Diwan al-Hudhaliyyin
ديوان الهذليين
Mai Buga Littafi
الدار القومية للطباعة والنشر
Inda aka buga
القاهرة - جمهورية مصر العربية
Nau'ikan
ديوان الهذليين
نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب
في السنوات: ٦٤ - ٦٧ - ١٣٦٩ هـ - ٤٥ - ٤٨ - ١٩٥٠ م
الدار القومية للطباعة والنشر
Shafi da ba'a sani ba
دِيوانُ الهُذليِّين
م 1 / 3
المكتبة العربية
تصدرها
الثقافة والإرشاد القومي
بفرعيها
المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية
المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر
"الدار القومية للطباع والنشر - الدار المصرية للتأليف والترجمة"
م 1 / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
اعتمدنا في تصحيح هذا الكتاب على نسخة مخطوطة من كتب المرحوم الأستاذ الشنقيطي الكبير محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم ٦ أدب ش ضمن مجوعة تشتمل عل جملة دواوين، وقد كتب عليها مالكها وواقفها ما نصه:
"ملك هذا المجموع الفائق الرائق المشتمل على جملة وافرة من دواوين العرب العرباء أوّلها هذا (أي ديوان حسان بن ثابت) وواحد وثلاثون من دواوين شعراء هذيل، وديوان لبيد، وديوان الشماخ، وديوان الأعشى، وديوان ذي الرمة، وديوان ابن الدمينة، وديوان سراقة البارقي، محمد محمود بن التلاميد التركزي الشنقيطي المدني ثم المكي، ثم وقفه على عَصَبته بعده كسائر كُتُبه وقفا مؤبَّدا، فمن بدّله أو غيّره فإثمه عليه والله تعالى حسيبه، وكتبَه مالكه واقفه محمد محمود سنة ثلاث وتسعين ومائتين وألف".
وديوان الهذليين المشتملة عليه هذه المجموعة ليس من خط الشنقيطيّ وإن كان مكتوبًا كلُّه بالخط المغربي. وقد ضبط جميع ما فيه من الشعر ضبطا حسنًا في أكثر الأحيان، وفي حواشيه شروح وتعليقات كتبها الأستاذ الشنقيطي بالخط المغربي الدقيق. وقد يقع في ألفاظ هذه الشروح تحريف وتصحيف، وتقديم وتأخير، وزيادة ونقص يضطرب به المعنى أحيانا، أو تكرار بغير مقتضٍ. وهذه الشروح هي التي أثبتناها في هذا الديوان بعد كلّ بيت ما كُتب عليه. والشعر
م 1 / 5
بالحروف الكبيرة، والشروح بحروف أصغر منها. ويظهر أن هذه الشروح والتعليقات مختصرة من شرح أبي سعيد السكري على ديوان الهذليين بدليل النقل عنه صراحة في كثير من معاني الأبيات دون غيره من شراح هذا الشعر.
وقد بذلنا أقصى جهدنا في إصلاح ما وقع في هذه الشروح من أخطاء بالرجوع إلى شروح هذا الشعر في مظانّه، منبِّهين على ذلك في حواشي هذا الكتاب.
ومن المظانّ التي رجعنا إليها شرح أبي سعيد الحسن بن الحسين السكري لديوان أبي ذؤيب المخطوط المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم ١٩ أدب ش وشرح الأنباري على المفضَّليات في القصيدة الأولى من شعر أبي ذؤيب. وما ورد في كتب اللغة من تفسير اللغويين لشعر الهذليين؛ فلم نَدَعْ تفسيرا لبيت ولا رواية فيه إلا ذكرناه في حواشينا على هذا الكتاب، منبِّهين على مصدره الذي نقلناه عنه؛ كما أننا لم نَدَع في هذا الشرح تفسيرا للفظ غريب إلا رجعنا إليه فيما بين أيدينا من كتب اللغة، فإن لم نجد هذا التفسير أو وجدنا ما يخالفه نبّهنا على ذلك في الحواشي، وذَكَرنا عبارة اللغويّين في تفسير هذا اللفظ. ولم نَدَع كذلك بيتا غامضَ المعنى لا يستطاع فهمُه إلاَّ أوضحناه وأبنّا المراد به.
وقد طبع في أوربا مجموعات ثلاث من أشعار الهذليين: إحداها مجموعة طُبع منها جزءان كتب على الجزء الأول منها: "مجموع دواوين من أشعار الهذليين وهو يشتمل على ديوان أبي ذؤيب اعتنى بنشره واستخراجه لأوّل مرة يوسف هلّ الألماني هانوفر خزانة الكتب الشرقية لهاينس لافاير سنة ١٩٢٦" وكتب على الجزء الثاني منها: "مجموعة أسعار الهذليين الجزء الثاني أشعار ساعدة بن جؤيّة، وأبي خراش الهُذَلي، والمتنخِّل، وأسامة بن الحارث، اعتنى بنشرها يوسف هلّ الألماني طبع بمدينة ليبزج سنة ١٩٣٣" وعلى هذا الجزء الثاني نفس الشروح والتعليقات المكتوبة
م 1 / 6
على النسخة الشنقيطية بنصها. ومن الغريب أن ترتيب هذه النسخة الأوربية مخالف لنسخة الشنقيطي في ترتيب الشعراء مع الاتفاق بينهما في الشرح، كما أنها مخالفة للنسخة الشنقيطية في ترتيب شعر أبي ذؤيب. ويظهر لنا أن الجزء الأول من النسخة الأوربية هذه وهو المشتمل على شعر أبي ذؤيب قد نُقل من أصل يخالف الأصل الذي نُقِل منه الجزء الثاني. وكلا الجزءين فيه فهارس لقوافي الشعر، وأسماء الرجال والنساء الواردة فيه، وأسماء الأمكنة، وترجمةٌ لجميع ما رود فيه من الشعر باللغة الألمانية.
