أشباحها
غيدا يدغدغ ماؤه أجسامها
لم تدر هل جعلت به مرآتها
أم أنها جعلت به حمامها؟
تلك الشواطئ لا عدمت جمالها
وجمال غادات حكين حمامها
يخطرن في حلل الدلال فهل رأت
في البيد عينك ريمها ونعامها؟
من كل سافرة رمت في مهجتي
سهما فأقعدها الهوى وأقامها
لثم النسيم خدودها فتلثمت
لكن من ورد الحياء لثامها
خفت لرقة روحها فإذا خطت
فوق الأزاهر ما لوت أكمامها
وإذا مشت بين العيون ملمة
كادت جفونك لا تعي إلمامها
فتن المحيط كما فتنت بحسنها
فهوى يقبل موجه أقدامها
روحي فدى أعطافها يا ليتها
عطفت وقد عطف الدلال قوامها •••
يا للربوع الزاهيات مثيرة
ذكرى بنفسي حركت آلامها
ذكرى الغريب لأهله وبلاده
في غربة ملأ الجوى أعوامها
إلى بخيل
يا حريصا على تفقد مالك
كن حريصا على تفقد حالك
فيك بخل بالمال لا بالمعاصي
ليتها في يديك من بعض مالك
ليس بدعا وأنت تقضي على نف
سك جوعا ضنا بما أنت مالك
أن ترى الهالكين جوعا ولا تر
ثي لطاو ولا ترق لهالك
ليس يفديك ما جمعت فأنت ال
يوم أو في غد إلى القبر سالك
أنت لا شيء في الحياة وقد ين
فعها الوارثون بعد زوالك
سليمان البستاني
أجدى كفاحك لو يفيد كفاح
ووقى سلاحك لو يذود سلاح
وإذا المنية حان حين وقوعها
عجز الطبيب وأخفق الجراح
ما أن نقول: أضاء مصباح هنا
حتى نقول: خبا هنا مصباح
يا روض لا عاد الربيع وزهوه
يا روض مات هزارك الصداح
فلمن ترى يصغي غديرك بعده؟
ولمن تصفق فوقك الأدواح؟
لا الورد ورد فيك بعد نزوله
بين القبور ولا الأقاح أقاح
أيضيع روض العلم بستانيه
ويدوم فيه جماله الوضاح
ويرى سليمان ضجيعا في الثرى
ويضوع زهر الحكمة الفواح؟! ••• «هومير» قم رحب بضيفك واحتفل
بقدومه حيث الخلود متاح
أرداه داؤك وهو داء نوابغ
أصمى عيونهم الذكا الفضاح
ولقد ترى الأحداق وهي مريضة
ما لا ترى الأحداق وهي صحاح
وشى نبوغك في الحياة نبوغه
فتمازجت قبل اللقا الأرواح
هذي بدائعك الملاح تزينها
منه بدائع، لا تنال، ملاح
لغة الرسول وشاحها أكرم بها
في أصلها آيا ونعم وشاح!
سكرت بها الدنيا وما كلماتها
راح ولا أبياتها أقداح
لكن هنالك كل سطر سورة
فيها وكل صحيفة إصحاح •••
مات السياسي الوزير ولم يمت
إلا وزينة بردتيه صلاح
وعلى مآثره وفي آثاره
غرر كآيات الصباح صباح
علق السياسة وهي بكر حرة
وأشاح عنها الوجه وهي وقاح
تالله ما تنسى فروق إبائه
لما دعا داعي الجهاد وصاحوا
يوم استعدت للكفاح فرددت
صوت الضمير قواضب وصفاح
ورأت سليمانا يقول ونفسه
عصفت بها مما رآه رياح
أنا لا أظاهركم على حرب ولو
كان النصيب النصر والأرباح
فإذا تشبثتم بخوض غمارها
أنا أستقيل وما علي جناح •••
يا قصر يلدز أنت أعدل شاهد
لو أمكن الإفصاح والإيضاح
مر الزمان بحلوه وبمره
ومشى الرحيم عليك والسفاح
وسخرت بالأيام حتى بدلت
فعدا عليك قضاؤها المجتاح
وهوى علاك بمن عليه كأنه
حلم الكرى وكأنهم أشباح
ولو ان قادة بابك العالي وعوا
ما قال، ما فقدوا العروش وطاحوا
وإذا السفين غوى حجى ملاحه
غرق السفين وأدرج الملاح
يا للسياسة! كم لها من نشوة!
آل الغرور مدامها لا الراح
ولو ان أرباب السياسة مثله
ما كان حرب في الورى وسلاح •••
إيه ربيب الأرز وابن جباله
رفرف بروحك فالخلود جناح
وعظ الورى فممات مثلك ملؤه
عبر، وإن سكت اللسان، فصاح
قالوا تقدمت الشعوب فقل لهم
هذا التقدم للهلاك رواح
ما زال قتل الناس شرعا جائزا
لا أمن نؤمله ولا إصلاح
فيم التنازع والحياة قصيرة
وجميعنا في ساحها سياح؟!
أين التمدن يا دعاة وجوده
والأرض يخضبها الدم السحاح؟!
