وعلت وجهها حمرة أكسبت السنين على وجهها جمالا ورونقا وقالت: آه يا عفريت.
ومدت يدها تدغدغ ملتقى صدري بذراعي، موطن تعلم أنه لا يخطئ في إضحاكي، فضحكت وضحكنا، ومرت الأعوام.
كبرت وأصبحت أعرف أن لجدتي في كراستها سرا، وأصبحت أدرك أنه لا بد أن يكون هذا السر وثيق الصلة بذكرياتها، وأصبحت أدرك أيضا أنه لا يجوز لي أن أقحم نفسي على ذكريات جدتي وسنين شبابها، ولكن شوقي إلى معرفة هذا السر لم تخفف منه السنون بل لعلها زادته تحرقا.
وعرفت مع الأيام أيضا أن جدتي لا تعرف القراءة والكتابة، وزادت معرفتي هذه السر استغلاقا، كما زادت رغبتي في معرفته تغلغلا في نفسي، ولكن حرصي على ألا أقحم نفسي على أسرارها أو على سرها الوحيد بالنسبة إلي جعلني أحيط رغبتي هذه بسياج محكم من الصمت والتجاهل كلما رأيت كراستها الحبيبة بين يديها.
وفي يوم دخلت إلى حجرتها لأجدها تجفف دموعها وتودع الكراسة صندوقها دون أن تهتم بإدخالها إلى الدولاب؛ فقد أصبحت مطمئنة أنني لم أمد إليها يدي. حولت جدتي عينيها عن صورة جدي وابتسامة دافئة ما تزال معلقة بشفتيها وقالت: هشام، ألا تنوي أن تعلمني القراءة؟
وكدت أن أقول، لماذا، ولكنني سرعان ما نظرت إلى الصندوق فاختطفت الكلمة من على شفتي قبل أن أطلقها وقلت: أنا تحت أمرك.
وقالت وقد أشرق وجهها بالفرح: صحيح؟!
فقلت شاعرا أنني أحقق لها أملا كبيرا: طبعا.
فقالت في حزم والإشراق على وجهها لا يبارحه: قم إلى هذا الدرج ستجد كراسات وأقلاما هات واحدة وقلما وتعال علمني.
وبدأت أعلم جدتي، دون أن أشق عليها في التعليم فكنت أعلمها حرفين أو ثلاثة في اليوم، ولكن قليلا ما دامت هذه الأيام؛ فقد هاجم جدتي مرض بدا في أول أمره هينا ثم ازداد خطورة، وحاولت أن ألهيها عن مرضها بالتعليم.
Shafi da ba'a sani ba