Desire for Clarification to Summarize the Key in the Sciences of Rhetoric
بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة
Mai Buga Littafi
مكتبة الآداب
Lambar Fassara
السابعة عشر
Nau'ikan
Shafi da ba'a sani ba
1 / 3
1 / 4
1 / 5
1 / 6
1 / 7
1 / 8
1 / 9
١ إنما حصر علم البلاغة في علمي المعاني والبيان؛ لأن علم البديع يبحث في المحسنات التي تكون بعد رعاية وجوه البلاغة والفصاحة في الكلام. وقدم الكشف عن معنى الفصاحة والبلاغة على بيان انحصار علم البلاغة في هذه العلوم؛ لأن معرفة انحصاره فيها تتوقف على الكشف عن معنى الفصاحة والبلاغة، وبهذا كان صنيعه أحسن من السكاكي؛ لأنه ذكر الكلام على الفصاحة والبلاغة في آخر علم البيان. ٢ منها قول أكثم بن صيفي: "البلاغة: الإيجاز"، وقول أرسطو: "البلاغة: حسن الاستعارة"، وقول ابن المقفَّع: "البلاغة: قلة الحصَر، والجراءة على البشَر"، وقول بعضهم: "البلاغة: تصوير الحق في صورة الباطل، وتصوير الباطل في صورة الحق". فالأول كقول محمد بن عبد الملك الزيات: "الرحمة: خَوَر في الطبيعة، وضعف في المُنَّة". والثاني كقول الحارث بن حلزة "مجزوء الكامل": عيشي بجد لا يضر ... ك النوك ما لاقيت جدا والعيش خير في ظلا ... ل النوك ممن عاش كدا وأقوال المتقدمين كثيرة في البلاغة، والظاهر أن جمهورهم لم يكن يفرق بينها وبين الفصاحة، وقد نُقل عن أفلاطون أن: "الفصاحة لا تكون إلا لموجود، والبلاغة تكون لموجود ومفروض". ولعله يعني بالموجود اللفظ، وبالمفروض المعنى. وقال العاصي بن عدي: "الشجاعة قلب ركين، والفصاحة لسان رزين". وهو يعني باللسان اللفظ، وبالرزين ما فيه فخامة وجزالة. وقال بعضهم: الفصاحة تمام آلة البيان، وهي عنده مقصورة على اللفظ أيضا؛ لأن الآلة -وهي اللسان- تتعلق باللفظ دون المعنى.
1 / 10
١ لأن هذه الأقوال يقصد منها ذكر أوصاف البلاغة والفصاحة، ولا يقصد منها حقيقة الحد والرسم، وقد قصد بعض العلماء بعد هذه الأقوال إلى حقيقة الحد والرسم، فقاربوا ولم يصلوا إليهما، ومنهم أبو هلال العسكري في "الصناعتين"؛ فعرّف البلاغة بأنها: "كل ما تُبْلِغ به المعنى قلب السامع لتمكنه في نفسه لتمكنه في نفسك مع صورة مقبولة، ومعرض حَسَن". وذكر أنه اختُلف في الفصاحة؛ فقيل: إنها مأخوذة من قولهم: أفصح عما في لسانه إذا أظهره؛ وعلى هذا ترادف البلاغة. وقيل: إنها تمام آلة البيان؛ فلا يكونان مترادفين؛ لأن الفصاحة تكون حينئذ مقصورة على اللفظ، وكذلك كان السكاكي في "المفتاح" كما سيأتي في كلامه عليهما. ٢ يرى أبو هلال العسكري أن البلاغة من صفة الكلام لا المتكلم؛ ولهذا لا يجوز أن يسمى الله تعالى بليغا؛ إذ لا يجوز أن يوصف بصفة كان موضوعها الكلام، وأما تسمية المتكلم بليغا فتوسع، وحقيقته أن كلامه بليغ، ثم كثر استعمال ذلك حتى صار كالحقيقة، ويرى أيضا أنه لا يجوز أن يسمى فصيحا؛ لأن الفصاحة تتضمن معنى الآلة وهي اللسان. هذا، وقد اعتمد الخطيب في ذلك التقسيم على ما جاء في "حسن التوسل" لأبي الثناء الحلبي، وكذلك اعتمد عليه في كثير من الموضوعات الآتية في العلوم الثلاثة.