لم تندمل فيها جراح شعوبها
إلا لتخلفها هناك جراح
إن كان هذا في الحياة تمدنا
فليهنأ القروي والفلاح
بطريرك العرب
بلد مشى بسهوله وجباله
متدفقا بنسائه ورجاله
وشى لياليه بريق دموعه
وسرى الأسى لهبا على آصاله
وإذا مشى وهو المفجع بابنه
أكبر أساه ولا تسل عن حاله
في موكب كالسيل لولا أنه
متمهل والصمت كل مقاله
فكأنه متعثر بدموعه
أو أنه يمشي على آماله
وهناك نعش في القلوب سواده
فكأنما فيها محط رحاله
يحتاطه وفد الشباب مودعا
في شيخ نهضته فتى استقلاله
وترى وراء النعش شعبا خاشعا
متبركا منه بلمس ظلاله
نكس السلاح حماته لما هوى
حامي السلام شهيد طول نضاله •••
فمن المسجى غارقا بسباته
في النعش يغمره بفيض جلاله
وعليه من نور القداسة هالة
ذراتها البيضاء بيض فعاله
ويمينه ممدودة فكأنها
بسطت لآخر مرة بنواله
تلك اليمين رعت صداقة عاهل
كانت رقاب الناس طوع شماله
وترى على شفتيه بسمة راحة
هي بسمة المفكوك من أغلاله
أو بسمة المصلوب حاملة على
شفتيه آي الصفح عن مغتاله •••
المطعم الطاوين جل طعامه
والواهب البؤساء باقي ماله
لا أطلب الرحمات من ربي له
فأنا على ثقة بحسن مآله
فالخلق كلهم عيال الله
أقربهم إليه أبرهم بعياله
خشوعا أمام الموت
نصيبك من هذا الوجود مصائبه
وداء تقاسيه وموت تحاربه
تسر بمولود وتأسى لراحل
وطالعه رهن الفناء وغاربه
لعمرك إن العيش صفقة خاسر
إذا وزنت لذاته ومتاعبه
يمر لماما كالخيال صفاؤه
عليك، وتبقى - ما بقيت - نوائبه
وتقضي سني العمر سعيا لمطلب
فتقضي، ولا يقضى الذي أنت طالبه
فما أحقر الدنيا وأشقى نزيلها
ومرجعه هذا الثرى وغياهبه!
خشوعا أمام الموت فالموت هيكل
مباخره الأرواح والهول راهبه
الغربة في الوطن
أمري عجيب
أنا الغريب
أنى أميل
ولا قبيل
بين الأمم
فلا علم
ألقى المحن
ولا وطن
أنا الغريب فلا أهل ولا وطن
إذا انتسبت أمام الناس وانتسبوا
ولا لواء إذا دق النفير مشى
يحميه من صيد قومي العسكر اللجب
ومن يكون غريبا في مواطنه
لا بدع إن أنكرته الأرض والشهب
صرنا وصار حمانا منزلا خربا
يدب في ساحه من دائنا العطب
تمضي القرون ولا يخليه مغتصب
إلا ليحتله بالسيف مغتصب
والجهل والدين والإهمال علته
وليس علته غاز ومنتدب
فينا الدواء وفينا الداء، وا عجبي!
ونحن يأخذنا من حالنا العجب
فإن طمحنا إلى العلياء نطلبها
فحقه الهدم ذاك المنزل الخرب
إيه بني وطني والناس قاطبة
لرفع أوطانها قامت لها أهب
هبوا إلى المجد ولننشئ لنا وطنا
قوامه العلم لا الهندية القضب
وليرفع العزم والأعمال سدته
فوق السماكين لا الأقوال والخطب •••
فلتحي قومية كانت لنا نسبا
يضم أشتاتنا ما فاتنا النسب
ومن يكون بلا قوم يدل بهم
فلا يشرفه دين ولا لقب
ديني لنفسي ولكن قبله وطني
ودينه الوفق والإخلاص لا الشغب
تالله لا نرتقي إلا متى اتحدت
تلك المآذن في الأوطان والقبب
ولنكرم العلم أيا كان مصدره
فإنه للتآخي والعلى سبب
لا دين للعلم في الدنيا ولا وطن
فالعلم كالنور لم تحصر به ترب
ولتستعد لغة الضاد التي دعيت
أم اللغات شبابا برده قشب
إن لم نكن كلنا في أصلنا عربا
فنحن تحت لواها كلنا عرب
دولة الشعر أتعس الدول
يا له في الرجال من رجل
خافق القلب ساهد المقل!
يلعب الوجد في جوانحه
لعب ريح هبت على شعل
رق روحا ورق عاطفة
فهما فيه علة العلل
علم الماء أن يئن كما
لقن الطير نوحة الثكل
يعشق الحسن فهو خمرته
وهو منها كالشارب الثمل
يتغنى بالشعر مبتسما
ويغني للأعين النجل
ذاع في الكون صيته وغدا
شعره فيه مضرب المثل
مع هذا ما زال ممتهن ال
قدر رهن الشقاء والفشل
غاص في أبحر القريض فمن
كامل وافر إلى رمل
أبحر رحبة العباب ولم
يغنه ما بها عن الوشل
كم بيوت بنت قريحته
بالمعاني تزهو وبالجمل
ظن فيها الغنى فما قدرت
أن تقيه نوما على السبل
ألبس الطرس من خواطره
حللا وهو معدم الحلل
وتراه صفر اليدين وكم
نظمت كفه عقود حلي
أسكر الناس وهو بينهم
فاقد الزهو خائب الأمل
هم يتلون آه من طرب
وهو يتلو آها من الملل
إن هذا، وأنت تعرفه،
شاعر الأمس شاعر الأزل
كان أشقى الورى بحالته
وسيبقى كذا ولم يزل
هو «أعشى» ينوح مكتئبا
و«زهير» يشدو على الجمل
هو «قيس» يجن من وله
و«ابن حجر» يبكي على الطلل
حكم الدهر أن نماشيه
فلك البعض من شقاه ولي
في زمان يردي النبوغ ولا
فرق بالشعر فيه والزجل
شقيت حالة الأديب فها
أنا أجفو طرسي إلى أجل
قل معي يا حليم من لهف:
دولة الشعر أتعس الدول!