والثانية مجموعة طبعت في لندن سنة ١٨٥٤ وعليها شرح السكرى وقد كتب عليها "كتاب منتهى أشعار الهذليين صنعة أبي سعيد الحسن بن الحسين السكري رواية أبي الحسن علي بن عيسى بن علي النحوى عن أبي بكر أحمد بن محمد الحُلْوانيّ عنه" وهي محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم ١٦٥ أدب وتشتمل علي شعر تسعة وعشرين من شعراء هُذَيل.
والثالثة كُتب عليها "أشعار الهذليّين ما بقى منها في النسخة اللغدونية (أي الليدنية) غير مطبوع" وهي مطبوعة في برلين سنة ١٨٨٤ وفيها ملاحظات وترجمة لما فيها من الشعر باللغة الألمانية للمسيو فلهاوزن الألماني. وهي محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم ١٧٨١ أدب وتشتمل على شعرٍ لسبعة وعشرين شاعرا من شعراء هُذَيل، عدا ما تشتمل عليه مِن ذكر بعض الوقائع والأيّام وما قيل فيها من الشعر. وهذه المجوعة الثالثة مكمِّلة المجموعة الثانية التي عليها شرح السكري، وهي النسخة الليدينة.
أحمد الزين
بدار الكتب المصرية
م 1 / 7
صورة ما كتبه مالكُ نسخة الأصل وواقفُها
المرحوم محمد محمود بن التلاميد التركزي الشنقيطي ﵀
كتاب ديوان الهذليِّين
وهو يشتمل على ثمانية أجزاء: خمسة منها من رواية أبي سعيد عن الأصمعي وهي الثاني والثالث والرابع والخامس والسابع. ولم نظفر من نسخة رواية أبي سعيد إلا بهذه الخمسة، وضاع الثاني، وهي ثلاثة من نسخة الأصل، ثم وقفنا بعد ذلك على نسخة أخرى ليست من رواية أبي سعيد، وهي كتاب واحد غير مجزأ يخالف نسخة رواية أبي سعيد في الترتيب وفي رواية بعض الأشعار ونسبتها إلى قائليها، فأخذنا ما وجدناه فيها مما ليس في رواية أبي سعيد وقسمناه إلى ثلاثة أجزاء وهي الأوّل والسادس والثامن وجعلناه تماما لهذه النسخة، وألحقنا كل شيء من ذلك بموضعه اللائق به حسبما أمكن، وبالله تعالى التوفيق.
نقلتُ هذا الترتيب من نسخة الأصل التي نُسخ مها، وهو كما أثبت في هذه النسخة من خط يحيى بن المهديّ الحسينيّ؛ وتاريخه سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة وتاريخي سنة أربع وثمانين ومائتين وألف بالمدينة المنورة على منوِّرها أفضل الصلاة والسلام. اهـ.
م 1 / 9
ديوان الهذليين
القسم الأول
«شعر أبي ذؤيب وساعدة بن جؤية»
Shafi da ba'a sani ba
ديوان الهذليين
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
شعر أبي ذؤيب
قال أبو ذؤيب (١) -وقد هلك له خمسة بنين في عام واحد، أصابهم الطاعون. وفي رواية: وكان له سبعة بنين شربوا من لبن شربت منه حية ثم ماتت فيه، فهلكوا في يوم واحد-:
أمِنَ المَنُونِ ورَيْبِها تَتَوَجَّعُ؟ ... والدهرُ ليسَ بمُعْتِبٍ من يَجْزَعُ (٢)
_________
(١) قال ابن قتيبة: أبو ذؤيب الهذلي، هو خويلد بن خالد بن محرث بن زبيد بن مخزوم بن صاهلة ابن كاهل، أخو بني مازن بن معاوية بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار، جاهلي إسلامي، وكان رواية لساعدة بن جؤية الهذلي، وخرج مع عبد الله بن الزبير في مغزى نحو المغرب فمات. وذكر العيني بعد أن ما نسبه إلى هذيل، قال كان مسلما على عهد رسول الله ﷺ ولم يره، ولا خلاف أنه جاهل إسلامي. زاد، وقيل: إنه مات بأرض الروم ودفن هناك. اهـ ويلاحظ أنه قد ورد في النسخة الشنقيطية النسب السابق لأبي ذؤيب منقولا عن ابن قتيبة؛ وقد راجعنا الشعر والشعراء لابن قتيبة فلم نجد فيه إلا ذكر أبي ذؤيب وأبيه دون بقية نسبه المذكور هنا.
