بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله حمد الشَّاكِرِينَ، وصلواته على سيد الْمُرْسلين، مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي وَآله الطاهرين، وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا.
شكا إِلَى بعض من أثرت شكواه إثارة همتي فِي جمع هَذَا الْكتاب، من بلَاء ابتلى بِهِ، وَهوى هوى فِيهِ، وسألني الْمُبَالغَة فِي وصف دَوَاء دائه، فأهديت لَهُ نصيحة وديد لأودائه، وَقد أتيت بهَا على أبلغ تَرْتِيب، وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب.
فصل:
اعْلَم يَا أخي، وفقنا الله وَإِيَّاك لمراضيه، وعصمنا وَإِيَّاك عَن مَعَاصيه، أَنَّك لم تشك إِلَى مرضك إِلَّا وفيك بعد بَقِيَّة ترجى بهَا السَّلامَة، فبادر إِلَى اسْتِعْمَال الدَّوَاء، وَبَالغ فِي مُلَازمَة الحمية، وَقد رَجَوْت لَك الْعَافِيَة.
فَأَما إِن كنت تمضى فِي تخليصك وَلَا تصبر على مضض مَا يُوصف لَك، فَإنَّك تتعبنى وتتعب.
وَأعلم أَنِّي قد نزلت لِأَجلِك فِي هَذَا الْكتاب عَن يفاع الْوَقار، إِلَى حضيض التَّرَخُّص فِيمَا أورد، اجتذابا لسلامتك، واجتلابا لعافيتك، وَقد مددت فِيهِ النَّفس بعض الْمَدّ، لِأَن مثلك مفتقر إِلَى مَا يلهيه من الأسمار، عَن الْفِكر فِيمَا هُوَ بصدده من الأخطار، فَلْيَكُن هَذَا الْكتاب سميرك، وَاسْتِعْمَال مَا آمُرك بِهِ فِيهِ شغلك، وَالله ولى صلاحك، فَإِنَّهُ لَا عَاصِم إِلَّا من رحم.
1 / 1
فصل:
وَقد ضمنت هَذَا الْكتاب خمسين بَابا، وَهَذِه تراجم الْأَبْوَاب:
الْبَاب الأول: فِي الْعقل وفضله وَمَا جَاءَ فِيهِ.
الْبَاب الثَّانِي: فيذم الْهوى والشهوات.
الْبَابُ الثَّالِثِ: فِي ذِكْرِ مُجَاهَدَةِ النَّفس ومحاسبتها وتوبيخها.
الْبَابُ الرَّابِعُ: فِي مَدْحِ الصَّبْرِ والحث عَلَيْهِ.
الْبَابُ الْخَامِسُ: فِي حِرَاسَةِ الْقَلْبِ من التَّعَرُّض بالشواغل والفتن.
الْبَابُ السَّادِسُ: فِي ذِكْرِ مَا يصدأ بِهِ الْقلب.
الْبَابُ السَّابِعُ: فِي ذِكْرِ مَا يَنْفِي عَن الْقُلُوب صداها.
الْبَابُ الثَّامِنُ: فِي ذِكْرِ تَقْلِيبِ الْقُلُوبِ وَالرَّغْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إصلاحها.
الْبَابُ التَّاسِعُ: فِي ذِكْرِ الْوَاعِظِ من الْقلب.
الْبَابُ الْعَاشِرُ: فِي الأَمْرِ بِتَفْرِيغِ الْقلب من غير محبَّة.
الْبَابُ الْحَادِي عَشَرَ: فِي الأَمْرِ بغض الْبَصَر.
الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ: فِي ذَمِّ فضول النّظر.
الْبَابُ الثَّالِثَ عَشَرَ: فِي التَّحْذِيرِ من شَرّ النّظر.
الْبَابُ الرَّابِعَ عَشَرَ: فِي النَّهْيِ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الْمُرْدَانِ وَمُجَالَسَتِهِمْ.
الْبَابُ الْخَامِسَ عَشَرَ: فِي ذِكْرِ إِثْم النّظر وعقوبته.
الْبَابُ السَّادِسَ عَشَرَ: فِي ذِكْرِ مَنْ عَاقَبَ نَفْسَهُ عَلَى النَّظَرِ.
الْبَابُ السَّابِعَ عَشَرَ: فِي ذِكْرِ مَنْ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَخْذُ بَصَره خوف الْفِتْنَة.
الْبَابُ الثَّامِنَ عَشَرَ: فِي ذِكْرِ ثَوَابِ مَنْ غَضَّ بَصَرَهُ عَنِ الْحَرَام.
الْبَابُ التَّاسِعَ عَشَرَ: فِي مُعَالَجَةِ الْهَمِّ وَالْفِكْرِ الْمُتَوَلِدِ عَنِ النَّظَرِ.
الْبَابُ الْعِشْرُونَ: فِي ذِكْرِ مَا يَصْنَعُ مَنْ رَأَى امْرَأَةً فَأَعْجَبَتْهُ.
1 / 2
الْبَاب الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: فِي تَحْرِيم الْخلْوَة بالأجنبية.
الْبَابُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: فِي التَّحْذِيرِ من فتْنَة النِّسَاء.
الْبَابُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: فِي التَّخْوِيفِ من الْفِتَن ومكايد الشَّيْطَان.
الْبَابُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: فِي التَّحْذِيرِ من المعاصى وقبح أَثَرهَا.
الْبَابُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: فِي ذَمِّ الزِّنَا.
الْبَاب السَّادِس وَالْعشْرُونَ: فِي التحذير من عمل قوم لوط.
الْبَاب السَّابِع وَالْعِشْرُونَ: فِي ذِكْرِ عُقُوبَةِ اللُّوطِيِّ فِي الدُّنْيَا.
الْبَابُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: فِي ذِكْرِ عُقُوبَة اللوطي فِي الْآخِرَة.
الْبَابُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: فِي التَّحْذِيرِ من الْعُقُوبَات.
الْبَابُ الثَّلاثُونَ: فِي الْحَثِّ عَلَى التَّوْبَة وَالِاسْتِغْفَار.
الْبَاب الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: فِي الافتخار بالعفاف.
