Damir: Gabatarwa Mai Gajarta
الضمير: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
وقد تناول إيمانويل كانت هذه الفكرة باختصار مقتصد في كتابه الذي يحمل عنوان «ميتافيزيقا الأخلاق» (1797). ومن وجهة نظره، فالضمير يدير «محكمة داخلية في الإنسان»، مخاطبا إياه بصوت لا يملك حتى الفاسد إلا أن يستمع إليه، وهذا الصوت يعبر عن نزوع الإنسان لإصدار الأحكام، وهو مندمج في كيان الإنسان نفسه، لكن المشكلة في ذلك الصوت وفي المحكمة الداخلية بالكامل أن المرء لا يمكنه الحكم على نفسه بموضوعية، ولا يمكنه أداء أدوار المدعي وهيئة المحلفين والقاضي الحاسم دون أن يحدث تضارب في المصالح. ونظرا لصعوبة تقييم المرء لسلوكه، عليه أن يضمن وضعا مميزا خارج نطاق الاختيار الشخصي يمكن تقييم هذا الخيار منه. والحل الذي يقترحه كانت هو القول بأنه على الرغم من أن مسألة الضمير تخص المرء وحده، فإن نتائجها يجب أن تعتبر كما لو كانت خاصة بشخص آخر:
نظرا لأن المهمة التي تقع على عاتق ضمير المرء هي أن يفكر في شخص آخر بخلاف ذاته ... بوصفه حكما لأفعاله حتى لا يتعارض الضمير مع نفسه.
وهذا «الشخص الآخر» في النهج الذي يسير عليه كانت قد يكون حقيقيا أو مجرد شخص خيالي ينسجه العقل من وحي خياله، ويعد أعظم تجسيد له هو الله، لكن بوصفه مبدأ شخصيا وليس كيانا مستقلا بذاته:
يجب أن يعمل ذلك الشخص الخيالي (الحكم المعتمد للضمير) على تحري القلوب، فالمحكمة قد نصبت «داخل» الإنسان، لكنه أيضا عليه أن «يفرض كل الالتزامات»، أي أن يكون - أو يعتبر - شخصا تنسب إليه كل الواجبات أيا كانت باعتبارها أوامره ... ولما كان ذلك الكيان الافتراضي كلي القدرة هو الله، يجب أن يعتبر الضمير هو المبدأ الشخصي المسئول أمام الله عن كل أفعال المرء.
وعلى الرغم من ذلك فهو يؤكد أن هذا مبدؤنا، ونحن ننشئه بأنفسنا: «في حقيقة الأمر فإن المفهوم الأخير متضمن دائما ... في الوعي الذاتي الأخلاقي الخاص بالضمير.» وعلى الرغم من أننا نجتهد داخليا كي ننشئه، فإن هذا المفهوم النقدي يعتمد على مواد خارجية عن أنفسنا؛ ومن ثم فإنه وسيلة يتدفق بها الإجماع الاجتماعي والقيم الجماعية المشتركة عائدين إلى تقييم الاختيار أو الفعل الشخصي. «محكمة» الضمير
في محكمة إنجلترا العليا التي يطلق عليها أيضا محكمة الضمير، يمكن دراسة كل وقائع القضية بقدر أقل من الإجراءات القانونية الشكلية. وهذا الارتباط بين المحكمة والضمير له إيحاءات عديدة. وأيا كانت نقائصه (اقرأ «المنزل الكئيب»!) فإن نظام العدالة في أفضل حالاته - مثله مثل الضمير في أفضل حالاته - يسعى إلى تحقيق التوازن بين الصرامة والرحمة. وقد كثرت التشبيهات القضائية على مدى تاريخ الضمير، حيث وظف الضمير مفاهيم الدفاع والمقاضاة وحكم المحلفين والحكم النهائي لتوضيح إجراءاته.
كان الضمير لدى الرومان وثيق الارتباط بالمحاكمات القضائية، ففي أحد مرات ظهوره الأولى في المسيحية يبدي الضمير استعداده «للشهادة» على صفاتنا الداخلية (رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس، الآية 12 من الإصحاح الأول). ويتخيل كالفن والبروتستانتيون الأوائل الضمير شاهدا ملكا لا يعرف الصفح يلقي القبض على المذنبين و«يسحبهم بوصفهم متهمين إلى قفص المحاكمة أمام الله.» وينقل السير توماس براون الدعوى القضائية إلى الداخل، متخيلا «محكمة قائمة داخلنا تقوم بالاستجواب وتصدر أحكام البراءة والإدانة في محكمة الذات». ويضيف جوناثان سويفت إلى الاستعارة قائلا إن الضمير «يمكن أن يطلق عليه بدقة مدعيا وقاضيا في الوقت ذاته»، وفي حقيقة الأمر هو ليس مجرد مدع، لكنه مدع مخيف، «فعندما يتهمنا ضميرنا نكون بالطبع مذنبين». ويرى إيمانويل كانت الضمير أيضا قاضيا، لكن مخاوفه تكمن في الاتجاه المضاد، فهو يخشى أن تشجع المصلحة الشخصية على التساهل الزائد: «فإذا اعتبرنا أن ثمة إنسانا يتهمه ضميره وهو في الوقت ذاته القاضي، فتلك طريقة عبثية لتمثيل المحكمة، فبهذه الطريقة سوف يخسر المدعي طوال الوقت.» ويتمثل الحل لديه في إعادة تسوية الملعب عن طريق دعوة صاحب الضمير إلى أن يفكر في «شخص آخر غير نفسه كي يكون حكما على أفعاله».
إن الضمير مثل السلطة القضائية المستقلة؛ فلا نستطيع أن نتأكد من حكمه أبدا، لكنه يمثل غاية آمالنا لجلسة استماع عادلة والحصول على البراءة في نهاية الأمر.
كان الشخص الذي وضع كل ذلك على أساس اجتماعي بطريقة لطيفة، وهو أساس لا يحتاج إلى إنكار مشاركة الله في الشئون المتعلقة بالضمير لكنه لا يتطلب إطلاقا حضور الله - هو الفيلسوف الاسكتلندي آدم سميث. كان سميث معاصرا لكانت وأصغر منه قليلا، ويمكننا أن نجد نموذجا سابقا لنظرة كانت للضمير بوصفه مشاهدا موضوعيا في كتاب سميث الذي يحمل عنوان «نظرية المشاعر الأخلاقية» (1759)، وهو عمل كان كانت قد اطلع عليه بالطبع. ويعتبر سميث زعيم التغيير الجريء في أي تاريخ ناشئ للضمير؛ حيث وسع من مجاله عن طريق إعادة تأسيسه بناء على الحكم الأخلاقي والتعبير عن نظام للضمير مستقل تماما عن العقوبة الدينية. ولا يستبعد سميث الإله تماما من نظامه، لكنه يقدمه في صورة ضعيفة لا تتيح له السيطرة مستقلا فيما يتعلق بأحكام السلوك البشري، وهو يقر بأن حتى المشاهد الموضوعي - أو «نصف الإله الذي يكمن داخل النفس» - أحيانا ما يخجل من الاستنكار العام لأفعال المرء.
وفي تلك الحالات، يكمن العزاء الفعلي الوحيد للإنسان الذليل المعذب في الاستئناف أمام محكمة أعلى، أمام قاضي العالم البصير بكل شيء الذي لا يمكن خداعه أبدا.
Shafi da ba'a sani ba