1 / 11
١ ذكر ابن الأثير أن المعول في ذلك على الذوق الصحيح، فما يعده ثقيلا عسر النطق فهو متنافر، سواء أكان ذلك من قرب مخارج الحروف أم من بعدها أم من غيرهما، وذكر ابن سنان الخفاجي أن قرب المخارج يكون سببا في قبح اللفظ، وبعدها يكون سببا في حسنه، وذلك غير صحيح؛ لأن الكلمتين قد تتركبان من حروف واحدة وتكون إحداهما ثقيلة دون الأخرى، وذلك مثل "عَلَم ومَلَع"؛ فالأولى خفيفة على اللسان ولا ينبو عنها الذوق، بخلاف الثانية، مع اتحاد حروفهما. وقد تتألف الكلمة من حروف متقاربة ولا ثقل فيها مثل: "ذقته بفمي" فالباء والفاء والميم أحرف شفوية متقاربة ولا ثقل فيها، ولكن مع هذا لا يمكن إنكار ما لمخارج الحروف وصفاتها وهيئة تأليفها من الأثر في خفة الكلمة وثقلها، وإنما عُوِّل على الذوق دونه؛ لأنه لا يجري على قاعدة معروفة، وقد زعم الزوزني أن في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ﴾ [يس: ٦٠] ثقلا قريبا من التناهي؛ لقرب مخرج الهمزة والعين والهاء، مع أن الكلمة خفيفة في الذوق، وهي سقطة من الزوزني. ٢ قيل: إنه اسم شجر، وقيل: إنه معاياة لا أصل لها. ومثله كل كلمة يُجمع فيها بين العين والحاء أو بين العين والخاء أو بين الجيم والصاد أو بين الجيم والقاف أو بين الدال والزاي ونحو ذلك، مثل: عِقْجُق والظش والشصاصاء ونحوها. ٣ هو من قول حُندج بن حجر الكندي، المعروف بامرئ القيس في معلقته "من الطويل": وفرع يزين المتن أسود فاحم ... أثيث كقنو النخلة المتعثكل غدائره مستشزرات إلى العلا ... تضل المداري في مثنى ومرسل وفرع المرأة: شعرها، والمتن: الظهر، والأثيث: الكثير الشعر، والقنو: العنقود، والمتعثكل: المتراكم، والغدائر: الذوائب، والمستشزرات: المرتفعات، والمداري: الأمشاط جمع: مِدْرَى، والمثنى: المفتول، والمرسل: غير المفتول. وسبب ثقل "مستشزر" توسط الشين المهموسة الرخوة بين التاء المهموسة الشديدة والزاي المجهورة. ومثل مستشزرات "اطْلَخَمّ" في قول أبي تمام "من البسيط": قد قلت لما اطلخم الأمر وانبعثت ... عشواء تالية غبسا دهاريسا وكذلك "سُوَيْدَواتها" في قول المتنبي "من الكامل": إن الكريم بلا كرام منهم ... مثل القلوب بلا سويدواتها وقد نشأ ثقلها من طولها، وهي مفردة أيضا؛ لأنها مركب إضافي.
