Damir: Gabatarwa Mai Gajarta
الضمير: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
شكل 4-2: د. بي سي تشانج من الصين، نائب رئيس اللجنة، يحيي السيدة إلينور روزفلت من أمريكا، رئيسة لجنة حقوق الإنسان، وذلك في الجلسة الأولى للجنة الصياغة الخاصة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ليك ساكسس، نيويورك، 9 يونيو 1947.
2
وإذا وضعنا في الاعتبار تنوع ثقافات العالم واللغات التي تعبر عنها، فإن مطمح التوصل إلى تعريف ومقياس معترف به عالميا للضمير لن يتحقق أبدا، حيث تعتمد مزاعم لعالميته على الإيمان العاطفي الوهمي بالطبيعة البشرية المطلقة المتماثلة في كل العصور والمجتمعات. واستجابة لتلك الافتراضات المطلقة، وخاصة تلك التي صيغت وانتشرت أولا في الغرب، أثار أشخاص من ثقافات مختلفة مجموعة من الاعتراضات، بعضها لغوي كما في الفجوة البسيطة بين الضمير والليانجزين، لكنها ليست لغوية فحسب؛ فاللغة تحدد الثقافة وتتحدد عن طريقها، والبعض الآخر يعود إلى التاريخ السحيق للضمير مستنكرا ارتباطه التقليدي بالقيم المسيحية. أما الاعتراضات الأخرى المنتبهة إلى الميراث الأقرب الخاص بالعقلانية في عصر التنوير فهي تنتقد النزعة إلى الأفكار الغربية المتعلقة بذكر «الحقوق» بصورة عامة ومطالبات الضمير بصورة خاصة نيابة عن الفرد المستقل. وينشأ ذلك القلق خوفا من أن يؤدي فقد التوازن بين الحقوق والحريات الفردية إلى الاستخفاف بحقوق المجتمع ككل - وخاصة تلك الحقوق الجمعية التي تقوم على ممارسات ثقافية أو دينية تقليدية - لكنه يصبح أكثر حدة عندما تسعى البلدان الغربية إلى تصدير أفكارها حول الحريات الفردية وحقوق الضمير إلى البلدان الأخرى. وكما لاحظ آر بانيكار فإن تشريعات حقوق الإنسان غالبا ما ينظر إليها أفراد المجتمعات غير الأوروبية بوصفها تثار «من أجل تبرير انتهاك حرية شخص آخر».
لو افترضنا أننا نعترف بحقيقة مخجلة: وهي أن أي تأكيد لحقوق الضمير يعتمد على الأرجح على مبادئ نسبية تحددها الثقافة وليس على مبادئ مطلقة عالمية مهما بدت مقبولة. لا تختفي تلك المشكلة عندما يضيق مجال النشاط المستند إلى الضمير من الدول والثقافات المتنافسة إلى موضوعات متعلقة بالخيارات الفردية في مجتمع محدد متجانس نسبيا، وأود التأكيد على «التجانس النسبي»؛ وذلك لأن كل دولة أو كيان سياسي أو حتى حي سكني يضم أفكارا ثقافية متفاوتة ومتنافسة تشتق منها مفاهيم مختلفة للسلوك المبني على الضمير. وإذا كانت الدول والثقافات تمتلك وجهات نظر مختلفة في الاختيار طبقا لما يمليه الضمير، فنفس الأمر ينطبق على اللاأدري الغربي والمسلم السني، أو على الكويكري المؤيد للسلام وأحد حاملي السلاح من الجمعية الوطنية الأمريكية للبنادق المناصرة لحقوق حاملي السلاح، حتى عندما يتعايشون جنبا إلى جنب.
وإذا نحينا جانبا مسألة الاختلاف الثقافي، علينا الاعتراف بوجود عقبة أخرى أمام القبول بزعم عالمية الضمير؛ فمهما كان الضمير حسن النية فإنه يخطئ أحيانا، وهو ما فكر فيه القديس توما الأكويني: فهبة الله المتمثلة في التمييز العقلي لا تخطئ، لكن الضمير الذي يجب عليه أن يتخذ قرارات عملية صعبة في العالم يخطئ طوال الوقت، بل إنه يساعد أحيانا على الهرطقة بطريق الخطأ. وفي قصيدة «الفلاح بيرس» التي تعود للعصور الوسطى، يرتكب الضمير الخطأ الكارثي المتمثل في السماح للرهبان بدخول قلعة الوحدة، وينتهي به الأمر مضطرا إلى خوض الطريق باحثا عن الحقيقة وحده. ويتعثر الضمير المعاصر المثقل بالعاطفة والمفسد بالتفسيرات الأخلاقية البرجوازية في المنطق المخطئ والتسويات الأخلاقية. وقد رأينا بالفعل وصف مارك توين المميز لهاكلبيري فين وهو يوبخ نفسه شاعرا بتأنيب الضمير - وإن كان شعورا خاطئا - نظرا لقيامه بمساعدة العبد الهارب جيم. وهناك بالطبع أيضا تلك الأحداث التي لا يقبل فيها الضمير بتسوية مذلة فحسب، بل إنه أيضا يحرض على ارتكاب جريمة ويخطئ الهدف تماما. وقد يجيب المرء قائلا إن تلك الحالات للضمير الخاطئ لا تمثل الضمير على الإطلاق، لكنها مجرد صورة مزيفة خيالية منه، لكن الحقيقة القاسية تتمثل في أن أحكام الضمير ليست صحيحة أو صالحة طوال الوقت، فمن أشهر الأمثلة الصارخة التي لا تحتاج إلى ذكرها والتي خرج فيها الضمير عن السيطرة كما أوضحت هانا آرندت أن النازيين لم يكونوا يعانون من أية مشاكل مع الضمير على الإطلاق، بل إنهم كانوا يعتبرون أنفسهم ذوي ضمير «سليم» أو حي، وهو الضمير الذي - على الأقل من وجهة نظر البعض - وافق على أفظع انتهاكاتهم.