فأجابه حليم دموس بقصيدة يقول فيها:
فوزي، أراك قليل الصبر مبتئسا
وفي بيانك شكوى اليائس الوجل
أتهجر الشعر والعشرون مقبلة
كأن في الشعر داء غير مرتحل؟
أين المفر من الأشعار تنظمها
إذا دعتك معاني الأعين النجل؟
وكيف يمسك عن نظم القريض فتى
يذيبه الحب بين الغنج والكحل؟
لا، لا، فما أنت بعد اليوم تاركه
إن كنت في زحلة أو صرت في زحل
فأينما سرت تلق الشعر مرتسما
في ناضر الغصن أو في ذابل المقل
الشعر موهبة علياء ما هبطت
إلا على نابغ في وحيه ثمل
ما كل من قال شعرا كان نابغة
وليس كل كلام مضرب المثل
فابسم لغر القوافي فهي خالدة
ودولة الشعر عندي أعظم الدول!
ودولة الشعر نبنيها على مهل
ودولة المال نفنيها على عجل
وبعد أن تلقى فوزي المعلوف هذه القصيدة، عاد وأرسل إلى صاحبها الأبيات الآتية:
وافت، ولكن على وعد، فكان بها «من» إلى أملي «سلوى» إلى مللي
دبت دبيب الطلى في النفس نشوتها
فخلفت بي ميل الشارب الثمل
وقلت بالرغم عن بؤس وعن نكد: «ما دولة الشعر إلا أعظم الدول»
حمام على الشاطئ
وقفت وحر الشمس مضطرم
تقلى به الأجسام في جمر
حورية في جفنها حور
مكشوفة الساقين والنحر
فتخالها حواء عارية
لولا الذي في الوسط من ستر
واصطفت الأمواج والهة
لعناقها، مفتوحة الصدر
فتغلغلت فيها تنقل من
صخر إلى سطح إلى قعر
وكأنها والماء كلله
زبد حيال بياضها النضر
في الروض زنبقة يحيط بها
ورق الربيع وباسم الزهر •••
هو مشهد ما كان أجمله
وأحب ذكراه إلى فكري
أشركت روحك في سناه فلا
تسأل عن الباقي من الأمر
خمر الأحاديث
لففت ذراعي حول خصر حبيبتي
كما التف حول الصخر عاشقه النهر
فمالت إلى عنقي فملت بلهفة
إلى عنقها والخصر يدفعه الخصر
وكنا، وجسمانا لصيقان، واحدا
وصدرا كلينا في اعتناقهما صدر
وقبلتها والنفس مني مشوقة
وما زلت حتى ذاب بالقبل النحر
وما هي إلا برهة فمشى بنا
نعاس فنمنا نوم من ناله السكر
سكرنا ولم نشرب من الخمر جرعة
ولكن أحاديث الغرام هي الخمر
ولم نخش فيما كان لومة لائم
فمن حبنا العذري قام لنا عذر
ستذكرني
ستذكرني يوما، فتذكرنا معا
بجسمين في روح، وروحين في جسد
ستلمح عن بعد حنوي راكعا
يناجيك مكسور الجناحين والجلد
ستلمح عيني والغرام يقودها
إليك وفي طياتها مدمعي انعقد
وكفين كم كانا إطارك في الهوى
وزندين كم كانا لرأسك مستند
ستذكر قبلاتي ودمعي ولهفتي
وحلو ابتسامات يمازجها الكمد
وجملة ألفاظ تعشقت سمعها
وقبلي لم يسرر إليك بها أحد
نجوى
ما أسر الهوا إليك وقد مر
عليلا، يشفي سقام العليل
فلقد شمته يعج بأذني
ك ويبكي في شعرك المسدول
هل رجا منك قبلة كم تمنا
ها فؤادي من ثغرك المعسول؟
فلقد شمته يداعب خدي
ك حييا، كراغب التقبيل •••
أخبريني أما أتاك ملاك ال
حب في الحلم بعد نوم العذول
هامسا في جفونك المطبقات ال
هدب كم أنت فتنة بالنحول
حاملا في يمينه من دموعي
قطرات تشع في إكليل
رافعا قلبي الجريح بيسرا
ه وقد سال بالدم المطلول
مكبرا ما حويته من جمال
هو فوق الجمال والتجميل
اصفرار لكنه لون عاج
سكب الشوق فيه كل جميل •••
ليتني ذلك الملاك فأدعو
ك إلها للعالم المجهول
لفافة التبغ
تراني دوما واللفافة في فمي
تذوب كما ذاب المحب من الوجد
وألثمها لا لثمة الوجد إنما
لماما كتقبيل الفراشة للورد
فتبعث حولي زفرة من دخانها
تضوع منها الحب في نفحة الند
فتحسبنا صبين أشكو لها الهوى
وتبعث أنفاس الصبابة عن عمد
وتحسب أسلاك الدخان حيالنا
دخان لظى القلبين يصعد من وقد
فيا لك في قلب المحبين غيرة
تحول على العينين نارا من الحقد! •••
وإن أنس لا أنسى وقوفي أمامها
وفي نفسها شك بصدقي في ودي
فقالت: ليهنئك الهوى من لفافة
تعشقتها قبلي، وما زلت من بعدي
نحيلة جسم ألبستك نحولها
وصدتك عن وصلي، وأعمتك عن صدي
على بعدها ما كنت تصبر ساعة
وتصبر أياما طوالا على بعدي
فدعني إني أكره الشرك في الهوى
وما نالني إلا الذي هام بي وحدي
فلا يسع القلب اثنتين بحبه
وهل يستوي سيفان لو شئت في غمد؟ •••
فقلت لها: مهلا فما كنت مذنبا
وها أنا باق في هواك على عهدي
أتعروك من هذي اللفافة غيرة
وما بعدها يشقي ولا قربها يجدي
ولم تله قلبي عن هواك دقيقة
وإن تك تلهي الزاهدين عن الزهد
ولكنها إن غبت كانت نديمتي
على رغم أن ليست تعيد ولا تبدي
أراك خيالا في ضباب دخانها
تغلغل من أحلامي البيض في برد
أرى فيه حينا شكل عين جميلة
وألمس حينا فيه تكويرة النهد
وإن مضني سهد وطال بي الدجى
وكانت بقربي، ما تذمرت من سهدي
وإن قمت أستوحي، أمدت قريحتي
فحلقت في جو البيان بلا جهد
يعلمني المنثور نثر دخانها
ويوحي لي المنظوم ما فيه من عقد
وإن تجدي شكا بقولي فجربي
بواحدة، تمسي وعندك ما عندي
وكان دخان موصل قبلاتنا
على رغم بعد الخد منا عن الخد
سكبنا به الروحين فاعتنقا معا
يحومان في جو إلى الله ممتد
من يديك هوت روحي على قدميك!
