ومما يُلاحظ من سيرة الشاعر أن ظلم أعمامه له قد ترك عنده ردّة فعل سلبية فبدل أن يذعن للأمر الواقع، تمرد على حدود القبيلة واجترأ على الأقارب واندفع نحو الملذات ينفق على أصحابه وخلّانه مما زاد من حقد عشيرته عليه معزولًا يعيش بمفرده وهو في ذلك يقول:
إلى أن تحامتني العشيرة كلها ... وأفردتُ إفراد البعير المعبد (١)
ولكن كيف يُكتب لحياة كحياة طرفة أن تدوم ومن أين يأتي بالمال وليس عنده مورد يدر عليه. أضف إلى ذلك أن صحبة السوء التي كانت بجانبه تخلت عنه حين أصبح صفر اليدين:
أسلمني قومي ولم يغضبوا ... لسَوْءة حلت بهم، فادحهْ (٢)
كلُّ خليلٍ كنت خاللته ... لا ترك الله له واضحهْ (٣)
كلهم اروغ من ثعلبٍ ... ما أشبه الليلة بالبارحهْ
عاد طرفة إلى أهله لا يلوي على شيء ولا يملك شروى نقير، فحمله أخوه معبد بن العبد على رعاية إبله فأهملها. فأنبه أخوه وقال له: «تُرى إن أخذت تردها بشعرك هذا؟». فقال طرفة: «لا أخرج حتى تعلم أن شعري يردّها». فلجأ طرفة إلى ابن عمه مالك ليعينه على استرجاعها من آخذيها، وكانوا قومًا من مُضر. فانتهره مالك بعنف فتألم الشاعر ونظم معلقته واصفًا حالته وجور أهله عليه وذكر فيها سيدين من أقربائه فمدحهما بكثرة المال والولد وقال:
_________
(١) البعير المعبد: البعير الأجرب.
(٢) السوءة: العشرة السيئة. الفادحة: المصيبة.
(٣) الواضحة: السن التي تظهر عند الضحك.
1 / 4