وأما بنو حنيفة فزعموا أن الكلابي كانت امرأته أجمل النساء وكان قرين يتحدث إليها فوجد زوجها عندها فخاف قرين على المرأة فقتله فانطلق أخو الكلابي وهو رجل من بني عمرو بن كلاب فضرب بيته على قبر سلمى أبي عمير جاره وقرين القاتل، وعمير يومئذ ليس بشاهد فانطلق قرين إلى قتادة بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدول بن حنيفة فأخبره الخبر فأتى الكلابي فأعطاه ما سأل من المال فأبى فخرج قرين من المحرقة وهي لبنى يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة وهي البادية فلحق بجده أبي أمه السمين بن عمرو بن سيار بن عبيد بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة واتبعه عمير فحالوا بينه وبين أخيه فجاء السمين، فقال: أحمقاء أنتم؟ ادفعوا إليه أخاه فدفع قرين إليه فخرج به يقوده من الوتر حتى أتى به إلى المحرقة فأعطى الكلابي ما كان لقرين من مال وما سأله فأتى وجوه اليمامة فعرضوا عليه من المال ما سأل، فأبى الكلابي فربط عمير قرينًا إلى نخلة فقال: شأنك وكلمت حسينة عميرًا ابنها أن لا يقتل أخاه فأبى فولى عنه، فقال عمير: أما إذ قتلته فاظعن عنا فليس لك في جوارنا خير فظعن من اليمامة وقالت حسينة حين لامت عميرًا في قتل أخيه فاعتذر إليها:
تعد معاذرًا لا عذر فيها ... ومن يقتل أخاه فقد ألاما
وقال رجل منهم:
قتلنا أخانا للوفاء بجارنا ... وكان أبونا قد تجير مقابره
وقال الكلابي في وفاء عمير:
وإذا استجرت من اليمامة فاستجر ... زيد بن يربوع وآل مجمع
وأتيت سلميًا فعذت بقبره ... وأخو الزمانة عائذ بالأمنع
وعلمت أنى حين عذت بقبره ... نهشت يداى إلى صدى لم يسمع
وإلى صدى من يستجره عائذا ... ينصر وجاء إلى أشم ممنع
وأخذت بالحجر التي أنسأتها ... كانت إذا طبع امرىء لم يطبع
وبآل سلمى ومن يعدمهم ... تناش يداه إلى أعز الأرفع؟
وعلمت أني إن أخذت بحلبهم ... بهشت يداك إلى وحًا لم يصفع
أقرين إنك لو رأيت فوارسي ... بعمايتين إلى جوانب ضلفع
حدثت نفسك بالوفاء ولم تكن ... للغدر خائنة مغل الإصبع
فلو ان ما قدرت على رماحهم ... في يوم معركة إذا لم أجزع
أخشى بواد من قرين سورتى ... فاخشى بواد من شقى مولع
السموأل أسلم ابنه للقتل واختار الوفاء، وعمير أسلم أخاه للقتل واختار الوفاء، فلم نسمع بمثلهما.
جاور بنو سلامة - وهم أهل بيت من بني الهجيم بن عمرو - في بني جذيمة بن رواحة ولهم فيهم خؤولة فنزلوا بشرج فقتل رجل من بني عبس رجلا منهم فتحمل الهجيميون متوجهين إلى قومهم وأخذ مساور ابن هند القاتل العبسي ثم اتبعهم حتى لحقهم بإراب فدفعه إلى رجل منهم يقال له: عتاب فقتله بصاحبه فقال:
أبلغ سراة بني تميم إنني ... أعددت مكرمة ليوم سباب
وأخذت ثأر بني سلامة عنوة ... فدفعت ربقته إلى عتاب
وجنبته من أهل شرج عانيا ... حتى تحكم فيه أهل إراب
غدرت جذيمة غير أني لم أكن ... يومًا لألبس غدرة أثواب
أمرت جذيمة هفوة من رأيها ... وسفاهها ليغللوا أنيابى
قتلوا ابن أخيهم وجار بيوتهم ... من خينهم وسفاهة الألباب
وإذا فعلتم ذلكم لم تتركوا ... أحدًا يذود لكم عن الأحساب
فكانوا يهددونه ثم إنه أدركه ذمام من قومه فأخرج لهم مائة بعير دية لصاحبهم. فقال رجل منهم في ذلك - وإنه أخرجها رهبة -:
لا تجزع أبا الصمعاء وأدلج ... لسيفي بعد جارك بالمئينا
فبعث بها المساور إلى بني الهجيم لجاجة وضرارًا لما قال هذا فأقاد ووفى. فلم يسمع بجار مثله قال المساور:
ولما أربدت أعناق كوم ... على أثباجها مثل الأروم
وقال ابن المغيرة لابن زيد ... أعينونا بأغفلة وكوم
لواها جدهم عنهم فخابوا ... وأحرزها جدود من تميم
1 / 9