1 / 12
١ عدم ظهور المعنى ينشأ عن وحشية الكلمة. ومعنى وحشيتها: كونها غير مأنوسة الاستعمال عند العرب الخلص؛ فلا يعول في ذلك على غيرهم من المحدَثين الذين ظهروا بعد فساد اللغة، ولا يرد على هذا متشابه القرآن ومجمله؛ لأن المراد عدم ظهور المعنى الموضوع له، والمعنى الوضعي في المتشابه والمجمل ظاهر لا خفاء فيه، وإنما الخفاء في مراد الله تعالى منهما. ومن المتشابه في القرآن قوله تعالى: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ [الفتح: ١٠]، ومنه في الحديث قوله ﷺ: "ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا". ومنه في الشعر قول أبي تمام "من الكامل": ولهت فأظلم كل شيء دونها ... وأضاء منها كل شيء مظلم فالوَله والظلمة والإضاءة ألفاظ ظاهرة المعنى، ولكن البيت بجملته يحتاج فهمه إلى استنباط، ومراده: أنها ولهت فأظلم ما بينه وبينها من جزعه لولهها، وظهر له ما خفي عنه من حبها له. وإني أرى أن الغرابة وحدها لا تخل بفصاحة الكلمة، وقد بينت هذا في كتابي "البلاغة العالية"، وكذلك أرى أن ابتذالها لا يعيبها ما دامت معاني الكلام جيدة، وهو اما اختاره ابن شرف القيرواني، وعليه بعض نقاد الإنجليز الذين يرون أن الابتذال يكون في الفكرة لا في الكلمة. ٢ إنما يُلجَأ عندهم إلى تخريجها على وجه بعيد إذا وقعت من عربي عارف باللغة؛ لأنه لا يصح حمل كلامه على الخطأ، والحق أن العربي قد يخطئ في لغته، وأن الحمل على الخطأ خير من تكلف ذلك التخريج البعيد.
1 / 13
١ هو لعبد الله بن رؤبة التميمي السعدي، المعروف بالعجاج من قوله "من الرجز": أيام أبدت واضحا مفلجا ... أغر براقا وطرفا أبرجا ومقلة وحاجبا مزججا ... وفاحما ومرسنا مسرجا والفاحم: الشعر الشديد السواد، والمرسن: اسم لمحل الرسن وهو أنف البعير، ثم أُطلق وأريد به الأنف مطلقا على سبيل المجاز المرسل. وقيل: إن الشاهد لرؤبة بن العجاج. ٢ سبب اختلافهم أن "مسرجا" اسم مفعول من سرّج، وصيغة فعّل تأتي للنسبة إلى مصدرها، كما تقول: "كرّمته" بمعنى نسبته إلى الكرم، ولما كان هذا غير ممكن في "سرّج" تكلفوا له أصلا ينسب إليه؛ وهو السيوف السريجية أو السراج. وهذا إلى أن "مسرجا" في قول العجاج بمعنى شبيه بالسراج أو السيوف السريجية، وهو في أصل وضعه يدل على النسبة إلى أصله، ولا يستفاد منه التشبيه إلا بتكلف. والحق أن أخذه من السراج لا غرابة فيه من جهة الاشتقاق والتشبيه؛ لأن الاشتقاق من الاسم الجامد قد جاء في كلام العرب، كما في قول ابن المفرع "من الخفيف": وبرود مدنرات وقز ... وملاء من أعتق الكتان فالمعنى في ذلك التشبيه، أي: برود وشيها. ٣ إنما كان قول العجاج قريبا من هذا الاستعمال ولم يكن منه؛ لأنه كما جاء في "التاج" استعمال غريب أو مولَّد، والعجاج شاعر إسلامي، فلا يقال في كلمته: إنها مولَّدة. والحق أن هذا الاستعمال من الغريب لا المولَّد؛ لأن العجاج شاعر إسلامي، ولكن غرابته لا تكون من غرابة التخريج على وجه بعيد، وإنما هي من القسم الأول. ومن الكلمات الغريبة "الحلقَّدُ" بمعنى السيئ الخُلُق، و"الابتِشَاك" بمعنى الكذب، كما في قول الشاعر "من الوافر": وما أرضى لمقلته بحلم ... إذا انتبهت توهمه ابتشاكا
1 / 14