(٢) قال الضبي: المنون الدهر، سمى منونا لأنه يذهب بالمنة بضم الميم وتشديد النون، أي القوة. وقيل: المنون هي المنية. وعلى التفسير الأول روى: "وريبه" بتذكير الضمير. وعلى الثاني روى "وريبها". و"معتب"، أي راجع عما تكره إلى ما تحب. ويلاحظ أن جميع ما كتبناه من النقول في شرح القصيدة إنما لخصناه من شرح ابن الأنباري على المفضليات في شرحه لهذه القصيدة.
1 / 1
قالت أُمَيْمَةُ: ما لِجسْمِكَ شاحِبًا ... منذ ابتُذِلْتَ ومِثلُ مالِكَ ينفعُ (١)؟
أم ما لجَنْبِكَ لا يُلائم مَضْجَعا ... إلاَّ أَقَضَّ عليكَ ذاكَ المَضْجَعُ (٢)
فأجَبْتُها أَنْ ما لِجسْمِىَ أنّه ... أَوْدَى بَنِيَّ مِن البلادِ فوَدَّعوا (٣)
أَوْدَى بَنِيَّ وأَعْقَبوني غُصّةً ... بعد الرُّقادِ وعَبْرةً لا تُقْلِعُ (٤)
سَبَقوا هَوَىَّ وأَعْنَقوا لهَواهُمُ ... فتُخُرِّموا ولكلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ (٥)
فعَبَرْتُ بعدهمُ بعَيْشٍ ناصِبٍ ... وإخالُ أَنِّي لاحِقٌ مُسْتَتْبَعُ (٦)
ولقد حَرِصْتُ بأن أدافع عنهُم ... فإذا المنيّةُ أَقبلتْ لا تُدفَعُ
_________
(١) شاحبا، أي متغيرا مهزولا. وروى "سائيا"، أي يسوء من رآه. "وابتذلت" بالبناء للفاعل، أي امتهنت نفسك في الأعمال لموت من كان يكفيك أمر ضيعتك من بنيك. ويقرأ بالبناء المجهول أيضًا. وقد ضبط في شرح ابن الإنباري بكلا الوجهين. "ومثل مالك ينفع"، أي مثل مالك كثير يكفي صاحبه الذلة والامتهان، فتشترى من العبيد من يكفيك أمر ضيعتك ويقوم عليها.
(٢) "أقضّ عليك"، أي صار تحت جنبك مثل القضض، أي الحصى. يقول: كأن تحت جنبك حصى يقلقك ويمنعك النوم. ويروى: "أم ما لجسمك".
(٣) يروى: "بجسمي" وهي رواية جيدة. ويروى: "أنني". يقول: إنه أجابها بأن الذي أنحل جسمه وأهزله هلاك بنيه.
(٤) روى "وأودعوني حسرة" وهي واردة في الأصل أيضًا. ويشير بقوله: "بعد الرقاد" إلى أن حزنه يمنعه النوم حين ينام الناس.
(٥) "هوى"، أي هواى، وهي رواية واردة في الأصل أيضًا، وهذه لغة هذيل في كل اسم مقصور مضاف إلى ياء المتكلم، فيقولون: فتى وعصى، أي فتاى وعصاى. "وأعنقوا": أسرعوا، ويروى: "وأعنقوا لسبيلهم * ففقدتهم"، فتخرّموا"، أي أخذوا واحدا واحدا.
(٦) غبرت: بقيت. وناصب، أي ذي نصب بالتحريك، وهو الجهد والتعب. ومستتبع: مستلحق، استتبع فلان فلانا، أي ذهب به، يقول: أنا مذهوب بي وصائر إلى ما صاروا إليه.
1 / 2
وإذا المَنِيّةُ أَنشبت أظفارَها ... أَلْفَيْتَ كلَّ تميمةٍ لا تَنفَعُ
فالعينُ بَعْدَهُمُ كأنّ حِداقَها ... سُمِلَتْ بشَوْكٍ فهيَ عُورٌ تَدْمَعُ (١)
حتّى كأنّي للحوادثِ مَرْوَةٌ ... بصَفَا المُشَّرقِ كلَّ يومٍ تُقْرَعُ (٢)
لا بدّ من تَلَفٍ مقيمٍ فانتظِرْ ... أبأرْضِ قَومِكَ أم بأخرى المَصَرع (٣)
ولقد أَرَى أنّ البكاءَ سفاهةٌ ... ولسوف يُولَعُ بالبُكا من يُفْجَعُ
وليأتين عيك يومٌ مرةً ... يُبْكَى عليك مقنَّعا لا تسمعُ (٤)
وتَجَلُّدِي للشامِتين أُرِيهِمُ ... أنِّي لرَيْبِ الدَّهْرِ لا أَتَضَعْضَعُ
والنفسُ راغِبةٌ إذا رَغَّبْتَها ... فإِذا تُرَدُّ إلى قليلٍ تَقْنَعُ
كم من جميعِ الشَّمْلِ ملتئِم الهوى ... باتوا بعَيْشٍ ناعمٍ فتَصَدَّعوا (٥)
_________
(١) الحداق: جمع حدقة بالتحريك، وهي واحدة، وإنما جمعها باعتبارها وما حولها. وروى في الأصل أيضًا "جفونها". وسملت، أي فقئت: وعور: جمع عوراء من العوّار بضم أوّله وتشديد ثانيه، وهو ما يصيب العين من رمد أو قذى، وكذلك العائر.
