فقالت أوجستينا: عبث استخراج الدر من بحر بلا قرار.
وسألت أمازونيا: من هي المفتونة الخائبة الأمل التي تشاطرك الجريمة يا هذا؟ - أية جريمة يا سيدتي الجليلة؟ - جريمة الحب العظمى. - الحب يا سيدتي فضيلة للإنسان حتى للحيوان، فكيف تصمينه بوصمة الإجرام. - هو جريمة في بنطس، وجريمة مقدسة في غيرها، وعقابه عندنا شديد، أعيذك منه. - لماذا الحب جريمة في بنطس دون غيرها؟ - لأنه خطر على استقلال المرأة، ألا تعلم هذا من تاريخ الأمازونيات؟ أما علمت أنهن لم يتحررن من العبودية للرجل إلا بجحدهن الإله كيوبد وصد سهامه، أولا ترى أنه حيث يباح الحب تكون المرأة أمة للرجل الجائر؟ - لا يا سيدتي، حيث يباح الحب تكون المرأة محبوبة والمحبوب معزور، وأما حيث تكون المرأة أمة للرجل، فلأن الحب قتيل وكيوبد دفين. - ألا ترى أننا نحن الأمازونيات مستقلات لأننا نكفر بكيوبد إله الغرام؟ آه يا للغرام كم أشقى قلوبا!
فقال الفتى محتجا: أأنتن مستقلات؟ لا وربي، ما أنتن إلا «عبدات» رقيقات أسيرات لهيكلكن، منسحقات تحت أقدام كهنوته، لستن معتوقات كما تظنن، ولا حرات كما تعتقدن، ولا تفهمن معنى الحرية. - ما هي الحرية التي تتبجح بها؟ - هي تلبية نداء الطبيعة بلا كبت ولا قمع. الطبيعة تعزف ونحن نغني، نحن نحب والطبيعة تضحك لنا. نحن ننظم الشعر والطبيعة توحي لنا الخيال الجميل. نلحن والطبيعة قيثارتنا، ماذا عندكن، من هذه المطربات المعجبات يا من تدعين الحرية والاستقلال؟ عندكن أوتار بلا أنغام وأشعار بلا ألحان، ووقع بلا رقص، وسماء بلا شموس ولا أقمار. ما أنتن حرات حتى ولا رقيقات، بل أنتن رمم أموات، وأصنام بلا حياة، أنتن بنات الطبيعة، وقد خرجتن على الطبيعة، مهما تمردتن عليها تبقين فيها تحت سلطانها، فإذا كنت يا سيدتي تعملين لخير الأمة الأمازونية وسعادتها ومجدها، فشيدي هيكلا فخما لكيوبد في بنطس تحج إليه الأمازونيات مع قرابينهن جهارا، حيث تحل عليهن نعمة الحب السعيد.
وكانت أمازونيا وأوجستينا مصغيتين متهللتين كأنهما تسمعان أنشودة الغرام على قيثارة هلاس، ومحياهما يطفحان بشرا. فقالت أمازونيا: وي وي. كأني لم أجئ إلى هنا لكي أحقق، بل لكي أسمع كرازة بعقيدة الحب. - أجل يا سيدتي، الحب ينبوع السعادة والسرور، والقلب بلا حب كالغصن اليابس. هو أول الأغصان التي تتحول إلى رماد إذا لفحها اللهيب، وأول ما تنقصف إذا كسحتها الرياح، وأما القلب المفعم حبا كالغصن الذي تحميه رطوبته من الاحتراق، وتنقذه مرونته من الانقصاف، بل هو الغصن الرطيب الذي تكسوه أزاهره في الربيع، وتثقله ثماره في الصيف. - كفى يا هذا، ما نحن في مباراة أشعار، دع هذا الهذيان.
فقاطعها قائلا: أعلم يا سيدتي أنك لا تحسين ما أقول، فلو كان إلى جنبك زوج وفي حضنك طفل لكنت تفهمين هذا الهذيان، ما أنت إلا الغصن اليابس الذي ينقصف من هبوب رياح هذياني. - كفى كفى. إذن حقيقي أنك ابن كيوبد، وقد جئت لكي تضرم نار فتنة هنا. - إذا كانت الدعوى إلى عبادة كيوبد تسمى فتنة، فقد صدق القول أني جئت لكي أطلق النساء الأمازونيات من أسرهن إلى ساحة حريتهن، وأرشدهن إلى كيفية استعباد الرجل بالحب والإخلاص. - صه، لقد انجلى لنا جرمك بشهادة لسانك، فلا تعفى من العقوبة إلا إذا كنت تبوح باسم شريكتك فيه. - أستنكف جدا أن أشتري العفو بشهادة زور. - على من تعتمد في إنقاذك من الحكم الرهيب؟
فقال الفتى باسما: على سهم من سهام كيوبد إلهي. - لا حول لكيوبد ولا طول في بنطس.
فقال: يرمي سهامه من جاريجاريا فتقع في قلب بنطس.
ووقفت أمازونيا كأنها غاضبة، وقالت باسمة: يا سيدة القضاء، إن لهذا الفتى صلة بمكيدة هائلة، فإذا لم يعترف بها لكي يكافأ بالعفو، فلا بد أن تحكمي عليه بالموت الأحمر أو الأسود. السلام عليك.
فقالت أوجستينا واقفة: لقد صدر الحكم يا مولاتي.
وخرجت أمازونيا ظافرة مرحا ومترنحة أسفا.
Shafi da ba'a sani ba