فتضعه، والقبيح فتحسنه -! قال: أسمعني مثالًا، قلت: حتى تصف برغوثًا فتقول: أسود زنجي، وأهلي وحشي؛ ليس بوان ولا زميل، وكأنه جزء لا يتجزأ من ليل، وشونيزة، أوثبتها غريزة، أو نقطة مداد، أو سويداء قلب قراد؛ شربه عب، ومشيه وثب؛ يكمن نهاره، ويسري ليله؛ يدارك بطعنٍ مؤلم، ويستحل دم كل مسلم، مساور للأساورة، يجر ذيله على الجبابرة؛ يتكفر بأرفع الثياب، ويهتك ستر كل حجاب، ولا يحفل ببواب؛ يرد مناهل العيش العذبة، ويصل إلى الأجراح الرطبة، لا يمنع منه أمير، ولا ينفع فيه غيرة غيور، وهو أصغر كل حقير، شره مبثوث، وعهده منكوث، وكذلك كل برغوث؛ كفى بهذا نقصًا للإنسان، ودالًا على قدرة الرحمن.
وحتى تصف ثعلبًا فتقول: أدهى من عمرو، وأفتك من قائل حذيفة بن بدر؛ كثير الوقائع في المسلمين، مغرى بإراقة دماء المؤذنين؛ إذا رأى الفرصة انتهزها، وإذا طلبته الكماة أعجزها؛ وهو مع ذلك بقراط في إدامه، وجالينوس في اعتدال طعامه؛ غداؤه حمام أو دجاج، وعشاؤه تدرج أو دراج.
قال أبو عامر: وكان فيما يقابلني من ناديهم فتى قد رماني بطرفه