(٢) المروة: حجر أبيض براق تقتدح منه النار. ويقال لمن كثرت مصائبه: قرعت مروته. والمشرّق: مسجد الخيف بمنى، وإنما خصه لكثرة مرور الناس به، فهم يقرعون حجارته بمرورهم. وروى أبو عبيدة "المشقر" بتقديم القاف، وهو سوق بالطائف.
(٣) روى هذا البيت في المفضليات لمنمم بن نويرة من قصيدته التي أوّلها:
"صرمت زنيبة حبل من لا يقطع". وروايته فيه:
لا بد من تلف مصيب فانتظر ... أبأرض قومك أم بأخرى تصرع
(٤) روى هذا البيت أيضًا في المفضليات لمنمم بن نويرة من قصيدته المشار إليها في الحاشية السابقة.
"ومقنعا"، أي ملففا بأكفانك.
(٥) ورد هذا البيت والذي يليه في النسخة الأوربية لديوان أبي ذؤيب ضمن الملحق المشتمل على الأبيات المنحولة له والتي لم توجد في ديوانه.
1 / 3
فلئن بهم فَجَعَ الزّمانُ ورَيْبُه ... إنّي بأهل مودتي لمَفَجَّعُ
والدهرُ لا يَبْقَى على حَدَثاَنِه ... في رأسِ شاهِقَةٍ أَعزُّ مُمنَّعُ
والدهرُ لا يَبقَى على حَدَثانِه ... جَوْنُ السَّراةِ له جَدائدُ أربَعُ
يريد حمار الوحش. والجَوْن: الأسوَد. والسَّراة: أعلى الظهر. والجَدائد: أتُنُه. والجَداء (١): لا أُذُن لها.
صَخِبُ الشَّوارِبِ لا يَزالُ كأنّه ... عَبْدٌ لآلِ "أبي رَبيعةَ" مُسْبَعُ (٢)
الصَّخِب: الصَّبَّاح. يريد تحريك شواربه بالنَّهيق.
أَكَلَ الجَميمَ وطاوَعَتْه سَمْحَجٌ ... مِثلُ القَناةِ وأَزْعَلَتَهْ (٣) الأَمْرُعُ
الجَميم: حشيش يكون أوله (٤) بارضا ثم يصير جَميما. والسَّمْحَج: الأتان الطويلة الظهر. وأَزْعَلَتْه: أَنشطَتْه. وعن أبي عبيدة قال: الأَمْرُع: الِخصب، يقال: مكان مَريع، أي مُخِصب، وكأنّ واحد الأمرُع مَرْعٌ أو مَرَع. وقال الجوهريّ
_________
(١) يلاحظ أنه كان الأنسب أن يفسر هنا الجدود بفتح الجيم، إذ هو واحد الجدائد -كما صنع ابن الأنباري وغيره- لا الجدّاء. والجدود من الأتن: التي خف لبنها. وإنما اعتبر الشاعر في حدثان الدهر بحمار الوحش، لما ذكروا من أنه يعمر مائتي سنة وأكثر من ذلك.
(٢) الشوارب: مخارج الصوت في الحلق. وأبو ربيعة، هو ابن ذهل بن شيبان. وقال أبو عبيدة: هو ابن المغيرة بن عبد الله المخزومي. وخصهم لأنهم كثيرو الأموال والعبيد. والمسبع: الذي أهمل مع السباع فصار كأنه سبع لخبثه، أو هو الذي قد وقع السبع في غنمه فهو يصيح.
(٣) روى في الأصل أيضًا: "وأسعلته" وهي بمعنى "أزعلته" أي أنشطته.
(٤) البارض من الحشيش: أول ما يظهر من النبات على وجه الأرض؛ فإذا نهض وانتشر فهو جميم.
1 / 4
في صحاحه: "المرَيع: الخصيب، والجمع أمرُع (١) وأمراع، مثل يمين وأيْمُن وأَيْمان قال أبو ذؤيب: أَكَلَ الجَميمَ" الخ.
بقَرارِ قِيعانٍ (٢) سَقاها وابِلٌ ... واهٍ فأَثْجَمَ بُرْهَةً يُقْلِعُ
فَلبِثْنَ (٣) حِينًا يَعْتَلِجنَ برَوْضَةٍ ... فيَجِدُّ حِينًا في العِلاجِ ويَشْمَعُ
يَشْمَع. يلعب. وامرأة شَمُوع: لَعوب ضحوك مزّاحة.
حتى إذا جزَرَتْ مياهُ رُزُونِه ... وبأيِّ حين مِلاوَةٍ تتقطّعُ
جَزَرَتْ. نَقَصَتْ. ورُزُونُه: أماكن مرتفعة. وحَزّ (٤) مِلاوةٍ، أي حين دهر.
ذَكر الورودُ بها وشاقَى (٥) أمْرَه ... شؤمٌ وأقبل حَيْنُه يتتبّعُ
فافتنهنّ (٦) من السَّواء، وماؤه ... بَثْرٌ وعانده طريقٌ مَهْيَعُ
_________
(١) قال ابن بري: لا يصح أن يجمع مريع على أمرع؛ لأن فعيلا لا يجمع على أفعل إلا إذا كان مؤنثا نحو يمين وأيمن.