١ المراد به القياس اللغوي كما سبق، ومخالفته بأن تكون الكلمة على خلاف ما ثبت عن الواضع، وقد حمله بعضهم على القياس الصرفي، وهو خطأ؛ لأن مخالفة القياس الصرفي لا تخل دائما بالفصاحة؛ إذ توجد كلمات كثيرة فصيحة على خلافه، وذلك مثل: آل وماء ويأبى وعَوِرَ يَعْوَرُ. هذا، ويدخل في مخالفة القياس اللغوي ككل ما تنكره اللغة لمأخذ لغوي أو صرفي أو غيرهما. وذلك كالمقراض في قول أبي الشيص "الكامل": وجناح مقصوص تحيف ريشه ... ريب الزمان تحيف المِقْراض لأنه لم يسمع في كلامهم إلا مثنى، خلافا لسيبويه. وكالأيِّم في قول أبي عبادة "من الطويل": يشق عليه الريح كل عشية ... جيوب الغمام بين بكر وأيم لأنه وضعها مكان الثيب، مع أن الأيم هي التي لا زوج لها ولو كانت بكرا. وكحذف النون من "لكنْ" في قول النجاشي "من الطويل": فلست بآتيه ولا أستطيعه ... وَلَاكِ اسقني إن كان ماؤك ذا فضل أراد: "ولكن اسقني". ٢ هو لأبي النجم الفضل بن قدامة من قوله في مطلع أرجوزته "من الرجز": الحمد لله العلي الأجلل ... الواهب الفضل الكريم المجزل والذي ألجأه إلى فك الإدغام ضرورة الشعر، ولكن ذلك لا يمنع الإخلال بالفصاحة؛ لأن من الضرورات الشعرية ما هو مستقبح، وقد روي مطلعها: الحمد لله الوهوب المجزل ... أعطى فلم يَبخل ولم يُبَخَّل فلا يكون فيه شاهد لمخالفة القياس، ومنه قول الشاعر "البسيط": مهلا أعاذل قد جربت من خلقي ... أني أجود لأقوام وإن ضَنِنُوا
1 / 15
١ هو لأحمد بن الحسين الجعفي الكندي، المعروف بأبي الطيب المتنبي، من قوله في مدح سيف الدولة "من المتقارب": مبارك الاسم أغر اللقب ... كريم الجرشى شريف النسب وقد أخذ الدسوقي في "حاشيته على المختصر" من قوله: "شريف النسب" أن سيف الدولة من بني العباس، وهو خطأ ظاهر؛ لأن سيف الدولة من تَغْلِب. ٢ وجه النظر أن الكراهة في السمع لا تكون إلا من تنافر حروف الكلمة أو غرابتها، فليست شيئا آخر غيرهما، و"الجرشى" في بيت المتنبي تدخل في الغرابة. ٣ هذا إذا لم يكن لها مرادف. ٤ هذا إذا كان لها مرادف، ولكن هذا يقتضي نفي الفصاحة عن مرادفها، مع أن مراتب الفصاحة متفاوتة، فلا مانع من أن يكون كل منهما فصيحا ولو كان أحدهما أكثر استعمالا، فالأولى الاقتصار على الشق الأول من هذه العلامة. ٥ أي: مع فصاحة الكلمات؛ لأن فصاحة الكلمة شرط من فصاحة الكلام، فلو خلا من الثلاثة واشتمل على كلمة غير فصيحة لم يكن فصيحا، وذلك كقول أبي الطيب "المتقارب": مبارك الاسم أغر اللقب ... كريم الجرشى شريف النسب
1 / 16
١ ضعف التأليف: هو أن يكون تأليف الكلام على خلاف المشهور من قواعد النحو، وإنما قيد الخلاف بالمشهور من القواعد؛ لأن خلاف المجمع عليها خطأ لا ضعف تأليف. ٢ هذا مقابل قوله: "ممتنع عند الجمهور" فهو قول بعض النحاة أيضا، وليس قولا لبعض علماء البلاغة؛ لأنهم متفقون على أن ذلك ضعف تأليف. ٣ نسبوه لزياد بن معاوية "المعروف بالنابغة الذبياني"، وقيل: إنه لأبي الأسود الدؤلي، وقيل: إنه مولد مصنوع. وجزاء الكلاب: الضرب بالحجارة، وجملة "جزى ربه" دعائية، يعني: أنه يدعو عليه بذلك، وقد حقق الله دعاءه، ولا يخفى ما في هذا من عدم التلاؤم، والأولى أن يعود ضمير "فعل" إلى "عدي"، والمراد ما فعله معه من الإساءة إليه، والحق أن هذا البيت ليس للنابغة، وإنما هو اشتباه بقوله: جزى الله عبسا عبس آل بغيض ... جزاء الكلاب العاويات وقد فعل ٤ وهذا قياس مع الفارق؛ لأن الضمير في الآية ظاهر العود إلى "العدل"، أما البيت فضميره ظاهر العود إلى "عدي"، ولا داعي إلى تكلف عوده إلى الجزاء. ومن ضعف التأليف وقوع ضمير الوصل بعد "إلا" في قول الشاعر "البسيط": وما علينا إذا ما كنت جارتنا ... ألا يجاورنا إلاك ديار ومنه حذف "أن" مع بقاء عملها، كقول طرفة "الطويل": ألا أيهذا الزاجري أَحْضَرَ الوغى ... وأَنْ أشهدَ اللذات هل أنت مخلدي؟!
