Debate Between Islam and Christianity
مناظرة بين الإسلام والنصرانية
Mai Buga Littafi
الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
Lambar Fassara
الثانية
Shekarar Bugawa
١٤١٣ هـ - ١٩٩٢ م
Inda aka buga
الرياض - المملكة العربية السعودية
Nau'ikan
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الناشر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
وبعد:
الصراع بين الحق والباطل والكفر والإيمان سيظل قائما ما بقيت السماوات والأرض لا تهدأ معاركه، ولا تخبو جذوته، ولا تنتهي حوادثه، لكن مهما بلغت قوة الباطل وصولته، ومهما كانت دولته وكثرته فإن العاقبة ستكون بإذن الله دائما لأولياء الله المتقين ودعاته المخلصين، فحسب دعاة الحق أنهم يستمدون قوتهم من قوة الله، ويأخذون أدلتهم من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.
أما دعاة الباطل فليس لهم إلا الحجج الواهية التي ترتكز على ضروب من الجهل والأوهام السخيفة.
والكتاب الذي نمهد له خير شاهد على ذلك.
فلقد قام نخبة من علماء المسلمين بدعوة من بعض قساوسة نصارى ومبشرين في الفترة من ٢٣ / ١ / ١٤٠١هـ إلى ٢٩ / ١ / ١٤٠١هـ، الموافق ١ / ١٢ / ١٩٨٠م إلى ٧ / ١٢ / ١٩٨٠م، بالخرطوم. وقد مثل الجانب الإسلامي
1 / 3
كلا من الشيخ الدكتور محمد جميل غازي والأستاذ إبراهيم خليل أحمد واللواء المهندس أحمد عبد الوهاب.
وفي الجانب النصراني برئاسة البشير جيمس بخيت سليمان والأستاذ تيخا رمضان، قام هؤلاء باستعراض تفصيلي لحقيقة العقيدة النصرانية المسطرة في كتبهم ومناقشتها على ضوء ما يقرون به من معتقدات التثليث والصلب والفداء والأبوة والبنوة وعن الكتب المقدسة بعهديها القديم والجديد، وأماطوا اللثام عن هذا التعارض والتناقض الذي تحمله هذه الأناجيل.
ولا شك أن جدالا كهذا جدير بالاهتمام والاطلاع عليه لما فيه من حقائق عن النصرانية يجهلها كثير من الناس.
ولو لم يكن فيه من الفائدة إلا إعلان هؤلاء القساوسة دخولهم في الإسلام والتبرؤ من أفكار النصرانية المضللة بعد نقاش طويل واقتناع تام لكفى نصرا للإسلام والمسلمين.
فما أجدر المسلمين أن يقوموا بالدعوة إلى الله ونشر العقيدة الإسلامية في أرجاء العالم، وما أحراهم أن يتمسكوا بدينهم منهجا وسلوكا.
ونلفت النظر إلى أنه قد ورد ضمن هذا الكتاب بعض الألفاظ التي تعبر عن رأيِ قائليها مثل " المسيحية " و" المسيحي "، و" إخواننا المسيحيين "، ولا يخفى ما فيها من التجاوز، وقد آثرنا تركها على ما هي عليه لأنها حكاية قول ورد في هذه المناظرة.
1 / 4
هذا ويسر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد - وهي حاملة لواء الدعوة الإسلامية في هذه البلاد الطيبة - أن تنشر هذا السفر الجليل على نفقتها وتوزعه مجانا مساهمة منها في محاربة الشرك والكفر والإلحاد، وبيانا لمن أراد الله هدايته.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
الرياض في ٢٢ / ٢ / ١٤٠٧ هـ.
الناشر
الرئاسة العامة لإدارات البعوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
1 / 5
تمهيد
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
-١-
قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ . (١)
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ . (٢)
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ ﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ . (٣)
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ . (٤) .
﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾ . (٥) .
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ . (٦) .