(٢) القيعان: مناقع الماء في حر الطين، الواحد قاع. وقال ابن الأنباري: القاع القطعة من الأرض الصلبة الطيبة الطين. وروى: "صيّف" مكان قوله: "وابل". والصيّف: مطر الصيف. وروى في الأصل أيضًا "صيّب". "وواه"، كأنه منشق متخرق من شدّة انصبابه. وروى في الأصل أيضًا "غدق". "وأثجم": أسرع بالمطر.
(٣) "فلبثن"، أي الأتن. ويعتلجن: يتضاربن ويعضّ بعضهن بعضا. ويشير بهذا البيت إلى نشاطهن وشدّة فرحهن بما يرعينه من خصب.
(٤) "حزّ ملاوة": رواية الأصمعي. ويلاحظ أنه فسره ما لم يذكر في البيت هنا وإن كان كلاهما بمعنى واحد. وهو في هذا الشطر يتعجب من شدّة الحرّ وانقطاع الماء حين لا صبر للحمير عنها.
(٥) شاقى أمره مشاقاة: مفاعلة من الشقاء. وروى في الأصل أيضا: "وأجمع أمره" كما روى "شؤما" بالنصب. والحين بفتح الخاء: الهلاك، روى بالنصب أيضًا على أنه مفعول "يتتبع"، أي أقبل الحمار يتتبع أسباب هلاكه.
(٦) في رواية: "فاحتطهن". وفي أخرى واردة في الأصل أيضا "فاحتثهنّ".
1 / 5
افتَنّهنّ: طردهنّ فنونا من الطرد. السَّواء: المرتفع. بَثْر: كثير. وعانَدَه: عارَضَه. والمَهْيَع: الواسع.
فكأنَّها "بالجِزْعِ" (١) بينُ "يُنابعٍ" ... "وأُولات ذي العَرجاء" نَهْبٌ مُجْمَعُ
وكأنهنّ رِبابَةٌ وكأنّه ... يَسَرٌ يفيضُ (٢) على القِداحِ ويَصْدَعُ
الرِّبابة: خرقة (٣) تغطَّى بها القِداح. ويقال: الرِّبابة هنا هي القداح (٤). واليَسَر: الّذى يضرب بها، وهو المفيض. ويَصْدَع: يُفرِّق ويصيح.
وكأنّما هو مِدْوَسٌ متقلِّبٌ ... في الكَفّ إلا أنه هو أضْلَعُ (٥)
المدْوَس: مِسَنّ الصَّيْقَل. وأَضْلعَ: أغلظ.
فوَرَدْنَ والعَيُّوقُ مَقْعَدَ رابي ... الضُّرَباءَ فَوقَ النَّظْمِ (٦) لا يَتَتَلَّعُ
_________
(١) الجزع بكسر الجيم: منعطف الوادي. وقال أبو عبيد: اللائق به فتح الجيم. وينابع -ويقال نبايع-: واد في بلاد هذيل. وروى في الأصل أيضًا "فكأنها بالجزع جزع نبايع". وذو العرجاء: أكمة أو هضبة. وأولاتها: قطع حولها من الأرض، كما فسره ابن الأنباري. شبه الناس المطرودة في هذه المواضع بإبل انتهبت وضم بعضها إلى بعض.
(٢) يفيض على القداح، أي يدفعها ويضرب بها. ونابت "على" هنا مناب الباء؛ وحروف الجرّ ينوب بعضها عن بعض. شبه الحمار في جمع الأتن وتفريقها في كل ناحية وهو يصيح، بصاحب قداح الميسر يجمعها في خرقة، ثم يفرّقها على أصحابها ويصيح قائلا: هذا قدح فلان، وفاز قدح فلان.
(٣) سميت ربابة من قولهم: "فلان يرب أمره"، أي يجمعه ويصلحه .. نقله ابن الأنباري عن الأصمعي.
(٤) في رأينا أن هذا التفسير الثاني للربابة أجود في هذا البيت.
(٥) شبّه الحمار في اجتماعه وصلابته بالمسنّ الذي تصقل به السيوف، ثم ذكر أن الحمار أغلظ منه وأشدّ.
(٦) فوق النظم، أي نظم الجوزاء. ويروى: "فوق النجم"، أي نجم الثريا.
وفي اللسان (مادة عوق): "خلف النجم". يقول: إن هذه الحمر قد وردن الماء في آخر الليل حين طلوع كوكب العيوق فوق الجوزاء كأنه رابئ الضرباء -وهو الرجل الذي ينظر من يضربون بالقداح- وهذا الوقت تميل فيه الثريا للغروب والعيوق خلفها قريبا قرب هذا الرقيب.
1 / 6
وَرَدْن: يعني الحُمُرَ. والعَيُّوق: نجم يطلع بحيال الثريّا، وهي (١) تطلع قبل الجوزاء. فشبّه مكان هذا العَيّوق من الجوزاء بمقعد رابئ الضُّرَباء. والضُّرَباء: الذين يضربون القِداح. والرابئ: الرجل الذي يَربَأ، أي ينظر إلى ضاربي القداح. ويتتلّع: يتقدّم.
فَشَرَعْنَ في حَجَراتِ عَذْبٍ بارِدٍ ... حَصِبِ البِطاحِ تَغيبُ فيه الأكْرُعُ (٢)
يعني الحُمُرَ، أي وردن ماء. و"حَصِب البِطاح"، أي ذات حصباء.
