تجنيسًا أو ما يشبهه تمجه الآذان، والتوسط في الأمر أعدل؛ ولذلك فضل أهل البصرة صريع الغواني على أبي تمام، لأنه لبس ديباجة المحدثين على لأمة العرب، فتركب له من الحسن بينهما ما تركب.
وفي فصل له: قال أبو عمار: أهل صناعة الكلام متباينون في المنزلة، متفاضلون في شرف المرتبة، على مقدار إحسانهم وتصرفهم.
فمنهم الذي ينظم الأوصاف، ويخترع المعاني، ويحرز جيد اللفظ، إلا أنه يصعب عليه الكلام، ويكد قريحته التأليف، حتى إنه ربما قصر في الوصف، وأساء الوضع. فهذا في الأبيات القليلة نافر، وفي القريبة المأخذ سائر، وفي طريقة الجمهور الأعظم ذاهب، حتى إذا ازدحمت عليه، وانحشدت إليه، وطالبته ببهاء البهجة، وشرف المنزلة، وقف وانفل، وتلاشى واضمحل.
ومنهم الكارع في بحر الغزارة، القادح بشعاع البراعة، الذي يمر مر السيل في اندفاعه، والشؤبوب في انصبابه، لا يشكو الفشل، ولا يكل على طول العمل، إذا ازدحمت في الكلام عليه المطالب، وعلقت بحواشي فكره المآرب، وحشرت عليه الصعائب والغرائب، استقل بها كاهله، واضطلع بثقلها غاربه، وأعارها من نظره لمحة، ومن فكره قدحة، ثم رمى بها عن جانبيه، قد رويت بمائها، ولبست شعاع بهائها، وبقي