Descartes: Gabatarwa Mai Gajiyarwa
ديكارت: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
من وجهة نظر ديكارت، كان هجوم فوتيوس يرتبط على نحو قوي بنقد بوردين؛ لأنه جاء كجزء من محاولة لاستبقاء المنهج التقليدي بالمدارس، والحيلولة دون تدنيسه بأفكار جديدة. إن الطعن في ديكارت باعتباره متشككا أو ملحدا سيحول دون تدريس فيزيائه، ولم يتورع خصومه الكاثوليكيون في فرنسا ولا غرماؤه البروتستانتيون في هولندا عن القدح في ديكارت (ولقد ذكر فوتيوس شائعة أن ديكارت أب لطفل غير شرعي، لكنه أخطأ بشأن نوع الطفل؛ مما سمح لديكارت أن يرد بحسم: إنه لم يكن له «ابن» غير شرعي قط).
لكي يحظى بجلسة استماع على الأقل في المؤسسات اليسوعية الفرنسية، التمس ديكارت، متجاوزا رئيس بوردين، مساعدة الأب دينيه الذي كان مسئولا عن جمعية اليسوعيين في فرنسا كلها. واستهل ديكارت الخطاب الذي أرسله إلى دينيه، والذي بدا وكأنه ملحق للطبعة الثانية من مؤلفه «تأملات في الفلسفة الأولى» عام 1642، بأسئلة موجهة إلى بوردين، ثم انتقل إلى التعاطي مع اتهامات فوتيوس بترويجه لتعاليم مخالفة للدين في علومه. أصر ديكارت على أنه «ما من شيء يتصل بالدين لا يمكن تفسيره بمبادئي بكفاءة مضارعة للسبل الأخرى المعتمدة عموما، أو حتى بكفاءة أكبر منها» (7 : 581). وفي فقرة لاحقة، يرفض ديكارت السبب الثالث الذي أعربت عنه جامعة أوتريخت لإدانة فلسفته باعتباره سببا زائفا يقترب من السخف والخبث؛ فقد زعم مجلس الجامعة أن «هناك الكثير من الآراء الزائفة وغير المعقولة التي إما تترتب على الفلسفة الجديدة، أو يمكن أن يستنبطها الشباب دون تأن - والمراد آراء تتعارض مع مبادئ وتخصصات أخرى، وفوق كل ذلك أنها تتعارض مع علم اللاهوت الأرثوذكسي» (7 : 592).
زعم ديكارت أن فلسفته إما تركت المسائل المتعلقة بعلم اللاهوت الأرثوذكسي دون مساس، أو دعمتها دعما أفضل مما كان متاحا لها في الفلسفة المدرسية «المقبولة عموما»، لكن هذا التصريح كان مضللا مثله مثل التبرؤ المقتضب من تهمة الشك الذي كان يأمل أن يكون فيه الرد على بوردين. ورغم أن ديكارت زعم في رسالته لعلماء اللاهوت بالسوربون أن مؤلفه «تأملات في الفلسفة الأولى» يدعم الإيمان (7 : 2-4)، فالكتاب لم يكن يحتوي على معلومات كثيرة يمكنها هداية غير المؤمنين، أو مساعدة الكاثوليكيين الذين كانت لديهم شكوك - على سبيل المثال - في أن الفضيلة في الحياة الدنيا لها ثواب في الآخرة. وحقيقة الأمر أن الرب الوارد في مؤلف ديكارت «تأملات في الفلسفة الأولى» بعيد كل البعد عن الرب الموجود في الكتاب المقدس. أما بالنسبة لما يطلق عليه المؤلف «الروح»، فذاك أيضا يصعب الاستقرار على ما إذا كان هو الجانب الذي يشمله الرب برحمته، أم الذي ينزل به العقاب على آثامه في الحياة الدنيا. إن نظرية ديكارت بخصوص الروح حقا نظرية عن العقل الذي يمكن أن يحوي، بمعزل عن الحواس، أفكارا عامة عن ماهية المادة وكيفية تغييرها. فرب ديكارت هو الكيان الذي يضمن أن الأفكار العامة المتعلقة بالمادة صحيحة؛ وبذلك فهو رب فيزيائي، أو، ربما إن شئنا الدقة، الرب الذي تقتضيه فلسفة الفيزياء المناوئة للشك، أو الرب الذي يحاول أن يجعل القوانين العامة للفيزياء غير مشكوك فيها.