والبِطاح: بطون الأودية. والحَجَرات: النواحي. والأ كْرُعُ: الأوظفة (٣).
فَشَرِبِنَ ثم سَمِعْنَ حِسًّا دونه ... شَرَفُ الحِجابِ، وَرَيْبَ قَرْعٍ يُقْرَعُ (٤)
"فشربن"، يعني الحُمُر. ثم سمعن حسًّا دون ذلك الحسّ شرف الحجاب، يريد حجاب الصائد؛ لأنه يستتر بشيء. و"ريْبَ قَرْعٍ"؛ أي سمعن رَيْبَ قَرْعِ الوَتَر.
ونميمةً (٥) من قانِصٍ مُتَلَبِّبٍ ... في كفِّه جَشءُ أجَشُّ وأقطُعُ
_________
(١) صوابه: "وهو يطلع"، أي العيوق، لا الثريا كما تفيده عبارته. انظر اللسان مادة عوق وشرح ابن الأنباري على المفضليات.
(٢) يقول: إن الحمر قد دخلت في ماء عذب بارد
بطلحه ذات حصباء؛ وإذا كان الماء على حصباء كان أعذب له وأصفى. ويشير بقوله: "تغيب فيه الأكرع" إلى كثرته وعمقه.
(٣) الأوظفة: جمع وظيف، وهو مستدق الساق؛ أو هو ما فوق الرسغ إلى مفصل الساق.
(٤) ريب قرع، أي قرع الوتر الذي يجعل الحمر في ريب، أي في شك من وجود القانص.
(٥) في رواية "وهما هما"، أي أصواتا خفية جمع همهمة. ولكن الأصمعي رد هذه الرواية وقال: القانص أشدّ حذرا من أن يهمهم. يشير بهذا البيت إلى ما سمعنه من صوت الوتر الذي ينم عليه، ثم وصف القانص بأنه قد تحزم استعدادا للصيد وأمسك بكفه قوسا ونصالا.
1 / 7
النميمة: صوت الوتَر لأنه نمّ عليه. ملبِّب: متحزِّم. والجَشْء: قضيب خفيف. أجَشّ: غليظ الصوت، يعني القوس. وأقْطُع: جمع قِطْع، وهو نَصْل عريض قصير.
فنَكِرنه فنَفَرْنَ وامترَسَتْ به ... سَطْعَاءُ (١) هادِيَةٌ وهادٍ جُرْشُعُ
يعني الحميرَ نكِرن الصائد. فامترَسَتْ هَوْجاء (٢)، يعني الأتانَ امتَرَستْ بالفحل: جعلت تُكادّه وتسير معه. والهَوْجاء (٢): التي ترفع رأسها لتتقدّمه. وهادٍ، يعني الفحلَ.
وجُرْشُع: منتفِخ الجنين؛ وأراد أنه امتَرَس هو بها أيضًا.
فرَىَ فأَنْفَذَ مِن نَجودٍ (٣) عائطٍ ... سَهْما فَخرَّ وريشُه مُتَصَمِّعُ
يعني رمي الصائد. والنَّجود: الأتان الطويلة؛ وقال غيره (٤): المتقدّمة الجريئة.
والعائط: التي اعتاطت (٥) رحمُها فلم تحمل "فخرّ": يعني السهمَ. "ورِيشُه متصمِّع" يعني منضمّ كالأذن الصَّمْعاء، وهي اللطيفة الصغيرة. وبقرات متصمِّعات: منضمّات من العطش.
_________
(١) السطعاء: الطويلة العنق. والهادية: المتقدّمة. يقول: إن الحمر نكرن الصائد ونفرن منه وتلازم الأتان والحمار والتصق كل منهما بصاحبه فزعا ورعبا.
(٢) "هوجاء": رواية أخرى في البيت. وكان الأنسب أن يفسر السطعاء أيضًا، إذ هي المثبتة هنا.
(٣) في رواية: "نحوص" مكان قوله: "نجود". والنحوص من الأتن: الحائل التي لم تحمل.
يقول: إن الصائد رمى بسهمه فأنفذه في أتان طويلة، فخرّ السهم وريشه منضم بعضه إلى بعض من الدم.
(٤) يلاحظ أنه لم يذكر مرجع الضمير في قوله: "غيره". وعبارة السكري: "وقال غير الأصمعي".
(٥) اعتاطت رحمها، أي اعتاصت.
1 / 8
فبَدَا له أَقْرابُ هذا رائغا ... عَجِلًا فعيَّثَ في الكِنانة يُرْجِعُ (١)
فبدا للصائد. أقراب هذا، أي خواصر هذا الحمار وهو رائغ. فعيَّثَ،
أي أمال يده إلى كنانته ليأخذ سهما، ومنه: عاث الذئب في [الغنم] (٢): إذا مدّ يده وأهوى إليها؛ وهذا أصله "عاث في الأرض"، أي أفسد.