تقولين إني سلوت، فممن
تسقطت ذلك يا قاسيه؟
ألم تفضح النظرات غرامي
وقد أصبحت جمرة حاميه؟!
وهل يختفي العاشق المستهام
ولو لبس الظلمة الداجية؟ •••
ألم تشعري بأنيني يسير
إليك مع النسمة الساريه؟
ولو لم يبرده ثغر النسيم
لأحرق وجنتك الزاهيه!
ألم تسمعي نبضات فؤادي
أنافت على العد في الثانيه؟
وإحدى يدي تشد عليه
ودمعي تمسكه الثانيه!
لئن تك روحك تصبو إلي
وكان بقلبك لي زاويه
فروحي بأجمعها من يديك
على قدميك هوت جاثيه! •••
أنا أبدا للهوى ناشر
إذا كنت أنت له طاويه!
وإني سكران من خمره
إذا كنت من خمره صاحيه!
وقلبي به غائص في بحور
إذا كان قلبك في ساقيه!
وقد جزت فيه السحاب البعيد
إذا كنت فيه على رابيه!
فؤادي
تحملت وقع النوى والصدود
لو ان فؤادي باق معي
ولكنه نام في مقلتيك
على مضجع بل بالأدمع
وقد كان قبلا على شفتيك
يتمتم تمتمة المولع
تشبث بالثغر فهو عليه
كطفل تشبث بالمرضع
فماذا ترشف من مرشفيك
فأصبح من سكره لا يعي؟
أراه هنالك بين الجفون
فلا تنكريه ولا تدعي
فرعشته داعبت ناظري
ونبضته غازلت مسمعي!
الحب الصامت
تبوح لها بالحب عيناي إنما
لساني يستحيي فلا يتكلم
وأرقب عينيها عسى بهما أرى
شرارة حب، صح ما أتوهم!
ففي عينها ما في عيوني من اللظى
وذاك دليل الحب إن كتم الفم
ولكن لماذا لا تبوح ولم أبح
وقد علمت ما بي كما أنا أعلم؟
خليلي ذاك الصمت من أدب الهوى
ومن أدب العشاق ذاك التكتم
بائعة الهوى
غانية من بائعات الهوى
في بردتيها كل غض جميل
كان عليها حسنها في الصبى
ويلا، فضلت عن سواء السبيل
مالت، وقالت: أنت يا شاعري
صفني، وقل هل لقوامي مثيل؟
أليس غضا؟ قلت: لم تخطئي
لكنه لكل ريح يميل!
قالت: وعيني؟ إنها نجمة
رجراجة في ظل جفني الكحيل
قلت: جماد كنجوم الدجى
عينك، لا رحمة فيها تسيل!
قالت: وشعري كالدجى فاحم
يغفو به الصب بليل بليل
فقلت: لم يسود لو لم يقع
عليه من روحك ظل ظليل
قالت: وقلبي؟ إنه طائر
في نبضه شدو وفيه عويل
فقلت: حقا إنه طائر
فهو على كل السواقي نزيل! •••
قالت: وخدي؟ إنه وردة
ما خلقت كغيرها للذبول
قلت: هو الوردة، لكنها
مشاعة لكل باع يطول!
قالت: وجسمي؟ فهو ذوب الندى
قلت: لو العفة فيه تجول!
كان نقيا كالندى، إنما
ألقت به الشهوة بين الوحول!
قالت: وثغري؟ عنب أحمر
لاثمه يعصر منه الشمول
قلت: ولكني ما ذقته
يوما فلا أعلم ماذا أقول!
قالت: ولكني فتانة
تؤخذ من سحر جمالي العقول
فقلت: حسن الجسم فان، وما
من دولة للحسن إلا تدول
غير جمال النفس بين الورى
فهو جمال خالد لا يزول •••
فيا له من مجلس للهوى
ما كان فيه غير قال وقيل!
على منارة بيروت
خففي يا هموم عن كبدي
فكفاني ما فت من جلدي
يا لأمسي كم فيه من غصص!
وليومي ... فما يكن غدي؟
ما أمر الذكرى وأعذبها!
فهي بنت الصفاء والنكد
وهي كالخمر كلما عتقت
طفحت باللذائذ الجدد •••
يا ليوم على «المنارة» لم
ينسنيه تباعد الأمد!
