Matakai Shida da Asirin Sadarwa: Kimiyya Don Zamanin Haɗewa
الدرجات الست وأسرار الشبكات: علم لعصر متشابك
Nau'ikan
بعد مئات الأعوام من الإنكار، تبنى العلم الحديث أخيرا هذه النظرة إلى العالم. لقد ظل حلم عالم الرياضيات الفرنسي العظيم، بيير لابلاس، الذي عاش في القرن التاسع عشر - بأنه يمكن فهم الكون في إجماله من خلال اختزاله إلى طبيعة الجسيمات الأساسية ودراستها بواسطة حاسب قوي بما فيه الكفاية - يتردد طوال الجزء الأكبر من القرن الماضي على الساحة العلمية، كما لو كان ممثلا بإحدى مسرحيات شكسبير مصابا إصابة مميتة يناجي نفسه المناجاة الأخيرة قبل الوفاة. لكن ليس واضحا تماما ما الذي حل محله؛ فمن ناحية، تبدو الفكرة القائلة: إن تكتيل مجموعة من الأشياء معا سينتج عنه في النهاية شيء مختلف عن الأشياء المتفرقة، فكرة واضحة وبديهية، ومن ناحية أخرى، فإن إدراكنا أننا لم نحقق إلا تقدما بسيطا في هذا الشأن يعطينا فكرة عن مدى صعوبته.
إن ما يجعل المشكلة صعبة والأنظمة المعقدة معقدة هو أن الأجزاء المكونة للكل لا تتجمع في أي نمط بسيط، بل تتفاعل بعضها مع بعض، وفي ظل هذا التفاعل، حتى أبسط المكونات، يمكن أن يصدر عنها سلوك محير. وقد أوضح التخطيط الحديث للجينوم البشري أن الشفرة الأساسية للحياة البشرية بأكملها تتكون من نحو ثلاثين ألف جين فحسب، وهذا أقل بكثير مما توقعه أي شخص. من أين جاء كل هذا التعقيد الذي يتسم به علم الأحياء البشرية إذن؟ من الجلي أنه لم ينتج من تعقيد العناصر الفردية للجينوم، التي ما كان لها أن تكون أبسط من ذلك، ولا من عددها الذي لا يزيد بالكاد عن عددها في أبسط الكائنات الحية، بل ينشأ هذا التعقيد عن الحقيقة البسيطة القائلة: إن الخصائص الجينية نادرا ما تعبر عنها الجينات الفردية. فمع أن الجينات - شأنها شأن البشر - توجد في صورة وحدات فردية متطابقة، فإنها «تؤدي وظائفها» عن طريق التفاعل، ويمكن لأنماط التفاعلات أن تعكس تعقيدا غير محدود تقريبا.
إذن ماذا عن النظم البشرية؟ إذا كانت تفاعلات الجينات فقط من شأنها إرباك أفضل العقليات في مجال الأحياء، فما أملنا في فهم تجمعات من مكونات أكثر تعقيدا بكثير كأفراد أحد المجتمعات أو الشركات في أحد النظم الاقتصادية؟ إن التفاعلات بين كيانات تتسم في ذاتها بالتعقيد تؤدي بالتأكيد إلى تعقيد شديد للغاية، لكن لحسن الحظ، بقدر ما يتسم الأفراد عادة بالتقلب والإرباك وعدم القدرة على توقع تصرفاتهم، فعندما يجتمع الكثيرون منهم، يمكننا في كثير من الأحيان فهم المبادئ التنظيمية الأساسية لهم مع تجاهل الكثير من التفاصيل المعقدة. هذا هو الجانب الآخر للأنظمة المعقدة؛ ففي حين أن معرفة القواعد الحاكمة لسلوك الأفراد لا تساعد بالضرورة في التنبؤ بسلوك حشد منهم، فقد يمكننا التنبؤ بسلوك هذا الحشد نفسه دون معرفة الكثير عن الخصائص والشخصيات المتفردة للأفراد الذين يتكون منهم الحشد.