الْبَاب الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: فِي ذكر مَنْ ذَكَرَ رَبَّهُ فَتَرَكَ ذَنْبَهُ.
الْبَابُ الثَّالِثُ وَالثَّلاثُونَ: فِي الْحَثِّ على النِّكَاح.
الْبَابُ الرَّابِعُ وَالثَّلاثُونَ: فِي ذَمِّ مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا.
الْبَابُ الْخَامِسُ وَالثَّلاثُونَ: فِي ذِكْرِ مَاهِيَّة الْعِشْق وَحَقِيقَته.
الْبَابُ السَّادِسُ وَالثَّلاثُونَ: فِي ذِكْرِ سَبَب الْعِشْق.
الْبَابُ السَّابِعُ وَالثَّلاثُونَ: فِي ذِكْرِ ذمّ الْعِشْق.
الْبَابُ الثَّامِنُ وَالثَّلاثُونَ: فِي ذِكْرِ ثَوَابِ مَنْ عَشَقَ وَعَفَّ وَكَتَمَ.
الْبَابُ التَّاسِعُ وَالثَّلاثُونَ: فِي ذِكْرِ الآفَاتِ الَّتِي تَجْرِي عَلَى الْعَاشِقِ مِنَ الْمَرَضِ وَالضَّنَى وَالْجُنُونِ، وَغَيْرِ ذَلِك.
الْبَابُ الأَرْبَعُونَ: فِي ذِكْرِ الْحِيَلِ والمخاطرات بالنفوس وإلقائها إِلَى الْهَلَاك لأجل لِقَاء المحبوب.
الْبَاب الْحَادِي الْأَرْبَعُونَ: فِي ذِكْرِ مَنْ ضُرِبَتْ بِهِ الْأَمْثَال من العشاق.
1 / 3
الْبَابُ الثَّانِي وَالأَرْبَعُونَ: فِي ذِكْرِ مَنْ حَمَلَهُ الْعِشْقُ عَلَى أَنْ زنى بمحارمه.
الْبَابُ الثَّالِثُ وَالأَرْبَعُونَ: فِي ذِكْرِ من كفر بِسَبَب الْعِشْق.
الْبَابُ الرَّابِعُ وَالأَرْبَعُونَ: فِي ذِكْرِ مَنْ حَمَلَهُ الْعِشْقُ عَلَى قَتْلِ النَّاس.
الْبَابُ الْخَامِسُ وَالأَرْبَعُونَ: فِي ذِكْرِ أَخْبَار من قتل معشوقة.
الْبَابُ السَّادِسُ وَالأَرْبَعُونَ: فِي ذِكْرِ أَخْبَارِ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْعُشَّاقِ.
الْبَابُ السَّابِعُ وَالأَرْبَعُونَ: فِي ذِكْرِ أَخْبَار من قَتله الْعِشْق.
الْبَابُ الثَّامِنُ وَالأَرْبَعُونَ: فِي ذِكْرِ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسَبَبِ الْعِشْقِ.
الْبَابُ التَّاسِعُ وَالأَرْبَعُونَ: فِي ذِكْرِ أدوية الْعِشْق.
الْبَاب الْخَمْسُونَ: فِيهِ مَجْمُوع وَصَايَا وزواجر ومواعظ. فَهَذِهِ جَمِيع أَبْوَاب الْكتاب. وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي وعَلى آله وَسلم تَسْلِيمًا.
1 / 4
الْبَابُ الأَوَّلُ فِي ذِكْرِ الْعَقْلِ وَفَضْلِهِ وَذِكْرِ مَاهِيَّتِهِ
اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَاهِيَّةِ الْعَقْلِ اخْتِلافًا كَثِيرًا
فَقَالَ قَوْمٌ هُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ
وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ غَرِيزَةٌ يَتَأَتَّى مَعَهَا دَرْكُ الْعُلُومِ
وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ قُوَّةٌ يُفَضَّلُ بِهَا بَيْنَ حَقَائِقِ الْمَعْلُومَاتِ
وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ جَوْهَرٌ بَسِيطٌ وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ جِسْمٌ شَفَّافٌ
وَقَالَ الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ هُوَ نُورٌ
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ الْعَقْلُ غَرِيزَةٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْمُحَاسِبِيِّ أَيْضًا مِثْلُهُ
وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا أَنْ يُقَالَ الْعَقْلُ غَرِيزَةٌ كَأَنَّهَا نُورٌ يُقْذَفُ فِي الْقَلْبِ فَيَسْتَعِدُّ لإِدْرَاكِ الأَشْيَاءِ فَيَعْلَمُ جَوَازَ الْجَائِزَاتِ وَاسْتِحَالَةَ الْمُسْتَحِيلاتِ وَيَتَلَمَّحُ عَوَاقِبَ الأُمُورِ
وَذَلِكَ النُّورُ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَإِذَا قَوِيَ ذَلِكَ النُّورُ قَمَعَ بِمُلاحَظَةِ الْعَوَاقِبِ عَاجِلَ الْهَوَى
ذِكْرُ مَحِلِّ الْعَقْلِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا يَقُولُونَ مَحِلُّهُ الْقَلْبُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الشَّافِعِيِّ
﵁
وَدَلِيلُهُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿فَتكون لَهُم قُلُوب يعْقلُونَ بهَا﴾
1 / 5
وَقَوْلُهُ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لمن كَانَ لَهُ قلب﴾ قَالُوا الْمُرَادُ لِمَنْ كَانَ لَهُ عَقْلٌ فَعَبَّرَ بِالْقَلْبِ عَنِ الْعَقْلِ لأَنَّهُ مَحِلُّهُ
وَنَقَلَ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَحْمَدَ ﵁ أَنَّ مَحِلَّهُ الدِّمَاغُ
وَهُوَ اخْتِيَارُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁
ذِكْرُ فَضْلِ الْعَقْلِ من طَرِيق النَّفْل
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَرَ قَالَ أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَخْلَدٍ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ ﵂ فَقَالَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرَأَيْتِ الرَّجُلَ يَقِلُّ قِيَامُهُ وَيَكْثُرُ رُقَادُهُ وَآخَرَ يَكْثُرُ قِيَامُهُ وَيَقِلُّ رُقَادُهُ أَيُّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكِ قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ أَحْسَنُهُمَا عَقْلا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَسْأَلُكَ عَنْ عِبَادَتِهِمَا فَقَالَ يَا عَائِشَةُ إِنَّهُمَا لَا يُسْأَلانِ عَنْ عِبَادَتِهِمَا إِنَّمَا يُسَأَلانِ عَنْ عُقُولِهِمَا فَمَنْ كَانَ أَعْقَلَ كَانَ أَفْضَلَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَقِّ قَالَ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ أَنْبَأَنَا ابْنُ رِزْقَوَيْهِ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُلْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ التَّمِيمِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ قَالَ حَدَّثَنَا غِيَاثُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ لُوطٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنَّ لِكُلِّ سَبِيلٍ مَطِيَّةً وَثِيقَةً وَمَحَجَّةً
