نهر الكلب
وقد سماه اليونان «ليقوس» ومعناه ذئب، وهو نهر كبير بينه وبين نهر إبراهيم ثمانية أميال، وأصل مياهه عين خارجة من مغارتين في سفح جبل جعيتا جارية إلى فم الوادي هناك؛ حيث تختلط بها مياه نبع العسل
4
ونبع اللبن
5
آتية من نحو عشرة أميال من الجبل، ثم يمر هذا النهر تحت صخر مقور من أسفله يحسبه الناظر إليه أنه قنطرة من صناعة الأيدي للعبور عليها ، وهو يسمى جسر الحجر، ثم تجتمع إليه عيون حتى يصل إلى مصبه، وهو يجري إلى الجنوب الغربي، ويصب في بحر الروم إلى الجنوب من جونية كسروان. وزعم البعض أن سيزوستريس وهو رعمسيس الثاني ملك مصر لما فتح فينيقية نقر تاريخ الفتح في صخور بقرب النهر، ويقال إنه لما فتح سنحاريب ملك الآشوريين فينيقية أمر بنقر صورته، وذكر أعماله في تلك الصخور، وذلك لم يزل باقيا إلى الآن.
وفي سنة 250ق.م، بنى له أنطيوخوس ملك سورية جسرا عظيما بالقرب من شاطئ البحر؛ فهدم باعتراض أشجار اقتلعها السيل، فجدد بناءه الملك أنطونيانوس قيصر الذي تولى الملك برومية سنة 140ب.م، وأصلح البرج هناك، ومهد الطريق، ولقبه بالطريق الأنطونياني، ونقر ذلك في صخرة جنوبي الجسر، ونصب فيه القدماء قائمة من حجر كبير بهيئة كلب، وربطوه بسلسلة من حديد إلى صخرة أخرى جعلوا له فيها نقيرا للطعام؛ زعما منهم أنهم إذا طرقتهم الأعداء نبح فحذرهم منهم؛ فسمي لذلك نهر الكلب، ثم طرح تمثال ذلك الكلب إلى البحر، وهو لم يزل باقيا حتى الآن ولكن بدون رأس، ثم هدم ذلك الجسر. وفي سنة 1292ب.م جدد سيف الدين ابن الحاج أرقطاي المنصوري بناءه، وفي سنة 1750 أنشأ الأمير حيدر الشهابي قناة إلى الجانب الشمالي من النهر، وغرس في الوطا تحت القناة أغراسا من التوت لتسقى منها، ثم هدم أيضا فجدد بناءه الأمير بشير عمر الشهابي حاكم الجبل يومئذ، ثم هدم أيضا فبنى الأمير نفسه في سنة 1809 جسرا جديدا بمكان قريب منه، وهو ثابت إلى الآن. وفي سنة 1889 بنى المغفور له واصه باشا جسرا آخر بالقرب منه تمر العربات عليه؛ وذلك لأنه رأى الجسر القديم لا يصلح لذلك، ولكن لم يكد يتم بناءه إلا هدمته المياه، فعاد فبناه ثانية واكلا أمر الملاحظة على البناء وترتيبه إلى فارس أفندي الخوري وأنطون أفندي قيقانو مهندس المتصرفية اللبنانية يومئذ، فجاء جسرا منيعا متقنا لا نظير له في البلاد السورية، ونقر فيه باللغات الثلاث - العربية والتركية والفرنسية - تاريخا هذه صورته: «في ظل السلطان الغازي عبد الحميد خان، أنشئ هذا الجسر وهذا الطريق بعناية صاحب الدولة واصه باشا متصرف جبل لبنان سنة 1889.» وسماه «جسر الشوكتية»، وقد نقر فيه أيضا تاريخان؛ أحدهما للمؤرخ والآخر لأنطون أفندي قيقانو.
نهر أنطلياس
نهر صغير يبعد نحو ثلاثة أميال عن نهر الكلب إلى الشمال من مدينة بيروت يصب في البحر المتوسط مارا بالقرب من دير القديس إلياس المسمى باسمه؛ لأن كلمة أنطلياس لا تخلو أن تكون منحوتة، إما من أنطون وإلياس، وإما من أنطش إلياس، وإما من أيقونة إلياس، وهذا الأخير هو الأرجح، وأقبل ما يكون للتحريف حتى يجيء منه أنطلياس لما أن اللفظ العامي لأيقونة هو قونة. ومعلوم ما بين القاف والهمزة من الملابسة في اللفظ عند العامة، ومخرج هذا النهر من ينابيع أعلاها يبعد ساعة عن البحر المتوسط، ومن هذه الينابيع ما هو دائم الجريان؛ مثل ينبوع التنور والحاووز، ومنها ما يغيض ساعات قليلة كينبوع الصفصافات الذي يخرج فوارا من بئر احتفرها في الأرض وهو أغزر ينابيع هذا النهر ماء، وبه تدور رحى المطاحن على ضفتي النهر وهو يغيض بضع ساعات في بعض السنين كما حدث في صيف سنة 1897 وفي شتاء سنة 1898، فلبث غيضه في المرة الأخيرة ست ساعات متوالية فتلونت الأحاديث عنه وتكاثرت الأقوال، ولما عادت مياهه إلى فيضها في مجراها كانت معتكرة محمارة، ومنها ما يغيض ماؤه في بعض من السنة، ثم يعود في الربيع إلى فيضه كينبوعي الزيتونة والمغارة، ومنها ما لا يغيض أبدا.
وجميع هذه المخارج قد احتفرت منهرا واحدا تنصب فيه وتجري مسافة ساعة حتى تبلغ مصبها من البحر، وعلى الضفتين رحى كثيرة وعلى مقربة من البحر معمل للورق تديره مياه النهر، وليس يوجد معمل للورق غيره في سورية جميعها، وأما الأراضي التي تستقي من مياه هذا النهر فمن حدود ضبية شماليه إلى برج حمود جنوبيه على مسافة ساعة ونصف ساعة، وأما السر في غيضه فهو انهيال التراب في مجرى مياهه إلى حدان يستد المجرى فتنقطع المياه حتى تخترق السد وتذيبه.
Shafi da ba'a sani ba