81

Jini da Adalci

الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر

Nau'ikan

وفي 30 مايو 1667، كان كينج مستعدا لتجربة أخرى؛ وكانت التجربة هذه المرة بين خروف وكلب. إلا أن الأمور لم تجر على نحو جيد في هذه المرة. فعندما نقل دم الكلب إلى الخروف، لم يفعل الخروف سوى أن رقد في معاناة وصلت شدتها لدرجة أن كينج وجميع المشاهدين من أصدقائه ظنوا أنه على وشك النفوق. وكان استنتاجهم أنهم أعطوا الخروف جرعة زائدة من الدم تفوق ما يمكنه تحمله. ظلوا يشاهدون، وينتظرون، ثم عاد معظمهم إلى بيته. ومع قدوم اليوم التالي كان الخروف قد تعافى وراح يأكل التبن، رغم أنه بدا غير راغب في قضاء الوقت مع غيره من الخراف في الحظيرة. وبعد ثلاثة أيام نفق. أما تفسير الموت، فكان من الواضح - كما قال كينج - أن الخروف لم يكن بحالة جيدة قبل التجربة، رغم أنه رأى أن الكلب نفسه لم يكن في أحسن حال بسبب تجربة أخرى كان قد أجراها عليه في اليوم السابق!

رغم عدم النجاح، أصبح كينج أسيرا للفكرة، وكان حريصا على إعادة المحاولة في أقرب فرصة. وقد حدث ذلك في 9 يونيو 1667. ويبدو أن اتجاه دراسات كينج كان يفتقر إلى المنطق؛ إذ إنه بدلا من العمل على تحسين تقنيته، أدخل في دراساته نوعا آخر من الحيوانات، وكان ثعلبا. كانت فكرة نقل الدم من الحمل إلى الثعلب مثيرة لدرجة أن بويل حضر التجربة. كان الثعلب ضعيفا منذ البداية؛ لذا لم يخرج كينج منه كمية كبيرة من الدم قبل نقل الدم إليه. ولم تتحسن صحة الثعلب كثيرا بعد نقل دم الحمل إليه، وعندما أطلق سراحه جلس على نحو بائس على الأرض، وكان يرفع رأسه ويجأر ويعض العصي التي وضعت بالقرب منه وحسب. وبعد يوم مات الثعلب «وخرج من أنفه بعض الدم بعدما مات».

كشف تشريح الجثة أن التجويف الصدري والبطني للثعلب ممتلآن بسائل دموي، مما حدا بكينج إلى أن يتساءل عما إذا كان الاختلاف بين دم الحمل والثعلب كبيرا لدرجة تفاعلهما معا فأصبح الدم قليل التركيز. ولم يتمكن الدم الخفيف من الإبقاء على «روح» الثعلب ومن ثم ذهبت حياته. ربما لم يكن النجاح حليفا للفضوليين في إنجلترا، لكنهم كانوا على يقين من أن تجاربهم جعلتهم بلا شك أصحاب الريادة العالمية في ذلك المجال البحثي. وفي الوقت ذاته، كان كينج يأمل لعمله أن يجعله أحد منارات البحث العلمي في إنجلترا، ولربما تمنى أن ذلك كان يتيح له الانضمام إلى الجمعية الملكية المرموقة. لكن للأسف رغم كل تلك الجهود الحثيثة لم يحقق أي تقدم، ولم ينتخب زميلا للجمعية قط.

الفصل السادس

طريق دوني إلى القمة

كانت التواصل بين إنجلترا وفرنسا جيدا، وتتوافر لدينا جميع الأسباب التي تدفع للاعتقاد بأن العلماء الفرنسيين كانوا على علم بتجارب نقل الدم التي كان يجريها لوور وأصدقاؤه. وقرر الفرنسيون في سبيل العلم أنه إذا كانت هذه الطريقة جيدة كما يبدو فإن عليهم أن يجربوها بأنفسهم.

كانت محاولتهم الأولى في الأسبوع الأخير من ديسمبر عام 1666، عندما ترأس الطبيب الباريسي كلود بيرو فريقا صغيرا وجرب نقل الدم بين كلبين. وفي 22 يناير 1667، أجروا محاولة أخرى. وكان ذلك بعد سنوات قليلة من بدء بوتر ولوور أبحاثهما في أكسفورد وما حولها، لكن قبل أشهر قليلة من بداية كينج تجاربه في لندن. وتجمع في هذه المناسبة عدد من أعضاء الأكاديمية الملكية للعلوم المنشأة حديثا في مكتبة الملك وأحضروا معهم كلبين. وجرى تقييد الكلبين جيدا بطاولتين في محاولة لنقل الدم من شريان في ساق أحدهما إلى وريد في ساق الآخر. وبعد القليل من العبث والتلطخ بالدماء تماما، تراجع العلماء عن المحاولة ملقين باللوم على أدواتهم؛ إذ شكوا من أن القنيات (الكانيولات) لم تكن مصنوعة بالضبط كما طلبوا من الحرفي ومن ثم لم يكن لديهم أدنى فكرة عما إذا كان الدم يتدفق خلالها أم لا.

ولئلا يتم إرجاء التجربة اجتمع الأعضاء من جديد يوم 24 هذه المرة في منزل لويس جايانت وهو جراح باريسي مشهور. وكانت الأنابيب الجديدة لديهم أفضل بكثير، ونجحوا في توصيل الشريان السباتي في رقبة أحد الكلبين بالوريد الوداجي في رقبة الآخر. وتحقق الاتصال هذه المرة بوضوح حيث وجدوا الوريد الوداجي ينبض مع ضخ الدم الشرياني. ونفق الكلب المستقبل للدم في الحال، وعندما فتح صدره لدراسة السبب، وجد أن القلب والأوردة الرئيسية مليئة بالجلطات.

التقى أصحاب العقول المتسائلة مرة أخرى بعد يومين في مكتبة الملك من أجل إجراء محاولة جديدة. واستنتجوا أن الكلب المستقبل ساءت حالته على نحو أكبر من المانح، حتى مع فقدان المانح لكمية كبيرة من الدم بسبب «حادث» خلال العملية؛ ولا يحتاج الأمر لجهد كبير لتصور حجم الفوضى. وبالنظر إلى أن معظم أطباء باريس قضوا حياتهم المهنية في علاج الناس بالفصد، ليس من الغريب أنهم ظنوا أن الكلب المانح كان بحال أفضل من المستقبل. والأرجح في الواقع أن كلا الكلبين كان في حالة سيئة في النهاية؛ أحدهما بسبب رد الفعل العكسي للدم الغريب والآخر نتيجة فقدان الدم الحاد.

أجري آخر أربع محاولات لنقل الدم في منزل جايانت في 28 فبراير و3 و15 و21 مارس. ولم ينبهر منفذو التجربة كما لم ينبهروا قبلها. فقد كان الدم يميل إلى التجلط في أوردة المستقبل، ولم تكن الحيوانات في حالة جيدة بعد العملية إلا التي تلقت كمية صغيرة جدا من الدم.

Shafi da ba'a sani ba