1 / 6
وَاضِحَةً وَأَوْثَقُ النَّاسِ مَطِيَّةً وَأَحْسَنُهُمْ دَلالَةً وَمَعْرِفَةً بِالْمَحَجَّةِ الْوَاضِحَةِ أَفْضَلُهُمْ عَقْلا
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ قَالَ أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْبَاقِي قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ صُقَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ وَأَهْلِ الصَّلاةِ وَأَهْلِ الْحَجِّ وَأَهْلِ الْجِهَادِ فَمَا يُجْزَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا بِقَدْرِ عَقْلِهِ
أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ الْمَهْدِيِّ قَالَ أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَاهِينَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَاغَنْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ النُّورِ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَقَدْ سَبَقَ إِلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ أَقْوَامٌ مَا كَانُوا بِأَكْثَرِ النَّاسِ صَلاةً وَلا صِيامًا وَلا حَجًّا وَلا اعْتِمَارًا وَلَكِنَّهُمْ عَقَلُوا عَنِ اللَّهِ ﷿ مَوَاعِظَهُ فَوَجِلَتْ مِنْهُمْ قُلُوبُهُمْ وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النُّفُوسُ وَخَشِعَتْ مِنْهُمُ الْجَوَارِحُ فَفَاقُوا الْخَلِيقَةَ بِطِيبِ الْمَنْزِلَةِ وَحُسْنِ الدَّرَجَةِ عِنْدَ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا وَعِنْدَ اللَّهِ فِي الآخِرَةِ
قُلْتُ الْمَنْقُولُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي فَضْلِ الْعَقْلِ كَثِيرٌ إِلا أَنَّهُ بَعِيدُ الثُّبُوتِ فَلْنَقْتَصِرْ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنْهُ
قَالَ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ الْحَافِظُ لَسْتُ أَحْفَظُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ خَبَرًا صَحِيحًا فِي الْعَقْلِ لأَنَّ أَبَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ وَسَلَمَةَ بْنَ وَرْدَانَ وَعُمَيْرَ بْنَ عِمْرَانَ
1 / 7
وَعَلِيَّ بْنَ زَيْدٍ وَالْحَسَنَ بْنَ دِينَارٍ وَعَبَّادَ بْنَ كَثِيرٍ وَمَيْسَرَةَ بْنَ عَبْدِ رَبِّهِ وَدَاوُدَ بْنَ الْمُحَبَّرِ وَمَنْصُورَ بْنَ صُقَيْرٍ وَذَوِيهِمْ لَيْسُوا مِمَّنْ أَحْتَجُّ بِأَخْبَارِهِمْ فَأُخَرِّجَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الأَحَادِيثِ فِي الْعَقْلِ
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَيْسَ الْعَاقِلُ مَنْ يَعْرِفُ الْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَعْرِفُ خَيْرَ الشَّرَّيْنِ
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ قَالَ أَنْبَأَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْمَاطِيُّ قَالَ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ قَالَ لَهُ أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ فَقَالَ وَعِزَّتِي مَا خَلَقْتُ خَلْقًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْكَ فَبِكَ أُعْطِي وَبِكَ آخُذُ وَبِكَ أُعَاقِبُ
أَخْبَرَنَا ابْنُ نَاصِرٍ قَالَ أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ الصَّوَّافِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ يَثَّغِرُ الْغُلامُ لِسَبْعِ سِنِينٍ وَيَحْتَلِمُ لأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَيَنْتَهِي طُولُهُ لإِحْدَى وَعِشْرِينَ وَيَنْتَهِي عَقْلُهُ إِلَى ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ تَجَارِبٌ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ جَعَلَ اللَّهَ لَهُ عَقْلا
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ قَالَ أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْحَمَّامِيُّ قَالَ أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَرِمِيسِينِيُّ قَالَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَائِشَةَ قَالَ وُلِدَ لِكِسْرَى مَوْلُودٌ فَأَمَرَ فَجِيءَ بِبَعْضِ أَهْلِ الأَدَبِ وَجِيءَ بِالْمَوْلُودِ فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ كِسْرَى مَا خَيْرُ مَا أُوتِيَ هَذَا الْمَوْلُودُ قَالَ عَقْلٌ يُولَدُ مَعَهُ قَالَ فَإِنْ عَدِمَهُ قَالَ أَدَبٌ حَسَنٌ يَعِيشُ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ قَالَ فَإِنْ عَدِمَ ذَلِكَ قَالَ صَاعِقَةٌ تُحْرِقُهُ
1 / 8
