وطال وقوفه إلى الساعة العاشرة والنصف حتى كاد يقنط من مجيء ذلك الرجل، وفيما هو ينتفض من البرد وقد فرغ صبره من الانتظار، إذ رأى من بعيد رجلين مقبلين على فرسين، يسير الواحد منهما وراء الآخر، وعلم أنهما خادم ومخدوم.
فما زالا يسيران حتى وصلا إلى المنزل المعهود ووقفا على بابه، فهلع قلب الكونت وبدأ يشعر بآلام الغيرة.
أما ذانك الرجلان فإن أحدهما الذي كان يسير أمام رفيقه ترجل عن جواده، فأعطى عنانه إلى رفيقه، وأمره أن يقف بالجوادين بعيدا عن المنزل؛ دفعا للمظان ونفيا للريب.
ثم أخذ مفتاحا من جيبه ففتح الباب وولج فيه وأوصده وراءه وصعد على السلم، وترجل الكونت دي باسي أيضا عن جواده، فربط عنانه إلى حجر ضخم تحت القبة وذهب إلى المنزل، ففتح الباب بتأن وسكينة، بحيث لم يسمع صرير المفتاح ضمن القفل.
ثم دخل ووقف في أول السلم ينصت عساه يسمع صوت هذا الرجل، ولم يطل وقوفه حتى سمعه ينقر على الباب بإصبعه وينادي امرأة اسمها جرتريدة فيقول: قولي لسيدتك يا جرتريدة إني قد أتيت، وإني أحب أن أراها.
وانطلقت الخادمة وعادت بعد حين قائلة له: ادخل وانتظرها في قاعة الاجتماع، فسوف تأتي إليك.
ودخل ذلك الرجل.
أما الكونت فإنه صعد السلم ببطء وسكينة حتى بلغ إلى آخره، فوجد أمامه غرفة لا نور فيها، ودفع بابها فإذا هو مفتوح، فولج إليها وأجال نظره فيها، ورأى من خلال نور ضعيف كان ينبعث من نافذة الغرفة المجاورة لها صورة معلقة على الحائط.
وتفرس بها فإذا هي نفس الصورة التي كان يحسب أنه رآها في حلمه، فوقف أمامها حائرا مبهوتا واجف القلب.
ثم بصر بسقف الغرفة فرأى فيه تماثيل تشبه تلك الخيالات التي كان يراها في الحلم تتعارك وتتراكض جيئة وذهابا، وتحول بينه وبين رسم من يحب.
Shafi da ba'a sani ba