بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب الأرض والسماء ذي الفضل والطول والنعماء رفيع الدرجات فى
~~الصفات والأسماء ورافع مراتب العلماء من الأنبياء والأولياء والصديقين
~~والشهداء والصلوة والسلام على سيد الأنبياء وسند الأصفياء وعلى آله وصحبه
~~نجوم الإهتداء وعلى اتباعهم بحسن الإقتداء فى الملة الحنفية السمحاء
أما بعد فيقول الواثق بكرم ربه الباري علي بن سلطان محمد القاري إني لما
~~وفقني الله سبحانه بلطفه الخفي وتوفيقه الوفي على كتابة مسند الإمام وشرح
~~مسند الإمام أحببت أن أذكر بعض مناقبه وأشهر نبذة من مراتبه تنبيها
~~للجاهلين بمقامه والغافلين عن دقائق مرامه وأذيله بذكر أصحابه العلية
~~المشاهر من طبقات الحنفية وما لهم من اللطائف الخفية والعوارف الجلية
~~والمعارف السنية رجاء أن أتخلق بفرائد أخلاقهم وأترزق من موائد أرزاقهم
~~فعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة وببركاتهم تحصل النعمة وتزول النقمة وقد قيل
~~للجنيد سيد الطائفة هل لذكر المشائخ من منفعة فقال نعم فقيل له هل على ذلك
~~دلالة من الكتاب أو السنة فقال نعم قال تعالى {وكلا نقص عليك من أنباء
~~الرسل ما نثبت به فؤادك} ثم من المعلوم أن الأولياء هم العلماء العاملون
~~والفضلاء الكاملون وقد ثبت عن الإمامين الجليلين أبي حنيفة والشافعي أنهما
~~قالا لو لم يكن العلماء أولياء فليس لله أولياء وروى ما اتخذا الله وليا
~~جاهلا ولو اتخذه لعلمه ومما يشاهد من الآيات قوله تعالى {شهد الله أنه لا
~~إله إلا هو والملائكة وأولو العلم} حيث اندرج فيهم الأولياء وقوله سبحانه
~~{يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}
Shafi 450
وقوله عز وجل {إنما يخشى الله من عباده العلماء} وقد قيل لعبد الله بن
~~المبارك كيف لا تستوحش وحدك فى المقام فقال كيف يستوحش من يجالس النبي عليه
~~السلام والصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين يعني الكتب لأن فيها
~~الأخبار والآثار رواه الحاكم فى تاريخه عن نعيم ابن حماد
الإمام الأعظم والهمام الأقدم تاج الأئمة وسراج الأمة أبو حنيفة نعمان
~~ابن ثابت الكوفي رحمة الله عليه
وهو ابن زوطا بفتح الزاي والطاء المهملة ابن ماه الكوفي هكذا رفع نسبة
~~رضي الدين الصغاني الحنفي فى العباب ذكره مجد الدين الفيروز أبادي فى طبقات
~~الحنفية وقال النووي فى تهذيب الأسماء والصفات ابن زوطا بضم الزاي وفتح
~~الطاء وذكر صاحب الكافي أنه نعمان بن ثابت بن طاوس ابن هرمز بن ملك بن
~~شيبان وذكر الإمام أبو مطيع البلخي أنه من العرب من قبيلة الأنصار وذكر نصر
~~بن محمد بن نصر المروزي أن ثابتا كان من قرية نسا من خراسان وذكر حارث بن
~~إدريس أنه كان من مدينة الرجال ثرمذ ورفع نسبه أبو إسحاق الصريفني إلى هود
~~ابن النبي يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن آزر وعدد من جملة آبائه الملك
~~إسفنديار وكيقباد وقيل أنه من أبناء أفريدون من نسل ملوك العجم وبعضهم رفعه
~~إلى هود النبي من أولاد سام بن نوح منتهيا إلى شيث بن آدم عليهم السلام لكن
~~فى تفسير البغوي فى قوله تعالى {ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد
~~وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله} يعني من كان بعد نوح وعاد وثمود
~~وروى عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ هذه الآية ثم قال كذب النسابون وعن عبد
~~الله بن عباس قال بين إبراهيم وبين عدنان ثلاثون قرنا
Shafi 451
لا يعلمهم إلا الله وكان مالك بن أنس يكره أن ينسب الإنسان نسبه أبا أبا
~~إلى آدم وكذلك فى حق النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يعلم أولئك الأباء
~~أحد إلا الله هذا وقيل كان جده زوطا من أهل كابل أو بابل مملوكا لبني تيم
~~الله ابن ثعلبة فاعتق فولد أبوه ثابت على الإسلام وإلا صح أنه من الأحرار
~~ما وقع عليه الرق قط فى جميع الأعصار كما هو منقول عن إسمعيل بن حماد ابن
~~الإمام والله أعلم بحقيقة المرام
ثم أعلم أن التوفيق بين الروايات المذكورة فى نسب الإمام ممكن لجواز أن
~~يكون مولده ببلدة وتوطنه بأخرى ونشاؤه بغيرها وكذا بأهله بإحداها على أنه
~~لا يلزم أن يكون كله موجودا فى حق الإمام بل إذا وجد كل واحد فى حق واحد من
~~آبائه صح أن ينسب إليه فإن الإمام أبا بكر الخوارزمي أمه خوارزمية وأبوه
~~طبري وعن إسمعيل بن حماد بن أبي حنيفة أن ثابت بن النعمان بن المرزبان من
~~أبناء فارس الأحرار والله ما وقع علينا رق قط ولد جدي فى سنة ثمانين وذهب