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَمَّا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ إِلَى الأَرْضِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ بِثَلاثَةِ أَشْيَاءَ الدِّينِ وَالْعَقْلِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ يُخَيِّرُكَ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الثَّلاثَةِ فَقَالَ يَا جِبْرِيلُ مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْ هَؤُلاءِ إِلا فِي الْجَنَّةِ فَمَدَّ يَدَهُ إِلَى الْعَقْلِ فَضَمَّهُ إِلَى نَفْسِهِ فَقَالَ لِذَيْنِكَ اصْعَدَا قَالا لَا نَفْعَلُ قَالَ أَتَعْصِيَانِي قَالا لَا نَعْصِيكَ وَلَكِنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَكُونَ مَعَ الْعَقْلِ حَيْثُمَا كَانَ
فَصَارَتِ الثَّلاثَةُ إِلَى آدَمَ
وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ إِنِّي وَجَدْتُ فِي بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ أَنَّ الشَّيْطَانَ لَمْ يُكَابِدْ شَيْئًا أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنَ مُؤْمِنٍ عَاقِلٍ وَأَنَّهُ يُكَابِدُ مِائَةَ جَاهِلٍ فَيَسْتَجِرُّهُمْ حَتَّى يَرْكَبَ رِقَابَهُمْ فَيَنْقَادُونَ لَهُ حَيْثُ شَاءَ وَيُكَابِدُ الْمُؤْمِنَ الْعَاقِلَ فَيَصْعُبُ عَلَيْهِ حَتَّى مَا يَنَالُ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ حَاجَتِهِ
قَالَ وَهْبٌ وَلَإِزَالَةُ الْجَبَلِ صَخْرَةً صَخْرَةً وَحَجَرًا حَجَرًا أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ مُكَابَدَةِ الْمُؤْمِنِ الْعَاقِلِ فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ تَحَوَّلَ إِلَى الْجَاهِلِ فَيَسْتَأْسِرُهُ وَيَسْتَمْكِنُ مِنْ قِيَادِهِ حَتَّى يُسْلِمَهُ إِلَى الْفَضَائِحِ الَّتِي يَتَعَجَّلُ بِهَا فِي الدُّنْيَا الْجَلْدِ وَالْحَلْقِ وَتَسْخِيمِ الْوَجْهِ وَالْقَطْعِ وَالرَّجْمِ وَالصَّلْبِ وَإِنَّ الرَّجُلَيْنِ يَسْتَوِيَانِ فِي أَعْمَالِ الْبِرِّ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ أَوْ أَبْعَدُ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْقَلَ مِنَ الآخَرِ وَمَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنَ الْعَقْلِ
وَقَالَ مَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ لَوْ أَنَّ الْعَاقِلَ أَمْسَى وَأَصْبَحَ وَلَهُ ذُنُوبٌ بِعَدَدِ الرَّمْلِ كَانَ وَشِيكًا بِالنَّجَاةِ وَالسَّلامَةِ وَالتَّخَلُّصِ مِنْهَا وَلَوْ أَنَّ الْجَاهِلَ أَمْسَى وَأَصْبَحَ وَلَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ عَدَدُ الرَّمْلِ لَكَانَ وَشِيكًا أَلَّا يَسْلَمَ لَهُ مِنْهَا مِثْقَالُ ذَرَّةٍ قِيلَ وَكَيْفَ ذَلِكَ قَالَ لأَنَّ الْعَاقِلَ إِذَا زَلَّ تَدَارَكَ ذَلِكَ بِالتَّوْبَةِ وَالْعَقْلِ الَّذِي قُسِمَ لَهُ وَالْجَاهِلَ إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلِهِ الَّذِي يَبْنِي وَيَهْدِمُ فَيَأْتِيهِ مِنْ جَهْلِهِ مَا يُفْسِدُ صَالِحَ عَمَلِهِ
وَقَالَ الْحَسَنُ مَا يَتِمُّ دِينُ الرَّجُلِ حَتَّى يَتِمَّ عَقْلُهُ وَمَا أودع الله امْرَءًا عَقْلا إِلا اسْتَنْقَذَهُ بِهِ يَوْمًا
1 / 9
وَقِيلَ لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ مَا أَفْضَلُ مَا أُعْطِيَ الإِنْسَانُ قَالَ الْعَقْلُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ إِنَّ الْقَوْمَ لَيَحُجُّونَ وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيُصَلُّونَ يوصومون وَمَا يُعْطَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَقِّ قَالَ أَنْبَأَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْبَجَلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْفَيَّاضِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو طَلْحَةَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خُبَيْقٍ قَالَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ قَالَ الْعَقْلُ سِرَاجُ مَا بَطَنَ وَمِلاكُ مَا عَلَنَ وَسَائِسُ الْجَسَدِ وَزِينَةُ كُلِّ أَحَدٍ وَلا تَصْلُحُ الْحَيَاةُ إِلا بِهِ وَلا تَدُورُ الأُمُورُ إِلا عَلَيْهِ
وَسُئِلَ ابْنُ الْمُبَارَكِ مَا خَيْرُ مَا أُعْطِيَ الرَّجُلُ قَالَ غَرِيزَةُ عَقْلٍ قِيلَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ أَدَبٌ حَسَنٌ قِيلَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ أَخٌ صَالِحٌ يَسْتَشِيرُهُ قِيلَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ صَمْتٌ طَوِيلٌ قِيلَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ مَوْتٌ عَاجِلٌ
ذِكْرُ فَضِيلَةِ الْعَقْلِ مِنْ جِهَةِ الاسْتِنْبَاطِ
إِنَّمَا تَتَبَيَّنُ فَضِيلَةُ الشَّيْءِ بِثَمْرَتِهِ وَفَائِدَتِهِ وَقَدْ عَرَفْتُ ثَمْرَةَ الْعَقْلِ وَفَائِدَتَهُ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَى الإِلَهِ وَأَمَرَ بِطَاعَتِهِ وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَثَبَتَ مُعْجِزَاتِ الرُّسُلِ وَأَمْرَ بِطَاعَتِهِمْ وَتَلَمَّحَ الْعَوَاقِبَ فَاعْتَبَرَهَا فَرَاقَبَهَا وَعَمِلَ بِمُقْتَضَى مَصَالِحِهَا وَقَاوَمَ الْهَوَى فَرَدَّ غُرَبَهُ وَأَدْرَكَ الأُمُورَ الْغَامِضَةَ وَدَبَّرَ عَلَى اسْتِخْدَامِ الْمَخْلُوقَاتِ فَاسْتَخْدَمَهَا وَحَثَّ عَلَى الْفَضَائِلِ وَنَهَى عَنِ الرَّذَائِلِ وَشَدَّ أَسْرَ الْحَزْمِ وَقَوَّى أَزْرَ الْعَزْمِ وَاسْتَجْلَبَ مَا يَزِينُ وَنَفَى مَا يَشِينُ فَإِذَا تُرِكَ وَسُلْطَانَهُ أَسَرَ فُضُولَ الْهَوَى فَحَصَرَهَا فِي حَبْسِ الْمَنْعِ وَكَفَى بِهَذِهِ الأَوْصَافِ فَضِيلَةً
