Dirasat Falsafiyya Gharbiyya
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
Nau'ikan
هذه الوحدات الصغيرة المستقلة لها حياتها منذ نشأتها في الشعور التاريخي للجماعة الأولى ونقلها شفاهيا ثم تدوينها ثم الجمع بينها في وحدات أكبر حتى جاء كتاب الأناجيل وربطوا بين الأجزاء في إطار وتصور واحد لخدمة أهداف معينة. مهمة الباحث إذن الصعود أو الرجوع إلى الأشكال الأولى لكل تراث ورصد التغيرات التي طرأت عليه ثم المقارنة بين نصوص الأناجيل والنصوص المشابهة المحيطة في الآداب الشعبية القديمة أو في أدب الأحبار. كتاب الأناجيل ليسوا إذن مؤلفين بل هم مجمعون ومحررون لمادة موجودة سلفا نسقوا بينها. وكل مادة لها تاريخ سابق استعملتها الجماعة الأولى تحقيقا لمصالحها، لها قلب أو نواة أو محور ثم حدثت إضافات عليها فيما بعد طبقا لقوانين تطور العمل الأدبي ونقل الرواية الشفاهية، وأهمها قانون الإيجاز والإطناب. فالإيجاز هو الأصل، ثم تضاف الأسماء والتفاصيل كما هو الحال في قصة الغني الباحث عن عيسى (مرقص، 10: 17-22). فهو عند لوقا رئيس وعند متى شاب، وفي إنجيل الناصريين
Nazaréens
أن أحدهما هز رأسه بعدما سمع مطلب عيسى. ويبين إنجيل العبرانيين أن الرجل صاحب اليد الجافة كان بناء، يكسب قوته من عمل يديه، ويتمتم بصلاة متكيفة مع الموقف؛ وبالتالي تكون عملية النقد هي تخليص الرواية من هذه الزيادات من أجل الحصول على النواة الأولى. كل مقطع له نقطة مركزية مثل مسح بطانيا (مرقص، 14: 3-9). كما أن نداء التلاميذ (مرقص، 1: 16-20) مقطع تحول في لوقا (5: 1-11) إلى حكاية خيالية ابتداء من قول عيسى «سأجعلكم صيادي بشر.» ويعترف كل من ديبليوس وبولتمان أن المقاطع لم يتم حفظها في حالتها الأصلية بل زادت عليها التحديدات الزمانية والمكانية فيما بعد. وقد لاحظ جونكل القانون نفسه وطبقه على روايات العهد القديم. وقد لا تخضع جميع المقاطع للقانون ذاته؛ إذ قد ينطبق الإيجاز على أحدها بينما ينطبق الإطناب على آخر. (د)
الموقف الحياتي
Sitz im Leben :
هذه الوحدات الصغيرة نشأت في بدايتها كمواعظ تبشيرية لخدمة إيمان الجماعة الأولى ونشر عقائدها. فهي في الأصل مواعظ وليست تاريخا، هدفها التبشير، وليس رصد الوقائع؛ ومن ثم فهي وحدات تعيش في شعور الجماعة، ولا يمكن فهمها إلا في وضعها الحياتي في إطار البواعث والوظائف والأهداف والمصالح التي تحرك الجماعة. فالجماعة تحركها عواطف وانفعالات، ولها تصوراتها للعالم، وعقائدها وولاءاتها المتباينة والتي يمكن على أساسها معرفة كيفية تكوين الأناجيل والربط بين الوحدات الصغيرة والبواعث على خلق الروايات ومصالح الجماعة وتفسير الاختلافات بينها. فقد كان هدف متى إثبات عيسى كمخلص
Messia
وإثبات شرعية الكنيسة. وكان هدف مرقص تصوير عيسى على أنه أحد الفقراء
Ebionit
حتى يحظى بإيمان اليهودية. وقد تدخلت هذه البواعث في طريقة صياغة الأناجيل والربط بين الوحدات الصغيرة في مجموعات أكبر. بل لقد استقل هذا الموضوع في نقد مستقل سمي «نقد التدوين»
Shafi da ba'a sani ba