وقد جاء أيضا في تاريخ السلوقيين أن أرواد كان يلجأ إليها بعض الذين يخشون سطوة الملك عليهم، فإن كليوبطرة زوج ديمتريوس لما خافت على ابنها أنطيوخوس بن أنطيوخس سيدتس أن يمس بسوء أرسلته إلى أرواد، وهذا يدل على أن هذه الجزيرة كانت مستقلة.
ومن أعظم الأمور التي حدثت في أيام السلوقيين مما يتصل بلبنان وتأريخه اتصالا وثيقا تشييد مدينة أنطاكية التي سيكون لها فيما سيجيء من تأريخ لبنان شأن ديني عظيم، كما سيتبين ذلك فيما بعد، وأيضا فإنه في آخر مدة السلوقيين حدث أمر خطير؛ وهو أن الحارث أحد ملوك العرب من آل غسان أتى دمشق وأخذها عنوة من يد السلوقيين وذلك سنة 85ق.م، ثم إنه بعد أن انقرضت الدولة السلوقية، وكان قبيل انقراضها قد استولى تيغران على سورية حلت أقدام الرومان
19
في الديار السورية وانتشر لواء سلطتهم على مدنها، فمكثت هذه الديار دائنة لشوكة القياصرة وولاتهم وقناصلهم حتى كان الفتح الإسلامي؛ وذلك مدة سبعة قرون.
ويظهر أن بعض المدن الفينيقية كانت في أيامهم حائزة شيئا من الامتياز، وقد اشتهرت أيضا بالعلوم والمعارف، فقد ذكر إسترابون المؤرخ من المعاصرين له من علماء صور وصيدا عددا كبيرا، وكانت مدينة بيروت مركزا للشرائع
20
والقضاء.
ومن أعظم ما جاء في صدر السلطة الرومانية في الديار السورية ظهور النصرانية بولادة السيد المسيح في اليهودية، ومن يتتبع تاريخ الرومان في هذه الديار وما وقع لهم من الحروب المختلفة فيها، سواء كان بأسباب سياسية داخلية، أو بما كان ينال البلاد من غزوات البرثيين والعرب والفرس، أو كان بأسباب الاضطهاد الديني بعد ظهور النصرانية ير أن لبنان إنما عمر بجماعات من الناس كانوا يلجئون إليه فرارا من سيوف النقمة والاضطهاد. وبناء عليه؛ فإننا سنبدأ من هنا أن نسلك منهاجا جديدا في كتابنا هذا، وهو أن نتوخى بيان الطوائف والقبائل التي لجأت إليه.
ربما يخطر ببال من قرأ ما تقدم في كتابنا هذا من تاريخ الفينيقيين، ثم السلوقيين، ثم الرومان في سورية ولبنان أننا أتينا في تأريخ الفينيقيين تفصيلا مملا وفي ذكر الباقين إيجازا مخلا، وأنه كان من الواجب أن يكون تناسب في التفصيل في كل الروايات التي تؤدي إلى كشف شيء من حقيقة لبنان الذي أخذنا على نفسنا أن نجمع له تأريخا خاصا به، ولكن الذي حدا بنا إلى التفصيل في الأولين هو الرغبة في استيعاب مواد اكتشفت حديثا من آثار لبنان نفسه ومن آثار البلدان الأخرى، وكانت من قبل مستورة غير مسطورة في التواريخ المحفوظة من تواريخ اليونان والرومان، كما أن الذي حدا بنا إلى الإيجاز في الآخرين هو الاستغناء بما فصل من أحوالهم في كتب ذات شروح مسهبة أدى إليها التوغل في البحث فيما يتعلق باليونان والرومان أكثر مما يتعلق بغيرهم من الأقوام؛ لاعتقاد أن مهد الحضارة كان عندهم دون غيرهم، ثم جاءت أبحاث المستشرقين من عهد ليس ببعيد ناقضة ذلك الاعتقاد بما انفتح في وجوه الباحثين من أبواب الغموض والإشكال بمفاتيح الخطوط المسمارية والهيروكليفية.
ليس لنا من الآثار التاريخية ما يمكننا من استقصاء أصل أهل لبنان اليوم إلى زمن متوغل في القدم، وغاية ما يصل إليه الاستنتاج العقلي من سياق الحوادث التاريخية التي مر ذكرها أن اللبنانيين قوم لجئوا إلى لبنان منفصلين عن قبائل مختلفة مذاهبهم في الدين، فمنهم المسلمون والموارنة والدروز والروم الأرثوذكسيون والكاثوليكيون والمتاولة (الشيعيون) والسريان والبروتستان،
Shafi da ba'a sani ba