1 / 10
وَلا يَنْبَغِي أَنْ يُدَالَّ الْهَوَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ عَدُوُّهُ فَيَحُطَّهُ عَنْ رُتْبَتِهِ وَيَسْتَنْزِلَهُ عَنْ دَرَجَتِهِ وَلا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ وَهُوَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مَحْكُومًا وَلا أَنْ يَصِيرَ وَهُوَ الزَّمَّامُ مَزْمُومًا وَلَا أَنْ يَعُودَ وَهُوَ الْمَتْبُوعُ تَابِعٍا فَمَنْ صَبَرَ عَلَى مَضِيضِ مُشَاوَرَتِهِ اجْتَنَى حَلاوَةَ الْمُنَى فِي عَوَاقِبِهِ
حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِم ابْن القَاضِي عَن أبي الوفا ابْن عَقِيلٍ قَالَ حَدَّثَنِي حَسَنٌ الْمُتَطَبِّبُ قَالَ اسْتُدْعِيتُ إِلَى دَارِ الْخِلافَةِ فَأُدْخِلْتُ حُجْرَةً فَإِذَا بِسِتْرٍ مُسْبَلٍ وَإِذَا رِجْلٌ قَدْ أُخْرِجَتْ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ وَعَلَيْهَا أَثَرُ النِّعْمَةِ فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا فَإِذَا بِهَا قَدِ انْخَلَعَتْ فَقُلْتُ هَذِهِ الرِّجْلُ يَحْتَاجُ صَاحِبُهَا إِلَى رَجُلَيْنِ قَوِيَّيْنِ يَلْزَمَانِهِ حَتَّى لَا يَتَحَرَّكَ لِتُخْلَعَ وَتُرَدَّ إِلَى مَكَانِهَا فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ أَقْبِلْ عَلَى صِنَاعَتِكَ فَإِنَّ الْعَقْلَ مُمْسِكٌ
1 / 11
الْبَابُ الثَّانِي فِي ذَمِّ الْهَوَى وَالشَّهَوَاتِ
اعْلَم أَنَّ الْهَوَى مَيْلُ الطَّبْعِ إِلَى مَا يُلائِمُهُ وَهَذَا الْمَيْلُ قَدْ خُلِقَ فِي الإِنْسَانِ لِضَرُورَةِ بَقَائِهِ فَإِنَّهُ لَوْلا مَيْلُهُ إِلَى الْمَطْعَمِ مَا أَكَلَ وَإِلَى الْمَشْرَبِ مَا شَرِبَ وَإِلَى الْمَنْكَحِ مَا نَكَحَ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يشتهيه فالهوى مستحلب لَهُ مَا يَفِيدُ كَمَا أَنَّ الْغَضَبَ دَافِعٌ عَنْهُ مَا يُؤْذِي فَلا يَصْلُحُ ذَمُّ الْهَوَى عَلَى الإِطْلاقِ وَإِنَّمَا يُذَمُّ الْمُفْرَطُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَا يَزِيدُ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ
وَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ مِنْ مُوَافِقِ الْهَوَى أَنَّهُ لَا يَقِفُ مِنْهُ عَلَى حَدِّ الْمُنْتَفِعِ أُطْلِقَ ذَمُّ الْهَوَى وَالشَّهَوَاتِ لِعُمُومِ غَلَبَةِ الضَّرَرِ لأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُفْهَمَ الْمَقْصُودُ مِنْ وَضْعِ الْهَوَى فِي النَّفْسِ وَإِذَا فُهِمَ تَعَذَّرَ وُجُودُ الْعَمَلِ بِهِ وَنَدُرَ مِثَالُهُ أَنَّ شَهْوَةَ الْمَطْعَمِ إِنَّمَا خُلِقَتْ لاجْتِلابِ الْغِذَاءِ فَيَنْدُرُ مَنْ يَتَنَاوَلُ بِمُقْتَضَى مَصْلَحَتِهِ وَلا يَتَعَدَّى فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ انْغَمَرَ ذِكْرُ الْهَوَى فِي حَقِّ هَذَا الشَّخْصِ وَصَارَ مُسْتَعْمَلا لِلْمَصَالِحِ وَأَمَّا الأَغْلَبُ مِنَ النَّاسِ فَإِنَّهُمْ يُوَافِقُونَ الْهَوَى فَإِنْ حَصَلَتْ مَصْلَحَةٌ حَصَلَتْ ضِمْنًا وَتَبَعًا فَلَمَّا كَانَ هَذَا هُوَ الْغَالِبُ ذَكَرْتُ فِي هَذَا الْبَابِ ذَمَّ الْهَوَى وَالشَّهَوَاتِ مُطْلَقًا ووسمت كتابي ب ذمّ الْهَوَى لِذَلِكَ الْمَعْنَى
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ ﷿ الْهَوَى فِي مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ إِلا ذَمَّهُ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ إِنَّمَا سُمِّيَ هَوًى لأَنَّهُ يَهْوِي بِصَاحِبِهِ
فصل اعْلَمْ أَنَّ مُطْلَقَ الْهَوَى يَدْعُو إِلَى اللَّذَّةِ الْحَاضِرَةِ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ فِي
عَاقِبَةٍ وَيَحُثُّ
1 / 12
عَلَى نَيْلِ الشَّهَوَاتِ عَاجِلا وَإِنْ كَانَتْ سَبَبًا لِلأَلَمِ وَالأَذَى فِي الْعَاجِلِ وَمَنْعِ لَذَّاتٍ فِي الآجِلِ
فَأَمَّا الْعَاقِلُ فَإِنَّهُ يَنْهَى نَفْسَهُ عَنْ لَذَّةٍ تُعَقِّبُ أَلَمًا وَشَهْوَةٍ تُوَرِّثُ نَدَمًا وَكَفَى بِهَذَا الْقَدْرِ مَدْحًا لِلْعَقْلِ وَذَمًّا لِلْهَوَى
أَلا تَرَى أَنَّ الطِّفْلَ يُؤْثِرُ مَا يَهْوَى وَإِنْ أَدَّاهُ إِلَى التَّلَفِ فَيَفْضُلُ الْعَاقِلُ عَلَيْهِ بِمَنْعِ نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ يَقَعُ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِي الْمَيْلِ بِالْهَوَى
وَبِهَذَا الْقَدْرِ فُضِّلَ الآدَمِيُّ عَلَى الْبَهَائِمِ أَعْنِي مَلَكَةَ الإِرَادَةِ لأَنَّ الْبَهَائِمَ وَاقِفَةٌ مَعَ طِبَاعِهَا لَا نَظَرَ لَهَا إِلَى عَاقِبَةٍ وَلا فِكْرَ فِي مَآلٍ فَهِيَ تَتَنَاوَلُ مَا يَدْعُوهَا إِلَيْهِ الطَّبْعُ مِنَ الْغِذَاءِ إِذَا حَضَرَ وَتَفْعَلُ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الرَّوَثِ وَالْبَوْلِ أَيَّ وَقْتٍ اتَّفَقَ وَالآدَمِيُّ يَمْتَنِعُ عَنْ ذَلِكَ بِقَهْرِ عَقْلِهِ لِطَبْعِهِ