فرَمَى فأَلحْقَ صاعدِيًّا مِطْحَرًا ... بالكَشْحِ فاشتملَتْ عليه الأضْلُعُ
صاعديًّا: يعني سهما منسوبا (٣). والمِطْحَر: السهم البعيد الذهاب، ويروى:
"مُطْحَرا"؛ وهو الّذي أُلزِقَتْ قُدَذُه. والقُذّة: الريش. أُطحِرَتْ خِتانَتُه أي أُخِذتْ جدّا. فاشتملت الأضلع على السهم، أي لبستْه.
فأَبَدَّهُنَّ حُتُوفَهُنّ فهارِبٌ ... بذمائه أو بارِكٌ متجَعْجِعُ (٤)
_________
(١) يقول: إن الصائد بعد أن رمى الأتان ظهرت له خواصر هذا الحمار حائدا عنه، فأمال يده إلى كنانته ليأخذ سهما آخر يرميه به. وهذا هو معنى التعبيث والإرجاع في البيت .. يقال: "أرجع يده إلى كنانته ليأخذ سهما"، أي أهوى بها إليها. وفي رواية: "رائغا * عنه".
(٢) لم ترد هذه الكلمة في الأصل؛ وأداة الجرّ قبل تقتضي إثباتها أخذا من كتب اللغة.
(٣) منسوبا، أي إلى (صعدة) على غير قياس، وهي قرية باليمن، كما ذكره ابن الأنباري. وفي اللسان مادة "صعد" أن الصاعدي نسبة على غير قياس إلى بنات صعدة، وهي حمير الوحش؛ واستشهد بهذا البيت. وقال الأصمعي: إنه لا يدرى إلى من نسبه.
(٤) روى أيضًا في الأصل: "فظالع"؛ والظالع: الذي في مشيته ما يشبه العرج.
وروى: "بدمائه" بالدال المهملة. وروى "أو ساقط". يقول: إنه قد فرّق أسهمه في الحمر فأعطى كل واحد نصيبه من الموت، فمنها ما هرب ببقية نفسه، ومنها ما صرع ولصق بالأرض.
1 / 9
فأَبَدَّهُنّ (١)، أي الصائد أعطى كلّ واحدة منهنّ حَتْفَها، أي رمى كلّ واحدة بسهم.
وقوله: "بذَمائه"، ببقيّةٍ من نَفْسه. "متجَعْجِع": لاصق بالأرض قد صُرع.
يَعْثُرنَ في حَدِّ الظُّباتِ كأنّما ... كُسِيَتْ بُرودَ "بَني يزيدَ" الأَذْرُعُ (٢)
شبّه طرائق الدم في أذرعهنّ بطرائق تلك البرود؛ لأنّ تلك البرُود تضرب إلى الحمرة. والظُّبة: طَرَف النَّصْل. يقول: "يعثرن في حدّ الظُّبات (٣) " والظُّبات: جمع ظُبَة.
والدّهُر لا يَبْقَى على حَدَثانهِ ... شَبَبٌ أفَزَّته الكِلابُ مُرَوَّعُ (٤)
الشَّبَب: الثور المسن (٥). أفزّته: استخفّتْه (٦) وطردتْه.
شَعَفَ الكِلابُ الضارِيات فؤادَه ... فإذا يَرىَ الصُّبحَ المصدَّقَ يفْزعُ (٧)
_________
(١) أخذ هذا اللفظ من البدّة بضم الباء وتشديد الدال، وهي النصيب؛ يقال: "أبدّ بينهم العطاء وأبدّهم إياه": إذا أعطى كل واحد منهم بدّته، أي نصيبه على حدة ولم يجمع بين اثنين.
(٢) روى الأصمعي "يعثرن في علق النجيع" الخ. والعلق: قطع الدم. والنجيع: الطري منه.
وفي رواية: "بني تزيد" بالتاء، وهو تزيد بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، تنسب إليهم البرود التزيدية. وروى أبو عبيدة: "برود أبي يزيد". قال: وكان تاجرا يبيع العصب بمكة.
(٣) يلاحظ أنه لم يذكر معنى البيت كما كان يقتضيه قوله: "يقول" وإنما أتى بنص العبارة الأولى منه؛ فلعل في الكلام نقصا.
(٤) في رواية: "مفزع" مكان قوله: "مروع". وقد بدأ الشاعر يصف حال ثور الوحش ومصير أمره مع كلاب الصيد وصاحبها، كما وصف حمر الوحش ومصير أمرها مع القانص.
(٥) وكذلك الشبوب والمشب بكسر الميم مع فتح الشين، وضم الميم مع كسر الشين.
(٦) عبارة القاموس وغيره: "أفززته": أزعجته؛ وهو أنسب بقوله بعد: "مروّع"؛ وقد استشهد شارحه ببيت أبي ذؤيب هذا. وفي رواية: "أفزته" بالراء المهملة مكان الزاي المعجمة ومؤدّى اللفظين واحد.
(٧) في رواية: "شعف الضراء الداجنات". والضراء من الكلاب: التي عوّدت الصيد، واحده ضرو بكسر الضاد. والداجنات: الأوالف المربَّيات للصيد.
1 / 10
يقول: الكلاب أذهبن فؤاد الثور. والضاريات: المتعوّدات. والصبح المصدَّق: المضيء، يقال: صبحٌ صادق وصبحٌ كاذب. وإنما يفزع عند الصبح لأن الصائد يباكره.