إذا وقفنا أنا وفاتنتي
في أصيل بالبحر مبترد
حضنته شمس مفارقة
رمقتنا بنظرة الحسد
تنفض النور من ذوائبها
ذهبا فوق فضة الزبد
ثم تهوي في اليم مبقية
خلفها صفرة من الكمد
صفرة لم يطل تألقها
فتلاشت في زرقة الجلد!
شعلة في المياه طافية
أتراها موصولة الوقد؟ •••
وهنا الموج ثار ثائره
يا لموج كالجيش محتشد!
زجر الصخر جزره فمشى
مده ناشطا إلى المدد
واثبا وثبة كأن بها
أسدا هاويا على أسد!
فإذا بالهدير يحبكه
ما على الماء ماج من زرد! •••
ها جناح المساء يحضننا
فاصمتي يا مياه واتئدي
هو رب السكون فاحترمي
صمته إن صمته أبدي!
أفلم تشعري بنسمته
صعدت زفرة ولم تزد؟
أولم تبصري جوانحنا
لبست منه أروع البرد؟
كتمت ما نكن من وله
فوق فحم العيون متقد
فحسبناه في أضالعنا
ووجمناه لم نبد أو نعد
بشفاه عليه مطبقة
ولسان لديه منعقد
فإذا ما طلبت أو طلبت
جملة لم أجد ولم تجد!
نطق القلب بالهوى، فلما
وضعته الشفاه في رصد؟ •••
يا لها فرصة مضيعة
سنحت مرة ولم تعد!
كنت فيها قرب السعادة لو
شئت طوقت جيدها بيدي
كنت كالطير عند ساقية
أمها ظامئا ولم يرد
شعلة العذاب
1
لغز الوجود
برعم الزهر ما وجدت لتبقى
بل ليمضي بك الخريف
هذه حالنا خلقنا لنشقى
ولتقضي بنا الحتوف •••
كيف جئنا الدنيا؟ ومن أين جئنا؟
وإلى أي عالم سوف نفضي؟
هل حيينا قبل الوجود؟ وهل نب
عث بعد الردى؟ وفي أي أرض؟
هو كنه الحياة ما زال سرا
كل حكم فيه يئول لنقض!
كيف أجلو غدي؟ وأدرك أمسي؟
وأنا حرت كيف يومي سيمضي
قد حيينا قبل الولادة لكن
بجدود قضوا كما سوف نقضي
وسنحيا بعد الردى ببنينا
في كيان نعطيه بعضا لبعض
كان بذر النبات نبتا وأذوى
فجنينا من بذره كل غض
ذاك شأني بالجسم في الأرض لكن
جوهري في مصيره غير عرضي!
إنني شاعر بروحي فوق ال
موت تمشي بكل حبي وبغضي!
إيه يا موت! لن تمس خلودي
فاقض ما شئت لست وحدك تقضي
وإذا كنت مالكا أمر روحي
مثلما أنت مالك أمر نبضي
فأنا خالد بشعري على رغ
م زمان عن قيمة الشعر يغضي!
2
في هيكل الذكرى
ارجعي القهقرى أيا ذكرياتي
إن قلبي ذوى ومات
وأنا عائش بماضي حياتي
فهو حسبي من الحياة •••
ليس فكري إلا صحائف بيضا
ء عليها الذكرى تخط وتمحو
فأرى فيه من حوادث أيا
مي ما لم يفته متن وشرح
معرض للرسوم فيه غموض
ووضوح وفيه حسن وقبح
إنما تلمح الصفاء عليه
لمحة والصفاء في العيش لمح
وتحس العذاب بالنار محفو
را فحاذر ما زال للجمر لفح
طويت بسمة لينشر دمع
وخبت بهجة ليلمع جرح!
هو سفر قلبته فإذا بي
وفؤادي في دفتيه يسح
يا فؤادي وأنت مني كلي
ليت حكمي يوما عليك يصح
أنت مهد المنى وهذي بقايا
ها أكبت عليك تغفو وتصحو
خلقة الحب أنت كل خفوق
فيك حب، وكل بغضك صفح
فيك كنز لم تعط إلا قليلا
منه، والحسن لا يزال يلح
إن جود الفقير بالنزر جود
حيث جود الغني بالوفر شح!
3
بين المهد واللحد
بسمة الأهل يوم نولد حولي
عبرات على المهود
دمعة الأهل يوم نلحد سيلي
بسمات على اللحود •••
ليت شعري! لمن بسمتم؟ أللآ
تي إلى الكون مستهلا بعبره!
وعلى من بكيتم؟ أعلى الرا
حل عنه، وزاده منه حسره
يولد الطفل للعذاب، وهذي
سنة الدهر وقي الطفل شره
بين أوجاع أمه دخل المه
د وبين الأوجاع يدخل قبره
بشرت بالجنين وهي نذير
لا بشير فالسوء يملأ عمره
ما وليد الآلام غير أسير
والردى وحده يحرر أسره
ضاقت الأرض في الحياة عليه
وكفته في الموت أضيق حفره
إن من جاء مهده مكرها يم
ضي إلى لحده غدا وهو مكره!
وهو إن مات ليس يخسر إلا
عيش بؤس فكيف يرهب خسره؟
من يمت ألف مرة كل يوم
وهو حي يستهون الموت مره!
ملأ الشوك روض عيشك فانزع
كل أشواكه لتبلغ زهره «تعب كلها الحياة» وهذا
كل ما قال فيلسوف المعره!
