Daula Uthmaniyya Kafin Tsarin Mulki Da Bayansa
الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده
Nau'ikan
ولكن تلك الخيبة التي أحرجت الصدور أزالت الغشاء عن البصائر، فاستنارت الأذهان وأدركت الحقائق، وعلم المسلم والمسيحي والتركي والرومي أنهم جميعا في الشقاء سواء، وإنه لا مناص لهم إلا بالتعاون ونبذ الأحقاد والانضمام - يدا واحدة - لسحق تلك الأيادي الظالمة والانثناء بعد ذلك إلى النظر في إعلاء شأن هذه الأمة الواحدة، والدين لله.
علم المسيحي - على اختلاف نحله - أنه مقيم في بلاد نشأ فيها أجداده من قبله، ولا فلاح له إلا بكف بصره عن التطلع إلى دول أوروبا، وبإلقاء يده في يد أخيه المسلم لإعلاء شأنهما معا وشأن البلاد التي نشآ فيها.
وعلم المسلم أنه لا سبيل إلى كم أفواه الأجانب والأقارب ودرء الشبهات وتذليل العقبات والتفرغ إلى الصلاح العام إلا بمصافحة أخيه المسيحي والسير معا في طريق ينعمان ويشقيان بها معا.
علم كلاهما أن تلك الأيادي الأثيمة التي كانت تدفعهما إلى الفتك فريق منهما بفريق، إنما كانت تتخذ ذلك ذريعة تثنيها وتثني الناس بها عن مظالمها، ثم تنثني إليهما فتبطش بكل فريق منهما على حدة بعد إجهاد قواهما.
هذه المذابح الأرمنية، فماذا جنى منها الأرمن؟ وماذا جنى المسلمون؟ غرر فيها بالفريقين؛ فسالت والهفاه! دماء الأبرياء ودمرت البلاد وتحصن المجرمون في معاقل اللؤم والرياء.
كل ذلك عرفه المسلم والمسيحي والإسرائيلي وابن كل ملة من الملل.
إذا شكا الأرمني لدم يهدر ومال يسلب فشكوى المسلم أعظم، إذ تقوم حول دم الأرمني ضجة تبلغ السماء، وأما دم المسلم فإلى جانب تلك النكبة الدهماء بإهراق دمه نكبة الوجوم عن رفع الصوت بالعويل عليه.
وإذا شكا الكردي أو العربي بسوق، جيش يقف لعصابته فيتقاتلان وتربو قتلى عصابته على قتلى ذلك الجيش، فماذا يقول التركي وصفوة رجاله وفتيانه تشد محكمة الوثاق وتقاد إلى حيث تقتل أو تفرق أو تنفى إلى أقاصي البلاد.
خبر جميع من في البلاد خبر تلك الأهوال، فهبوا من رقدتهم هبة واحدة، فهل بعد هذه اليقظة من غفلة؟ معاذ الله أن يكون ذلك، وقد غل ذئب التعصب بأصفاد الحديد وزج به إلى أعماق البحار.
وليس هذا بأول عهد لتنبه أفكار الخلق إلى فتكات ذئب التعصب الغشوم، وإنما هو أول عهد تنبه جميع الناس إليه على حد سواء. وإلا فما قولك بتصدي الأمير عبد القادر في حادثة سنة 1860 وكثيرين من وجهاء المسلمين في دمشق الشام لحماية النصارى مخاطرين لقاء ذلك بأموالهم وأرواحهم؟ بل ما قولك بما أتاه فؤاد باشا أثناء حادثة الأرمن سنة 1896 تحت أذقان مثيري تلك الزوابع؟
Shafi da ba'a sani ba