1 / 17
١ هو فيما زعموا لبعض الجن، وكان قد صاح على حرب بن أمية في فلاة، فمات بها، والقفر: الخالي، وهو مرفوع صفة لمكان على القطع، أو خبر المبتدأ وهو قبر، والمعنى: أنه مع مكانه قفر، وفي هذا الوجه تكلف. ٢ هو لحبيب بن أوس الطائي المعروف بـ "أبي تمام"، يمدح به موسى بن إبراهيم الرافقي، والورى: الخلق، ولا يخفى نبوّ الشطر الثاني عن المدح ولا سيما مع "إذا" المفيدة للتحقق، وأُخذ عليه أيضا مقابلة المدح باللوم لا الهجاء، ولعله أراد أن ينزهه عنه. ٣ الحق أنه لا تنافر في ذلك؛ لأنه ثقل محتمل، وقد جاء في قوله تعالى: ﴿فَسَبِّحْهُ﴾ [ق: ٤٠] . وقيل: إن الذي أوجب التنافر في البيت هو التكرير في قوله: "أمدحه" مع الجمع بين الحاء والهاء، ومع هذا لا يقال: إن هذا التعليل يُقبَل لو كان يتحدث عن تنافر الحروف، ولكنه يُقبَل بصدد الحديث عن تنافر الكلمات. ومن تنافر الكلمات قول الشاعر "من السريع": وازوَرّ من كان له زائرا ... وعافَ عافي العرف عرفانه ٤ أي: لا الموضوع له كما في الغرابة، ولا يدخل في التعقيد المتشابه والمجمل؛ لأن عدم ظهور المراد فيهما ليس لاختلال النظم أو نحوه مما يأتي. وقد اختُلف في دخول اللغز والمعمَّى في التعقيد، فقيل: إنهما منه، وقيل: إنهما من المحسِّنات البديعية إن كانت الدلالة فيهما ظاهرة للفَطِن، وكل منهما قول يدل ظاهره على خلاف المراد، ولكن اللغز يكون على طريق السؤال؛ كقول الحريري في المِيل "ما يُجعل به الكحل في العين" "من الطويل": وما ناكح أختين سرا وجهرة ... وليس عليه في النكاح سبيل؟ ٥ قد يكون اختلاله باجتماع أمور فيه توجب صعوبة الوصول إلى معناه، وإن كانت جائزة يريد أنه لم يكن كثاني اثنين، وقيل: إن "ثانيه" خبر ثانٍ لصار، و"ثان" اسم "يكن"، و"كاثنين" خبره، والأولى جعل "ثانيه" خبرا لمبتدأ محذوف تقديره هو.