_________
(١) سورة آل عمران، آية ١-٢.
(٢) سورة النساء، آية ١.
(٣) سورة الأحزاب، الآيتان ٧٠-٧١.
(٤) سورة البقرة، آية ٢١.
(٥) سورة آل عمران، آية ١٣٨.
(٦) سورة آل عمران، آية ١٨٧.
1 / 6
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ . (١) .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ . (٢) .
﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾ . (٣) .
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾ . (٤) .
﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ . (٥) .
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
_________
(١) سورة النساء، آية ١٧٠.
(٢) سورة النساء، آية ١٧٤.
(٣) سورة النساء، آية ١٠٨.
(٤) سورة الحج، آية ٨.
(٥) سورة آل عمران، آية ٦٤.
1 / 7
-٢- إن الإسلام دين مفتوح النوافذ على النور والخير. . . .
وإن حقائقه واضحة، ومعقولة، وصريحة، وهادية، وإنسانية، وعالمية، وخالدة. . . .
ولهذا، فإن الإسلام، وإن الدعاة المسلمين ليرحبون بكل حوار هادئ هادف. . يدعى إليه، أو يقوم بينهم وبين من عداهم من أهل سائر الملل والنحل. . .!
إن الدعاة المسلمين يعتبرونها فرصة سانحة لعرض دعوتهم على القلوب والعقول والضمائر. . .
وهم يعتقدون اعتقادا صادقا، أن دعوتهم حينما تصادف آذانا واعية، وقلوبا مخلصة، وعقولا فاهمة. . . فإنها ستجد القبول والإيمان والإذعان! وهذا ما حدث ويحدث في هذا الزمان، وفي كل زمان!
لقاءات فكرية هنا وهناك، في الشرق والغرب، في الماضي والحاضر. . .!
تبدأ في جو من الغموض والشكوك والتوجس يحيط برؤوس الذين لا يعرفون الإسلام ولا يفقهونه. . .
ثم تنتهي بالإيمان وتقدير وإعجاب بعد أن يزول الضباب، وتمحى الجهالات، ويظهر الحق لكل ذي عينين. . .!
إننا ندعو - بني الإنسان - حيث كانوا من أرض الله أن يقيموا جسورا للتفاهم. . بينهم وبين العقيدة الإسلامية الصحيحة. . .
1 / 8
وعلى كل صاحب ملة ونحلة ألا يخاف ولا يجبن، فإنه في نهاية (اللقاءات العلمية المخلصة) لن يصح إلا الصحيح.
-٣- كثيرة هي اللقاءات بين الإسلام والنصرانية، فكم من لقاءات تمت في الماضي، وكم من اللقاءات ينتظر أن تتم في المستقبل. . . ومن لقاءات الماضي نذكر بعضا منها مكتفين بما حدث في الماضي القريب.
١- في شهر رجب سنة ١٢٧٠هـ - أي منذ حوالي ١٣٠ عاما- عقدت مناظرة في مدينة كلكتا بالهند بين نفر من علماء المسلمين ومبشري النصرانية الذين درجوا على الطعن في الإسلام واستدراج الجهلة من عوام الناس.
وتحددت لها موضوعات خمسة هي: التحريف.
والنسخ.
والتثليث.
وحقيقة القرآن.
ونبوة محمد ﷺ.
وقد استطاع علماء المسلمين - بتوفيق من الله- إظهار الحق بمجرد مناقشة الموضوعين الأولين وهما التحريف والنسخ.
وآنذاك لم يملك مناظروهم من علماء النصارى سوى الانسحاب، اعترافا بإخفاقهم.
وقد شاع خبر هذه المناظرة في العالم الإسلامي الذي كان أغلبه يئن آنذاك تحت سطوة حكم الدول النصرانية، وطلب كثير من المسلمين الاطلاع على
1 / 9
ما دار في تلك المناظرة مما دعا شيخ علماء المسلمين فيها وهو: رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي إلى إصدار كتابه النفيس " إظهار الحق " الذي لا يزال مرجعا فريدا في مجال المناظرة بين المسلمين والنصارى.