~~ثابت إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهو صغير فدعا له بالبركة فيه وفى
~~ذريته قيل هو يمي من رهط حمزة الزيات فيكون من قبيلة الصديق وكان خزازا
~~يبيع الخز والصحيح أن الإمام ولد سنة ثمانين وقيل إحدى وستين وقيل ثلاث
~~وستين وأجمعوا على أنه مات سنة مائة وخمسين ببغداد فى رجب أو شعبان وقيل فى
~~شوال وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ترفع زينة الدنيا سنة خمسين
~~ومائة وقد قيل مات فى السجن ليلى القضاء فلم يفعل وقيل توفي فى اليوم الذى
~~ولد فيه الشافعي وقد ثبت رويته لبعض الصحابة واختلف فى روايته عنهم
~~والمعتمد ثبوتها كما بينته فى = مسند الإمام حال إسناده إلى بعض الأصحاب
~~الكرام فهو من التابعين
Shafi 452
الإعلام كما صرح به العلماء الأعيان داخل تحت قوله تعالى {والذين اتبعوهم
~~بإحسان} فى عموم قوله عليه السلام خير القرون قرني ثم الذين يلونهم رواه
~~الشيخان وغيرهما وفى خصوص حديثة لو كان العلم فى الثريا لنا له رجال من
~~فارس على ما فى الصحيحين وكثرة مناقبه تدل على رفعة مراتبه فلا يحتاج إلى
~~الإستدال بأحاديث ذكرها العلامة الكردري وغيره بأسانيد فى حقه ومنها أبو
~~حنيفة سراج أمتي ونحوه مما قال المحققون من أهل الحديث أنه لا أصل له
ثم علم أن جمهور العلماء من أهل الحديث على أن الرجل بمجرد اللقي للصحابي
~~يصير تابعيا ولا يشترط أن يصحبه مدة ولا أن ينقل عنه رواية بخلاف الصحابي
~~فإن بعض الفقهاء شرطوا فيه طول الصحبة أو المرافقة فى الغزوة أو الموافقة
~~فى الرواية قال البخاري من صحبه أو رآه صلى الله عليه وسلم من المسلمين فهو
~~صحابي ويدل عليه ما ذكر ابن الصلاح عن أبي زرعة أنه سئل عن عدة من روى عنه
~~صلى الله عليه وسلم قال ومن يضبط هذا شهد معه فى حجة الوداع أربعون ألفا
~~وفى تبوك سبعون ألفا ونقل عنه أيضا قبض صلى الله عليه وسلم عن مائة وأربعة
~~عشر ألفا من الصحابة ممن روى وفى رواية ممن رآه وسمع منه فقيل هؤلاء أين
~~كانوا وأين سمعوا قال أهل المدينة وأهل مكة ومن بينهما من الأعراب فهذا
~~الذي نقله ابن الصلاح نص منه لا يشترط الصحبة الطويلة واستدل أيضا على
~~بطلانه بما روى شعبة عن موسى السبلاني وأثنى عليه خيرا قال أتيت أنس بن
~~مالك فقلت هل بقي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد غيرك قال بقي ناس
~~من الأعراب رأوه فأما من صحبه فلا إسناده جيد حدث به مسلم بحضرة أبي زرعة
~~فأطلق اسم الأصحاب على كل من رآه وقد حققنا هذه المسئلة فى شرح شرح النخبة
~~وقيل يطلق اسم التابعي
Shafi 453
على من أسلم من الصحابة بعد الحديبية كخالد ابن الوليد وعمرو بن العاص
~~وأمثالها من مسلمة الفتح لما ثبت أن عبد الرحمن بن عوف شكا إليه صلى الله
~~عليه وسلم خالد بن الوليد فقال عليه السلام دعو إلى أصحابي فوالذى نفسي
~~بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدا أحدهم ولا نصيفه أطلق اسم
~~الصحابة على من تقدم صحبته قبل الحديبية فى مقام المقابلة وقد ذكر ابن عبد
~~البر في الإستيعاب تراجم بعض الأصحاب والواقدي خص مقاما التابعين رضي الله
~~عنهم أجميعن وبعض مشايخ إمامنا وهم أربعة آلاف
منهم من ذكرنا مناقب بعضم فى مسند الإمام وذكر الكردري أنه أدرك الإمام
~~محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ويسمى الباقر لأنه
~~بقر العلم أي شقه بجودة ذهنه وحدة فهمه وكذا أدرك جعفر بن محمد ابن علي وهو
~~الصادق وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه
~~ولد سنة الثمانين فى السنة التى ولد فيها الإمام ومات سنة ثمان وأربعين
~~ومائة ومنهم ربيعة الرأي تابعي مشهور من فقهاء المدينة من شيوخ الإمام مالك
~~وزيد بن أسلم مولى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومنهم شعبة بن
~~الحجاج الذى يقال له أمير المؤمنين فى الحديث ومنهم أبو محمد عبد الله بن
~~حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب من سادات بني هاشم وأمه فاطمة ابنة الحسين
~~بن علي مات فى حبس المنصور بالكوفة ومنهم الأوزاعي إمام أهل الشام ومنهم
~~عطاء بن أبي رباح المكي كان جعد الشعر أسود أفطس أمثل أعور ثم عمي بعد ذلك
~~قال أبو حنيفة ما رأيت أفقه من حماد ولا أجمع من عطاء ومنهم أبو بكر عاصم
~~بن أبي النجود بفتح النون وضم الجيم الإمام فى القرأة تابعي جليل القدر
~~ومنهم عامر بن شراحيل بن عبد الله
Shafi 454
الشعبي قال أدركت خمس مائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان يعجبه
~~هذا البيت شعر ... ليست الأحلام فى حين النهى ... إنما الأحلام فى حال
~~الغضب ...