4
يوم مولدي
إيه يا يوم مولدي هجت فيا
خير عبره، وشر ذكرى
لجنين رأى الوجود فحيا
فيك فجره، لا كان فجرا •••
فوق حضن الربيع في مثل هذا ال
يوم بعد العشرين من نواره
خلعت وردة على الأرض عنها
كمها، والدجى صريع احتضاره
فإذا بالدموع في بردتيها
يمسح الصبح ماءها بإزاره
لم تكن وردة ولكن وليدا
نسي الفجر نجمة في عذاره
حضنته الحياة تحت ستار ال
ليل طفلا لم يكس غير ستاره
دغدغ الطهر مقلتيه فكانت
ساذجات الألحاظ من آثاره
وكست قبلة الحياء محيا
ه فأبقت نضارة في نضاره
ورمى الحب نبلة في حنايا
ه فكانت للشعر بدء شراره
ذاك عهد الحياة بي قادم لل
مهد لم يدر ليله من نهاره
ذرفت عينه لدى رؤية النو
ر دموعا جرت بغير اختياره
نطقت عنه وهو عي، فكانت
أول المفصحات عن أفكاره
هكذا الزهر يسكب الدمع عند ال
فجر مستقبلا سنى أنواره!
5
بسمات
أيها الورد والضحى فض كمك
كيف تبكي بلا سبب
لم تثر بعد شقوة العمر غمك
فالتشكي إذن عجب •••
كيف تبكي والفجر يفتر للأر
ض فيمحو قطوبها بافتراره؟
ما عرفت الوجود بعد، ولا ما
فيه من صفوه ومن أكداره!
ما عرفت الربيع غضا جميلا
للأماني بسمة في اخضراره!
لا ولا الصيف ناسجا في محيا
ك خيوط الحياة من أنواره!
ما رأيت الخريف في صدرك العا
ري يوشي عقيقه بنضاره!
والشتاء الحزين يغسل ساقي
ك بدمع ينهل في أمطاره!
ما عرفت النسيم روحا خفيا
عطر أنفاسه دليل مزاره!
تمتمات الغرام تسمع من في
ه وهمس السماء من مزماره
دغدغ الروض عابثا بنداه
ساكبا روحه على أزهاره!
ما رأيت الفراش يطوي جناحي
ه ويهوي عليك بعد مطاره!
يتملى من كأس كمك نهلا
ثم يلوي بنشوة من عقاره
قلبه ذائب على شفتيه
قبلا لم تزل تؤج بناره!
6
دموع
ذاك ما وشوشته للزهر نفسي
نقلته له النسم
فأتاني الجواب في مثل همس
وشحته يد الألم •••
نظرت وردة إلي وقالت:
أنت مثلي في الكون للكون كاره
فلماذا تلومني وبكائي
كان مما أخاف من أخطاره؟
ويح نفسي من الربيع ففيه
أجتنى بين آسه وبهاره!
ومن الصيف فهو يحرق أكما
مي على رغمها بلفحة ناره!
كيف أهوى الخريف ينثر أورا
قي ويكسو اخضرارها باصفراره
وأحب الشتاء يفني بقايا
ي على ثلجه وفي تياره؟
والنسيم البليل؟ هل هو إلا
قاتلي بين وصله ونفاره؟
يتصابى حتى أسلمه نف
سي فيجفو والعطر ملء إزاره!
ثم يرتد وهو ريح فيردي
ني ويمشي مهيمنا لانتصاره!
والفراش الجميل يملأ جفني
فتنة وهو حائم في جواره!
يرتمي خلسة علي فيجني
قبلة وهو ممعن بفراره!
يتخطى هذي وتلك من الور
د فيا طول لوعتي في انتظاره!
7
مرحبا بالعذاب يلتهم العي
ن التهاما وينهش القلب نهشا
مشبعا نهمة إلى الدم حرى
ناقعا غلة إلى الدمع عطشى
الحب يكبر بالصدود
تحب النسيم العليل
غصون زها ساقها
فكيف يميل تميل
وتهتز أوراقها
فينفر منها
ويهوى النسيم الزهر
ويهفو إلى ضمها
فيحمل قطر السحر
بليلا إلى كمها
فتقصيه عنها •••
لأن الزهور تحب
جناح الفراش الجميل
فمن مقلتيها يهب
عليه عبير بليل
تضوع وجدا
ولكن فراش الأثير
يحب الأثير فحسب
يعانقه ويطير
يقود جناحيه حب
فيجزيه صدا •••
فليس الأثير خليا
فقد تيمته النجوم
فصعد نحو الثريا
من الصدر نار الغيوم
فذابت دموعا
وشهب السما الزاهيه
تحب الخضم العميق
فتهوي به عاريه
تصيح: الحريق الحريق
وليس سميعا •••
ولا عجب فالخضم
يحب، ولكن صخور
يقبل منها القدم
فتبعده فيثور
بلوعة صب
فيالك حالة غبن
غدت مثلها حالتي
أحب التي نبذتني
ولست أحب التي
تموت بحبي!
لماذا هجرت الوطن
لولا منى في الصدر
والفكر
يلهو بهن الدهر
هنا كلهو الهوا
ما كنت أرضى النوى
مضطر •••
عن موطن مستحب
في القلب
رشفت فيه الحب
رضعت منه الحياة
أوحى لي الآيات
في الشعر •••
جماله باهر
ساحر
وربعه زاهر
عذب الهوا والماء
زاهي السما والمساء
والفجر
شوق على شوق!
