Descartes: Gabatarwa Mai Gajiyarwa
ديكارت: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
كان فوتيوس بروتستانتيا. وحقق ديكارت نجاحا أكبر مع علماء اللاهوت الكاثوليكيين؛ فقد كان أنطوان أرنولد، مؤلف المجموعة الرابعة من الاعتراضات اللاذعة على «تأملات في الفلسفة الأولى»، من المعجبين بديكارت حتى قبل أن يطلب منه تمحيص ميتافيزيقا ديكارت. ومن بعده جاء اليسوعيون. أثمرت أخيرا الجهود التي بذلها ديكارت في تعريفهم بأفكاره عندما نشر «مقال عن المنهج» والمقالات التالية له، واستطاع ديكارت أن يحظى باستقبال حميد لآرائه من جانبهم. وأنهى ديكارت رسالته إلى دينيه عام 1642 (ارجع للفصل الثالث عشر)
مشيرا إلى رغبته في نشر الأجزاء من فلسفته التي سبق أن احتفظ بها لنفسه حتى تاريخه؛ وكان يقصد فيزياءه. وأراد دينيه أن يرى فقط عناوين أقسام العمل المقترح قبل أن يبارك نشره، فأرسلها ديكارت له عام 1643. وإبان الفترة نفسها تقريبا، اكتشف ديكارت أنه حظي بتأييد يسوعي آخر ذي حيثية، وكان مسئولا في روما يدعى إتيان تشارليه. وفي نهاية المطاف، تصالح ديكارت حتى مع بوردين. وعلى الأقل، اقتبس عمل نشره أحد اليسوعيين عام 1643 مباشرة وأحيانا حرفيا من مؤلفي ديكارت «مبحث انكسار الضوء» و«الظواهر الطبيعية». لذلك، كان الوقت مواتيا آنذاك لنشر أعماله في الفيزياء.
من المستحيل أن يأخذ ديكارت ببساطة النص الذي هجره لمدة طويلة والخاص بمؤلفه «العالم» وينشره؛ فمذهب الكتاب عن الحركة الأرضية لم يزل محظورا، وأسلوب ابتكاره لعالم خيالي يتضح أنه مماثل لعالم الواقع كان من المتوقع أن يخلق سوء فهم لدى القارئ؛ ولذلك قرر ديكارت أن يضع كتابا يرسم الخطوط العريضة لفلسفته ككل، على أن تشكل الفيزياء جزءا من هذا الكتاب وحسب، واستدعى اختيار شكل جديد أسلوبا جديدا، كما شرح في خطابه إلى دينيه:
لن أعرض [آرائي] بالترتيب نفسه والأسلوب عينه المتبعين عندما كتبت عن موضوعات كثيرة سابقا، لا سيما في الأطروحة [ويعني «العالم»] التي رسمت خطوطها العريضة في «مقال عن المنهج»، لكنني سأستخدم أسلوبا أكثر مواءمة للممارسة الحالية في المؤسسات الأكاديمية؛ أي إنني سأتعاطى مع كل موضوع بمعزل عن غيره من الموضوعات في مقالات قصيرة، وسأعرض الموضوعات بترتيب معين بحيث يعول إثبات ما سيرد لاحقا على إثبات ما يسبقه فقط ، ومن ثم يرتبط كل شيء بغيره في هيكل واحد. (7 : 577)
كان ديكارت يصف كتابا انتهى من كتابة نصفه تقريبا على أن ينشر تحت عنوان «مبادئ الفلسفة».
ظهر هذا الكتاب باللاتينية عام 1644، وترجم إلى الفرنسية عام 1647، وجاء في أربعة أجزاء: الأول لخص النقاط الأساسية لميتافيزيقا ديكارت. ولم يكن هذا العمل بأي حال من الأحوال بديلا عن «تأملات في الفلسفة الأولى». ووجهت مقدمة النسخة الفرنسية القراء للكتاب السابق التماسا لبيان كامل عن الفلسفة الأولى لديكارت. وخصصت الأجزاء الثاني والثالث والرابع للفيزياء. وكان من المخطط وضع جزء خامس عن الكواكب والحيوانات، وسادس عن الإنسان، لكن من الواضح أن ديكارت لم يستكملهما.
هناك تداخل كبير بين الجزء الثاني من «مبادئ الفلسفة» والفصول السبعة الأولى من كتاب «العالم». يحاول ديكارت أن يصحح بعض المفاهيم المسبقة عن طبيعة الجسد، ويمضي قدما فيقدم ما يراه الوصف الصحيح، ثم يعرج على طبيعة الحركة، ومنها إلى قوانين الطبيعة، وسبع «قواعد للاصطدام». كانت قواعد الاصطدام جديدة في «مبادئ الفلسفة»، ولم تكن بضرورة الحال مهمة لبيان ديكارت لفيزيائه. وكان تعريف الحركة أيضا جديدا، وقدر أنه سيضع مسافة بين ديكارت وفرضية حركة الأرض. بحسب التعريف الجديد (8أ:53)، فإن الحركة ببساطة هي تغيير المكان بالنسبة للأجسام المحيطة على اعتبار سكونها عن الحركة. وبالنسبة لجسم محيط، ألا وهو غلاف الأرض الجوي، فإن الأرض ساكنة. لاحقا، لاقى هذا التعريف انتقادات من نيوتن استنادا إلى أنه يلمح - بما يجانب الصواب - إلى أن الجسيمات الموجودة داخل الجسم المتحرك ساكنة، بينما الجسيمات الموجودة على السطح غير ساكنة.