ب- بناء على الرغبة التي أبداها بعض كبار رجال القانون والفكر في أوروبا عن طريق السفارة السعودية في باريس للاجتماع بالعلماء في المملكة العربية السعودية للتعمق في مفاهيم حقوق الإنسان في الإسلام، فقد نظمت وزارة العدل السعودية ثلاث ندوات لهذا الغرض في الرياض ابتداء من يوم الأربعاء ٧ من صفر سنة ١٣٩٢هـ، الموافق ٢٢ من مارس سنة ١٩٧٢ م.
وعلى أثر ذلك تعاقب خطباء الوفد الأوروبي وفي مقدمتهم السيد " الأستاذ ماك برايد " الأستاذ في جامعة دبلن، ووزير خارجية أيرلندا السابق، والرئيس السابق لاتحاد المجلس الأوروبي، والسكرتير العام سابقا في اللجنة التشريعية الدولية، فقال: " من هنا ومن هذا البلد الإسلامي يجب أن تعلن حقوق الإنسان، لا من غيره من البلدان، وإنه يجب على العلماء المسلمين أن يعلنوا هذه الحقائق المجهولة على الرأي العام العالمي والتي كان الجهل بها سببا لتشويه سمعة الإسلام والمسلمين والحكم الإسلامي عن طريق إعلاء الإسلام والمسلمين ".
ج- في يونيه سنة ١٩٧٦ م، عقد في جنيف بسويسرا مؤتمر بين المسلمين والنصارى دعا إليه مجلس الكنائس العالمي حول موضوع: " نظرة الأديان السماوية إلى الإنسان وإلى تطلعه نحو السلام ". وفي ذلك المؤتمر أبدى مجلس الكنائس العالمي أسفه الشديد، لأن الواقع أثبت أن إرساليات التبشير النصرانية في ديار المسلمين قد تسببت في إفساد الروابط بين المسلمين والنصارى، كما اعترف بأن تلك الإرساليات كان طابع نشاطاتها في خدمة الدول الأوروبية المستعمرة، وأنها كانت تستخدم التعليم وسيلة لإفساد عقائد المسلمين. وقد
1 / 10
تعهد الجانب النصراني في هذا المؤتمر بإيقاف جميع الخدمات التعليمية والصحية التي تستخدم لتنصير المسلمين.
د- في عام ١٩٧٩ م، عقد في قرطبة بإسبانيا المؤتمر الثاني للمناظرة بين المسلمين والنصارى، وقد ألقى كلمة الافتتاح الكاردينال ترانكون رئيس أساقفة إسبانيا، فكان مما قاله: " إني كأسقف أود أن أنصح المؤمنين المسيحيين بنسيان الماضي، كما يريد المجمع البابوي منهم، وأن يعربوا عن احترامهم لنبي الإسلام. .
إن هذا شيء هام جدا بالنسبة للمسيحي، إذ كيف يستطيع أن يقدر الإسلام والمسلمين دون تقدير نبيهم والقيم التي بثها ولا يزال يبثها في حياة أتباعه؟
لن أحاول هنا تعداد قيم نبي الإسلام الرئيسية الدينية منها والإنسانية فليست هذه مهمتي، وسوف يلقيها عليكم الإخصائيون واللاهوتيون المسيحيون بالمؤتمر، غير أني أريد أن أبرز جانبين إيجابيين- ضمن جوانب أخرى عديدة - وهما إيمانه بتوحيد الله وانشغاله بالعدالة ".
