Daula Uthmaniyya Kafin Tsarin Mulki Da Bayansa
الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده
Nau'ikan
ولا شك أن الحكومة لا تكتفي بهذه الوسائل الابتدائية لإحياء بلاد هذا شأنها فلا بد من اتخاذ الوسائل الصناعية لإرواء جميع الأراضي، وتسهيل سبل الاتصال، ونقل الحاصلات بطرق الحديد ومجاري الأنهار والترع، ولكن ذلك يقتضي وقتا يحسن في خلاله أن تتخذ بعض الطرق التي أشرنا إليها أو ما هو من قبيلها.
على أن تعميم الري وطرق الاتصال على الأصول الصناعية الحديثة ليس الآن من الصعوبة بالمكان الذي كان فيه قبل إعلان الحكومة الدستورية، فقد بادت المطامع التي كانت تقف حاجزا في وجه جميع الأعمال الأخيرة. وقد زالت الموانع التي كانت تصد العمال عن العمل وذوي المال عن بذله ما لم يثقلوا كاهل البلاد بأضعاف أضعافه؛ ضمانا لهم وسدا لما يبذلونه طي الخفاء لأرباب السلطة والنفوذ.
فأما الفعلة - وعليهم مدار معظم العمل - فهم متوفرون في نفس البلاد.
وأما المال فإما أن يكون من البلاد أو من خارجها، فإذا أرادت الحكومة الإسراع في العمل والالتجاء إلى المال الأجنبي؛ فإن أرباب الأموال وشركات العالم أجمع تتسابق إلى بذل أموالها في عمل هذا شأنه لقاء فائدة يسيرة لتوثقها مما ترى من ضمان الربح. وسواء على هذه الشركات أقامت بالعمل لحسابها أم لحساب الحكومة دينا لها عليها.
وإذا شاءت الحكومة أن تقوم بتلك الأعمال بأموال العثمانيين فإننا على يقين أنه يتيسر لها ذلك أيضا، وإن اقتضى زيادة في الزمن لإنجاز العمل؛ لأن ما كان يبدو من العثمانيين من التباطؤ عن إنشاء الشركات لم يكن ناشئا عن قلة إلمام بنفعها أو تعذر وجود المال، وإنما كان لقلة ثقة بحكومتهم.
وإذ كان نشر العلم من أقوى الوسائل المؤدية إلى توطيد أركان الحضارة، وكان لا بد لهذه الحكومة الدستورية من إذاعة تعليم اللغة الرسمية ليسهل على العناصر المختلفة أن تتفاهم أيان شاءت؛ وجب أيضا أن تنشأ ولو بضعة كتاتيب تدرس فيها اللغة التركية لأبناء الشيوخ إلى أن يتيسر تعميم تعليمها؛ فإن ذلك يزيل من وجه الحكومة الجديدة كثيرا من العقبات التي قامت بوجه السلاطين في الزمن السابق لعدم اكتراثهم بنشر لسانهم بين أبناء رعيتهم، ولقد فكرت حكومة الاستبداد منذ أعوام بشيء من ذلك فأنشأت في الأستانة المدرسة المعروفة بمكتب العشائر، ولكنها جرت فيه على خلاف المقصود إذ كان أبناء الشيوخ من الطلبة فيه أشبه برهائن منهم بطلاب علم، وأحيطوا بالجواسيس، وأوذوا ولم يخف ذلك على ذويهم؛ فكان ذلك المكتب من أسباب زيادة النفور بدلا من التآلف.
وإنه لا يصعب على أي كان أن يتصور ما ينجم من النفع للعالم أجمع بعد إنجاز تلك الأعمال الخطيرة، وقيام المدن والقرى في بلاد تتلقاها بملء البشر بعد طول العهد بشدة شوقها إليها إذ تصبح تلك القفار رياضا نضرة ومصدر رزق ورخاء لأهلها ولسواهم بما يفيض من خيرها وتضاف إلى أمم الحضارة قبائل شتيتة هي بمثابة أمة كبيرة، قد طالما امتدت يدها في الأزمان السالفة إلى توطيد أركان التمدن.
وأما الدولة العثمانية فبعد أن كانت هذه البلاد علة ضعف وفقر ومعرة لها فستصبح - إن شاء الله - مورد قوة وغنى وفخر عظيم.
ولا حاجة بنا - بعد ما تقدم - إلى إطالة الشرح بوصف الحالة الزراعية في سائر البلاد العثمانية مما ولي العراق، من سوريا إلى الأناضول إلى الولايات الأوروبية وبلاد الغرب؛ فإن فيها جميعا بقعا لا تقل عن أرض العراق خصبا وغزارة ماء، وهي كلها متشابهة في الخراب وأسبابه من الإهمال والفتن والاستبداد حتى في ما جاور مقر السلطنة في نفس أوروبا كأن الخراب صار من مميزات هذا الملك الفسيح. ولا يصعب على الجغرافي السائح في أوروبا أن يحسن رسم حدود البلاد من تتبع الفرق الذي يبدو له واضحا بين مظاهرها ومظاهر ما جاورها من البلاد الأوروبية حتى في الممالك التي انفصلت عن جسمها. وحسبك تثبتا من ذلك أن تركب قطار سكة الحديد من الأستانة، فلا تصل جسر مصطفى باشا على الحدود البلغارية حتى ترى ما فعلت يد العمل والاجتهاد في هذه السنين القلائل.
وأما وسائل الإصلاح فهي وإن اختلفت بعضها في بقعة عما سواها بالنظر إلى طرق السقي وطبيعة البلاد وخلق السكان؛ فمرجعها كلها إلى توطيد الأمن والعناية بالفلاح، وقد اتضح جليا حتى الآن أن ذلك من أجل ما ترمي إليه حكومتنا الدستورية.
Shafi da ba'a sani ba