وقوله: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ.
وأشرت أن خلافة الله ﷿ لا تصح إلا بطهارة النفس، كما أن أشرف العبادات لا تصح إلا بطهارة الجسم.
وقد استخرت اللَّه الآن، وعملت في ذلك كتابًا ليكون ذريعة إلى مكارم الشريعة، وبينت كيف يصل الإنسان إلى منزلة العبودية التي جعلها الله تعالى شرفًا للأتقياء،
وكيف يترقى عنها إذا وصلها إلى منزلة الخلافة التي جعلها اللَّه تعالى شرفا للصديقين والشهداء.
فبالجمع بين أحكام الشرع ومكارمه علمًا، وإبرازهما عملًا يكتسب العلا،
ويتم التقوى، ويبلغ إلى جنة المأوى.
ورغبني أيها الأخ الفاضل - وفقك اللَّه وأرشدك، وأعاذك من شر نفسك - في تصنيفه ما رأيت من تشوقك أن تزين ما وليه اللَّه من حسن خَلْقك وخُلُقك بما تتولاه من تحسين أدبك، وإكمال مروءتك، فما أجدر رواك الصبيح أن تحصِّل وراءه الرأي الصحيح.
حتى تصادف أُترجًّا يطيب معًا ... حملًا ونَورًا فطاب العود والورق
فما أقبح المرء أن يكون حسن جسمه باعتبار قبح نفسه جنة يعمرها بوم، وصرمة يحرسها ذئب، كما قال حكيم لجاهل صبيح الوجه: أما البيت فحسنٌ وأما ساكنه فرديءٌ، وأن يكون باعتباره بكثرة ماله وحسن أثاثه ثورًا عليه حلى، فقد سمَّى بعضُ الحكماء الأغنياءَ الأغبياءَ تيوسًا صوفها درر، وحمرًا جلالها حبر، ودخل حكيم على رجل فرأى دارًا مستجدة، وفرشًا مبسوطة، ورأى صاحبها خلوًا من الفضيلة
1 / 60