إن قوانين الفيزياء محصنة من الشك بحقيقة أنها تنسجم بإحكام مع ما تقدمه الميتافيزيقا باعتباره طبيعة المادة، أو، إن شئنا الصياغة الديكارتية، فإن القوانين لا يداخلها الشك بموجب كونها «قابلة للاستنباط» من نظرية واضحة عن طبيعة المادة، لكن الأمر يتطلب أن يضمن الرب طبيعة المادة نفسها، والتي وفقا لها؛ فإن ما يعد ضروريا ليتصف الشيء بأنه مادة ملموسة هو أن تكون ممتدة على نحو ثلاثي الأبعاد، وقابلة للانقسام، وقادرة على الحركة. ولا يتجاوز هذا الوصف الشك بموجب حقيقة أنه واضح، أو أن العقل يستوعبه بوضوح وتمايز؛ ذلك لأن الضرورة ما زالت تدعو لإثبات أن كل ما يدركه العقل البشري بوضوح وتمايز صحيح. وهنا يلجأ ديكارت إلى حجة عن الرب (قارن: 7 : 62 و8أ : 17): إذا كان بالإمكان إثبات أن الأفكار الواضحة والمتمايزة زائفة، فيمكن أن يخدع العقل البشري حتى لو احتاط كل الحيطة ضد الخطأ، لكن العقل لا يمكن أن يقع في أخطاء إذا لم يدع مجالا للخطأ؛ لأن العقل إذا وقع في الخطأ فإن ذلك يعني أنه يعاني من عيب يلقي بظلاله على كمال صانعه، وصانعه - الرب - كامل يتعالى على العيوب؛ ولذلك لا بد أن أفكار العقل الواضحة والمتمايزة صحيحة.
ولا يقدم ديكارت شرحا مستنيرا للوضوح والتمايز، بل يبدو أنه يعتبر أن الشيء الواضح هو الجلي للعقل الواعي (8أ:21-22)، بينما التمايز عنده هو وضوح الإدراك بالقدر الكافي بما يساعد على استبعاد أي تشوش يشوب المدركات. ويحدث الارتباك عندما يعتبر العقل أن شيئا ما ينتمي إلى طبيعة مدركاته، في حين أنه في واقع الأمر لا ينتمي إلى تلك الطبيعة. فعندما يتعرض العقل المشتت، على سبيل المثال، إلى النار، فمن الممكن أن يعتبر أن إدراكه للحرارة جزء من طبيعة النار، بينما الحرارة في واقع الأمر تعتمد على كل من طبيعة المدرك لها وطبيعة الجسم الخارجي المشتعل. وبصفة عامة، يمكن الحد من الارتباك وتحقيق الوضوح الإدراكي عندما تعرض على العقل الطبائع البسيطة، وعندما يعي العقل إسهامات الطبائع البسيطة في الأشياء «المركبة»؛ ولذلك فإن الإدراك الواضح والمتمايز يناظر ما يطلق عليه ديكارت اسم «الحدس» في مؤلفه «قواعد لتوجيه الفكر»، والذي يقول عنه: «تصور العقل الواضح والواعي الذي يتسم بالسلاسة والتمايز الشديدين بما لا يدع مجالا للشك فيما نفهمه» (10 : 368).
في مؤلفه «تأملات في الفلسفة الأولى» يستحضر ديكارت الرب لضمان حقيقة المفاهيم الواضحة والمتمايزة للعقل، لكن كان عليه، أولا، أن يثبت وجود الرب وتمتعه بالكمال. كانت هذه الاستراتيجية أحيانا ما ينظر إليها باعتبارها تدور بديكارت في حجة دائرية مفرغة (انظر على سبيل المثال 7 : 214)؛ لأنه لكي يثبت وجود الرب يجب أن يستخدم مقدمات منطقية يفترض أنها صحيحة في ضوء وضوحها وتمايزها، ولا يستقيم أن يتأكد أحد من صحة التصورات الواضحة والمتمايزة إلا بعد إثبات وجود الرب، لكن لا يجب أن تعطلنا تهمة الدوران في دوائر مفرغة؛ لأن المصاعب قائمة حتى لو كان ديكارت قادرا على التعاطي معها.
يقدم ديكارت حجتين لوجود الرب في مؤلفه «تأملات في الفلسفة الأولى». وتثبت الحجة الأولى، الواردة في التأمل الثالث، أن الرب موجود بالرجوع إلى محتوى فكرة الرب، ونوع المصدر الذي ربما تنتج عنه فكرة لها هذا المحتوى. والحجة الثانية، الواردة في التأمل الخامس، تستنبط وجود الرب من ثبات أوجه الكمال التي تتألف منها طبيعة الرب، والوجود واحد منها. والحجتان مغرقتان في التجريد، وتستندان إلى مبادئ مستخلصة من الميتافيزيقا المدرسية.