ويَعُوذُ بالأَرْطَى (١) إذا ما شَفَّهُ ... قَطْرٌ وراحَتْهُ بَلِيلٌ زَعْزَعُ
يقول: يعوذ بالأرْطَى ليمتنع. شفّه: جِهَده. وراحَتْه: أصابته ريح. بَلِيل: شمال باردة تنضح الماء. وزَعزَع: ريح شديدة تحرّك كل شيء.
يَرْمي بعَيْنيَه الغُيوبَ وطَرْفُه ... مُغْضٍ، يُصَدِّق طَرْفُه (٢) ما يَسْمَعُ
الغُيوب: الواحد غَيْب، وهو الموضع الذي لا يُرى ما وراءه. فالثور يرمي بطرقه المواضعَ التي لا يُرى ما وراءها يخاف أن يأتيه منها ما يكره. يقول: هو ينظر ثم يُطرِق وله بين ظَهْرَيْ (٣) ذلك النظر إغضاء. "يصدِّق طرفُه": يقول: إذا سمع شيئًا رمى ببصره فكان ذلك تصديقا لما سمع؛ لأنه لا يغفل عن النظر حين يتسمّع.
فغدَا يشرِّق مَتْنَه فبدا له ... أُولىَ سَوابقِها قريبًا تُوزَعُ
_________
(١) في رواية "ويلوذ"؛ ويلوذ ويعوذ كلاهما بمعنى واحد. وفي رواية "ورائحة بليل".
والأرطى: واحده أرطاة، وهو شجر ينبت بالرمل، ينبت عصيا من أصل واحد، ويطول قدر قامة، وله نوار مثل نوار الخلاف، ورائحته طيبة، والبقر تعتاده وتلجأ إليه من المطر والريح الشديدة.
(٢) ذكروا في تعليل أن نظر الثور يصدّق سمعه أن سمع الوحشية أقوى من بصرها. وروى أبو جعفر أحمد بن عبيد "طرفه" بالنصب، وجعل "ما" فاعلا لقوله: "يصدّق".
(٣) بين ظهري ذلك النظر، أي في وسطه؛ وكل ما كان في وسط شيء فهو بين ظهريه وظهرانيه.
وعبارة السكريّ: "بين ذلك النظر".
1 / 11
فغدا الثور يشرِّق متنَه للشمس ليجفَّ ما عليه من الندى، فظهر له أُولى سوابقِ الكلاب قريبا تُوزَع. قال الأصمعي: "تُوزَع": تُكَفّ (١) ليجتمع بعضُها إلى بعض. وقال غيره: تُغرَى.
فاهتاجَ مِن فَزَعٍ وسَدَّ فُروجَه ... غُبْرٌ ضَوارٍ: وافِيانِ وأَجْدَعُ (٢)
ويروَى: "فانصاع (٣) من فَزَعٍ". "وسَدَّ فُروجَه"، بالعَدو.
والفُروج: ما بين القوائم. والغُبْر: الكلاب تَضرب إلى الغُبْرة. ضَوارٍ: قد ضَرِيَتْ وتعوّدتْ. وافيان: لم تُقْطعَ آذانُهما. وأَجْدَع: قد قُطِعت أذنه، وهي علامةُ تُعلَّم بها الكلاب.
يَنْهشنَه ويَذُبُّهُنّ ويَحْتَمِي ... عَبْلُ الشَّوَى بالطُّرَّتَيْنِ مُوَلَّعُ (٤)
_________
(١) تكفّ، أي تكفّ عن التقدم ويردّ ما سبق منها إلى ما تخلف عنها؛ وإنما يريد الصائد جمع كلابه بعضها إلى بعض، لأنها إذا لقيت الثور فرادى لم تقو وقتلها واحدا بعد واحد، وإذا اجتمعت أعان بعضها بعضا.
(٢) في رواية "فارتاع". وفروج الثور: ما بين قوائمه. يقول: إنه حين رأى الكلاب قادمة نحوه ملأ ما بين قوائمه بالعدو الشديد الذي لم يدع انفراجا بينها لسرعة حركتها؛ فأسند الفعل إلى الغبر -وهي الكلاب التي تضرب إلى الغبرة- لأنها هي التي أفزعته وحملته على العدو. ويجوز أن يفسر قوله: "وسدّ فروجه غبر" بأن الكلاب دخلت بين قوائمه وأتته من جميع وجوهه، فلم تدع له وجها ينفذ منه. وفي رواية: "غبس" مكان قوله: "غبر" "وهي رواية في الأصل أيضا، وهي الكلاب تضرب غبرتها إلى السواد. وروى: "غضف" والغضف من الكلاب: التي طالت آذانها واسترخت وتكسرت خلقة، الواحد أغضف.
(٣) فانصاع أي ذهب في ناحية.
(٤) في رواية: "ينهسنه" بالسين. قال الأصمعي في الفرق بين النهش والنهس: إن النهش هو تناول اللحم أو الشيء من غير تمكن شبيها بالاختلاس. والنهس: أن يأخذ الشيء، متمكنا بمقدم الأسنان؛ نقله ابن الأنباري، وفي رواية: "ويذودهن". يقول: إن الكلاب ينهشن الثور وهو يدفعهن عنه ويحتمى منهنّ؛ ثم وصفه بأنه غليظ القوائم في طرتيه ألوان مختلفة.
1 / 12