Nazarin Akan Mazhabobin Adabi Da Zamantakewa
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
Nau'ikan
لو رآه السقاة ما حققوه
صوروه كما يشاءون حتى
عجب الناس كيف لم ينطقوه
فهذه الفكاهات وأشباهها هي الباب الوحيد الذي ظهر فيه شوقي بملامحه الشخصية؛ لأنه أرسل نفسه فيه على سجيته وانطلق من حكم المظهر والصنعة والقوالب العرفية التي تنطوي فيها ملامح الشخصية وراء المراسم والتقاليد.
وهنا يبرز للقارئ من ملامح شوقي ما لم يبرز له من جميع دواوينه ورواياته، فيراه بما جبل عليه من حب الحيلة والعمل الخفي والاستراحة إلى مقالب النكاية التي تنطوي في الدعابة، ويرى كيف يدور وعيه الباطن ويدور ليتحدث عن حيلة الحاوي واختلاس المستعمر وابتلاع أمواه البحار وسرقة الكرم والزهر من الفردوس ومكامن البراغيث في حفائر الأسنان.
غير أن القوالب هنا تتسلل بحكم العادة إلى السليقة فتفرض عليها وجودها في إبان انطلاقها من قيودها، وكذلك يقول شوقي عن الكرم: إن المصورين كادوا أن ينطقوه مع أن الكرم الأصيل لا ينطق ولا يسمع له صوت، ولكنه مشى مع مبالغات التشبيه فقال عن صورة الكرم كما يقال عن صور الإنسان والحيوان.
ومن قبيل هذه النزعة القالبية أنه يسأل البحر الأبيض أن يبلع ماءه؛ لأن المستعمرين يريدون أن يبلعوه، وهو لو أصبح بغير ماء لوطئه المستعمرون بغير عناء.
إلا أن هذه المقطوعات الفكاهية التي لصقت بالديوان كأنها نافلة فيه قد حلت منه في محل أصيل لا غنى عنه لإنصاف شاعرية الشاعر، وإنصاف الموازين التي اعتمدنا عليها في نقد شعر زملائه في أول دعوتنا الأدبية، فمن هذه المقطوعات يظهر الفارق في كلام الشاعر الواحد بين الشعر الذي يستوحيه من سجيته ويستودعه ملامح نفسه وبين الشعر الذي تغلب عليه القوالب العامة بغير تمييز بين الطبائع والخصائص النفسية، وقد كان لشوقي نصيبه من وحي الشخصية حين ينطق معه بغير قيد من قيود العرف والتقليد، ولكن نطاق المدرسة التي كان يمثلها - وهي مدرسة التقليد المبتكر - لم يكن ليتسع في وقته لمزيد من الاستقلال أو المزيد من مقاومة البديهة المتحررة من بقايا الزمن القديم.
وقد مضت خمس وعشرون سنة بعد وفاة شوقي - رحمه الله - لم تغير من حقائق أدبه ولا من حقائق الأدب على الإجمال شيئا من جوهرها الصميم، ولكنها غيرت من نظرات القراء كما غيرت من شعورهم وموازين ثقافتهم، فهم اليوم أقرب إلى الحدود الواضحة في مسائل الأدب التي كانت ملتبسة الحدود قبل جيل أو جيلين.
كانوا قبل خمسين سنة يطلقون اسم الأدب الجديد على أدب لا جديد فيه إلا أنه مخالف لما قبله.
Shafi da ba'a sani ba