186

Dhakhira

الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة

Editsa

إحسان عباس

Mai Buga Littafi

الدار العربية للكتاب

Inda aka buga

ليبيا - تونس

فأخذ يدبر، وطفق يورد ويصدر. قالت قيمته: وكأني أنظر إلى الكاس في يده، وإلى ابنة عمه قائمةً على رأسه، من لدن صليت العصر حتى طلع الفجر، وجانت منه بعد طول ليلته نظرة فرآها، فاعتذر إليها واستدناها، ووعدها ومناها، وقام من حينه فوضع الكأس ملأى في طاق وطبع عليها، وأمر بالركوب من حينه، فغزا غزوته المشهورة إلى المغرب من العدوة، بلغ فيها مدينة فاس، فوطئ الدول، ودوخ السهل والجبل؛ ثم رجع فجلس ذلك المجلس بعينه، واستدعى كأسه تلك وابنة عمه، فخلا بأنسه، وقضى وطره من لذة نفسه، بعد أيام كثيرة، وحروب مبيرة.
ولما تناهى أمره، وتجاوز السها ذكره، وظن أن البلاد تحت ختمه، وأن الناس على حكمه، سما إليه في بعض أسفاره ابن عمه الناصر، أصغر خلق الله عنده شانًا، وأهونهم عليه سرًا وإعلانًا، من فتىً علمه الخوف كيف يجسر، وهجم به ضيق المسلك على الموت وهو ينظر، لم يشاور إلا الحسام، ولا استصحب إلا الإقدام؛ وقد كان بعض نصحاء بلقين خوفه منه، لكلمة أخذت يومئذ عنه، فجعلها بلقين نقلة ركابه، وسمر أصحابه. وكان قلما يركب إلا دارعًا، آخذًا بما يأخذ به من ذعر القلوب، ووتر البعيد والقريب؛ وكان مولعًا بالإدلاج إذا ارتحل، مؤثرًا للانفراد كلما ركب ونزل؛ فأقسم تلك الليلة ألا يدلج إلا حاسرًا، وليقتلن الناصر إذا نزل ولو كان أسدًا خادرًا؛ فأعجله عن الأمر، ولما يبد وضح الفجر؛ لقيه كأنه يسلم عليه، أو يسير بين يديه، فما راجعه الكلام، إلا وقد جلله الحسام، وأراح

1 / 190