Descartes: Gabatarwa Mai Gajiyarwa
ديكارت: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
وينقسم مقاله «الظواهر الطبيعية» إلى عشرة مباحث حول مجموعة متنوعة من الموضوعات: الأجسام الأرضية، والأبخرة والزفير، وطبيعة الملح والرياح والسحاب، وأقواس قزح، والثلج والبرد والعواصف، وغيرها من الظواهر. وبعيدا عن نظريته المتعلقة بقوس قزح؛ فإن مقال «الظواهر الطبيعية» والذي يعد الثاني من المقالات الثلاثة مميز جدا نظرا لبلاغة تفسيراته ووحدته. وفي الفصل الخامس من مؤلفه «العالم»، شرع ديكارت في بناء عالم خيالي من نوع من المادة التي خلع عليها وحسب خصائص الحركة والحجم والشكل والترتيب المحدد لأجزائها (11 : 26). وفي هذا المقال ، اقترح ديكارت تفسير مجموعات محددة من ظواهر أكثر خصوصية على الأساس نفسه. ولم يكن وحده الذي خاض في ذلك؛ فجاليليو ومن بعده بويل ونيوتن عملوا بالكيفية نفسها؛ ولذلك كان «الظواهر الطبيعية» درسا تطبيقيا بين دروس أخرى في التفسير بواسطة المادة والحركة، لكن ديكارت مال إلى اعتبار هذا الشكل من أشكال التفسير خاصا به وحده. وكما وضح في رد له على الاعتراضات الموجهة لهذا المقال من قبل جون-بابتيست مورين، الأستاذ بكلية فرنسا في باريس، قال ديكارت:
لا بد أن نتذكر أنه في تاريخ الفيزياء بأسره، لم يحاول الناس سوى تخيل بعض الأسباب لتفسير الظواهر الطبيعية دون أن تكلل محاولاتهم بالنجاح قط. قارنوا فرضياتي بفرضيات الآخرين، وقارنوا جميع سماتهم الحقيقية وأشكالهم الضخمة وعناصرهم وغير ذلك من فرضياتهم التي لا حصر لها بفرضية واحدة من فرضياتي القائلة بأن جميع الأجسام تتألف من أجزاء ... قارنوا الاستنتاجات التي توصلت إليها من فرضيتي - المتعلقة بالرؤية والملح والرياح والسحاب والثلج والرعد وقوس قزح وما إلى ذلك - بما استنبطه الآخرون من فرضياتهم حول الموضوعات عينها. (2 : 196)
وبذلك زعم ديكارت أنه سيتخلى بشكل منفرد عن الفيزياء المدرسية التي عفى عليها الزمان.
كان الشكل التفسيري الذي نبذه ديكارت يتألف من إرجاع الخصائص الملحوظة للأشياء المنفردة إلى الطبائع أو الأشكال التي تجعل تلك الأشياء تنتمي إلى نوع دون الآخر. والنظرية المستند إليها والمناسبة لهذا الشكل من التفاسير افترضت أن الطبيعة منظمة ومستقرة أساسا، وأن كل نوع من الأشياء يتمتع بضرب ملائم ومميز من السلوك والنمو نظرا لطبيعته؛ ولذلك كان من المناسب أن تسقط الأحجار باتجاه مركز الكون لأن طبيعتها تملي عليها ذلك. ومن طبيعة الأجرام السماوية أن تدور بانتظام وإلى الأبد في مكانها، ومن طبيعة جوزة البلوط أن تنمو لتصبح أشجار بلوط كبيرة. وفيما خلا ما حدث بمحض الصدفة للأشياء الملحوظة، فإن سلوكها يمكن إرجاعه إلى طبيعة أو شكل أساسي مستقر يختلف لكل نوع من الأشياء المميزة بالملاحظة. وإذا تعذر الجمع بين سلوك شيء ما وشكله ، فلا بد أن السبب يرجع إلى المادة التي صنع منها، أو الغرض الذي من المقرر أن يخدمه عندما يصبح نموذجا فريدا من نوعه مكتملا بشكل ملائم. وتعين تفسير الخصائص الملاحظة حديثا للمواد بشكل خاص، وذلك بالرجوع إلى السمات أو الأشكال التي من المفترض أن تتمتع بها هذه المواد بطبيعة الحال. لقد كان هذا هو النوع من التفسير الخاص الذي قوبل بالسخرية في قصة موليير عن الطبيب الذي شرح قدرة الأفيون على تنويم البشر بذكر فائدته الخفية المسببة للنعاس. شرح ديكارت لأحد المراسلين عام 1642 أنه بدون إنكار أو نبذ هذه الأشكال أو السمات في مقاله «الظواهر الطبيعية»، فقد «وجدتها ببساطة غير ضرورية في بيان تفسيراتي» (7 : 491).
شكل 8-1: رسم توضيحي لتفسير ظهور قوس قزح كما ورد في مقال «الظواهر الطبيعية».