أخي والزمان ضنين
بغير الغضا
أثرت بقلبي الحنين
لعهد مضى
رتعنا به آمنين
صروف القضا
وما زلت من بعده
أنوح على بعده
وأقرا عليه السلام •••
فيا شوق دعني أنام
كفاني سهر
ويا ليل أقص الظلام
وأدن السحر
أنا بعض هذي الأنام
ولست حجر
كفى مقلتي حنين
وقلبي لظى وأنين
وجسمي جوى وسقام •••
كلانا هنا يا ظلوم
دجى في دجى
على أن فيك نجوم
وما لي رجا
وليلك إما يدوم
ومهما دجا
يلاقي أخيرا صباح
ندي الهوى والجناح
وما لي صباح يرام •••
بلوت حياة العذاب
حياة الألم
فكانت مناي العذاب
خيالا ألم
ولولا وفاء الكتاب
ووصل القلم
لما خلت أني حي
وأن على الأرض شي
يسميه قومي غرام!
قبل القمر
قومي فأحداق الظلام
غارت لفرط عنا السهر
ويد السحر
تفتض أزرار الغمام
وفم الكمام
رطب تشع به الدرر
وعلى الغدير بدا أثر
في الماء من قبل القمر •••
قومي فأنفاس الزهر
تحيي المنى، وشذا الخزام
يوحي الغرام
وغنا الهزار على الشجر
ينفي الكدر
وسنى ذكاء على الأكام
يدعو النيام إلى القيام
فالنوم في شرعي حرام •••
حلم الدجى الفضي ذاب
عند الضحى ذوب الظلم
وكما ألم
ولى، كذا ولى الضباب
فوق الهضاب
أمل المنام هو الألم
فدعي الفراش بلا ندم
وإلى هنا خفي القدم •••
فهنا ترين على الأكم
فجرا كأحلام الشباب
غض الإهاب
ملئت نواظره ضرم
أما النسم
فيه، فباردة عذاب
وعلى أنامله خضاب
من مسح دمع ذوي العذاب
أواه غرناطة
غرناطة، أواه غرناطه!
لم يبق شيء لك من صولتك!
هل نهرك الجاري سوى أدمع
تجري على ما دال من دولتك؟
والنسمة الغادية الرائحه
هل هي إلا زفرة نائحه؟
ما عدت في النهر كسلطانة
جبهتها في مائه ساطعه
للقبة الحمراء في تاجها
وهج، وللمئذنة اللامعه
آه على أمجادك الضائعه
شيعتها بالنظرة الدامعه! •••
مرت مرور النهر في جريه
وأورثتك النوح في عزلتك
غرناطة، أواه غرناطه!
لم يبق شيء لك من صولتك!
لله حمراؤك، تحسو الأسى
وحيدة في الروضة الخاليه!
لم يبق لا زهوة ندمانها
ولا صدى أعيادها الماضيه
ولم يعد للحب فيها أنين
ينقله العود عن العاشقين
بينا يجيل البدر ألحاظه
باهتة في المرمر اللامع
بين أريج الزهر المنتشي
وبين شدو البلبل الساجع
وقصرها الخاوي بأرجائه
كم غمر الليل بضوضائه!
إذ الجواري خاطرات على
سجاده جارية جاريه
أروع ما في الشرق من رقصه
تنسجه أقدامها العاريه •••
غرناطة، أواه غرناطة!
ما أنت إلا خرب قابعه
تحمل أسراب السنونو إلى
أفريقيا أنباءك الفاجعه
هناك أبناؤك من بأسهم
باكون، لا باكون من يأسهم
عروا من الأغماد بيض الظبى
ووشحوا الخيل ببيض السروج
ويمموا البحر فلما بدت
منك على الأفق جبال الثلوج
خروا على أوجههم راكعين
وزفروا من قهرهم صارخين: «غرناطة، أواه غرناطه!
ضعت فيا للعظم الضائعه!»
فيزفر الموج ويبكي لهم
حين يرى أعينهم دامعه!
نحن في نيسان
نحن في شهر الهوى شهر الأمل
نحن في نيسان
كل ما في الأرض، ما في الجلد
يستثير الوجد، يستدعي الهوى
حرقة النجم، أنين الزبد
نفحة الزهر وأنفاس الهوا •••
فتعالي نحتسي خمر القبل
تحت ظل البان
وانظري الغصن على الغصن التوى
هكذا خصرك تلويه يدي
والهوا في مبسم الزهر هوى
راشفا مثلي لمى الثغر الندي •••
وانظري النجم على الروض أطل
ناعس الأجفان
ساكبا فوق صدور الزنبق
قبلات الوجد، قبلاتي أنا
ساهي الطرف أليف القلق
خافق الأضلاع حبا مثلنا •••
واسمعي الجدول للعشب نقل
أنة الولهان
شاكيا مثلي تباريح العنا
حاويا مثلك كل الرونق
وانظري الليل تردى الشجنا
ماسحا مدمعه بالورق
هناك تحظى بمي!
أيا هزار الغدير
حييت بين الطيور
من نائح مستثير
بالنوح عطف الزهور
حيا الإله صباحك
أخذت عني نواحك
خذه وهات جناحك
أطر به في الأثير
لا غل قيد سراحك •••
أطر به في السديم
ما فوق متن النسيم
بين السما والغيوم
أصوغ نثر النجوم
أصوغ دمع الغمامه
عقدا أجيد نظامه
لجيد خير حمامه
تحوز دون الريم
من البيان زمامه •••
ويا هوا لبنان
يا عاطر الأردان
أوح إلي المعاني
في أجمل الألحان
رقيقة كخطورك
شذية كعبيرك
ندية كزفيرك
تهدي شعور جناني
لظبية بشعورك •••
ويا كتابي الخجولا
جز المحيط الطويلا
حتى تجيء النيلا
فقف هناك قليلا
هناك تحظى بمي!
