Descartes: Gabatarwa Mai Gajiyarwa
ديكارت: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
يزعم ديكارت في «قواعد لتوجيه الفكر» أن المرء يكتشف «السر الأساسي» لمنهجه عندما يعرف أن كل الأشياء يمكن ترتيبها ترتيبا تتابعيا، وأنه في كل متسلسلة يوجد ارتقاء من الأشياء الأكثر إطلاقا إلى الأقل إطلاقا (10 : 381). والفكرة أن كل «مسألة» وكل مادة - يمكن تحديد حقيقتها أو زيفها - تختص «بأشياء مركبة» تتألف طبائعها من مزيج من أشياء «أبسط» أو أسهل في فهمها واستيعابها. وتحديد الأشياء البسيطة مسألة تتعلق بوصف الأشياء المركبة - والضوء والمغناطيس مثالان من أمثلته - بألفاظ عامة جدا تجرد وحسب سماتها الكمية.
يعتمد حديث ديكارت عن «المطلقات» على نظرية الطبائع «البسيطة» و«المركبة». وإذا لم نتعرف على هذه النظرية بقدر أكبر، فلن ينفعنا أن نطلع على «السر الأساسي» لمنهجه. السؤال: ما حجم الخلفية الضرورية التي يقدمها ديكارت في هذا الشأن؟ هناك جزء في «قواعد لتوجيه الفكر» عن تنويعات التركيب التي تتعرض لها الطبائع البسيطة (10 : 422 والصفحات التالية)، وثمة شيء عن التركيب باعتباره مصدر الخطأ (10 : 424 والصفحات التالية). كما يعدد أيضا الطبائع البسيطة نفسها.
يقسم ديكارت الطبائع البسيطة إلى ثلاث فئات (10 : 419 والصفحات التالية)؛ الأولى: هي الطبائع البسيطة «العقلية المحضة». ويضرب ديكارت مثلا بالمعرفة والشك والإرادة ضمن هذه الفئة، لكن هناك مسألة واحدة وحسب نوقشت في مؤلفه «قواعد لتوجيه الفكر» - المعنية بتحديد نطاق المعرفة البشرية وطبيعتها (10 : 395) - هي التي تظهر لنا بالكامل الطبائع العقلية البسيطة. ورغم أن ديكارت يطلق عليها اسم «أدق مثال» لمسألة على الإطلاق، ويزعم أنها «أول ... ما يجب تمحيصه باستخدام القواعد»، نجد أنها في حقيقة الأمر شاذة عن المسائل التي يطبق عليها منهجه. المسائل التي يركز ديكارت عليها يمكن حلها بالاستعانة بالفئتين الأخريين للطبائع البسيطة، اللتين يسميهما الطبائع البسيطة «المادية المحضة»، والطبائع البسيطة «المشتركة» بين الأشياء العقلية والمادية.
ويعني ديكارت بالطبيعة البسيطة «المادية المحضة»، على سبيل المثال، أي شيء لديه شكل وامتداد (طول وعرض وعمق)، أو أي شيء متحرك (10 : 419). فهذه الطبائع لا تنتمي إلا للأشياء المادية أو الفيزيائية، وبمعرفة علاقات بعضها ببعض، وتحديدا أنواع الأشياء المادية، من المفترض أن يكون المرء قادرا على الإجابة عن بعض الأسئلة المتعلقة بالقوى وسمات الأشياء المادية عموما. على سبيل المثال، يزعم ديكارت أنه بالإمكان الكشف عن طبيعة الصوت من معلومات مفادها: أن «ثمة ثلاثة أوتار أ، ب، ج تصدر الصوت نفسه؛ ولكن الوتر ب يبلغ سمكه ضعف سمك الوتر أ ولكنه ليس أطول منه، ويخضع لشد بفعل ثقل يبلغ وزنه ضعف الثقل الذي يتعرض له الوتر أ. أما الوتر ج فيبلغ طوله ضعف طول الوتر أ، ولو أنه ليس بسمكه، ويخضع لثقل يبلغ وزنه أربعة أضعاف الثقل الذي يتعرض له الوتر أ» (10 : 431). تتعلق هذه البيانات جميعها بالعلاقات بين الأطوال والسمك والأوزان باعتبار أنها قابلة للقياس بالوحدات؛ فالأطوال والسمك أمثلة على الطبائع المادية البسيطة، والقياس بالوحدات أحد «الطبائع المشتركة» (10: 419)؛ قارن: (10 : 440، 449).