يقدم لنا الجزء الثاني من «مبادئ الفلسفة» وصفا لطبيعة الجسد يحتج في سياقها ديكارت بأنه «لا يوجد فارق حقيقي بين الفضاء أو الخلاء والمادة الملموسة» (8أ : 46). وتمهد هذه الحجة الطريق أمام إنكار ديكارت للفراغ في نظريته عن حركة المادة في دوائر، وتمييزه - الذي يعرف أحيانا باسم التمييز النوعي الأساسي/الثانوي - بين الخصائص التي تمتلكها الأجسام فطريا ، كالعدد والشكل، وتلك التي لا تمتلكها فطريا كاللون والرائحة. رغم أهمية الزعم بأن المادة الملموسة والفضاء يتعذر التمييز بينهما، أو أن المادة ما هي إلا امتداد، فهو لم يحظ بحجة قوية. يحدد ديكارت ما هو جوهري بالنسبة للمادة بالخصائص المتبقية بعد استبعاد الخصائص التي تعتبر الأجسام مفتقرة إليها.
وهي الطريقة نفسها المتبعة لتحديد جوهر المادة التي يوظفها ديكارت للعقل، وفي الحالتين نجد النتائج غير مرضية. من الواضح أن ديكارت يفترض أنه إذا بدأ المرء بتصور عن العقل أو الجسد، ثم استبعد الخصائص التي تعد غير جوهرية، تاركا صفات كافية لتحديد مادة ما، فإن هذه المادة ستطابق المادة التي تصورها في البداية. هناك مشكلات واضحة في طريقة التفكير هذه، يتجلى بعضها في أمثلة يناقشها ديكارت نفسه. ومن بين هذه الأمثلة (7 : 222)، هب أن المرء بدأ بتصور الجسد البشري، ثم استبعد كل خصائصه عدا تصور شيء قادر على التقاط الأكواب أو الضغط على العديد من مفاتيح البيانو مرة واحدة. ستظل فكرة المادة، ألا وهي اليد، في مخيلة المرء، لكنها ليست المادة التي بدأ بتصورها. وبالمثل، إذا بدأ المرء بمفهوم الشيء المادي، ثم استبعد منه جميع الخصائص فيما خلا الامتداد، فرغم أن المرء يمكن أن ينتهي به الأمر إلى تصور شيء ما، ألا وهو الفضاء، فربما لا ينتهي المرء إلى تصور الجسم أو الشيء المادي.
بعيدا عن الصعوبات المتعلقة بالمفاهيم، كان من الصعب إجراء عمليات حسابية بفيزياء ديكارت؛ فهي لم تأت على ذكر قياس للمقاومة، ولم تعرج على الكتلة. والأهم من ذلك، أن ثمة مآخذ صارخة كانت تعيبها كنظرية للجاذبية. سبق أن رأينا في الخطوط العريضة لمحتويات كتابه «العالم» أن ديكارت ظن أن الجاذبية تنشأ من حركة دوامية للمادة. وكان من المفترض أن حركات المد والجزر وحركة القمر حول الأرض وثقل الأجسام على الأرض تفسرها الدوامة المتمركزة على محور الأرض، لكن نظرية الدوامة لم تفسر جاذبية الأجسام الأرضية تجاه قطبي الأرض، وعند تطبيقها على المادة السماوية، تضاربت النظرية مع حقائق معروفة محددة عن حركات الكواكب. اقترح نيوتن الذي أوضح بعض هذه الصعوبات في ثمانينيات القرن السابع عشر نظرية حسابية لقوة جاذبة كونية تحل محل نظرية الدوامة. ولقد أدى نجاح هذه النظرية إلى تقويض أثر الفلسفة الديكارتية أكثر من أي نقد فلسفي وجه إليها في القرن السابع عشر. إن الجزء الذي تكتم عليه ديكارت أكثر ولفترة أطول من غيره من فلسفته، واحتاط كل الحيطة في الإفصاح عنه، اتضح أنه الجزء الذي جرى تفنيده أسرع. وحقيقة الأمر أن نظرية نيوتن ربما قوضت من المنظومة الديكارتية بقدر أكبر مما كان يمكن أن يحدث بسبب عدم اكتمال تلك المنظومة حال تكتم ديكارت عليها إلى الأبد.
Shafi da ba'a sani ba