Addinin Mutum
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Nau'ikan
مع هذا المقطع من الفتوحات المكية تكتمل أمامنا الخطوط الرئيسية لمفهوم الخيال عند ابن عربي. ونستطيع هنا أن نلاحظ مدى اقتراب هذا المفهوم عنده من مفهوم ال
Anitya
في البوذية، والذي يؤدي معنى الجريان المستمر والتغير الدائم لكل ما في الوجود، وهو أحد الأسباب الرئيسية في الألم والشقاء، على ما تقرره الحقيقة الأولى من الحقائق النبيلة الأربع عند البوذا. كما يمكن أن نلاحظ بسهولة مدى اقتراب مفهوم الخيال عند ابن عربي، الذي يتجلى كقدرة فعالة تظهر الموجودات، من مفهوم المايا في الفكر الهندي؛ فالمايا كما شرحنا سابقا هي الوجود الوهمي للظواهر، وأيضا هي القوة الخلاقة للمطلق، بها يستعين على تشكيل مظاهر الكون المرئي. وتحصل المطابقة بين المفهومين عندما نرى أن ابن عربي يشير إلى الطبيعة، التي هي خيال، على أنها الأم العالية للكون، والتي تعادل مايا-شاكتي، القوة الأنثوية الخلافة المنبعثة عن المطلق في الفكر الهندي. يقول في الفتوحات: «وليس إلا الطبيعة في هذه الدار، فإنها محل الانفعال ... لأنها للحق بمنزلة الأنثى للذكر، ففيها يظهر التكوين؛ أعني تكوينا على ما سوى الله ... فللطبيعة القبول ... فهي الأم العالية الكبرى للعالم» (ج4، 150).
ويلجأ ابن عربي إلى استخدام زمرة أخرى من الرموز لمعالجة مسألة تجلي الألوهة في الطبيعة؛ فالألوهة لا تفعل في الطبيعة بشكل مباشر، بل بشكل غير مباشر، وعبر مرتبتين ينتقل الفعل خلالهما من الجانب الإلهي إلى المظاهر الطبيعية، وهما العقل الكلي أو القلم، والنفس الكلية أو اللوح المحفوظ؛ فقد ورد في الحديث الشريف: «إن أول ما خلق الله العقل.» وورد أيضا أنه: «أول ما خلق الله القلم.» فالعقل والقلم صنوان. يقول: «فأول موجود ظهر، مقيد فقير، يسمى العقل الأول، ويسمى الروح الكلي، ويسمى القلم ... وله أسماء كثيرة باعتبار ما فيه من وجود.»
15
ويقول أيضا: «فأول ما أوجد الله تعالى من عالم العقول المدبرة، جوهر بسيط لا صفة له، مقامه الفقر والذلة والاحتياج إلى باريه وموجوده ومبدعه، له نسب وإضافات ووجوه كثيرة، لا يتكثر في ذاته بتعددها، فياض بوجهين من الفيض؛ فيض ذاتي وفيض إرادي ... وله افتقار ذاتي لموجده سبحانه ... وسماه الحق سبحانه وتعالى في القرآن حقا وقلما وروحا، وفي السنة عقلا.»
16
ويتجه فعل العقل، الذي هو بمثابة القلم، إلى النفس الكلية التي هي بمثابة اللوح، فينتقش عليها ما سيكون في العالم إلى يوم القيامة. وهذه بدورها تنقل ما حملته من القلم لتظهره واقعا في عالم الموجودات، فيكون لها الانفعال (عن القلم) والفعل (في الطبيعة)، أما العقل فيبقى ملتزما دوره الفاعل. يقول في الفتوحات: «وأين مرتبة الفاعل من المنفعل؟! ألا ترى النفس الكلية التي هي أهل للعقل الأول، ولما زوج الله بينهما لظهور العالم كان أول مولود ظهر عن النفس الكلية هو الطبيعة.» وأيضا: «أول متعلم قبل العلم بالتعلم لا بالذات: العقل الأول. فعقل عن الله ما علمه، وأمره أن يكتب ما علمه في اللوح المحفوظ الذي خلقه منه ... واسم اللوح المحفوظ عند العقلاء: النفس الكلية. وهو أول وجود انبعاثي منفعل عن العقل، وهي (أي النفس) للعقل بمنزلة حواء لآدم.» وأيضا: «فكان بين القلم واللوح نكاح معنوي معقول، وأثر حسي مشهود ... وكان ما أودع في اللوح من الأثر مثل الماء الدافق الحاصل في الرحم، وما حصل من تلك الحكاية من المعاني المودعة في تلك الحروف الجرمية بمنزلة أرواح الأولاد المودعة في أجسامهم» (ج3، 399؛ وج1، 129).
كل هذا يصل بنا إلى نتيجة مهمة في فكر ابن عربي، وفي الفكر الصوفي عامة، حول تشخيص الألوهة وتجريدها، أو بالمصطلح الصوفي تشبيهها وتنزيهها. فالتشبيه والتنزيه متلازمان؛ لأن التنزيه يتطلب التشبيه، والتشبيه لن يقود إلا إلى التنزيه. ويذهب ابن عربي في القول بتلازم التشبيه والتنزيه مذهبا يوصله إلى القول بأن كل المعبودات التي توجه إليها البشر في كل مكان وزمان، لم تكن في واقع الحال إلا مجالي أسماء الله، وأن التوجه إليها بالعبادة لم يكن إلا طريقا لمعرفة الذات الإلهية الحقة؛ لأن الله قال في كتابه:
وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ، ولم يقل: وأمر ربك ألا تعبدوا إلا إياه. فكل عبادة تتوجه والحالة هذه لغير الله مآلها إليه. يقول في فصوص الحكم عن قوم نوح: «فقالوا في مكرهم:
Shafi da ba'a sani ba