Damir: Gabatarwa Mai Gajarta
الضمير: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
ضمير «إصلاحي»؟
في حالتي هنري ومور نجد معاصرين لهما يشتركون في الإيمان بكلمة «الضمير» لكنهم يعنون بها أمورا مختلفة. وقد أكد كل من هنري وكرومويل - خليفة مور - وإنجيليو منتصف القرن المحيطين بإدوارد السادس - ابن هنري - تأكيدا غير مسبوق على الطبيعة الداخلية المتفردة والمتشددة لمتطلبات الضمير الشخصي. كان لدى هنري أسبابه كي يفضل نزعات ضميره الخاص، لكن معاصريه وخلفاءه الأكثر تعصبا طوروا الاعتماد على الضمير الخاص إلى هوية عامة جديدة مولعة بالمظاهر نوعا ما. هل تعبر تلك الهوية عن ضمير «بروتستانتي» أو «إصلاحي» مميز؟ ربما كان الأمر كذلك، بل أكثر من ذلك لأن هذا الضمير يدعمه ويضيف إليه المثال الأوروبي.
يمكن تلخيص التيار القوي من الاهتمام البروتستانتي بالضمير والذي يتدفق في اتجاه إنجلترا، في كتابات مارتن لوثر الذي يؤكد تأكيدا قاطعا على الضمير الشخصي، وقد ركز على هذا التأكيد في إعلانه الشهير عام 1521 في مدينة فورمس الذي أعلن فيه أن ضميره لا يخضع سوى لكلام الله مضيفا: «لا أستطيع أن أتراجع عن أي شيء مما قلته ولن أفعل، فمعارضة الضمير ليست أمرا آمنا ولا فاضلا .» وجدير بالذكر أن فكرة أن يكون الإنسان استنتاجا شخصيا خاصا بالضمير بناء على كلام الله الموجود في الكتاب المقدس فحسب؛ ومن ثم يتخطي سلطة الكنيسة تماما - من الصعب أن تمر دون ملاحظة. وفي حقيقة الأمر، ففور أن تحدث مارتن لوثر هتف يوهان إيك أمين الاجتماع، طبقا لروايته عن هذا الموضوع قائلا: «فلتنح ضميرك جانبا يا مارتن! عليك أن تنحيه جانبا لأنه مخطئ.» لم يكن خلاف إيك بالطبع مع الضمير بمفهومه التقليدي، لكن مع مفهوم جديد ضار للضمير بوصفه مرشدا شخصيا شديد الخصوصية للسلوك. ولما كان لوثر واثقا في صحة موقفه طبقا للكتاب المقدس، فلم يكن لديه النية لتنحية ضميره جانبا.
لم يكن الخلاف مع قراءة الإنجيل ذاتها، لكن مع إصرار لوثر على حقه في تكوين استنتاجاته الخاصة حول توصياته. وتجنب لوثر منهج الإيمان بالذات عن طريق قبول نص الكتاب المقدس بوصفه «أداة تحكم» خارجية، لكنه أصر على حقه في تفسير نص الكتاب المقدس. وكان ما أصاب ممثلي البابا بالضيق هو رفضه منح السلطات الوسيطة - مثل استنتاجات المجالس والمجامع الكنسية - أي دور تحكيمي في العلاقات بين الله والإنسان. كان لوثر يعلن مولد فهم جديد للضمير، تحول من الضمير الملتزم تجاه المؤسسات في الكاثوليكية إلى ما يمكن أن يطلق عليه الضمير «الإصلاحي» الذي لا يلتزم بأي شيء سوى بتواصله المباشر مع الله فحسب كما هو موضح في الكتاب المقدس. ويعني هذا الإصرار على التفسير الشخصي بدلا من التفسير المؤسسي أو الجمعي للكتاب المقدس أنه لن يكون ملتزما على الإطلاق من وجهة نظر ممثلي الكنيسة الرومانية ذوي التفكير المؤسسي. وهكذا ففي كتابه الذي يحمل عنوان «حول عبودية الإرادة» الذي صدر عام 1525 وكان جزءا من سجاله ضد أحد رواد الحركة الإنسانية الكاثوليكي إراسموس، يصر لوثر على أن «الضمائر لا يقيدها سوى أمر من الله، وهكذا يصبح استبداد البابوات وتدخلهم ... لا مكان له بيننا». وكان الأمر الحاسم بالنسبة للوثر يتمثل في أن النفحات المباشرة للروح القدس قائمة على الاختيار الحر وليست آمرة، بينما احترام إراسموس للمؤسسات - سواء أكانت كنائسية أم سياسية - لا يفهم منه سوى التقييد: «فالقوانين البشرية لا يمكن اتباعها مع أوامر الله؛ لأن الأولى تقيد الضمائر، أما الثانية فهي تحررها.»
شكل 1-3: مارتن لوثر في فورمس.
