Dirasat Falsafiyya Gharbiyya
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
Nau'ikan
canon ، وآلة الإيمان
organon
الأول هو الإيمان الديني الخالص القائم على العقل دون قواعد، والثاني هو الإيمان الكنسي الذي يقوم على القواعد، ويتطلب الوحي. يقول اللاهوتي الكتابي: ابحثوا في الكتاب تجدوا سعادتكم، وكأن سعادة الإنسان تكمن في نص مكتوب. إن المبادئ والتصورات لا تؤخذ من كتاب حسي تاريخي، قد يتفق مع الإيمان الديني، وقد يختلف. وتصر كلية اللاهوت الكتابي على الكتاب، وكأن الإيمان بهذه الأشياء جزء من الدين. وهنا تأتى كلية الفلسفة وتدخل في الصراع من أجل إيضاح هذا الخلط. وما يقال عن منهج التفسير يقال أيضا عن تعاليم الحواريين المرتبطة بعصر وزمان معينين، سواء سلبيا عن طريق التسليم ببعض الآراء الخاطئة في عصرها لكيلا تصطدم بعقائد الناس الشائعة مثل التسليم بوجود الأرواح الشريرة؛ أم إيجابيا مثل إيثار شعب معين، والانتقال من الإيمان القديم إلى الإيمان الجديد. خلاصة الأمر: إن علم التفسير هو أحد موضوعات الصراع بين كلية اللاهوت وكلية الفلسفة. تتهم الأولى الثانية باستبعاد العقائد الموحى بها أو تأويلها، بحيث تتفق مع العقل، وتتهم الثانية الأولى بإهمال الدين الباطني الخلقي الذي يقوم على العقل. إن كلية الفلسفة تهدف إلى الحقيقة؛ وبالتالي تضطر إلى تأويل النصوص. ولا يعني ذلك أن التفسير يكون فلسفيا فقط، بل تكون مبادئ التفسير فقط هي كذلك؛ لأن مناهج التفسير التاريخية أو اللغوية في كل الأحوال تعتمد على مبادئ يمليها العقل.
ويطرح كانط أربعة مبادئ فلسفية لتفسير الكتاب، من أجل حل الصراع بين كلية اللاهوت وكلية الفلسفة في موضوع التفسير، وهي: (1)
إن آيات الكتاب التي تحتوي على بعض العقائد النظرية والمسلم بها على أنها مقدسة، ولكنها تتجاوز حدود العقل، يمكن تفسيرها بالعقل. أما تلك التي تتضمن قضايا ضد العقل العملي، فإنه يجب تأويلها، وهو ما قاله علماء أصول الفقه من قبل، وهو أن الخبر المتواتر يعطي اليقين، نظرا وعملا، في حين أن خبر الواحد يكون ظنيا في النظر، ولكن يقينيا في العمل. ويضرب كانط على هذا المبدأ مثلين؛ الأول: عقيدة التثليث؛ فهي من الناحية الحرفية لا شأن لها بالحياة العملية، على عكس أوغسطين الذي يرى أن التثليث كائن في كل خلجة من خلجات النفس الإنسانية، وفي كل مظهر من مظاهر الطبيعة. فالتثليث النظري لا يهم عند كانط، إنما المهم هو آثاره في الأخلاق العملية. وكذلك عقيدة التجسد التي تجمع بين الله والإنسان وتضعهما معا في التاريخ؛ إذ ليس من أثر لهذه الحقيقة في الحياة العملية. فسواء أكانت المادة روحا أم كانت الروح مادة، فلا أثر لذلك في الحياة العملية، على عكس ما قاله أوغسطين في آثار ذلك على الأخلاق والعيش روحيا في العالم المادي أو ماديا في العالم الروحي. ويهاجم كانط ما قاله الحواري بولس من أنه إذا لم يبعث المسيح فإن بعثنا يكون على غير أساس لأنه أقام حقيقة عملية خلقية على ظن نظري وهو واقعة بعث المسيح. وكذلك يقال الشيء نفسه في العشاء الرباني، فسواء أحدث تاريخيا أم لم يحدث، فإنه يعني الوداع، وداع المعلم التلاميذ. والموت والجرح على الصليب لا يهم، إذا كان قد حدث تاريخيا أو لم يحدث، فذلك يعني فشل المشروع. ولماذا الدخول في مناقشات حول صحة الروايات التاريخية مع أن العقل يكفينا، بإعطائنا اليقين العملي؟ وهنا يبدو أن كانط كان مؤسس هذا النقد الخلقي والفلسفي والروحي للكتاب المقدس، والذي سارت فيه البروتستانتية الخلقية، والكاثوليكية فيما بعد، دون أن يعطي اهتماما، كما فعل اسبينوزا من قبل، لنقد النصوص اعتمادا على العقل. ويضرب كانط مثلا ثانيا بآيات الكتاب التي تعارض تصورنا العقلاني لله ولإرادته؛ فقد اتفق اللاهوتيون على ضرورة فهم التشبيه بما يتفق ومقتضيات التنزيه، فالعقل هو المفسر الأعظم. كما أن عقيدة بولس في القضاء المسبق تمثل رأيه الخاص الذي لا يتفق مع العقل لأنه ضد الحرية واختيار الأفعال والمسئولية والأخلاق. (2)
