أما محصل الكهرباء والغاز فيكتفي بأخذ الفاتورة ولا يطلب أكثر. ويظل السؤال: هل هو الفقر والبيئة الاجتماعية أم الجشع والأخلاق أم تحويل الشعب كله إلى شحاذين يحتاجون للمساعدة؟ ولا تخجل الحكومة أن تفعل نفس الشيء عن طريق ضريبة المبيعات وضريبة الإيجارات وضريبة عبور الطرق السريعة وكافة أنواع الضرائب التي حكمت المحكمة الدستورية ببطلانها.
الفصل الثاني عشر
مثوى أخير أم بداية جديدة؟
كل بداية لها نهاية، وكل نهاية لها بداية، ولا تسمى النهاية الأخيرة في هذه الذكريات بالنهاية السعيدة كما بدأت بالفقر السعيد، ولكنها تنتهي بتفكير في المثوى الأخير أي في نهاية الإنسان، وقبلها في وجوده في هذا العالم، وأداء رسالته فيه. ولا تعني الأخير الآخرة، أتى وترك الدنيا إلى عالم آخر، بل تعني آلام الدنيا التي يبتعد الإنسان عنها. يعني المثوى الأخير: هل حققت رسالتي في الدنيا قبل أن أغادر إلى العالم الآخر؟ هل حققت ما تمنيته من «المنهج الإسلامي العام»؟ وهل حققت رسالة جيلي، فلكل جيل رسالة في عصره؟ وماذا بعد أداء الرسالة، هل أستمع إليها في «ذكريات» أم أصحح نفسي بنفسي؟ أم تنبت في ذهني شجرة أخرى ولو على ضفاف النهر، تحمل فاكهة جديدة لم تكن في ذهني من قبل؟ هل أترك هذا العالم إلى عالم آخر ابتداء من حياة القبر، نعيما أو عذابا حتى البعث الجديد، حتى يوم الحساب؟
وإذا حاسبت نفسي ابتداء من حياة القبر وشريط الذكريات حتى الحياة الأخرى التي يتم فيها الحساب فأنجح أم أرسب؟ أثاب أم أعاقب؟
المثوى الأخير ويقظة الضمير تحت الأرض استعدادا ليوم حساب خارج الأرض، فالغيبيات التي بعدت عنها في الدنيا، وتفضيل المشاهدات عليها ها هي تحضر أمامي بكل ثقة ليسمع الناس جوابي في الآخرة كما سمعت في الدنيا. فالبعث بعد الموت حياة الضمير وشريط الذكريات حتى يعرف الإنسان ماذا فعل، ويتذكر ما نسيه بفعل الزمن، وانتظر ساعة الحساب مع غيره.
المثوى الأخير افتراض أتحقق منه وأجيب عنه، هناك تدوين للأفعال، يسارا ويمينا، فأصعد إلى أعلى فأجد حسابي على مائدة القضاة، الذي قد يطابق أو لا يطابق شريط الذكريات.
سنقرئك فلا تنسى . فالقراءة المستنيرة ضد النسيان. والنسيان والرد إذ لا تستطيع الذاكرة أن تتذكر كل شيء. قد تخطئ في التاريخ الموضوعي؛ لأنه من الصعب تذكر الموضوعات التي لا تترك في الوعي تجارب حية. فيكون ذلك فوق الاستطاعة.
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به . أليس أداء الرسالة في الحياة بصدق وإخلاص فيه نجاة؟ أليس قضاء الإنسان عمره في البحث والتقصي، في العلم والتعلم مثل الصلاة وباقي الأركان الخمسة؟ أليس العمل من أجل تحقيق غاية نبيلة، تحرر أرض، أو تحرير بشر أو تحقيق عدالة ومساواة، أو قضاء على ظلم وطغيان، أو قطع لدابر الاستبداد، أليس في كل ذلك ما يثقل الميزان؟
فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه * فأمه هاوية * وما أدراك ما هيه * نار حامية .
Shafi da ba'a sani ba