قلت قد ورد الصبر عند الصدمة الأولى وذكر بعضهم أنه أدرك بهلول بن حمزة
~~الصوفي المجنون فإن كان هذا بهلول الذى لقي الرشيد فلا يبعد لجوازان يكون
~~طويل العمر وقصته أن الرشيد حج سنة ثمان وثمانين ومائة وكان بهلول حج فى
~~تلك السنة فلما لقيه قال يا أمير المؤمنين حدثني عمرو بن عبد الله العامري
~~وقال رأيته صلى الله عليه وسلم حج على جمل وتحته رحل رث ولم يكن بين يديه
~~ضرب ولا طرد ولا إليك ثم أنشا يقول شعر ... هب إنك قد ملكت الأرض طرا ...
~~ودان لك العباد فكان ماذا
أليس غدا مصيرك جوف قبر ... ويحثوك التراب ذاثم هذا ...
قال أحديث يا بهلول هل غير هذا قال نعم من رزقه الله مالا وجمالا فعف فى
~~جماله وواسى فى ماله كتب فى ديوان الأبرار فظن الرشيد أنه يستجدي فأمر له
~~بمال وقال تقضي به دينك فقال لا يقضي دين بدين إن الذي أعطاك لا ينساني ثم
~~قال توكلت على الحي الذي لا يموت وما أرجو سوى الله وما الرزق من الناس بل
~~من الله وقد نظم بعضهم شعر ... غدا مذهب النعمان خير المذاهب ... كذا القمر
~~الوضاح خير الكواكب
تفقه فى خير القرون مع الثقة ... فمذهبه لا شك خير المذاهب ...
Shafi 455
.. ثلاثة ألاف وألف شيوخه ... وأصحابه مثل النجوم الثواقب ...
وذكر الإمام النسفي صاحب = المنظومة عن عبد العزيز بن أبي رزمة أن توبة ابن سعد كان جالسه وأخذ صفو علمه وكان لا يجاوز فى القضاء أقوال أبي حنيفة ويقول حسبي هو بيني وبين ربي وقيل يوخذ بقول أبي يوسف فى مسائل القضاء لأنه ابتلى بهذا البلاء والمذكور فى =
الفتاوي أنه إذا كان مع صاحبيه فى طرف نأخذ به وإن كان وحده فى طرف متميز
~~وقال ابن المبارك نأخذ بقوله لا غير
وذكر الإمام الإسفرايني بإسناده إلى علي بن المديني وهو من أساتذة
~~البخاري وهو الذى طعن فى حديث القلتين سمعت عبد الرزاق يقول قال معمر ما
~~أعرف أحد بعد الحسن يتكلم فى الفقه أحسن معرفة منه وناهيك به أن الشافعي
~~قال فى حقه الخلق كلهم عيال أبي حنيفة فى الفقه وفى رواية من أراد أن يتبحر
~~فى الفقه فهو عيال على أبي حنيفة وقال الشافعي قيل لمالك هل رأيت أبا حنيفة
~~قال نعم رأيت رجلا لو كلمك فى هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته وهذا
~~من كمال إنصاف مالك مع علو مقامه هنالك وغاية مبالغة فى بلاغة الإمام وبيان
~~المرام فى جميع المقام وقال ابن المبارك رأيت أورع الناس فضيل بن عياض
~~وأعلم الناس الثوري وأفقه الناس أبا حنيفة وقال أعلم الناس أي بالأحاديث
~~والآثار وأفقه الناس أي أعلمهم بمعانيها والعلم بمعانيها يستلزم العلم
~~بمبانيها وذكر الإمام الغزنوي أن الإمام الأديب أبا يوسف يعقوب بن أحمد بن
~~محمد أنشد لنفسه
شعر
... حسبي من الخيرات ما أعددته ... يوم القيامة فى رضى الرحمن
دين النبي محمد خير الوري ... ثم إعتقادي مذهب النعمان ...