إن الإيمان بالعقائد النصية التي يوحى بها يكون إيمانا صحيحا إذا عرفنا أنها لا تحتوي على أية قيمة نظرية في ذاتها، وأن غيابها أو الشك فيها ليس عيبا ولا نقصا لأن الدين هو ما وقر في القلب وصدقه العمل. والعمل هو الذي يهم، وليس النظر. ويكون مقياس صحة العقائد النصية، هو مدى اتفاقها أو اختلافها مع العمل. ليست العقيدة هي الإيمان بل العمل؛ إذ إن الإيمان النظري لا يمكن البرهنة عليه مثل العماد، في حين أن الإيمان العملي ظاهر للعيان في سلوك الأفراد. إن العقائد تهم الكنيسة وحدها ونظامها وسلطتها؛ فهي تعيش عليها وتتعيش منها، ولكنها لا تهم الإيمان الباطني واليقين الخلقي. ويبدو أن كانط ينزع هنا نزعة صوفية خالصة، تحيل الدين إلى مجرد أخلاق عملية، هروبا من العقائد النظرية الظنية. (3)
إن العمل يكون نتيجة لاستعمال الإنسان الخاص قواه الخلقية، وليس نتيجة علة فاعلة خارجية علوية، يقف الإنسان أمامها موقفا سلبيا عاجزا؛ لذلك يجب تأويل النصوص التي توحي بهذه العلة، بحيث تتفق مع المبدأ الأول. ويبدو كانط هنا مدافعا عن حرية الاختيار ضد الجبر في الأفعال، مبرزا إرادة الإنسان ومسئوليته الخلقية، في مقابل وضعه السلبي في اللاهوت، بين خطيئة آدم وخلاص المسيح، فلا هو يتحمل وزر آدم الذي تاب الله عليه، ولا هو خلص نفسه بنفسه. (4)
عندما لا يكفي السلوك الشخصي لتبرير الإنسان أمام ضميره، يسمح للعقل بأن يعترف بحدوده، وبأنه في حاجة إلى شيء مكمل يأتيه من فوق الطبيعة، لإكمال نقصه؛ وبالتالي يجب تفسير النصوص الخاصة بذلك، والمتعلقة بشعب معين على هذا الأساس. ويبدو أن كانط هنا يشير إلى عقيدة الاختيار في العقائد اليهودية، ويحاول تفسيرها، بحيث تتفق مع مبادئ العقل، وهو طلب العون بقرار من العقل، ولكن حتى هذا التفسير لا يبدو متفقا مع فلسفة كانط العقلية الصارمة لأنه يعترف بإمكانية عجز العقل، وبأن له حدودا، وبأن وراءه قوة أخرى قادرة على تجاوز هذه الحدود، وهو الموقف اللاهوتي التقليدي الذي يرفضه كانط. فإذا كانت المبادئ الثلاثة الأولى تمثل خطوات إلى الأمام، فإن هذا المبدأ الرابع يمثل خطوة إلى الخلف، بالنسبة لفلسفة كانط، وإن كانت تمثل خطوة إلى الأمام بالنسبة لفهم عقيدة الاختيار في اليهودية. فإذا ما اعترض اللاهوتي الكتابي على هذه المبادئ الأربعة قائلا بأنها تشير إلى دين الطبيعة، وليس إلى المسيحية، أمكن الرد عليه بسهولة بأن المسيحية هي دين الطبيعة والعقل، كما لاحظ لسنج من قبل، حتى ولو كان مصدرها من خارج الطبيعة.
ونظرا لأهمية الاعتراضات التي يمكن أن توجه لمبادئ كانط الفلسفية في التفسير لحل موضوع الصراع، فإنه يورد نوعين من الاعتراضات؛ اعتراض اللاهوتي النصي الكتابي، واعتراض العقل ضد نفسه وضد التفسير العقلي للكتاب. يوجه اللاهوتي الكتابي اعتراضين؛ الأول: أن هذه أحكام كلية الفلسفة التي لا يجب أن تدخل في ميدان اللاهوت النصي. ويمكن الرد على ذلك بأن إيمان الكنيسة في حاجة إلى علم تاريخي، أما الإيمان الديني الباطني فإنه يحتاج إلى العقل وحده . فتفسير الأول كحامل للثاني يتم بمقتضى العقل. فيكون الأول وسيلة، والثاني غاية، وليس هناك من هو أعلى من العقل بشأن الخلاف حول الحقيقة. لا خطر إذن على اللاهوت من الفلسفة، بل إنه لشرف له حل الخلافات بين اللاهوتيين النصيين. وعلى أي حال، في الوقت الذي يتوقف فيه اللاهوت عن استخدام الفلسفة تتوقف الفلسفة عن التدخل في اللاهوت؛ والاعتراض الثاني: أن هذه المبادئ الفلسفية العامة في التفسير مجرد تفسيرات رمزية صوفية، وليست نصية أو فلسفية. وهذا غير صحيح في رأي كانط لأن التفسير النصي هو التفسير الرمزي الذي يأخذ العهد القديم باعتباره مجرد حكاية رمزية
AIIégorie . أما التفسير الخلقي، فإنه يستبعد التفسير الصوفي لأن الأحلام والرؤى تأتي من خارج الطبيعة، في حين أن الأخلاق تعتمد على العقل، أي على الطبيعة.
Shafi da ba'a sani ba