هذه قصة مختلقة توضح تلك النقطة الأخيرة: منذ بضعة أعوام في المملكة المتحدة، احتار المهندسون بأحد مرافق الطاقة من حالات تصاعد متزامنة غريبة في استهلاك الطاقة، انتشرت في الكثير من أجزاء الشبكة المحلية في آن واحد، مما تسبب في إنهاك قدرتها الإنتاجية على نحو خطير، وإن كان ذلك لبضع دقائق فقط في المرة الواحدة. وأخيرا، توصل أولئك المهندسون إلى السبب وراء ذلك عندما أدركوا أن أسوأ حالات هذا التصاعد حدثت أثناء بطولة كرة القدم السنوية، التي يتسمر خلالها الجميع أمام أجهزة التليفزيون. وفي فترة الاستراحة بين الشوطين، كانت هذه الجموع من مشجعي كرة القدم ينهضون من فوق أرائكهم، في آن واحد تقريبا، ويضعون الغلاية على النار لإعداد كوب من الشاي. ومع أن البريطانيين - كأفراد - على القدر نفسه من التعقيد الذي يتسم به غيرهم، فليست هناك حاجة لمعرفة الكثير عن كل منهم للتوصل إلى سبب حالات التصاعد في الطلب على الطاقة، سوى أنهم يحبون كرة القدم والشاي، وفي هذه الحالة، يعد التمثيل البسيط للأفراد كافيا.
لذا، في بعض الأحيان، يمكن أن تؤدي التفاعلات بين الأفراد داخل نظام كبير إلى قدر أكبر من التعقيد مقارنة بما يعكسه الأفراد أنفسهم، وأحيانا أقل. وفي كلتا الحالتين، يمكن أن يكون للأسلوب المحدد الذي يتفاعلون به نتائج شديدة التأثير على الظواهر الجديدة - بدءا من علم الوراثة السكانية، مرورا بتزامن وقوع الأحداث في العالم، وصولا إلى الثورات السياسية - التي يمكن أن «تظهر» على مستوى المجموعات أو الأنظمة أو السكان. لكن كما هو الحال في الانهيار التتابعي لشبكة الطاقة الكهربائية، فإن التعبير عن ذلك بالكلام أمر، وفهمه بدقة أمر مختلف تماما. فعلى وجه التحديد، ما الذي يجب أن ننتبه إليه في نماذج التفاعل بين الأفراد داخل النظم الكبيرة؟ لا يملك أحد الإجابة عن هذا السؤال بعد، لكن عددا متزايدا من الباحثين في السنوات الأخيرة تتبع خيطا جديدا مبشرا في هذا الشأن . وينبثق عن هذا العمل - الذي يقوم في حد ذاته على عشرات السنين من النظريات والتجارب في كل المجالات، بدءا من الفيزياء ووصولا إلى علم الاجتماع - علم جديد، ألا وهو علم الشبكات. (2) الشبكات
بطريقة ما، ليس هناك ما هو أبسط من الشبكات؛ فعلى المستوى المجرد تماما، ليست الشبكة سوى مجموعة من الأشياء المرتبطة بعضها ببعض على نحو ما، ومن ناحية أخرى، فإن التعميم المطلق لمصطلح «الشبكة» يجعل من الصعب تحديدها بدقة، وهذا أحد الأسباب وراء كون علم الشبكات مجالا بحثيا مهما. يمكن أن نتحدث عن أفراد في شبكة من الأصدقاء أو مؤسسة كبيرة، أو موجهات البيانات على امتداد البنية الأساسية للإنترنت، أو الخلايا العصبية في المخ؛ كل هذه الأنظمة شبكات، لكنها جميعا متباينة تماما من ناحية أو أخرى. ومن خلال تطوير لغة للتحدث عن الشبكات تتسم بالدقة الكافية، ليس فقط لوصف ماهية الشبكة، بل أيضا لوصف الأنواع المختلفة للشبكات الموجودة في العالم، يضفي علم الشبكات على المفهوم قوة تحليلية حقيقية.