ذات اليراع الأبي
ذات البيان الطلي
من تبعث السلسبيلا
بكل معنى جلي •••
وإن حظيت لديها
بالسحر من ناظريها
فانظر مليا إليها
واقرأ سلامي عليها
قل للمليحة عني
لا زلت ألطف غصن
عليه روحي تغني
وانعم بلثم يديها
فأنت أسعد مني
باقة الزهر
سيري إلى معبودتي الزاهره
يا باقة الزهر
عاطرة تهدى إلى عاطره
عطرا إلى عطر •••
سوف تنامين على صدرها
يهنيك هذا الحظ لو كان لي!
وتنهلين الشهد من ثغرها
يا نعم ذاك الثغر من منهل!
وتحملين العطر من شعرها
وغير عبء الهم لم أحمل
يهنيك هذا الحظ، لو كان لي
في حبها المعضل
لا الموت أخشاه، ولا الآخره
أو ساعة الحشر
فساعة مع ظبيتي الساحره
تغني عن العمر •••
يا باقتي كوني لها من يدي
رسالة صامتة ناطقه
يروي الندى في جيدك الأغيد
عن أدمعي السابقة اللاحقه
وترمز الوردة عن موقد
في أضلعي نيرانه عالقه
رسالة صامتة ناطقه
عن صبوتي الصادقه
تقرأ في أوراقها الناضره
عن أملي النضر
تنبئها الزنبقة الطاهره
عن حبي العذري •••
وحين تلقي في الدجى رأسها
فوق الفراش الخافق الحالم
فدغدغي بالعطر إحساسها
ولينتشر في جسمها الناعم
وقبلي بالسر أنفاسها
وحدقي في حسنها الحائم
فوق الفراش الخافق الحالم
كقلبي الهائم
حملت مني دمعتي الصادره
مع زفرة الصدر
ففيك روحي نحوها طائره
بين الشذا تجري •••
لكن متى صفق طير الكرى
عند ارتقاص الفجر بين الغيوم
ولامس النور جفون الورى
وأنعش الزهرة قطر النسيم
لا تبسمي مثل زهور الثرى
وانطفئي مثل شعاع النجوم
عند ارتقاص الفجر بين الغيوم
فوق الكروم
ولتنطو أوراقك الناشره
ذيلا من النشر
ذابلة كالمقلة الفاتره
في مطلع الفجر •••
عسى ترى فيك فتاة الدلال
أمثولة مملوءة بالعبر
تنبئها أن شباب الجمال
يذبل يوما كذبول الزهر
والحسن حسن الجسم رهن الزوال
لا عين يبقي بعده أو أثر
أمثولة مملوءة بالعبر
لمن فكر
يا حبذا لو أنها شاعره
بذلك الأمر
لكنها جائرة نافره
إذ هي لا تدري
لو ...
لو يعلم الزهر حبيب الهوا
ما في فؤادي من جراح الهوى
لذوب البلسم من عطره
فيه ليشفيني ... •••
ولو رأى البلبل بين الغصون
نار ضلوعي في مياه الجفون
لحول المحزن من شعره
شدوا يسليني •••
ولو درى البدر عشيق النجوم
بما ألاقي من فنون الهموم
لأهمل الشهب، ومن قصره
أهوى يؤاسيني •••
ولو درى الفجر بأني أرق
من نسمة الفجر لطول الأرق
لبلل الأضلع من قطره
وراح يبكيني
الكفارة
كم مدنف في الهوى عليل
مثلي صبا للهوا العليل!
وهل عليل
من الهوا
يشفي عليل
من الهوى؟!
فاحملي يا صبا
نفحات الصبى
لفؤاد صبا
للوجوه الصباح
باح
بهواه الصباح
وكم مدل من الدلال
خلف قلبي بلا دليل
لم أدر يمناي من شمالي
كأنني شارب الشمول •••
الورد والشوك في الجنان
ووحده الشوك في جناني
ويل الجنان
مما جنى
شوك الجنان
بئس الجنى!
لم تصبى لما؟
لو تروى لما
عل يوما لمى
في الشفاه العذاب
ذاب
واستخار العذاب
غرامه ديدني وديني
وهو كربي قاص ودان
ما زال سلواي في حنيني
يا ليته من بالحنان •••
يا جفني الجاري العيون
وقيت من فتنة العيون
فامسح عيون
جرت دما
واحذر عيون
تلك الدمى
كل قلب هوى
في فخاخ الهوى
هو لم يزل هو
مذنبا ذا جناح
ناح
مع ذات الجناح
ومن يفتش عن الأماني
وعن حبيب له أمين
يعد بيأس ملء الجنان
ويعتريه شبه الجنون •••
كم عاذل لام بالكلام
فأثخن القلب بالكلام!
ماذا كلام
بل سم
هل للكلام
بلسم؟
قسما باللهى
كل قلبي لها
ما سلا أو لها
ثغرها لو قبل
بل
شفتي بالقبل
لكن في ثغرها الظلوم
كواكبا أطلعت ظلامي
شكوت غرامي إلى غريمي
فقال: مت من جوى الغرام •••
فيا أماني عودي وعودي
ذا علة عاش بالوعود
إن الوعود
حلم ألم
ولن يعود
إلا الألم
هو مثل الورق
دق جسما ورق
فبكى في الورق
إيه يا خير خال
خال
قلبي اليوم خال
اعذر قصوري فشر عادي
عاد فأصمى فمي وعودي
من عاش مثلي عبد الجماد
أصبح مثلي عبد الجمود
Shafi da ba'a sani ba