1 / 18
= في النحو، وهذه الأمور كالتقديم والتأخير والحذف والإضمار ونحو ذلك، وبهذا يكون التعقيد اللفظي غير ضعف التأليف، ولكنهما قد يجتمعان في مثال واحد، كما في بيت الفرزدق، وينفرد ضعف التأليف في مثل: "ضرب غلامه زيدا"، وينفرد التعقيد في مثل: "إلا عمرًا الناسَ ضاربُ زيد" بتقديم المفعول والمستثنى وتأخير المبتدأ، وهذا جائز في النحو، والأصل: "زيد ضارب الناس إلا عمرًا". ١ هو لهمّام بن غالب التميمي المعروف بالفرزدق، وقيل: إن البيت ليس له. ٢ فـ "يقاربه" في البيت بمعنى: يضاهيه ويشبهه، ويجوز أن يكون من قُرب النسب. ٣ حمله بعضهم على وجه لا تعقيد فيه، فجعل الاستثناء من الضمير المستتر في متعلق الجار والمجرور قبله، وجعل قوله: "حي" خبرا لقوله: "أبو أمه"، وكذلك قوله: "أبوه" فهو خبر بعد خبر، وجملة ذلك صفة لقوله: "مملكا"، وكذلك جملة "يقاربه" فهي صفة بعد صفة، ويكون المعنى: "إلا مملكا يقاربه أبو أمه حي"، وهو أبو الممدوح، ولا يخفى ما في الإخبار بحي من التهافت. ومن التعقيد اللفظي قول أبي تمام "من الكامل": ولقد ثنى الأحشاء من برحائها ... أن صار بابك جار ما زيار ثانيه في كبد السماء ولم يكن ... كاثنين ثان إذ هما في الغار =
1 / 19
١ المعنى الأول: هو المعنى الأصلي، والمعنى الذي هو لازمه: هو المعنى المجازي أو الكنائي. ٢ قوله: "وتسكب" بالرفع، ونصبه بالعطف على "بعد" أو على "تقربوا" وهم، والحق أنه لا شيء في عطفه على "تقربوا"، والسين في قوله: "سأطلب" لمجرد التأكيد، ومعنى الشطر الأول: أنه يفارقه رجاء أن يغنم في سفره، فيعود إليه فيطول اجتماعه به. ٣ قيل: إنه لا حاجة إلى الكناية بسكب الدموع عن هذا؛ لأنه يجوز أن يراد به حقيقة. ٤ هو لحطان بن المعلى من شعراء الحماسة، وقد كنى فيه بإبكاء الدهر له عن إساءته، وبإضحاكه له عن سروره. ٥ أي: في نظر علماء البيان، وإن كان لكلامه وجه من الصحة بأن يكون استعمل جمود العين -وهو يبسها- في خلوها من الدموع وقت الحزن، مجازا مرسلا علاقته الملزومية، ثم استعمله في خلوها من الدموع مطلقا مجازا مرسلا من استعمال المقيد في المطلق، ثم كنى به عن دوام السرور، وفي ذلك من البعد والتعقيد بكثرة الوسائط ما يجعله خطأ في نظر علماء البيان.
1 / 20
١ هو لأفلح بن يسار، وقيل: مرزوق بن يسار المعروف بأبي عطاء الخراساني في رثاء ابن هبيرة، وبعده: عشية قام النائحات وشققت ... جيوب بأيدي مأتم وخدود وواسط: مدينة بالعراق بناها الحجاج بن يوسف، وقد قُتل ابن هبيرة في معركة وقعت فيها، وقد كنى فيه بجمود العين عن بخلها الدمع في الوقت الذي يجب فيه أن تدمع. ومن التعقيد المعنوي قول أبي تمام "من الطويل": من الهيف لو أن الخلاخل صُيِّرت ... لها وُشُحا جالت عليها الخلاخل أراد وصفها بدقة الخصر، فكنى عنه بأن الخلاخل لو جُعلت لها وشحا لجالت عليها، وهذا لا يدل على مراده، بل يدل على بلوغها غاية القِصَر؛ لأنه أمكن أن تكون الخلاخل وشحا لها، والوشاح يضرب لها من العاتق إلى الكشح.
1 / 21