وَإِذَا عَرَفَ الْعَاقِلُ أَنَّ الْهَوَى يَصِيرُ غَالِبًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ كُلَّ حَادِثَةٍ إِلَى حَاكِمِ الْعَقْلِ فَإِنَّهُ سَيُشِيرُ عَلَيْهِ بِالنَّظَرِ فِي الْمَصَالِحِ الآجِلَةِ وَيَأْمُرُهُ عِنْدَ وُقُوعِ الشُّبْهَةِ بِاسْتِعْمَالِ الأَحْوَطِ فِي كَفِّ الْهَوَى إِلَى أَنْ يَتَيَقَّنَ السَّلامَةَ مِنَ الشَّرِّ فِي الْعَاقِبَةِ
وَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتَمَرَّنَ عَلَى دَفْعِ الْهَوَى الْمَأْمُونِ الْعَوَاقِبِ لِيَسْتَمِرَّ بِذَلِكَ عَلَى تَرْكِ مَا تُؤْذِي غَايَتُهُ
وَلْيَعْلَمِ الْعَاقِلُ أَنَّ مُدْمِنِي الشَّهَوَاتِ يَصِيرُونَ إِلَى حَالَةٍ لَا يَلْتَذُّونَهَا وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لَا يَسْتَطِيعُونَ تَرْكَهَا لأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ عِنْدَهُمْ كَالْعَيْشِ الاضْطِرَارِيِّ وَلِهَذَا تَرَى مُدْمِنَ الْخَمْرِ وَالْجِمَاعِ لَا يَلْتَذُّ بِذَلِكَ عُشْرَ الْتِذَاذِ مَنْ لَمْ يُدْمِنْ غَيْرَ أَنَّ الْعَادَةَ تَقْتَضِيهِ ذَلِكَ فَيُلْقِي نَفْسَهُ فِي الْمَهَالِكِ لِنَيْلِ مَا يَقْتَضِيهِ تَعَوُّدُهُ وَلَوْ زَالَ رَيْنُ الْهَوَى عَنْ بَصَرِ بَصِيرَتِهِ لَرَأَى أَنَّهُ قَدْ شَقِيَ مِنْ حَيْثُ قَدَّرَ
1 / 13
السَّعَادَةَ وَاغْتَمَّ مِنْ حَيْثُ ظَنَّ الْفَرَحَ وَأَلِمَ مِنْ حَيْثُ أَرَادَ اللَّذَّةَ
فَهُوَ كَالْحَيَوَانِ الْمَخْدُوعِ بِحَبِّ الْفَخِّ لَا هُوَ نَالَ مَا خُدِعَ بِهِ وَلا أَطَاقَ التَّخَلُّصَ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ يَتَخَلَّصُ مِنَ هَذَا مَنْ قَدْ نَشِبَ فِيهِ قِيلَ لَهُ بِالْعَزْمِ الْقَوِيِّ فِي هِجْرَانِ مَا يُؤْذِي وَالتَّدَرُّجِ فِي تَرْكِ مَالا يُؤْمَنُ أَذَاهُ وَهَذَا يَفْتَقِرُ إِلَى صَبْرٍ وَمُجَاهَدَةٍ يُهَوِّنُهُمَا سَبْعَةُ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا التَّفَكُّرُ فِي أَنَّ الإِنْسَانَ لَمْ يُخْلَقْ لِلْهَوَى وَإِنَّمَا هُيِّئَ لِلنَّظَرِ فِي الْعَوَاقِبِ وَالْعَمَلِ لِلآجِلِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ الْبَهِيمَةَ تُصِيبُ مِنْ لَذَّةِ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ والمنكح مَالا يَنَالُهُ الإِنْسَانُ مَعَ عَيْشٍ هَنِيٍّ خَالٍ عَنْ فِكْرٍ وَهَمٍّ
وَلِهَذَا تُسَاقُ إِلَى مَنْحَرِهَا وَهِيَ مُنْهَمِكَةٌ عَلَى شَهَوَاتِهَا لِفُقْدَانِ الْعِلْمِ بِالْعَوَاقِبِ
وَالآدَمِيُّ لَا يَنَالُ مَا تَنَالُهُ لِقُوَّةِ الْفِكْرِ الشَّاغِلِ وَالْهَمِّ الْوَاغِلِ وَضَعْفِ الآلَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ
فَلَوْ كَانَ نَيْلُ الْمُشْتَهَى فَضِيلَةٌ لَمَا بُخِسَ حَظُّ الآدَمِيِّ الشَّرِيفِ مِنْهُ وَزِيدَ حَظُّ الْبَهَائِمِ وَفِي تَوْفِيرِ حَظِّ الآدَمِيِّ مِنَ الْعَقْلِ وَبَخْسِ حَظِّهِ مِنَ الْهَوَى مَا يَكْفِي فِي فَضْلِ هَذَا وَذَمِّ ذَلِكَ
وَالثَّانِي أَنَّ يُفَكِّرَ فِي عَوَاقِبِ الْهَوَى
فَكَمْ قَدْ أَفَاتَ مِنْ فَضِيلَةٍ وَكَمْ قَدْ أَوْقَعَ فِي رَذِيلَةٍ وَكَمْ مِنْ مَطْعَمٍ قَدْ أَوْقَعَ فِي مَرَضٍ وَكَمْ مِنْ زَلَّةٍ أَوْجَبَتِ انْكِسَارَ جَاهٍ وَقُبْحَ ذِكْرٍ مَعَ إِثْمٍ
غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْهَوَى لَا يَرَى إِلا الْهَوَى
فَأَقْرَبُ الأَشْيَاءِ شَبَهًا بِهِ مَنْ فِي الْمَدْبَغَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِدُ رِيحَهَا حَتَّى يَخْرُجَ فَيَعْلَمَ أَيْنَ كَانَ
وَالثَّالِثُ أَنْ يَتَصَوَّرَ الْعَاقِلُ انْقِضَاءَ غَرَضِهِ مِنْ هَوَاهُ ثُمَّ يَتَصَوَّرَ الأَذَى الْحَاصِلَ عُقَيْبَ اللَّذَّةِ فَإِنَّهُ يَرَاهُ يَرْبَى عَلَى الْهَوَى أَضْعَافًا وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ
وَأَفْضَلُ النَّاسِ مَنْ لَمْ يَرْتَكِبْ سَبَبًا ... حَتَّى يُمَيِّزَ مَا تَجْنِي عَوَاقِبُهُ
1 / 14
وَالرَّابِعُ أَنْ يَتَصَوَّرَ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ثُمَّ يَتَلَمَّحَ عَاقِبَتَهُ بفكره فَإِنَّهُ سير مَا يَعْلَمُ بِهِ عَيْبَهُ إِذَا وَقَفَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ
وَالْخَامِسُ أَنْ يَتَفَكَّرَ فِيمَا يَطْلُبُهُ مِنَ اللَّذَّاتِ فَإِنَّهُ سَيُخْبِرُهُ الْعَقْلُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا عَيْنُ الْهَوَى عَمْيَاءُ
وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ إِذَا أَعْجَبَتْ أَحَدَكُمُ امْرَأَةٌ فَلْيَذْكُرْ مَنَاتِنَهَا
وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ
لَوْ فَكَّرَ الْعَاشِقُ فِي مُنْتَهَى ... حُسْنِ الَّذِي يُسْبِيهِ لَمْ يُسْبِهِ
لأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ ذَكَرَ الْحَالَ الْحَاضِرَةَ الْمُلازِمَةَ وَأَبُو الطَّيِّبِ أَحَالَ عَلَى أُمُورٍ مُتَأَخِّرَةٍ إِلا أَنْ يَكُونَ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى
وَالسَّادِسُ أَنْ يَتَدَبَّرَ عِزَّ الْغَلَبَةِ وَذُلَّ الْقَهْرِ فَإِنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ غَلَبَ هَوَاهُ إِلا أَحَسَّ بِقُوَّةِ عَزٍّ وَمَا مِنْ أَحَدٍ غَلَبَهُ هَوَاهُ إِلا وَجَدَ فِي نَفْسِهِ ذُلَّ الْقَهْرِ