وفي ذلك المؤتمر ألقى الدكتور يبحيل كروث بحثا عن " الجذور الاجتماعية والسياسية للصورة المزيفة التي كونتها المسيحية عن النبي محمد "، وقد جاء فيه قوله: " لا يوجد صاحب دعوة تعرض للتجريح والإهانة ظلما على مدى التاريخ مثل محمد. . ولقد سبق لي أن أكدت في مناسبة سابقة- وأظن أنني قد قررت ذلك عدة مرات- الاستحالة، من الوجهة التاريخية والنفسية، لفكرة النبي المزيف التي تنسب لمحمد ما لم نرفضها بالنسبة لإبراهيم وموسى وأصحاب النبوات الأخرى من العبرانيين، الذين اعتبروا أنبياء.
إنه لم يحدث أن قال نبي منهم بصورة بينة وقاطعة أن عالم النبوة قد
1 / 11
أغلق. . وفيما يتعلق بالشعب اليهودي فإن عالم النبوة ما يزال مفتوحا، ماداموا ينتظرون المسيح المخلص.
أما فيما يتعلق بالحركة المسيحية فإنه لا يوجد أي تأكيد قطعي يدل على انتهاء عالم النبوة ".
-٤- ثم كان لقاء الخرطوم. . لقاء العائدين إلى الله بعد أن بحثوا عن الحق زمنا طويلًا وساروا في سراديب ودهاليز لا أول لها ولا آخر. . .
لعل فيه درسا للمبشرين بالكف عن إفساد عقائد المسلمين فإن الحق دائما غلاب.
لماذا كان المؤتمر؟
إن كثرة من أبنائنا العرب يقضون إجازاتهم في العواصم الأوروبية يدفعهم إلى ذلك قبل كل شيء رغبتهم في إتقان اللغات الأوروبية وهم لذلك يلتحقون أول ما يهبطون إلى البلد الذي يقصدونه بالمدارس الليلية والحرة، ويجدون في مكتباتها الكثير عن الإسلام، والكثير من تشويهه والطعن عليه.
ثم إن كثيرا من البلاد العربية الإسلامية قد وقعت زمنا طويلا تحت وطأة الاستعمار الصليبي، وما تزال تعتمد عليهم في مختلف مرافقها، وتنظر إليهم نظرة إكبار وتقدير، وتندفع بغير شعور منها، وبشعور أيضا إلى تقليدهم وتصغي باهتمام إلى آرائهم.
كل ذلك يمهد الطريق لكتب الغرب وآراء الغرب كي تنتشر بيننا.
وشيء آخر ذو أهمية.
إن كتب السيرة النبوية، وكتب التاريخ العربي، ما يزال أسلوبها صعبا على طلاب ودارسي الثقافة الإسلامية الناشئين، فقلما نجد من يرجع إلى سيرة
1 / 12
ابن هشام، أو السيرة الحلبية، أو نهاية الأرب، أو طبقات ابن سعد. . . بله تاريخ الطبري، والذهبي، وابن الأثير ونحوها. فربما وجدوا قراءة ما كتب المستشرقون أيسر وأجدى.
وهناك كتب كثيرة عن السيرة النبوية العطرة أخرجها كتاب معاصرون.
ولكن كثيرا من الكتب قد اهتم مؤلفوها بسرد حوادث السيرة، وتبسيطها، وقليلا منهم تعرض في مواقف قصيرة لآراء المستشرقين.
وأشهر الكتب التي أخرجت في العصر الحاضر عن السيرة النبوية هو كتاب " حياة محمد " للدكتور محمد حسين هيكل.
وقد عرض فيه لآراء المستشرقين أو لبعض آرائهم بوجه عام وخص بالذكر والأهمية اميل درمنجم المستشرق الفرنسي.
وقد يفهم من كلام الدكتور هيكل أن اميل درمنجم مسالم للإسلام.
خطورة الغزو الفكري:
إذن فقد عمت الترجمات، وشاع بين أبناء الإسلام ما كنا نحذر أن يشيع وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على مؤشر خطير في الغزو الفكري عن فريق الاستشراق " البحث العلمي "، وعن طريق التبشير (الدعوة الدينية، استشرى مما ضايق الغيورين على الإسلام. فتعاونوا على دفع هذا الهجوم ودحض الافتراءات عن الإسلام ولكنهم قليل مضطهدون.