لكن لماذا يعد هذا الأمر جديدا؟ يمكن لأي عالم رياضيات أن يخبرك بأن الشبكات درست كموضوعات رياضية تحت اسم «الرسوم البيانية» منذ عام 1736، وذلك عندما توصل ليونهارت أويلر، أحد أعظم العلماء في تاريخ الرياضيات، إلى أن معضلة اجتياز الجسور السبعة لمدينة كونيسبيرج البروسية دون عبور الجسر نفسه مرتين، يمكن صياغتها في صورة رسم بياني (وقد أثبت، بالصدفة، أنه يستحيل فعل ذلك، وكانت تلك أول مبرهنة في نظرية الرسم البياني). خطت نظرية الرسوم البيانية منذ عهد أويلر خطوات ثابتة نحو التطور لتصبح فرعا رئيسيا من فروع علم الرياضيات، وامتد أثرها إلى علم الاجتماع وعلم الإنسان وعلم الهندسة والكمبيوتر والفيزياء والأحياء والاقتصاد، فصار لكل مجال صيغته الخاصة من نظرية الشبكات، مثلما لديه وسيلته الخاصة لتجميع السلوك الفردي في صورة سلوك جمعي. إذن لماذا لا يزال هناك من الأمور الجوهرية ما يحتاج إلى الكشف عنه؟
النقطة المحورية هنا هي أنه في الماضي، كان ينظر إلى الشبكات على أنها «بناء خالص»، سماته «ثابتة مع الوقت »، وهذان الافتراضان بعيدان تماما عن الصحة؛ فأولا: تمثل الشبكات الحقيقية مجموعات من المكونات الفردية التي «تفعل شيئا ما» في الواقع؛ تولد طاقة أو ترسل بيانات أو تتخذ قرارات. ومع أن بنية العلاقات القائمة بين مكونات إحدى الشبكات مثيرة للاهتمام، فإن أهميتها ترجع في المقام الأول إلى أنها تؤثر إما على سلوك أفرادها أو سلوك النظام ككل. ثانيا: الشبكات كيانات ديناميكية، ليس فقط لأن ثمة أمورا تحدث في النظم المتصلة بشبكات، بل أيضا لأن الشبكات نفسها تتطور وتتغير مع الوقت، مدفوعة بالأنشطة أو القرارات الصادرة عن هذه المكونات ذاتها، ومن ثم، في العصر المتشابك، «يعتمد ما يحدث وكيفية حدوثه على الشبكة»، والشبكة بدورها تعتمد على ما حدث من قبل. وهذه النظرة للشبكة - باعتبارها جزءا لا يتجزأ من نظام مشكل لذاته دائم التطور - هي الجديد حقا بشأن علم الشبكات.
لكن فهم الشبكات على هذا النحو الأشمل يعد مهمة فائقة الصعوبة، وهي ليست معقدة بطبيعتها فحسب، بل تتطلب أيضا أنواعا مختلفة من المعرفة المتخصصة التي تنتمي إلى تخصصات أكاديمية منفصلة، بل وفروع معرفية منفصلة أيضا. يملك علماء الفيزياء والرياضيات مهارات حسابية وتحليلية مذهلة، لكنهم لا يقضون قدرا كبيرا من الوقت في التفكير في السلوك الفردي أو الحوافز المؤسسية أو الأعراف الثقافية، في حين يفعل ذلك متخصصو علم الاجتماع وعلم النفس وعلم الإنسان. وعلى مدار نصف القرن الماضي أو أكثر، أخذ هؤلاء يفكرون في العلاقة بين الشبكات والمجتمع على نحو أكثر عمقا ودقة، مقارنة بأي شخص آخر، وهو التفكير الذي صار ينطبق الآن على مجموعة مذهلة من المشكلات، بدءا من علم الأحياء ووصولا إلى الهندسة، لكن في ظل الافتقار إلى الأدوات البراقة الخاصة بعلماء الرياضيات، تعثر المشروع الضخم لمتخصصي العلوم الاجتماعية عقودا من الزمان.
لذا، إذا قدر لعلم الشبكات الحديث النجاح، فيجب أن يجمع من كل فروع المعرفة الأفكار الملائمة والأفراد الذين يفهمونها. باختصار، يجب أن يصبح علم الشبكات انعكاسا لموضوعه، بمعنى أن يكون شبكة من العلماء يتوصلون معا إلى حلول لمشكلات لا يمكن لفرد واحد - أو حتى فرع واحد من فروع المعرفة - حلها. إنها مهمة مخيفة يزيد من صعوبتها تلك الحدود الراسخة التي تفصل العلماء بعضهم عن بعض. إن لغات فروع المعرفة المتعددة مختلفة تماما، وكثيرا ما نجد نحن العلماء صعوبة كبيرة في فهم بعضنا البعض، وتتسم اتجاهاتنا أيضا بالاختلاف؛ لذلك يجب على كل منا أن يتعلم ليس فقط كيف يتحدث الآخرون، بل أيضا كيف يفكرون. لكن هذا ما يحدث بالفعل، فقد شهدت السنوات القليلة الماضية زيادة مهولة في الأبحاث، والاهتمام بجميع أنحاء العالم؛ سعيا للعثور على نموذج جديد لوصف عصرنا المتشابك وتفسيره، ومن ثم فهمه، لكننا لم نصل إلى تلك المرحلة بعد، ولا حتى اقتربنا منها، وإن كنا نحقق تقدما مثيرا إلى حد ما، كما هو موضح في الصفحات التالية. (3) المزامنة
Shafi da ba'a sani ba