يلاحظ ديكارت استنادا إلى مثال الأوتار ومسائل الصوت أنه يمكن أن نرى كيف يمكن اختزال أي مسألة مفهومة فهما وافيا، أو على الأقل أية مسألة تجرد بقدر كاف من أي اعتبارات غير ذات صلة، إلى «شكل ما بحيث ... نتعامل ... فقط مع أبعاد معينة عموما ونقارن بينها» (10 : 431). يستحق هذا، على نحو ما، أن يطلق عليه اسم «السر الأساسي» للمنهج المنصوص عليه في مؤلف ديكارت «قواعد لتوجيه الفكر». ما رآه ديكارت هو أن الكثير من المسائل العلمية القابلة للحل يمكن أن تبدو «عصية» على الحل بسبب الطريقة التي تشكلت بها، وظن أنه عثر على طريقة لحل أية مسألة تتعلق بالأرقام والأعداد؛ ولذلك فقد انصب تركيزه على إجراء لتحويل المسائل العلمية التي «لم» تكن تتعلق ظاهريا بالأرقام والأعداد إلى مسائل تتعلق بالأرقام والأعداد. ومع وضع المسائل الفيزيائية بشكل أساسي في الاعتبار، قدم ديكارت قواعد تفصيلية لإعادة التعبير عن تلك المسائل في هيئة مصفوفات من النقاط والخطوط: (10 : 450 والصفحات التالية)، أو عند الحاجة للاختصار، في هيئة معادلات بين الأرقام (10 : 455 والصفحات التالية). وبالتعبير عن تلك المسائل بهذه الطرق، يمكن اختزالها في شكل يمكن فيه ملاحظة العلاقات بين الأبعاد بسهولة أو حسابها آليا.
ولو أن عملية التحويل هذه كانت يمكن أن تكون ابتكارا وافيا، لم يكتف ديكارت بإعطاء توجيهات حول تحويل قضايا غير رياضية غامضة إلى لغة رياضية أكثر وضوحا؛ فقد كان يعتقد أن مجموعات الترميز الموجودة في الجبر والهندسة يتعين توضيحها وتوحيدها. ويذكر ديكارت في «مقال عن المنهج» كيف استطاع بسهولة في مطلع شبابه أن يجد أوجه قصور في الطرق التقليدية لتمثيل المسائل الرياضية. واشتكى ديكارت من أن التحليل الهندسي كان «مقيدا بشدة بالتحقق من الأعداد» لدرجة أنه لم يفسح المجال لإعمال الفكر «دون إنهاك الخيال بشدة» (6 : 17-18). أما الجبر فكان «مقيدا جدا بقواعد ورموز بعينها لدرجة أن المحصلة النهائية [كانت] علما مرتبكا وملغزا» (6 : 18).
لإضفاء وضوح ووحدة على العلمين السابقين، اقترح ديكارت العديد من أدوات التمثيل الرمزي التي ما تزال قيد الاستخدام في الجبر؛ فقد كان ديكارت هو الذي اخترع تمثيل المجاهيل في المعادلات بالرموز س، ص ، ع ؛ والمعروف منها بالرموز أ، ب، ج. وكان ديكارت أول من وضع التمثيل الرمزي القياسي للمكعبات وأس الأرقام، وكذا التمثيل الرمزي لجذورها المقابلة. والأهم من ذلك نظرا لتجاوز الأمر مسألة التمثيل الرمزي وحسب، كان ديكارت هو الذي أثبت كيف أن جميع الكميات التي توجد بينها علاقات قابلة للتمثيل بأرقام يمكن تمثيلها في مجال الهندسة بخطوط، وأنه يمكن تمثيل الخطوط، بما في ذلك المنحنيات، برموز جبرية. إن القراء الذين يألفون تمثيل حلول المعادلات باستخدام المحورين السيني والصادي لرسم الإحداثيات يعرفون الأساليب التي إن لم يكن ديكارت هو مخترعها فهو الذي طورها وقام بتطبيقها بطرق مبتكرة في مؤلفه المعنون «الهندسة».
تنبأ ديكارت في مؤلفه «قواعد لتوجيه الفكر» ببعض الابتكارات الواردة في مؤلفه «الهندسة»، على الأقل الخطوط العريضة منها، ومرة أخرى فقد أخذ مؤلفه الأول مستندا إلى الخطوط العريضة بعض أساليب الجبر والهندسة المنقحين من أجل حل المسائل الموجودة في علوم أخرى. وكانت نية ديكارت أن يثبت في القواعد الاثنتي عشرة الأخيرة، في مؤلفه «قواعد لتوجيه الفكر»، كيف يمكن ترجمة أية مسألة على الإطلاق، مهما بلغت بساطة صياغتها الأولى، إلى مسألة يتسم فيها التحول من المعلوم إلى المجهول بالوضوح تماما كما في الرياضيات. من الواضح أنه لم يؤلف القواعد الاثنتي عشرة الأخيرة، ولكنه في القواعد الإحدى والعشرين تقريبا التي جمعها، توصل إلى نظرية شديدة التميز عن البحث والاستقصاء عموما، سنتعرض لأجزاء قليلة منها عند مناقشة الكتابات التي تبعت مؤلفه «قواعد لتوجيه الفكر».
الفصل الخامس
التجول حول العالم
Shafi da ba'a sani ba