Addini
الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
Nau'ikan
وأما المقدمة الثانية فلأن الواجب المطلوب - وهو تحقيق الخير المطلق لذاته غير مشوب بطلب منفعة، ولا معاضدا بنزعة شريفة أو غيرها - إن لم يكن ممكنا لم يكن واجبا، كما يعترف به «كانت»، وإن كان يمكن تحقيقه في مرحلة ما من مراحل الحياة المستقبلة لم يبق لفرضية أبدية الروح مستندا؛ إذ يكون القول ببقائها لحظة واحدة بعد أداء الواجب قولا بما هو أكثر من المطلوب، وإن كان ليس هناك لحظة واحدة في الحاضر ولا في المستقبل يمكن فيها إخلاص الامتثال، يكون القول بالخلود قولا بما هو دون المطلوب؛ لأنه متى فرض أن انضمام أدنى باعثة للخير إلى باعثة الامتثال المجرد يهدم الفضيلة من أساسها؛ أصبحت المسألة ليست مسألة تدرج يترقى فيها الناقص نحو الكمال، بل هي مسألة أعداد سلبية متتالية؛ وضم السلب إلى السلب لا ينتج إيجابا، ولو سار إلى غير نهاية، على أن التكمل على الوجه الذي يفهمه «كانت» يفضي بنا إلى صورة عجيبة جدا؛ إذ لا بد أن يفترض أن النزعات الشريفة في تلك الحياة الباقية تأخذ في الاضمحلال شيئا فشيئا، لتحل محلها نزعات مقاومة للخير؛ تحتاج إلى مجاهدة عنيفة تزداد عنفا على مر الزمان؛ ليكون أداء الواجب معها لمحض الواجب رغم كل مقاومة. فما أبدع هذا الفردوس الذي لا يتبوأ عرشه إلا الشياطين!
وأما المقدمة الثالثة فلأنها أدخلت باسم قانون الأخلاق عنصرا غريبا عن قانون الأخلاق، وهو مطلب السعادة بمعناها العامي - ألا وهو تحقيق الأماني وإرضاء الرغبات الحيوية - والواقع أن الفضيلة والسعادة بهذا المعنى حقيقتان متباينتان: إحداهما إلزام عقلي يجيء من عل، والأخرى نزعة مادية تلتمس وتتضرع لقضاء حاجتها. وطلب النفس الجمع بين هذين الطرفين، تشوفا إلى قانون أعلى ينتظم القانونين الأدبي والطبيعي وينسق اتجاههما؛ إنما هو تشوف إلى حلية شكلية، ووضع هندسي تكميلي، وليس تشوفا إلى ضرورة عقلية، ولا إلى مطلب أخلاقي. أما أن هذا الاتساق ليس ضرورة عقلية؛ فلأنه لا يلزم من فرض عدمه محال، ولا أدل على إمكان الانفصام بين القانونين من وقوع هذا الانفصام واستمراره بالفعل، وأما أنه ليس مطلبا أخلاقيا؛ فلأننا نعرف أن الفضلاء يغتبطون - وهم في أحضان البؤس والشقاء، يقاسون ألوان الحرمان وأنواع التضحيات - بمجرد شعورهم بإرضاء ضميرهم وأداء واجبهم، ويجدون في هذا متعة حقيقية لا تدانيها متعة في الحياة.
على أنه إذا كان لا بد للفضيلة من مقابل مادي، فلماذا نفرض هذا المقابل في حياة مستقبلة؟ لماذا لا نقدر أننا قد استوفينا هذا المقابل مقدما في أنواع النعم السابقة التي لا تحصى؟ وبذلك يكون واجب الفضيلة سدادا لدين قديم في أعناقنا لشكر تلك النعم، لا افتتاحا لمعاملة جديدة تنتظر الجزاء.
كل هذه الفجوات كان يمكن تجنبها لو أن الفيلسوف الألماني اختصر الطريق، بالانتقال مباشرة من القانون الأخلاقي المجمل إلى واضع هذا القانون وغارسه في النفوس؛ كما فعل «ديكارت» في فكرة «الكمال»، ولكن طريقة التعقيد والتحايل والدوران قد أطالت عليه الشقة، ولم تصل به في النهاية إلا إلى فرض غير محقق - في نظره - ولا قائم على أساس متماسك. (5) المذهب الاجتماعي ومناقشته
يخالف العلامة «دوركايم»
Durkheim
جميع المذاهب المتقدمة في دعواها أن التدين حالة نفسية تنبع من فطرة الفرد كلما فكر في الآفاق أو في نفسه، ويرى هو أن التدين وليد أسباب اجتماعية،
14
بل يذهب إلى أبعد من ذلك، فيزعم أن عناصر التفكير، وأسس المعرفة العقلية نفسها، ما هي إلا صور ولدتها حياة الجماعة، وطبعتها على غرار النظم الاجتماعية.
15
Shafi da ba'a sani ba