وكثيرا ما تختلط أحكام الضمير مع الخيارات والأفعال الدنيوية التي تستند إلى الضمير، ومن الخطأ الفادح أن نصر على أن كل خلاف يمكن حله ب «ورقة الضمير». وليس هذا انتقاصا من قيمته الأخلاقية، أو الحافز الإيجابي للجدية الأخلاقية الذي تقدمه مطالب الضمير. لكن يفضل أن يعتبر الإصرار على «حق» التصرف طبقا للضمير نقطة بداية للتفاوض وليس محطته النهائية.
تعزيز مطالب الضمير
بناء على مجال المطلب وطبيعته، يحتمل أن تحقق بعض التأكيدات على حقوق الضمير أهدافها أكثر من البعض الآخر. ويعتبر الاعتراف المتعقل بالعجز الذاتي أحد الطرق التي تضمن الالتزام الأمثل بمطالب الضمير، فعندما يؤكد الإعلان أن «لكل شخص الحق في حرية الفكر والضمير والدين»، فهو يشير إلى أمور تتعلق بالاعتقاد الداخلي وليس إلى الإجراءات المتخذة في العالم. ولم يعد هناك من يعترض على حق الفرد في تلك الحرية الداخلية، فعندما أكد جون لوك أن «حرية الضمير حق طبيعي لكل إنسان»، كان يشير إلى حرية الفكر والاعتقاد الداخلي (وليس الفعل)، ويبدو أن هذا التأكيد لا يمكن دحضه اليوم.
لكن حتى تلك المعركة البدائية نسبيا ما زالت في انتظار الحسم. وفي حقيقة الأمر، فعلى الرغم من أن دفاع لوك عن الضمير كان مقتصرا على المعتقدات وليس الأفعال، فإنه قد سمح ببعض القيود الجادة، فهو لم يضع - على سبيل المثال - أية بنود خاصة بالحقوق الطبيعية للمرأة، وأكد على إنكاره لمزايا التسامح الديني الممنوحة للمسلمين والملحدين على حد سواء. وعلى الرغم من أن معتقدات المرء «الداخلية» قد تبدو لأول وهلة أمرا شديد الخصوصية، فإن الدول التي اتبعت سياسة الإكراه قد أثبتت مرارا وتكرارا مهارتها في صياغة أقسام الولاء والطقوس المطلوبة من أجل إبراز تلك المعتقدات والضغط عليها. ويعد المثال الخاص بسلطة الدولة الرومانية التي كانت تطلب من المسيحيين الأوائل تقديم القرابين للآلهة التقليدية حتى تكتشف ميولهم الداخلية مثالا شهيرا على هذا الانتهاك. وفي روايته التي تحمل عنوان «ظلام في الظهيرة»، ألح المؤلف المناهض لستالين آرثر كوستلر في الكتابة عن «المحاكمات الصورية» السوفييتية ونجاح تقنيات الاستجواب السابقة على المحاكمة في تبديد الثقة بالنفس عن طريق مهاجمة أسس الاعتقاد المستقل. وما زال الاعتراف والإنكار تحت الإجبار منتشرا في المجتمعات المعاصرة، وهو يمارس حاليا في إيران وكوريا الشمالية ودول أخرى معادية للمعتقدات الخارجة عن المألوف. ونتيجة لذلك، ما زالت حتى أبسط الحقوق الخاصة بالاعتقاد الشخصي موضع خلاف بصورة أخطر مما يتصوره البعض، وما زال الدفاع عنها يتطلب حذرا مستمرا.
لكن الاختبار الحقيقي لمبادئ الإعلان يكمن في الخطوة التالية: عندما تجلب حقوق الضمير إلى نطاق السلوك العام (في مقابل السلوك الخاص المحض). وعلى الرغم من أن القليل يعترضون على الحق المطلق للفرد أو الجماعة في الاعتقاد طبقا لما يمليه الضمير، فإن الأفعال المرتكبة طبقا لما يمليه الضمير تثير مشكلات أكثر تعقيدا؛ فالأفعال تؤثر على الآخرين؛ وبناء على هذا التأثير قد لا يمكن اعتبار الفعل حقا قابلا للتطبيق.
Shafi da ba'a sani ba