وَالسَّابِعُ أَنْ يَتَفَكَّرَ فِي فَائِدَةِ الْمُخَالَفَةِ لِلْهَوَى مِنَ اكْتِسَابِ الذِّكْرِ الْجَمِيلِ فِي الدُّنْيَا وَسَلامَةِ النَّفْسِ وَالْعِرْضِ وَالأَجْرِ فِي الآخِرَةِ
ثُمَّ يَعْكِسَ فَيَتَفَكَّرَ لَوْ وَافَقَ هَوَاهُ فِي حُصُولِ عَكْسِ ذَلِكَ عَلَى الأَبَدِ وَلْيَفْرِضْ لِهَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ حَالَتَيْ آدَمَ ويوسف ﵉
فِي لقْمَة هَذَا وصبر هَذَا
وَيَا أَيهَا الأَخُ النَّصُوحُ أَحْضِرْ لِي قَلْبَكَ عِنْدَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَقُلْ لِي بِاللَّهِ عَلَيْكَ أَيْنَ لَذَّةُ آدَمَ الَّتِي قَضَاهَا مِنْ هِمَّةِ يُوسُفَ الَّتِي مَا أَمْضَاهَا مَنْ كَانَ يَكُونُ يُوسُفُ لَوْ نَالَ تِلْكَ اللَّذَّةَ
فَلَمَّا تَرَكَهَا وَصَبَرَ عَنْهَا بِمُجَاهَدَةِ سَاعَةٍ صَارَ مَنْ قَدْ عَرَفْتَ
1 / 15
فَصْلٌ وَاعْلَمْ أَنَّ الْهَوَى يَسْرِي بِصَاحِبِهِ فِي فُنُونٍ وَيُخْرِجُهُ مِنْ دَارِ الْعَقْلِ إِلَى
دَائِرَةِ الْجُنُونِ
وَقَدْ يَكُونُ الْهَوَى فِي الْعِلْمِ فَيَخْرُجُ بِصَاحِبِهِ إِلَى ضِدِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ الْعِلْمُ
وَقَدْ يَكُونُ فِي الزُّهْدِ فَيَخْرُجُ إِلَى الرِّيَاءِ
وَكِتَابُنَا هَذَا لِذَمِّ الْهَوَى فِي شَهَوَاتِ الْحِسِّ وَإِنْ كَانَ يَشْتَمِلُ عَلَى ذَمِّ الْهَوَى مُطْلَقًا
وَإِذْ قَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ ذَمِّ الْهَوَى مَا أَمْلاهُ الْعَقْلُ فَلْنَذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ مَا يحويه النَّقْل
فصل قَدْ مَدَحَ اللَّهُ ﷿ مُخَالَفَةِ الْهَوَى فَقَالَ ﴿وَنَهَى النَّفْسَ عَن الْهوى﴾ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هُوَ نَهْيُ النَّفْسِ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهَا
قَالَ مُقَاتِلٌ هُوَ الرَّجُلُ يُهِمُّ بِالْمَعْصِيَةِ فَيَذْكُرُ مَقَامَهُ لِلْحِسَابِ فَيَتْرُكُهَا
وَقَالَ ﷿ ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمثل الْكَلْب﴾ وَقَالَ ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فرطا﴾ وَقَالَ ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ وَقَالَ ﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي من أضلّ الله﴾ وَقَالَ ﴿وَاتبعُوا أهواءهم﴾ وَقَالَ ﴿فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْر هدى من الله﴾ وَقَالَ ﴿لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ وَقَالَ ﴿أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتبع﴾
1 / 16
﴿هَوَاهُ﴾ وَقَالَ ﴿وَلَئِن اتبعت أهواءهم﴾ وَقَالَ ﴿فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تعدلوا﴾ وَقَالَ ﴿وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيل الله﴾
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَارِعُ وَمُحَمّد بن الْحُسَيْن المزرفي وَعَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمُوَحِّدُ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّوْزَنِيُّ وَبَدْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّيْخِيُّ قَالُوا حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر الْمُسْلِمَةِ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ الْفِرْيَابِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ قَالَ حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ فِي هَذِهِ الآيَةِ ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ قَالَ هُوَ الْمُنَافِقُ لَا يَهْوَى شَيْئًا إِلا رَكِبَهُ
قَالَ الْفِرْيَابِيُّ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ الْمُنَافِقُ يَعْبُدُ هَوَاهُ لَا يَهْوَى شَيْئًا إِلا رَكِبَهُ
قَالَ الْفِرْيَابِيُّ وَحَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلهه هَوَاهُ﴾ قَالَ إِذَا هَوَى شَيْئًا رَكِبَهُ
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَينِ قَالَ أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاعِظُ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا حَسَنٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ
انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ وَقَدِ اتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلا أَنَّ فِي لَفْظِ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ حُجِبَتْ مَكَانَ حُفَّتْ
أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
1 / 17
ﷺ قَالَ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ ﷿ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ يَعْنِي إِلَى الْجَنَّةِ فَقَالَ انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا فَجَاءَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ ﷿ لأَهْلِهَا فِيهَا فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلا دَخَلَهَا
فَأَمَرَ بِهَا فَحُجِبَتْ بِالْمَكَارِهِ وَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَرَجَعَ فَإِذَا هِيَ قَدْ حُجِبَتْ بِالْمَكَارِهِ فَقَالَ لَقَدْ خَشِيتُ أَلا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ
قَالَ فَانْظُرْ إِلَى النَّارِ وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا فَجَاءَهَا فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ لأَهْلِهَا فِيهَا فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ عزتك لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلَهَا
فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ وَقَالَ لَهُ ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ فَرجع إِلَيْهِ فَقَالَ وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلا دَخَلَهَا
قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّلالُ قَالَ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن سياووش قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو حَامِدٍ الإِسْفَرَايِينِيُّ قَالَ أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدَكَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الأَعْيَنُ قَالَ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ
أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَلافُ قَالَ أَنْبَأَنَا
1 / 18
عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ بِشْرَانَ قَالَ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكِنْدِيُّ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد ابْن جَعْفَرٍ الْخَرَائِطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ حبَان عَنْ أَبِي الْحَكَمِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ شَهَوَاتُ الْغَيِّ فِي بُطُونِكُمْ وَفُرُوجِكُمْ وَمُضِلَّاتُ الْهَوَى
وَبِالإِسْنَادِ حَدَّثَنَا الْخَرَائِطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ الْفَرَائِضِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيُّ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي حَكَمٌ جَائِرٌ وَزَلَّةُ عَالِمٍ وَهَوًى مُتَّبَعٌ
وَبِالإِسْنَادِ حَدَّثَنَا الْخَرَائِطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبَّادِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ حُصَيْبِ بْنِ جَحْدَرٍ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ إِلَهٌ يُعَبْدُ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ
وَبِهِ قَالَ حَدَّثَنَا الْخَرَائِطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ بَكْرٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ شُحٌّ مُطَاعٌ وَهَوًى مُتَّبَعٌ وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ
1 / 19
وَبِهِ قَالَ حَدَّثَنَا الْخَرَائِطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُلاعِبٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ الْقَرْقَسَانِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ بِلالِ بْنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ حُبُّكَ الشَّيْء يعمى ويصم
أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُعَمَّرِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ أَنْبَأَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْبَاقِلَّاوِيُّ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحَامِلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمَرْزُبَانِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الأَذْرَمِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَحْشِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الصَّوَّافُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثَلاثٌ مُنْجِيَاتٌ وَثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ فَأَمَّا الْمُنْجِيَاتُ فَتَقْوَى اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ وَالْقَوْلُ بِالْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالسُّخْطِ وَالْقَصْدُ فِي الْغنى الْفقر
وَأَمَّا الْمُهْلِكَاتُ فَهَوًى مُتَّبَعٌ وَشُحٌّ مُطَاعٌ وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ وَهِيَ شَرُّهُنَّ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ قَالَ أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيه قَالَ أَنبأَنَا عبد العزيز بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْجَزَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَسَّانٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْخَلِيلُ بْنُ خَدَّوَيْهِ قَالَ مَرَّ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ فَرَأَى عَبْدًا فِي الْهَوَاءِ مُتَعَبِّدًا فَقَالَ لَهُ بِمَ نِلْتَ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ مِنَ اللَّهِ قَالَ بِأَمْرٍ يَسِيرٍ فَطَمْتُ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا وَلَمْ أَتَكَلَّمْ فِيمَا لَا يَعْنِينِي وَنَظَرْتُ فِيمَا أُمْرِتُ بِهِ فَعَمِلْتُ بِهِ وَنَظَرْتُ فِيمَا نَهَانِي عَنْهُ فَانْتَهَيْتُ عَنْهُ فَأَنَا إِنْ سَأَلْتُهُ أَعْطَانِي وَإِنْ دَعَوْتُهُ أَجَابَنِي وَإِنْ أَقْسَمْتُ عَلَيْهِ أَبَرَّ قَسَمِي سَأَلْتُهُ أَنْ يُسْكِنَنِي الْهَوَاءَ فَأَسْكَنَنِي
1 / 20