Addinin Mutum
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Nau'ikan
تشغل الفترة الممتدة فيما بين القرن السادس والقرن الأول قبل الميلاد في الهند، العصر الكلاسيكي للفكر الفلسفي والدين الهندي. وقد وضعت منذ بدايات هذا العصر القواعد الأساسية للاتجاهين الرئيسين في الفكر الديني الهندي، وهما: اتجاه مستقيمي الرأي، واتجاه الهراطقة. ومن حيث المبدأ، فإن الخلاف الرئيسي بين الاتجاهين يدور حول سلطة أسفار الفيدا
1
وقداستها؛ فبينما يعلي الاتجاه الأول من شأن الفيدا ويعتبرها بمثابة الوحي المنزل، فإن الاتجاه الثاني لا يحفل بها ولا يقيم لها وزنا. وقد طور الاتجاه الثاني المبدأ «اللاإلهي» في الدين (=
Atheism )، وهو المبدأ الذي يقوم على عدم الإيمان بوجود إله خالق للكون، ويرى بأن الإيمان بالآلهة هو إيمان زائف من حيث المبدأ. ويبدو أن الخطوة الأولى نحو اللاإلهية تبدأ في سياق الأفكار الدينية التقليدية التي تجسدها أسفار الفيدا، ففي هذه الأناشيد القديمة نتعرف على مجموعة من الآلهة التي يتحكم كل منها بظاهرة معينة من ظواهر الطبيعة، ويبدو في كثير من الأحيان متطابقا مع هذه الظاهرة، إلا أن كل إله من هؤلاء يبدو لنا وكأنه الإله الأعلى عندما تتوجه إليه الصلاة بالشكر والثناء والتسبيح، الأمر الذي يفرغ فكرة الإله الأعلى من مضمونها الفعلي. ومع أن الإله إندارا قد نال الحظ الأوفر من صلوات الفيدا، إلا أننا نجد في بعض هذه الصلوات مقاطع تسخر من قوته المشهورة وتلقي ظلالا من الشك حتى على وجوده. ورغم ندرة هذا النوع من الصلوات الذي يحتوي على النقيضين، فإن أهميتها تتعدى نسبتها الضئيلة هذه؛ وذلك بسبب تضمينها في أكثر النصوص الدينية الهندية قداسة. وإلى جانب هذين التوجهين، فإننا نلاحظ في بعض أسفار الفيدا، وخصوصا في الأقسام الأخيرة من ال «رج فيدا»، إشارات إلى إله غير معلوم يحيط بالكائنات جميعا؛ فهو الذي ظهر بقواه الخاصة قبل الموجودات جميعا وتنفس بغير هواء. كما نجد أيضا إشارات متفرقة إلى نظام خفي للكون يخضع له الكل بما فيهم الآلهة أنفسهم.
2
وبذلك تمهد الفيدا للاتجاهات الرئيسية الثلاثة في الديانة الهندية.
من الأديان الهندية الهرطقية ما ينص صراحة على عدم الاعتراف بوجود الإله الأعلى خالق الكون، وعدم أهمية الآلهة بالنسبة للإنسان، مثل الجاينية
Jainism ، ومنها ما ينفي وجود الإله الأعلى ضمنيا، وذلك برفضها لمناقشة هذا الأمر، مثل البوذية، أما داخل اتجاه مستقيمي الرأي الذي يعلي من شأن الفيدا، فلدينا ست مدارس بينها واحدة على الأقل تنكر وجود الآلهة. وقد قام بين هذه المدرسة والمدارس الأخرى جدال فلسفي دام قرونا حول وجود الإله الخالق أو عدمه، وقفت فيه إحدى المدارس المثبتة لوجود الإله موقف الوسط؛ إذ قالت بأن الحجج على وجود الإله الخالق مقبولة وذات قدرة على الإقناع على مستوى حقائق الحياة اليومية، أما على مستوى المعرفة الدينية الأعمق، فإن الكائن الأعلى هو حقا وهم. وقد انهمكت الجاينية من طرفها في هذا الجدال الفكري، ونظرا إلى أن هذه الديانة ترفض فكرة الإله من أجل تسويغ وجود العالم، فقد تقدمت بثماني حجج تدافع فيها عن معتقدها، لا يتسع مجالنا هنا لسردها. أما البوذية فلم تحفل قط بخوض أي جدال يدور حول الآلهة؛ لأنها لا تحفل بها أصلا، ولا تقيم تعاليمها على نفي أو إثبات وجود كائن أعلى. ولعل من المهم أن نثبت هنا أن هذا الجدال الفكري، على أهميته بين المدارس الفكرية المختلفة في الهند، لم يتخذ طابعا هجوميا عدوانيا، ولم يحاول أي اتجاه فرض وجهة نظره بالقوة على الاتجاهات الأخرى، وذلك عبر التاريخ الديني الطويل للقارة الهندية.
3 (1) الجاينية: ديانة علمانية
الجاينية هي الديانة الثانية التي يذكر لنا تاريخ الدين اسم مؤسسها ويروي سيرة حياته. وقد ألمحنا في موضع سابق إلى أن الزرادشتية كانت الديانة الأولى التي قامت على أفكار وتعاليم وسيرة حياة مؤسس فذ، مفتتحة بذلك عصر الوحي، والأديان التي تنشأ عن تجربة روحية معممة لفرد واحد.
Shafi da ba'a sani ba