نصيحة مهتد للإسلام إلى بني قومه:
وإنه لمن الخير أن نقدم ما كتبه المسلم الفرنسي " ناصر الدين " في كتابه القيم (الشرق كما يراه الغرب) حيث قال: لقد أصاب الدكتور " سنوك هرغرنجه " في قوله: " إن سيرة محمد الحديثة تدل على أن البحوث التاريخية
1 / 13
مقضي عليها بالعقم إذا سخرت لأية نظرية أو رأي سابق ".
وهذه حقيقة يجمل بمستشرقي وبمبشري العصر جميعا أن يضعوها نصب أعينهم، فإنها تشفيهم من داء الأحكام السابقة التي تكلفهم من الجهود ما يجاوز حد الطاقة فيصلون إلى نتائج لا شك خاطئة، فقد يحتاجون في تأييد رأي من الآراء إلى هدم بعض الأخبار وليس هذا بالأمر الهين، ثم إلى بناء أخبار تقوم مقام ما هدموا، وهذا أمر لا ريب مستحيل.
الرجوع إلى الحق فضيلة:
يحتاج المستشرق والمبشر في القرن العشرين إلى معرفة كثير من العوامل الجوهرية، كالزمن والبيئة، والإقليم، والعادات، والحاجات والمطامح والميول والأحقاد. . إلخ. . لا سيما إدراك تلك القوى الباطنة التي لا تقع تحت مقاييس العقول والتي يعمل بتأثيرها الأفراد والجماعات.
وفي نهاية الكتاب الذي ألفه ناصر الدين عن الرسول محمد ﷺ قال عن:
وثبة الإسلام:
قال ش. شرفيس في كتابه " بونابرت والإسلام ". . (عندما رفع الله إليه مؤسس الإسلام العبقري كان هذا الدين القويم قد تم تنظيمه نهائيا، وبكل دقة، حتى في أقل تفاصيله شأنا. . .
وكانت جنود الله قد أخضعت بلاد العرب كلها، وبدأت في مهاجمة امبراطورية القياصرة الضخمة بالشام.
وقد أثار القلق الطبيعي المؤقت، عقب موت القائد الملهم بعض الفتن العارضة، إلا أن الإسلام كان قد بلغ من تماسك بنائه، ومن حرارة إيمان أهله، ما جعله يبهر العالم بوثبته الهائلة التي لا نظن أن لها في سجلات التاريخ مثيلا.
1 / 14
ففي أقل من مائة عام، ورغم قلة عددهم، استطاع العرب الأمجاد، وقد اندفعوا- لأول مرة في تاريخهم- خارج حدود جزيرتهم المحرومة من مواهب النعم أن يستولوا على أغلب بقاع العالم المتحضر القديم، من الهند إلى الأندلس ".
وقد شغلت -في قوة- هذه القصة المجيدة تفكير أعظم عباقرة عصرنا هذا- أعنى نابليون بونابرت - الذي كان ينظر دائما إلى الإسلام باهتمام ومودة، فيقول عن نفسه في إحدى خطبه المشهورة بمصر، أنه " مسلم موحد ".
وقال لاس كازاس في كتابه " مذكرات سانت هيلين "، ج٣، صفحة ١٨٣:
" ويذكر الإسلام في أواخر أيامه، فيرى أننا إذا طرحنا جانبا الظروف العرضية التي تأتي بالعجائب، فلا بد أن يكون في نشأة الإسلام سر لا نعلمه، وأن هناك علة أولى مجهولة، جعلت الإسلام ينتصر بشكل عجيب على النصرانية، وربما كانت هذه العلة المجهولة أن هؤلاء القوم، الذين وثبوا فجأة من أعماق الصحارى قد صهرتهم -قبل ذلك- حروب داخلية عنيفة طويلة، تكونت خلالها أخلاق قوية، ومواهب عبقرية، وحماس لا يقهر أو ريما كانت هذه العلة شيئا آخر من هذا القبيل ".
