Addinin Mutum
دين الإنسان: بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني
Nau'ikan
Tao/Te ، وهذا المجال القدسي لا يتدخل بصورة مباشرة فيما يجري في عالم الإنسان والطبيعة، أكثر مما تتدخل الجملة العصبية في تسيير وظائف الجسد الحي. ويستتبع ذلك بالطبع أن الدين ليس نتاج مبادرة إلهية، واتصال إرادي يجريه المجال القدسي مع عالم الإنسان، بل هو نتاج مبادرة إنسانية تتجه نحو معرفة المجال القدسي، وإحلال التوافق بين الحياة الإنسانية والقوانين الضمنية للكون؛ ذلك أن الإنسان هو أكثر الكائنات عرضة للانحراف عن التناغم الكوني؛ لأنه أكثرها حرية. وهذه المعرفة لا تتحصل بشحذ الملكات الذهنية، بل بإطلاق الملكات الحدسية والتأمل الباطني. أما التوافق والانسجام مع القوانين الضمنية للكون، فيأتي باتباع القانون الأخلاقي الذي هو صورة وانعكاس للقانون الكوني، وهو قانون غير مفروض من الخارج بقدر ما هو التزام داخلي. كل هذا ينبغي أن يقود في النهاية إلى الاستنارة التي تقود إلى الخلاص، وهذا الخلاص لا يأتي نتيجة فضل ومنة علوية، بل نتيجة كدح روحي لا تلعب الطقوس والعبادات فيه الدور الرئيسي. إن ما يبدو شبيها بالطقوس والعبادات في هذه الأديان، ليس أكثر من إجراءات تطهيرية تهدف إلى تحضير النفس لحالة الاستنارة. •••
إن هذا التاريخ الطويل للديانات الصينية القائمة على مفهوم لا شخصي للألوهة، والتي تمتلئ في الوقت نفسه بحشد من الآلهة التي ترجع في أصلها إلى الأسلاف الأسطوريين، هو الذي قدم لانتشار البوذية القادمة من الهند، منذ القرون الأولى للميلاد. ففي تعاليم البوذا لا يوجد مكان للآلهة رغم أنه لم ينف وجودها، والطقوس البوذية لا تعنى بتقريب القرابين والصلاة إلى إله أعلى من أي نوع؛ لأن جهد الإنسان يجب أن ينصب على تحصيل خلاصه بنفسه وبقواه الشخصية، دون معونة كائن طبيعاني أو فوق طبيعاني.
ولكننا قبل أن نلتفت إلى البوذية، سوف نتوقف عند الهندوسية دين الهند؛ لأنها الأصل الذي تفرعت عنه تعاليم البوذا.
الفصل الثالث
الهندوسية والبحث عن الوحدة في الوجود
تطالع الهندوسية دارسها، أول وهلة، بمزيج من المعتقدات التي لا يربطها رابط ولا تجمعها جامعة. كما يبدو العدد الهائل من آلهتها التي تملأ أرض الهند وسماءها عصيا على الانتظام في سلك واحد يضمها إلى بعض. ولعل السبب كامن في ذلك التاريخ الطويل من التطور البطيء الذي تجره وراءها هذه الديانة التي تعود في أصولها إلى ما وراء الألف الثاني قبل الميلاد. ولكن هذه المعتقدات ما تلبث أن تنتظم تحت عدد من الأفكار والمفاهيم الدينية، وعدد أقل من التصورات الماورائية. أما حشد الآلهة الهندوسية فما يلبث طويلا حتى تظهر حقيقته النسبية، وتبدو الشخصيات الإلهية بلا قوام أو جوهر حقيقي، سافرة عن وجهها ككائنات تشارك البشر بؤس الحياة والموت في عالم السمسارا، عالم تناسخ الأرواح، والدورة الكونية الأزلية.
تبدي الهندوسية تحررا واضحا من أية دوغمائية تتعلق بطبيعة الإله، وجوهر الدين لديها لا يقوم على الاعتقاد بوجود الإله أم عدمه، أو على تعدد الآلهة أم التقائها في واحد. فمن الممكن للهندوسي أن يكون ملتزما بدينه سواء آمن بإله واحد أم بآلهة متعددة أم لم يؤمن بالآلهة طرا؛ لأن هذه المسألة لم تشكل أبدا حجر الزاوية للديانة الهندوسية.
1
ولكن الطوائف الهندية تشترك في عدد أساسي من الأفكار والمعتقدات التي لا يصح دين الهندوسي بغيرها، والتي ترقى إلى مقام اليقين المطلق. أول هذه المعتقدات ورأسها هو الإيمان بتناسخ الأرواح، يتبعه اعتقاد آخر مرتبط به أشد الارتباط هو معتقد الكارما؛ ذلك أن الحالة الجديدة التي تصير إليها الروح بعد موت الجسد تتوقف على طبيعة أفعالها في الحيوات السابقة، التي تتالت عبر ماض لا تعرف له بداية، وتتالى عبر مستقبل لا تنظر له نهاية. والكارما تعني في الأصل الفعل، ومن هنا يأتي مضمونها الفلسفي الديني؛ ذلك أن حياة الإنسان هي سلسلة من الأفعال التي تؤدي إلى نتائج، هذه النتائج بدورها سوف تؤدي إلى أفعال أخرى في سلسلة سببية متتابعة.
وينص قانون الكارما على أن تصرفات الفرد وأفكاره وكلماته، سيكون لها تبعات أخلاقية تحدد مستقبل حياته بعد الممات، كما يتحدد مسار حياته الحالية بما تم من أفعال في الحياة السابقة، وهكذا إلى أجل غير معلوم، في دورة سببية أزلية تدعى بالسنسكريتية سمسارا، وهي دورة لا بداية لها ولا نهاية، تتجاوز عالم الإنسان لتطال عالم الظواهر المادية بأكملها؛ كل شيء واقع في إسار الزمن وفي إسار الرغبة؛ الرغبة في الاستمرار والرغبة في إتيان الفعل (كارما). والزمن نفسه عبارة عن عجلة تدور على نفسها، كلما بلغت الدورة منتهاها عادت إلى نقطة البداية، دون أن تنشد غاية أو تسعى إلى هدف. ومع ذلك فإن الانعتاق (= موكشا) من هذه الدورة ممكن التحقيق، وهو بؤرة الحياة الدينية للهندوسي، والنهاية التي يطمح إليها من كدحه الروحي. إلا أن الطوائف الهندوسية تختلف في كيفية تحقيق هذا الانعتاق، وفي الحالة التي تصير إليها الروح المتحررة بعد انعتاقها.
Shafi da ba'a sani ba