Addinin Mutum
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Nau'ikan
12
يقول: «ويتطرق إليهم، أي إلى المخلوقات، الأفول والشروق، والتغير والبطلان، والتنقل من حالة إلى حالة أبدا؛
كما بدأكم تعودون (قرآن كريم). فهم الموجودون بغيرهم، والوجود لهم عارية ومجاز ومستعار. ولو كان الوجود لهم حقيقة لأشبه وجود الحق، تعالى الله علوا كبيرا. ألا كل شيء ما خلا الله باطل، وكل شيء هالك إلا وجهه. فبهذا نفهم أنه لا يسع مع وجوده تعالى شيء البتة؛ لأن البطلان يتطرق إلى الأشياء مع الخطرات، وما استفادت الممكنات من الحق تعالى إنما هو شروق شمس الإيجاد عليهم، ولو أمسك تجديد الإيجاد عنهم طرفة عين لانعدموا بلا زمان في أسرع من طرف العين» (تذكرة الخواص، 4).
13
وينجم عن قول ابن عربي بالخلق المستمر، واتصال المخلوقات بخالقها اتصالا غير مكاني ولا زماني، يهبها الوجود في كل لحظة، تصور للكون كمتصل مندمج غير منقطع؛ فكل حقيقة أو مرتبة في العالم متصلة بغيرها، بحيث تستمد من الأعلى وتمد الأدنى. ويجري هذا الإمداد عبر ما يدعوه ابن عربي بالرقائق. والرقائق هي صلات ممتدة بين الحقائق تشبه في رقتها أشعة الشمس في امتدادها إلى البصر؛ فكل حقيقة يشع منها رقائق تربطها بالحقائق الأعلى والأدنى، وعلى هذه الرقائق يصل الإمداد العلمي والوجودي من الحقائق الأعلى إلى هذه الحقيقة، وعليها توصيل الإمداد إلى الحقائق الأدنى.
14
وهذا ما يوصلنا إلى آخر الجوانب المهمة في معتقد وحدة الوجود، وهو: الكون الخيال.
فإذا كان الوجود الحقيقي هو لله وحده، فإن كل وجود آخر لا يعدو أن يكون خيالا، أو بالأحرى نتاج فعل الخيال الخلاق عند الذات الإلهية؛ فالحياة حلم، وكذلك كل ما نراه من صور الوجود الخارجي، فإنها خيال في خيال. وإلى هذا يشير الحديث الشريف الذي يقول: «الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا.» يقول في الفصوص: «فالعالم متوهم ما له وجود حقيقي، وهذا معنى الخيال؛ أي خيل لك أنه أمر زائد قائم بنفسه خارج عن الحق، وليس كذلك في نفس الأمر ... فاعلم أنك خيال، وجميع ما تدركه مما تقول فيه ليس أنا، خيال. فالوجود كله خيال في خيال، والوجود الحق إنما هو لله، خاصة من حيث ذاته لا من حيث أسماؤه» (الفص 9، فقرة 7 و8).
والخيال هو هذا الجريان الدائم، وما نراه عن تبدل في عالم الخلق. يقول في الفتوحات: «وحقيقة الخيال التبدل في كل حال والظهور في كل صورة، فلا وجود حقيقي لا يقبل التبدل في كل حال والظهور في كل صورة، فلا وجود حقيقي لا يقبل التبدل إلا الله. فما في الوجود المحقق إلا الله، وأما ما سواه فهو الوجود الخيالي ... فكل ما سوى ذات الحق خيال حائل وظل زائل، فلا يبقى كون ... ولا شيء مما سوى الله على حالة واحدة، بل تتبدل من صورة إلى صورة دائما وأبدا» (ج2، 313).
والخيال قدرة على التشكيل؛ ولذلك فإنه معادل للقدرة الإلهية ذاتها. يقول في الفتوحات: «ما أوجد الله أعظم من الخيال منزلة ولا أعم حكما، يسري حكمه في جميع الموجودات والمعدومات من محال وغيره؛ فليس للقدرة الإلهية فيما أوجدته أعظم وجودا من الخيال، منه ظهرت القدرة الإلهية ... وهو حضرة المجلى الإلهي في القيامة» (ج3، 508).
Shafi da ba'a sani ba