في الحجة الواردة في التأمل الثالث، المبدأ الأساسي هو كالتالي: الفكرة التي تمثل شيئا ينتمي إلى فئة بعينها يجب أن تكون لها علة تنتمي للفئة نفسها أو لفئة أعلى منها. ولا يسري هذا المبدأ إلا على خلفية هرمية الفئات؛ وهي هرمية أنواع أي شيء حقيقي. ويعتقد ديكارت أن المادة اللامحدودة حقيقية أكثر من المادة الفانية، وأن الأخيرة حقيقية أكثر من صفة المادة، وأن صفة المادة حقيقية أكثر من الحالة التي تمتلك المادة في إطارها صفة ما. وفي حالة فكرة الرب، تمثل الفكرة مادة لامحدودة يستحيل تجاوز فئة أو درجة حقيقتها؛ ولذا فوفقا لمبدأ ديكارت، فإن علة الفكرة يجب أن تنتمي إلى الفئة نفسها موضوع الفكرة. وبشكل أكثر وضوحا، فإن فكرة الرب يجب أن تكون علتها مادة لامحدودة، لكن هناك مادة لامحدودة واحدة فقط، ألا وهي الرب؛ ولذا ففي سياق فكرة الرب، فإن الرب يجب أن يوجد لتعليل الفكرة. لدى ديكارت فكرة عن الرب؛ ولذلك لا بد أن الرب موجود.
وهذه الحجة يشوبها نقطتا ضعف يسهل الوقوف عليهما: مبدأ العلية الخاص بها، وافتراضها بأنه يمكن أن يوجد شيء كفكرة الرب. زعم ديكارت في «تأملات في الفلسفة الأولى» أن مبدأ العلية الذي يغطي أفكارا يستمد صحته من مبدأ علية أكثر تجريدا، والذي ينص على أن المعلولات يجب أن تكتسب صحتها من علل أكثر صحة منها (7 : 40-41). ولكن من المشكوك فيه ما إذا كان هذا المبدأ يتسق حتى والمنطق، طالما أنه من الصعب فهم حديث ديكارت عن درجات الصحة، أو عن اكتساب المعلول لصحته من مستوى أعلى من الصحة يمكن العثور عليه في علته. وكان على ديكارت أيضا أن يرد على معارضيه الذين قالوا إن العقل البشري قد يعجز عن أن تكون لديه فكرة مسبقة عن الرب. وعادة ما كان يجيبهم بالتمييز بين الأفكار في هذا السياق - والتي وصفها على نحو مرتبك بأنها «شبيهة بالصور» - والصور التي تخطر على الخيال. فعجز الناس عن تصور الرب ليست بحجة تصب في مصلحة استحالة وجود فكرة الرب؛ فقد كان يكفي لوجود فكرة الرب في هذا السياق أن يستطيع المرء الإلمام بواحدة من صفات الرب أو أوجه كماله.
في الحجة الثانية على وجود الرب، استغنى ديكارت عن مبدأ العلية، لكنه اتكأ بشدة على فرضية أن الناس لديهم في عقولهم فكرة عن الرب: «لا شك أن فكرة الرب أو الكائن الكامل كمالا ساميا، خطرت لي باليقين نفسه الذي خطرت لي به فكرة أي شكل أو عدد» (7 : 65). واستغل قاعدة أن ما يدرك بوضوح وتمايز فهو صحيح أو حقيقي. وأخيرا، فقد احتكم إلى قياس تمثيلي بين الأفكار الخاصة بالأشكال والأرقام وفكرته عن الرب، ولاحظ أن أفكاره عن الأشكال أو التكوينات كالمثلث هي في الواقع أفكار عن أشياء لم يخترعها أو يبتدعها، بل كانت أفكارا عن أشياء ذات طبائع حقيقية بشكل مستقل عن الفكر. ومن المنطلق نفسه، فإن فكرته عن الرب هي فكرة عن شيء له طبيعته الحقيقية بشكل مستقل. والطبيعة الحقيقية للمثلث تضفي صحة على قضايا كقضية أن الأضلاع الثلاثة له تساوي زاويتين قائمتين. وبالمثل، فالطبيعة الحقيقية للرب تضفي صحة على قضايا كقضية أن الرب عليم وقدير على كل شيء، وحي لا يموت، وما إلى ذلك، ولكن بينما الطبيعة الحقيقية للمثلثات لا توجب صحة وجود أي شيء له خاصية تساوي زواياه الثلاثة مع زاويتين قائمتين، فإن الطبيعة الحقيقية للرب توجب صحة وجود ما هو عليم وقدير على كل شيء وحي لا يموت؛ أي كامل إن شئنا الاختصار. فطبيعة الرب فريدة من حيث إنها تضمن وجود شيء له هذه الطبيعة (7 : 65-66).
Shafi da ba'a sani ba