Shafi 456
ومما يدل على فضيلة المتقدمين قوله تعالى أو لم يروا أنا نأتي الأرض
~~ننقصها من أطرافها وفسر أنه يموت علمائها وقرائها وحديث أن الله لا يقبض
~~العلم انتزاعا ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا مات العلماء اتخذ
~~الناس رؤسا جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ومن هنا لما كان الإمام فى
~~القرن المشهور اكتفى بظاهر عدالة الشهود إلا فى باب الحدود وصاحباه لما
~~كانا فى عصر غلبة الهوى فاشترطا تزكية أرباب الهدى وقد جاء فى الآثار
~~والأخبار أن أولي الأمر هم العلماء الأخيار وقوله عليه السلام فى صحيح مسلم
~~من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية معناه لم يعرف من يجب عليه
~~الإقتداء والإهتداء به فى أوانه
وقد قال بعضهم فى تعريف المجتهد هو الذى يكون صوابه أكثر من خطائه أو
~~العكس فإن المجتهد يخطئ ويصيب وثبوت لا أدري لا ينافي كونه مجتهدا فإن
~~مالكا سئل عن أربعين حديثا فقال فى ست وثلاثين لا أدري وسئل علي رضي الله
~~عنه عن مسئلة فقال سلوا مولاي الحسن وذكر الكردري أن الإمام حين فر من بني
~~أمية جاور بالحرمين مدة كثيرة وإنما لزم الإمام من بين مشايخه الكرام حماد
~~ابن أبي سليمان الكوفي الأشعري الفقيه لأنه كان أفقه من غيره كما صرح
~~الإمام بنفسه وذكر الإمام النيسابوري أن حمادا كان يفطر عنده فى كل ليلة من
~~ليالي رمضان خمسون إنسانا فإذا كان ليلة الفطر كساهم وأعطاهم كل واحد مائة
~~مائة وذكر أيضا أن رجلا كلم حمادا أن يحول ابنه من معلم إلى معلم آخر لأن
~~المعلم الأول يقال ما يجري عليه كل شهر فقال كما يجري عليه كل شهر قال
~~ثلاثون فقال دع الولد عنده فإنا نجري عليه فى كل شهر من عندنا مائة وذكر
~~أيضا أنه جاء أبو الزناد جابيا للخراج إلى الكوفة
Shafi 457
فقال رجل لحماد أشفع لي إليه فى جباية ألف درهم فقال أنا أعطي لك من مالي
~~خمسة ألاف درهم ولا أبذل وجهي له فى ألف فدعا له الرجل بالخير
وذكر الحافظ أبو الحسن السجستاني أن الإمام الشافعي كان يقول ما زلت أحب
~~حمادا مذ بلغني عنه أنه كان راكبا فانقطع زره فمر على خياط فأراد أن ينزل
~~ليسويه فمنعه عن النزول وقام وسواه فأخرج صرة فأعطاه وحلف أنه لا يملك
~~غيرها قال الكردري ومثله سمعت عن والدي رحمه الله يحكي عن أستاذه الأمير
~~مولانا همام الدين الخطيبي الخوارزمي أنه مر راكبا فسقط عن كمه صرة فيها
~~خمسون دينارا فأخذها رجل وناوله فلم يأخذها وقال إن هذا رزق ساقه الله إليك
~~وفضائله جمة وفيه كفاية وذكر الإمام أبو المعالي الأسفرايني عن نجيم بن
~~إبراهيم عن ابن كدام قال قال رجل أخطأ أبو حنيفة قال كيف تقول هذا وعنده
~~مثل أبي يوسف وزفر فى قياسهما ومثل يحيى بن زكريا ابن أبي زائدة وحفص بن
~~غياث وحبان ومندل ابنا علي فى حفظهم الحديث والقاسم بن معن فى معرفته
~~بالفقه والعربية وداود الطائي وفضيل بن عياض فى زهدهما لم يكن يخطئ ولو
~~أخطاء ردوه إلى الحق
وعن سفيان بن عيينة قال شيئان ما كنت أرى أن قراءة حمزة ورأي الإمام
~~يتجاوزان قنطرة الكوفة وقد بلغنا الآفاق وعن الأوزاعي يقول هو أعلم الناس
~~بمعضلات المسائل وعن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد الأزدي المكي
~~قال كنا مع جعفر بن محمد فى الحجر فجاء الإمام فسلم وسلم عليه جعفر وعانقه
~~وسايله حتى سأله عن الخدم فلما قام قال قائل يا ابن رسول الله هل تعرفه قال
~~ما رأيت أحمق منك أسأله عن الخدم وتقول هل تعرفه هذا أبو حنيفة أفقه أهل
~~بلده وعن الواقدي قال كان مالك كثيرا ما يقول بقوله
Shafi 458
وإن كان لا يظهره وعن إسمعيل بن ابي فديك قال رأيت مالكا قابضا على يد
~~الإمام وهما يمشيان فلما بلغا المسجد قدم الإمام فسمعته لما دخل المسجد قال
~~بسم الله الرحمن الرحيم هذا موضع الأمان فأمني من عذابك ونجني من النار وعن
~~ليث بن نضر قال لما أخرج عن القصر وطيف به حين امتنع من الولاية قال ابن
~~شبرمة ما على هذا المسكين لو قبله قال ابن أبي ليلي هذا مسكين عندي وعندك
~~وغدا يكون خيرا مني ومنك
وعن الحسن بن قتيبة قال مسعر ما أحسد إلا رجلين الإمام فى فقهه والحسن بن
~~صالح فى زهده
وعن ابن المبارك كان مسعر إذا رآه قام له وإذا جلس جلس بين يديه وكان
~~معظما له مائلا إليه ومثنيا عليه ومسعر من مفاخر الكوفة فى زهده وحفظه وكان
~~من شيوخه أكثر عنه الرواية فى مسنده
وعن الأصمعي قلت لأبي يوسف لقد بلغ الله فيك الأماني هل وددت أكثر مما