3
ولم تنتقص الادعاءات البروتستانتية بشأن الضمير بالطبع من ولاء الكاثوليكيين لفهمهم الخاص لنفس المفهوم. لكن الآراء التي يطلق عليها «كاثوليكية» و«بروتستانتية» بدأت تتباعد؛ حيث ادعى كل من إراسموس الكاثوليكي ولوثر البروتستانتي أن «الضمير» هو ما فوضهما لتفسير الكتاب المقدس، ومن ثم فهو البوصلة التي يسترشدان بها في الحياة. إلا أن لوثر يرسخ الادعاء الإنجيلي المعتاد بأن الضمير الشخصي هو أساس تفسيره للإنجيل، بينما يزعم إراسموس، على نحو لا يخلو من المعقولية، أن ممارساته التفسيرية تعتمد على الضمير وعلى القدرة على التمييز على حد سواء. ويرى إراسموس (بالإضافة إلى توما الأكويني وعظماء آخرين في اللاهوت الكاثوليكي) الضمير مرتبطا بالحفاظ على القانون الأخلاقي، وهي ملكة فطرية تتعلق بالاختيار العقلاني من بين الخيارات المتنافسة. لكن لوثر لا يعتقد ذلك، فالضمير لديه كشرارة البرق، أي إنه رسالة استثنائية حارقة من الروح القدس تغير حياة المرء، وهي رسالة بالكاد يتحملها الإنسان (ويتضح ذلك بشدة لدى كالفن). ويؤكد لوثر - على النقيض من إراسموس - أن «الروح القدس ليس متشككا، وهو لم يضع في قلوبنا الشكوك أو الأفكار فحسب، لكنه وضع تأكيدات أكثر يقينا من الحياة ذاتها ومن كل التجارب التي مررنا بها».
شكوك حديثة
لكن الضمير الإصلاحي اصطدم بشكوك ومصاعب في نفس لحظة انتصاره الواضح. فقد كان تحرير الضمير البروتستانتي من قيود المسلمات والعقيدة الجمعية بالطبع ذا دلالات توحي بالنصر (وتتضح الدلالات الموحية بالنصر في اللوحات المعاصرة للوثر وهو يقود الضمير المحرر حديثا بعيدا عن أنقاض الكنيسة الكاثوليكية). وما إن رسخت فكرة الضمير المستقل المستوطن - وربما المعصوم من الخطأ - حتى سقطت فريسة لمجموعة ضخمة من الشكوك وأوجه القصور الواضحة؛ حيث بدا فجأة للعديد من أقوى مؤيدي هذا الضمير الداخلي الشخصي أنه قد لا يكون معصوما من الخطأ أو كفئا لتحمل المسئوليات المبالغ فيها التي وقعت على كاهله. ويدور أحد التحديات - وهو تحد إنساني أكثر منه ديني - حول وقوع الضمير في شرك الجسد وحيدا. أما الضمير الإصلاحي الذي يتريث أكثر ويكمن على عمق أكبر، والذي يظل بطبيعته يقظا منعزلا في انتظار بيانات وتعليمات جديدة من الروح القدس، فكان غالبا ما يجد نفسه في موضع الجاسوس المنعزل الذي هبط بالمظلة في أرض العدو حاملا جهاز استقبال يلتقط الموجات القصيرة، وبطارية أوشكت على النفاد وظل ينتظر رسالة قد لا تأتي أبدا. وبصرف النظر عما قد يقال أيضا عن الضمير المؤسسي الخاص بالكنيسة الكاثوليكية، فهو لم يكن منعزلا قط ولا يفتقر إلى أدوات الدعم والتأييد الخارجية، سواء أكانت تاريخية أم مؤسسية أم داخلية. وفور أن تحرر الضمير نفسه من القيود اللاهوتية والكنسية وأصبح شخصيا تماما في عمله، تعرض لمجموعة متنوعة من الاختيارات والإغراءات. ولما كان الضمير الشخصي قد أضحى مرتبطا بفكرة الفرد غير المعصوم من الخطأ، فقد أصبح مشكوكا في أحكامه على أنها خداع الذات ونقص في العزيمة وشيء مشابه للفساد المادي.
لا تغيب هذه الشكوك الحديثة حول الضمير عن ملاحظة شكسبير القوية؛ فقد توصف «هاملت» عمليا بأنها مسرحية تدور حول كيفية عمل الضمير، وهو ليس وصفا مشجعا على الإطلاق. حيث يعاني كلوديوس من «سياط» الضمير لكنه لا يستطيع أن يتصرف طبقا له، ويصاب هاملت في النهاية بالعجز بسببه بدلا من أن يستمد منه القوة. وفي مناجاته الأشهر التي يوازن فيها بين العمل وفناء الذات، يتردد هاملت لخشيته مما بعد الموت:
Shafi da ba'a sani ba