ومن هذا المنطلق كان لقاؤنا بالخرطوم في الفترة من ٢٣ / ١ / ١٤٠١هـ، إلى ٢٩ / ١ / ١٤٠١هـ، الموافق ١ / ١٢ / ١٩٨٠، إلى ٧ / ١٢ / ١٩٨٠م، مع قادة الفكر النصراني وقادة الفكر الإسلامي وكان رجاؤنا أن يعي كل من المسلمين والمسيحيين على السواء هذه العبر ليضعوا المستشرقين والمبشرين في مكانهم الطبيعي وحجمهم الطبيعي.
وإزاء هذا لا ينبغي أن نتجاهل التيارات المعادية للإسلام ومن ورائها الغزو الفكري الصليبي والصهيوني والشيوعي تحت ستار الحضارة الحديثة الذي
1 / 15
يتسرب إلينا من خلال حملاتهم الإعلامية والدعائية المشبوهة. إن الواجب المقدس يحتم علينا- ونحن أعلم بحقائق ديننا- أن ندفع شبهات هؤلاء القوم وأن نبين وجه انحرافهم، وسبب هجومهم على الإسلام.
والحوار هو أحد الأساليب الناجحة لتنقية الرسالات السابقة من الشوائب في ضوء القرآن الكريم والسنة المطهرة.
[أعلام الفكر الإسلامي المشاركون في هذا اللقاء الكبير]
ولقد شارك في هذا اللقاء الكبير الخطير ثلاثة من أعلام الفكر الإسلامي- هم:
أولا: الدكتور محمد جميل غازي، الذي قام بإدارة الحوار والمشاركة فيه.
- من مواليد يناير ١٩٣٦- بكفر الجرايدة - كفر الشيخ.
- عالمية الأزهر الشريف من كلية اللغة العربية.
- دكتوراه في النقد الأدبي.
- رئيس المركز الإسلامي العام لدعاة التوحيد والسنة بالقاهرة.
- نائب الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية.
- له كتابات في التفسير وعلوم الدين، مثل:
- من مفردات القرآن: ٣ أجزاء.
- أصدق الحديث (في التفسير أيضا) صدرت منه بعض أجزاء.
- الصوفية الوجه الآخر.
- دموع قديمة.
- أسماء القرآن في القرآن - وغيرها.
- وله أعمال كثيرة في تحقيق التراث، وبخاصة تراث ابن تيمية وابن القيم.
- وقد حصل على الدكتوراه في تحقيقه لكتاب: (الأوائل لأبي هلال العسكري) .
1 / 16
- له نشاطه في الدعوة الإسلامية- عن طريق المحاضرات والندوات والمناقشات- في مصر وغيرها من بلاد العالم الإسلامي.
ثانيا: الأستاذ إبراهيم خليل أحمد نشأ نشأة مسيحية. ولد بمدينة الإسكندرية في ١٣ يناير عام ١٩١٩ م، واسمه إبراهيم خليل فيلبس، تدرج في مدارج العلم بمعاهد الإرسالية الأمريكية وحصل على دبلوم كلية أسيوط الثانوية عام ١٩٤٢ م، وهو معادل للتوجيهية، ثم حصل على دبلوم كلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة عام ١٩٤٨ م، وعين قسا راعيا بكنيسة بافور الإنجيلية / محافظة أسيوط، وفي عام ١٩٥٢ م، انتدب بالإضافة إلى عمله بالكنيسة قسا بكلية اللاهوت الإنجيلية الكندية بأسيوط، ثم رقي إلى قسيس مبشر بالإرسالية السويسرية الألمانية بأسوان. وشغل مراكز: عضو مجمع مشيخة أسيوط، وعضو سنودس النيل، وزميل للمرسلين الأمريكيين وضالع في المخطط التبشيري بين المسلمين مع المراسلين الأمريكيين والأوروبيين.