~~أنت فيه قال وددت أن لي زهد مسعر بن كدام وفقه الإمام وفى رواية قال وددت
~~أن لي مجلسا من أبي حنيفة بنصف ما أملك وكان ماله أزيد من ألفي ألف قال
~~الأصمعي ولم تتمنى هذا قال فى النفس حزازات كنت أسألها عنه قلت وفيه رائحة
~~تصف البخل وروى عن عاصم بن يوسف قال قلت لأبي يوسف اجتمع الناس على أنه لا
~~يتقدمك فى العلم أحد فقال ما علمي عند علم الإمام إلا كنهر صغير فى جانب
~~الفرات
وعن المعلي بن منصور قال أبو يوسف ما اتفق قولي وقوله إلا وجدت لها فى
~~قلبي قوة وما فارقته فى مسئلة إلا وفى قلبي أمثال الجبال من الضعف والريبة
وعن عثمان المزني قال كان الإمام أفقه من حماد وإبراهيم وعلقمة والأسود
Shafi 459
وعن أحمد بن بديل قال أبو معاوية يا أهل الكوفة رفعكم الله بالأعمش وبأبي
~~حنيفة يا أهل الكوفة شرفكم الله به وبالأعمش وأبو معاوية هذا هو العزيز من
~~أيمة الكوفة وأجلتهم وفد على الرشيد فأكرمه وجيئ بالطعام فأكله بين يديه
~~وصب الرشيد الماء على يديه حتى غسلهما وقال أتدري من يصب الماء على يديك
~~قال لا قال أمير المؤمنين قال أكرمك الله كما أكرمت العلم قال ما أردت إلا
~~هذا
وعن عبد الله بن لبيد قال كنا عند يزيد بن هارون فقال المغيرة عن إبراهيم
~~فقال رجل حدثنا عنه صلى الله عليه وسلم فقال يزيد يا أحمق هذا تفسير
~~أحاديثه صلى الله عليه وسلم وماذا تصنع بالحديث إذا لم تعلم معناه ولكن
~~همتكم السماع ولو كانت همتكم العلم لنظرتم فى كتب الإمام وأقاويله فزبر
~~الرجل وأخرجه عن مجلسه
وعن سويد بن نصر عن ابن المبارك أنه قال لا تقولوا رأي أبي حنيفة رحمه
~~الله ولكن قولوا أنه تفسير الحديث
وعن محمد بن يزيد قال كنت أختلف إلى عامر فقال لي أنظرت فى كتبه قلت إني
~~أطلب الحديث فما أصنع به قال طلبت الآثار سبعين سنة فلم أحسن الإستنجاء حتى
~~نظرت فى كتبه
وعن ابن المبارك عليكم بالأثر ولا بد للأثر فإنه يعرف تأويل الحديث
~~ومعناه
وسئل الإمام عن أفقه من فى خراسان فقال الزفر بن محمد ودعي الإمام إلى
~~مجلس فلم يجد رداء فأخذ الإمام رداء نصر بن محمد وكان شراؤه بمأتي درهم
~~فلما رجع قال شهرتني بردائك
Shafi 460
وعن عطية بن أسباط ختن ابن المبارك على أخته قال كان إذا قدم الكوفة
~~أستعار من زفر كتبه فكتبه مرارا
وسئل أمالك أفقه أم هو قال هو أفقه من ملأ الأرض مثل مالك
وعن ابن المبارك قال أن الله خلقه رحمة لهذه الأمة وعنه لولاه لكنت ممن
~~يبيع الفلوس أو من المبتدعة
قال الكردري فإن قلت ليس لأبي حنيفة كتاب مصنف قلت هذا كلام المعتزلة
~~ودعواهم أنه ليس له فى علم الكلام تصنيف وغرضهم بذلك نفي أن يكون الفقه
~~الأكبر وكتاب العالم والمتعلم له لأنه صرح فيه بأكثر قواعد أهل السنة
~~والجماعة ودعواهم أنه كان من المعتزلة وذلك الكتاب لأبي حنيفة البخاري وهذا
~~غلط صريح فإني رأيت بخط العلامة مولانا شمس الملة والدين الكردري البزاتقني
~~العمادي هذين الكتابين وكتب فيهما أنهما لأبي حنيفة وقال تواطأ على ذلك
~~جماعة كثير من المشائخ انتهى
ومن تصانيفه وصاياه لأصحابه وقد شرحت الفقه الأكبر وضمتنه وصاياه بحمد
~~الله ولعلي إذا ظفرت بالعلم والمتعلم أشرحه بعون الله وتوفيقه ولم يكن
~~الإمام قدريا ولا جبريا ولا مرجيا ولا معتزليا بل سنيا حنفيا وتابعه يكون
~~حنفيا
وعن إبراهيم بن فيروز عن أبيه قال رأيته جالسا فى المسجد يفتي أهل المشرق
~~والمغرب والفقهاء الكبار وخيار الناس كلهم حضور فى مجلسه
وعن أبي حيان التوحيدي الملوك عيال عمر إذا ساسوا والفقهاء عيال أبي
~~حنيفة إذا قاسوا والمحدثون كلهم عيال علي أحمد بن حنبل إذا أسندوا
عن مقاتل بن حيان أدركت التابعين ومن بعدهم فما رأيت أحدا مثله
Shafi 461
قال العلماء أدرك مقاتل عمر بن عبد العزيز والحسن البصري ونافعا وجماعة
~~من التابعين وروى عنهم وكان جليلا وروى عنه وأخذ منه وهو شريكه فى السماع
~~عن التابعين مثل نافع وعطاء ومحمد بن المنكدر وابن سيرين وغيرهم
قال مقاتل وفدت إلى عمر بن عبد العزيز فأنزلني دار الضيافة وكان أصابه
~~جنابة فأمر بتسخين الماء فقال الغلام ليس هنا حطب قال اشتر بالنسية إذا
~~وجدته تقضي فجاء به فقال أين سخنته قال فى دار الضيافة فرده فقال هات ماء
~~من البئر فجاء به فصبه عليه فقال هذا أهون من زمهرير جهنم
وعن أبي معاذ البلخي أنه قال ما رأيت أحد أفضل منه وهو خالد ابن سليمان
~~حافظ الحديث أخذ الحديث عن الثوري والحديث والفقه عن الإمام وكان زاهدا
~~صلبا فى دين الله وحين حج سفيان كان أبو معاذ عديله