كانت «الفرضية الوحيدة» التي استخدمها ديكارت أكثر فاعلية من الفرضيات المدرسية عن الأشكال والسمات بحسب ما بين لنا في «الظواهر الطبيعية». ففي بداية المقال، يشرح ديكارت، بالإشارة إلى شكل وترتيبات أجزاء المادة وحدها، كيف يمكن أن تتشكل الأجسام الصلبة والسائلة. ولشرح انتقال الضوء، يفترض ديكارت وجود نوع من المواد دقيق جدا لا تدركه الحواس، لكنه موزع بين كل الأجزاء الدقيقة أو «المسام» الموجودة لدى كل الأجسام السائلة منها والصلبة. وتنتج هذه المادة حرارة بالتناسب مع وطأة إثارتها بفعل أشعة الشمس. ويستشهد ديكارت بهذا لتفسير علة شعور المرء بدفء خلال النهار أكثر مما يحسه خلال الليل، وعلة إحساس المرء بحرارة أكبر كلما اقترب من خط الاستواء. وتستدعي الفرضيات الأخرى التي طرحها ديكارت هذه المادة الدقيقة المحكمة نفسها. فإثارة المادة الدقيقة في مسام الأجسام، على سبيل المثال، يؤدي إلى انفصال أجزاء من تلك الأجسام وارتقائها في الهواء؛ مما يفسر وجود الأبخرة. يتكون الملح من جسيمات طويلة صلبة لا تتبخر عندما تكون في الماء؛ فهي أثقل وأقل مرونة من أن تظل محمولة جوا. ومن الممكن تحلية مياه البحار إذا تم تمريرها عبر الرمل؛ وذلك لأن جسيمات الرمل تعوق الجسيمات الطويلة الصلبة للملح، بينما تسمح لجسيمات الماء بالمرور. هذه عينة من الظواهر التي يفسرها ديكارت بشكل منهجي في مقاله «الظواهر الطبيعية».
وهذا لا يعني أن كل ما جاء في هذه الأجزاء من الكتاب صحيح. على العكس تماما! إن «حقيقة» أن الماء يتجمد بسرعة أكبر حال غليانه أولا ليست بحقيقة على الإطلاق، وبعض «تفسيرات» ديكارت يسهل تفنيدها بالتجربة. أبلى ديكارت بلاء أفضل عندما ناقش موضوع قوس قزح؛ وذلك لأنه كان في موقف يسمح له باستغلال معرفته بقانون الانكسار لتفسير الشكل الدائري للقوس، وإن لم يفسر ترتيب الألوان وانسجامها.
وعندما وصف الغرض الذي يخدمه كل من مقالاته (9ب:15)، يقول ديكارت إن «مبحث انكسار الضوء» لفت الانتباه إلى فن مفيد - فن صناعة التليسكوب - جعلته علومه ممكنا، بينما كان الهدف من مقال «الظواهر الطبيعية» أن يبين - في سياق الموضوعات التي عادة ما تخضع في مناقشتها للفيزياء المدرسية - حجم الإنجازات الإضافية التي يمكن أن تتحقق باستخدام الفرضيات الجديدة. «أخيرا، في مقال «الهندسة»، كان هدفي بيان أنني اكتشفت أشياء عدة ظلت حتى وقتنا هذا غير معلومة ...» (9ب:15).
ظن ديكارت أن أفضل نتائجه يمكن العثور عليها في ثالث مقالاته؛ فبعض تصحيحاته للرموز الرياضية والمفاهيم السائدة لعمليات التربيع والتكعيب وما إلى ذلك ذكرت بالفعل في مؤلفه «قواعد لتوجيه الفكر». وهناك ابتكار آخر يتمثل في وصف آلة تستخدم لرسم المنحنيات، التي ساد الاعتقاد في الماضي أنه يتعذر وصفها بأساليب هندسية بحتة، ومن ثم أطلق على تلك المنحنيات وصف «الميكانيكية» بدلا من «الهندسية». أثبت ديكارت أن الكثير من الأشكال «الميكانيكية» يمكن في حقيقة الأمر تمثيلها بأشكال هندسية. ووضع ديكارت أيضا نظرية متكاملة الأركان للمعادلات، ولأساليب تمثيل الخطوط والأشكال بواسطة المعادلات. وصارت العلاقة بين نظرية المعادلات لديكارت ونظريات أسلافه مثارا للجدل الطويل بين ديكارت وغيره من الرياضيين.
من المتفق عليه عموما أن ديكارت جعل مقاله «الهندسة»، ومنهجه يبدو أكثر تعقيدا من اللازم؛ فقد كان بمثابة ضمانة ضد سرقة أساليبه، ولكن تعقيده أيضا حال دون تقدير الكثيرين للإصلاحات التي جاء بها. إذا كان ديكارت قد بسط من أسلوبه، لكان قراء «الهندسة» - بلا شك - سيؤمنون بأن ديكارت عبقري في الرياضيات؛ فقد نجح - من بين أمور أخرى - لأول مرة، في حل مسألة أرقت عالم الهندسة القديم بابوس، لكن المنهج العام الذي كان ديكارت يقترحه في الكتاب كان مطمورا ببراعة، فحير كل الرياضيين البارعين بما فيهم الرياضيون الذين اقترحوا في البداية فكرة أن يحاول ديكارت حل مسألة بابوس.
Shafi da ba'a sani ba