والأستاذ إبراهيم خليل أحمد لم يكن من رجال الأكليروس يتزيا بزي كهنوتي، بل كان يلبس الزي الإفرنجي المألوف الذي تسمح به طبيعة عمله بين المسلمين، فينجح ويأتي بثمار تبشيره.
لكن الله جلت حكمته ألقى به بين يدي قوله تعالى ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ﴾، فثاب إلى رشده وأخذ في دراسة مقارنة من عام ١٩٥٥ م، حتى ٢٥ ديسمبر عام ١٩٥٩ م، حتى أتاه اليقين فأعلن إسلامه وجاهد في سبيل الله، وله مؤلفات متداولة منها:
- محمد ﷺ في التوراة والإنجيل والقرآن.
- المستشرقون والمبشرون في العالم العربي والإسلامي.
1 / 17
- إسرائيل فتنة الأجيال " العصور القديمة ".
- إسرائيل فتنة الأجيال " العصور الحديثة ".
- إسرائيل والتلمود " دراسة تحليلية ".
- الاستشراق والتبشير وصلتهما بالإمبريالية العالمية.
- هذا إلى جانب مؤلفات أخرى تحت الطبع، وهي:
- يسوع المسيح كلمة الله.
- العلم يهدي إلى الإيمان.
- مواجهة الإسلام لتحديات الاستشراق والتبشير.
- مواجهة الإسلام للتحدي الحضاري الحديث الفكري.
- آيات الله تتجلى في عصر العلم.
- حدود الله: التوارة والإنجيل والقرآن.
- الإسلام في التوراة والإنجيل والقرآن.
- المسيح في التوراة والإنجيل والقرآن.
فقبل الله عمله ونفع به أمة محمد ﷺ.
وأما الرجل الثالث: فهو السيد اللواء مهندس أحمد عبد الوهاب علي
- ولد في مدينة فاقوس - محافظة الشرقية في أول يونيو (حزيران) عام ١٩٣٠ م.
- حصل على بكالوريوس هندسة كهربائية، شعبة الاتصالات من جامعة القاهرة عام ١٩٥٤ م.
- التحق بالقوات المسلحة وتدرج في مختلف الرتب حتى رتبة اللواء.
- شغل بمقارنة الأديان منذ أكثر من ٢٥ عاما.
1 / 18
وهذه هي مؤلفات سيادته:
أولا: سلسلة دراسة في الأديان:
- الوحي والملائكة في اليهودية والمسيحية والإسلام.
- النبوة والأنبياء في اليهودية والمسيحية والإسلام.
- المسيح: في مصادر العقائد المسيحية.
ثانيا: دراسات أخرى:
- العلوم الذرية الحديثة في التراث الإسلامي.
- إعجاز النظام القرآني.
- حقيقة التبشير بين الماضي والحاضر.
لقد بدأ اللقاء بإخلاص وحب ورغبة أكيدة في الوصول إلى الهدى والرشاد. . وانتهى- بإحقاق ما هو حق، وإبطال ما هو باطل. . .! لقد آمن جميع المسيحيون المناظرون، ودخلوا في دين الله عن إيمان وإذعان. . .!
وقال قائلهم- كلمة عمر ﵁: والله لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر إلا جلست فيه بالإيمان. . .!
ثم استمروا في طريقهم. . يؤدون دورهم في الدعوة إلى الله،. . . فبلغ حتى الآن عدد الذين أسلموا بإسلامهم خمسمائة!! .
وما زالت الوفود تتوالى. . .
وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ . (١) .
وإذ يقول: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ . (٢) .
_________
(١) سورة التوبة، آية ٢٣ - الصف، آية ٩.
(٢) سورة الإسراء، آية ٨١.