وعن شقيق بن إبراهيم البلخي أن ذكر مناقبه من أفضل الأعمال وهو من الزهاد
~~والعلماء العباد حتى قيل ما أخرجت بلخ مثله وقد دخل بغداد فى زي الفقراء
~~وعليه مدرعة صوف فرآه أبو يوسف من بعيد وهو فى موكبه وجلالته فقال وجعلنا
~~بعضكم لبعض فتنة أتصبرون قال نعم ثم رآه من بعيد قال يا أبا إسحاق أنت فى
~~كسوتك ما غيرتها قال لا لأني ما وجدت ما طلبتها يعني الجنة وأنت وجدت ما
~~طلبت أي الدنيا فغيرت كسوتك
وعن شداد بن حكيم لولا هو وأصحابه لم نكن ندري ما نختار ونأخذ وكان شداد
~~من أزهد أهل زمانه من أئمة بلخ صلى بوضوء ظهر اليوم ظهر الغد ستين سنة روى
~~عن زفر وأصحابه مات شداد سنة ثلاث عشرة ومائتين
وعن ابن المبارك ذكر الإمام عند داود الطائي فقال ذاك نجم يهتدي به
~~الساري وعلم تقبله قلوب المؤمنين وكل علم ليس بعلمه فهو بلاء على حامله
~~والله
Shafi 462
عالم بالحلال والحرام والنجاة من النار مع ورع مستكمل وخدمة دائمة
وعن أبي يوسف أن الإمام كان يفتي فى المسجد الحرام إذ وقف عليه الإمام
~~جعفر الصادق بن محمد الباقر الإمام رضي الله عنهما وعن آبائهما الكرام فقطن
~~الإمام فقام فقال يا بن رسول الله لو علمت أول ما وقفت لما قعدت وأنت قائم
~~فقال اجلس وأفت الناس على هذا أدركت آبائي فإن قلت هل لشهادة هؤلاء تأثير
~~فى الترجيح قلت نعم وأي تأثير عند أرباب الفطنة وذلك ثابت بالكتاب والسنة
~~أما الكتاب فقوله تعالى {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس}
~~قالت طائفة من المفسرين أنه شهادة البعض فى الدينا وأما السنة فما فى صحيح
~~مسلم عن أنس عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال حين مرت به جنازة فأثنوا عليها
~~خيرا فقال وجبت ثلاثا ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا فقال وجبت ثلاثا فقال
~~عمر رضي الله عنه فداك أبي وأمي ما وجبت قال صلى الله عليه وسلم من أثنيتم
~~عليه خيرا أوجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء
~~الله فى أرضه ثلاثا ولا ينافي هذا ما فى البخاري وغيره أنه الشهادة على
~~الأمم بتبليغ رسلهم إليهم
فصل فى مقام علمه
ذكر الغرنوي عن زفر عن الإمام أنه قال بلغت الغاية فى الكلام حتى صرت
~~مشارا إليه للأنام وكنت أجلس بقرب حلقة حماد فسئلت عمن له زوجة أمة كيف
~~يطلقها للسنة فلم أهتد إلى جواب المسئلة فقلت لها سلي حمادا وأخبريني
~~بالجواب فسألت حمادا فأخبرتني فقلت لا حاجة لي فى علم الكلام فتحولت إلى
~~حلقة حماد وكان إذا ذكر المسئلة أحفظ قوله فإذا كرر كنت أحفظ أنا الجواب
~~ويخطئ أصحابه فقال لا يجلس فى الحلقة قبالتي غيرك فلزمته عشر سنين ثم أردت
Shafi 463
أن انفرد فى حلقة فلما دخلت المسجد على ذلك العزم لم أملك الخلاف فجلست
~~عنده فأخبر بموت حميم له بالبصرة فخرج إليه وأجلسني مكانه فوردت علي ستون
~~مسئلة لم أحفظ جوابها فأجبت وكتبت جوابي فلما جاء بعد شهرين عرضت عليه
~~جوابي فخالفني فى عشرين فحلفت أن لا أفارقه إلى الموت فلازمته ثمانية عشر
~~سنة أخرى
وذكر تاج الإسلام أبو سعد السمعاني عنه قال خدعتني امرأة وفقهتني امرأة
~~وزهدتني امرأة أما الأولى كنت مجتازا فأشارت لي امرأة إلى شيء مطروح فى
~~الطريق فتوهمت أنها خرساء وأن الشيئ لها فلما رفعته إليها قالت احفظه حتى
~~تسلمه إلى صاحبه والثاني سألتني امرأة عن مسئلة فى الحيض فلم أعرف فقالت
~~قولا فتعلمت الفقه والثالث مررت ببعض الطريق فقالت امرأة هذا الذى يصلي
~~الفجر بوضوء العشاء فتعودت ذلك حتى صار عادة
وذكر عنه أنه قال كنت أنازع الناس فى علم الدين فسئلت عن فريضة فلم أعرف
~~فقيل تكلم فى الدين وهو أدق من الشعر ولا تحسن فريضته فخجلت فأتيت الشعبي
~~فإذا مخضوب الرأس واللحية يلعب بالشطرنج مع أصحابه فسألته عن مسئلة فقال ما
~~يقول فيه الحكم بن عتيبة وحماد وسمعته يقول لا نذر فى معصية الله ولا كفارة
~~فيه فقلت الله تعالى يقول {وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا} ومع ذلك
~~أوجب فيه الكفارة فقال أقياس أنت قم فاخرج عني فدخلت على قتادة فإذا هو
~~يتكلم فى القدر فدخلت على أبي الزبير صاحب جبر بن عبد االله فرأيته رجلا لا
~~يحفظ لسانه فأتيت نافعا مولى ابن عمر فإذا هو يروي عن مولاه أنه كان يرخص
~~فى اتيان النساء غير ما تاهن ويتلوا قوله {نساؤكم حرث لكم} الآية فقلت هذا
~~أحمق الناس أو أكذب الناس فإذا كان سمع منه كان عليه أن يكتمه فلزمت حمادا
~~فإن قلت
Shafi 464
قد أنكر الإمام على الشعبي لعبه بالشطرنج وهو مختلف بين العلماء
~~المتأخرين فإن مالكا والشافعي جوزاه والنكير فى المجتهدات ساقط قال
~~النمرتاشي ليس لك أن تنكر على من قلد مجتهدا أو اجتهد دليلا فإن نقول لا
~~نكير إلا أن الأفضل أخذ العلم ممن هو الأتقى إلا كمل ولذا أنكر على فعله لا
~~على قوله فإن التقوى فوق الفتوى قال تعالى {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}
~~وورد استفت قلبك وإن أفتاك المفتون ومن المعلوم أن الخروج من موضع الخلاف
~~مستحب بالإجماع وفسر بعضهم الانصباب بالنرد والشطرنج كما ذكر القرطبي وأغرب
~~بعض الشافعية حيث بالغ فى لعبه حتى بلغه إلى حد الندب وإذا عيي القراءة لعب
~~به فى المسجد وأسند إلى قوم من الصحابة والتابعين أنهم لعبوا بها قال ابن
~~العربي ما مسها يد تقي قط والأصح أن مالكا معنى فى المنع وقد ثبت قوله عليه
~~السلام ملعون من لعب بالشطرنج والناظر إليه كآكل لحم الخنزير فلهذا المنقول
~~الظاهر أنكر الإمام الباهر على المخالف المجاهر والله أعلم بحقائق السرائر
~~قال الكردري فإن قلت ما وجه الإنكار على نافع فيما يرويه عن مولاه مع أن
~~ظاهر القرآن يوافقه وهو قوله تعالى {أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما
~~خلق لكم ربكم من أزواجكم} وقد ثبت القول به عن نافع عن ابن عمر فإن كل فرقة
~~فسروا أني فى قوله تعالى {فأتوا حرثكم أنى شئتم} بمعنى أين وقالوا قال به
~~سعيد بن المسيب ونافع وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وعبد الملك بن الماجشون
~~من المالكية وذكر ابن العربي أن سفيان ذكر فى كتاب جماع النسوان وأحكام
~~القرآن جوازه عن كثير من الصحابة والتابعين وقال أيضا بوجود اللواطة فى
~~الجنة كثير من المحققين من علماء الحنفية فدل على أنه لا انكار على نافع
~~قلت كان العلامة يقول لا تهو لكم أسماء الرجال عند قوة
Shafi 465
الدلائل وكشف المقال فإن كتاب الله تعالى حاكم ببطلان هذا القول فإن قوله
~~تعالى {فإذا تطهرن} وقوله تعالى {فأتوا حرثكم} كل دليل قاطع على حرمة محل
~~اللوث اللازم وكذا الأحاديث الحسان الكثيرة والصحاح شهيرة ناطقة صريحة فى
~~التحريم رواها الإمام أحمد بن حنبل فى مسنده وأبو داود والترمذي والنسائي
~~وقد جمعها أبو الفرج أحمد بن الجوزي فى جزء ثم حرمة اللواط عقلية ولذا سماه
~~الله فاحشة فلا وجود لها فى الجنة وقيل سمعية فلها وجود فيها وقيل يخلق
~~الله تعالى طائفة يكون نصفها الأعلى على صفة الذكور ونصفها الأسفل على صفة
~~الإناث والصحيح الأول انتهى
ولا يخفى بعد هذا الاستدال بأمثال هذه الأقاويل المجهولة المجعولة فى
~~تجويز اللواطة هى الفاحشة فى جميع الأمم المتقدمة والمتأخرة والقبيحة فى
~~العقول السليمة وأما نقلهم عن المحققين من علماء الحنفية وجودها فى دار
~~النعم العظيمة حاشا المحققين من هذه المقالة السقيمة على أن الطائفة
~~المنصفة لا يلزم فى جماعها اللواطة وأيضا لا يفرق بين الذكر والأنثى إلا
~~بالنصف الثاني فعليك الكلام بالثاني إذ من المعلوم أن أهل الجنة جرد مرد
~~على التنزل أن لمسلك الطائفة فالطابع الجنتية لا تميل إليها فى الدار
~~الكثيفة وأيضا كيف يحكم المحققون بوجود اللواطة فى الجنة مع أن العلوم
~~الغيبية التى لا تشتبه بالأدلة القطعية وأقلها الضنية لا بالأمور الوهمية
~~الصادرة عن العقول الردية فنسأل الله العافية من الخطاء فى الأمور الدينية
~~والآخروية وأما نقلهم عن نافع فإن النسأي روى عن أبي النضر قال لنافع قد
~~أكثر عليك القول أنك تقول به عن مولاك قال كذبوا علي الحديث
وذكر الدارمي فى = مسنده عن سعيد بن يسار قال قلت لإبن عمر ما تقول
Shafi 466
فى الجواري حين حمض بهن قال وما التحميض فذكرت له الدبر فقال هل يفعل ذلك
~~أحد من المسلمين وقد ذكر بعض أصحابنا فيما أجاب به المعدل الذى هجا الإمام
~~مذفران سالما روى عن ابن عمر خلافه فقال شعر ... إن كنت ذا كذب على أشياخنا
~~... متنقصا لأبي حنيفة أو زفر
فعليك اثم الشيخ أعني مالكا ... فى قوله وطى الحلائل فى الدبر
هذا مقال قد رووا عن سالم ... تكذيب ناقله وتزوير الخبر ... وذكر الإمام
~~الأندلسي وقال مالك لابن وهب وعلي بن زياد لما أخبراه أن ناسا بمصر يتحدثون
~~ذلك عنه فنفر عن ذلك وبادر إلى تكذيب الناقل وقال كذبوا علي ألستم قوما
~~عربا أو يكون الحرث إلا موضع النبت قال ثعلب شعر ... إنما الأرحام أرضون
~~محترف ... فعلينا الزرع وعلى الله الإنبات ...