1 / 19
كلمات الافتتاح للمشاركين
كلمة فضيلة الشيخ: طاهر أحمد طالبي الملحق الديني بسفارة المملكة العربية السعودية بالخرطوم.
كلمة فضيلة الشيخ: عوض الله صالح رئيس هيئة إحياء النشاط الإسلامي بالسودان.
كلمة تمهيدية للأستاذ: الدكتور محمد جميل غازي.
كلمات القس: جيمس بخيت، والسيد: تيخا رمضان.
كلمة افتتاحية للأستاذ الدكتور: محمد جميل غازي.
1 / 20
كلمة الشيخ: طاهر أحمد طالبي
الملحق الديني بسفارة المملكة العربية السعودية بالخرطوم
بسم الله الرحمن الرحيم. وبحمده نستفتح، وصلاة وسلاما على خيرته من خلقه محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه إلى يوم الدين وبعد:
إخوتي الأفاضل، مستمعين الأعزاء، إنه ليسعدني ويسعدكم أيضا مثل هذا اللقاء الإسلامي- النصراني الذي تم بناء على طلب مقدم من القس: جيمس بخيت سليمان، موجه لرئيس وأعضاء هيئة إحياء النشاط الإسلامي بالسودان وللملحق الديني بسفارة المملكة العربية السعودية بالخرطوم أيضا. وإنه ليسعدنا جميعا أن يكون مثل هذا اللقاء على الإخاء والمحبة لنعرف الحقيقة ولنعرف الحق من الباطل. والله نسأل أن يوفقنا للحق أينما كان، وحيثما كان، وأن يرزقنا اتباعه، كما نرجو أن تتكور مثل هذه اللقاءات في كل مكان وفي كل زمان، كما نرجو أن تثمر ويكون لها أثر ففال حتى يهدينا الله إلى طريق الحق والخير والسلام.
وبعد: فإنه ليسرني ويسركم أن يفتتح هذا اللقاء الأستاذ الفاضل والشيخ الكبير: عوض الله صالح الرئيس العام لهيئة إحياء النشاط الإسلامي في السودان، ومفتي جمهورية السودان سابقا، والعضو الحالي والمشارك في رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، فليتفضل جزاه الله خيرا عن الإسلام.
1 / 21
كلمة فضيلة الشيخ: عوض الله صالح
رئيس هيئة إحياء النشاط الإسلامي بالسودان
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى جميع إخوانه من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
أما بعد: فإني سعيد بهذا اللقاء وأرحب بكم في هذه الدار نيابة عن الإخوة أعضاء هيئة إحياء النشاط الإسلامي.
ولقد حضرت قبل خمس سنوات حوارا يشبه هذه المناظرة في طرابلس بليبيا، ولقد كان أول ما يلاحظ على تلك الندوة أنها بعدت عن كل كلمة نابية، بل لم يذكر نبي من قبل المسلمين غير محمد صلوات الله عليه وسلامه: إلا ذكر بكلمات تعظيم وتقدير، ولم يذكر من المسيحيين غير عيسى ﵇ أي نبي: إلا وكانت تحف كل كلمة حوله مظاهر التبجيل والإكرام، ولقد كانت تلك الندوة بحق ندوة بحث عن حقيقة.
إن في العالم أخطاء كثيرة. . .
إن بعض أفهام خاطئة عن الإسلام شائعة. . . وينبغي أن تصحح باللقاءات الهادفة والمناقشات الهادئة، وان بعض الأخطاء والانحرافات موجودة في تصورات من ينتمون إلى الإسلام وسلوكهم. . .
والدارس المنصف يقرر أن الإسلام شيء والمنتمين إليه شيء آخر. . .
فالإسلام- ككل ملة ونحلة- إنما يراجع في نقوله المقررة والمتفق عليها. . .
وما يقال عن الإسلام يقال عن المسيحية التي كانت أبعد عهدا من الإسلام. .
1 / 22