أقول ولا يبعد الجمع بين نفي القول المذكور واثباته أن محل الثاني إذا
~~كانت المرأة حائضا كما نقل شيخ مشايخنا السيوطي فى الدر المنثور روايات
~~كثيرة عن بعض السلف والله سبحانه أعلم
وذكر الديلمي بإسناده إلى القاسم بن عدي العجلي قيل للإمام كيف اخترت
~~حمادا قال بتوفيق الله تعالى وتأملت فى العلوم فقلت الكلام عاقبته سوء
~~ونفعه قليل أن تبحر فيه لا يقدر على الكلام جهارا ويرمي بالهوى وعاقبة
~~الأدب مجالسة الصبيان وعاقبة الشعر التكدي بالمدح وقول الجفاء والخناء
~~وتمزيق الدين وعلم القراءة بعد جمع الكثير منه فى العمر الطويل مجالسة
~~الأحداث وربما يرمي بسؤ الحفظ فيلزمه ذلك وعلم الفقه أولى لمجالسة المشائخ
Shafi 467
والتخلق بأخلاقهم ولا يستقيم أداء التكاليف إلا به وحصول نجح الدارين
~~متعلق بكسبه ولو نزلت نازلة فى الحي احتاجوا إليك بسببه فإن يجدوا عندك
~~جوابا قالوا سلوا مشائخك فإن أردت الدنيا نلت به وإن تخليت للعبادة فلم
~~يقدر أحد أن يقول تعبد بلا علم
وبه إلى يحيى بن شيبان قال قال الإمام كنت أعطيت جدلا فى الكلام وأصحاب
~~الأهواء فى البصرة كثيرة فدخلتها نيف وعشرين مرة وربما قمت بها سنة أو أكثر
~~ظنا إن علم الكلام أجل العلوم فلما مضى مدة عمري تفكرت وقلت السلف كانوا
~~أعلم بالحقائق ولم ينتصبوا مجادلين بل أمسكوا عنه وخاضوا فى علم الشرائع
~~ورغبوا فيه وتعلموا وعلموا وتناظروا عليه فتركت الكلام واشتغلت بالفقه
~~ورأيت المشتغلين بالكلام ليس سيماهم سيماء الصالحين قاسية قلوبهم غليظة
~~أفئدتهم لا يبالون بمخالفة الكتاب والسنة ولو كان خيرا لاشتغل به السلف
~~الصالحون هذا
وحكاية روياه مشهورة أنه ينبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويولف العظام
~~الكرام يوضع بعضها فى موضع مناسب للمقام وتعبير ابن سيرين لها أن صاحبها
~~رجل يحيي الله به سنة أميتت فيما بين الأنام
فصل فى اعتقاده
ذكر الغزنوي عن يحيى بن نصر والديلمي عن نوح بن أبي مريم الجامع قالا
~~سألناه عن السنة والجماعة قال تفضيل الشيخين ومحبة الختنين والإيمان بالقدر
~~خيره وشره والمسح على الخفين وتحليل النبيذ للتقوي على طاعة الله لا السكر
~~وعدم التكفير لأحد بذنب عدم التكلم فى الله بشيئ قال سعد بن معاذ جمع
~~الإمام فى هذه الأحرف
Shafi 468
السبعة مذهب أهل السنة والجماعة
فاعلم أنه روى عبد الرحمن بن المثنى أن الإمام كان يفضل الشيخين ثم يقول
~~علي وعثمان ثم من كان له سابقة وهو أنقى فهو أفضل وكان لا يقول فى الصحابة
~~إلا خيرا وكان يقول مقام أحدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ساعة أفضل من
~~عبادتنا طول عمرنا
ثم اعلم أن بعض المتكلين قالوا نمسك عن تفضيل الصحابة بعضهم على بعض
~~والجمهور على خلافه ولكن اختلفوا فقال أكثرهم الصديق أفضلهم وقال الخطابية
~~الفاروق أفضلهم وقال الرواندية العباس أفضلهم وقال الرافضة علي أفضلهم
~~واتفق أهل السنة على تقديم الشيخين ووافقهم أيضا فيه المعتزلة ثم اختلفوا
~~فقال أقلهم وهو رواية عن الإمام ثم علي ثم عثمان وقال أكثرهم ثم عثمان ثم
~~علي وهو الأصح من مذهب الإمام كما يعرف من كتاب الفقه الأكبر ونصائحه ثم
~~تمام العشرة المبشرة بالجنة ثم أهل بدر ثم أهل أحد ثم أصحاب بيعة الرضوان
~~وزعم طائفة منهم ابن عبد البران من توفي من الصحابة الكرام حال حياته أفضل
~~ممن بقي بعد مماته عليه السلام وهذا اطلاق غير مرضي عند العلماء الأعلام
ثم اختلف العلماء فى التفضيل المذكور أقطعي أم ظني فذكر الأشعري أنه قطعي
~~وذكر الباقلاني أنه ظني ثم اختلفوا أن التفضيل بحسب الظاهر فقط أم بحسب
~~الظاهر والباطن كذا ذكره الكردري والقول بكونه قطعيا بعيد جدا اللهم إلا أن
~~يقال فى حق الصديق فإنه إلي التحقيق حقيق وأما القول بأنه بحسب الظاهر
~~والباطن فأبعد والله ولي التوفيق
ثم فى قوله ومحبة الختنين اشارة إلى أن محبتهما كافية فى كون حليهما من
Shafi 469