55

Jini da Adalci

الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر

Nau'ikan

بدلا من ذلك، انضم بويل إلى فريق من أعضاء نخبة أكسفورد في ربيع 1656. وكان أحد أعضاء الفريق الشاب الرائع كريستوفر رين الذي طرد من كامبريدج في وقت سابق بسبب أصوله الملكية. وكان هذا هو الرجل نفسه الذي اشتهر لاحقا عندما أتاح له اهتمامه الثانوي فرصة العمر؛ فبعد حريق لندن الكبير أوكلت إليه مهمة تصميم مبنى جديد لكاتدرائية القديس بولس. لكن في تلك المرحلة العمرية كان هذا الشاب القصير ذو الشعر الأسود المنسدل أكثر ميلا ناحية شغفه الذي لازمه طيلة حياته بالتشريح والفلك. كذلك كان من ضمن نخبة أكسفورد رجل الدين والعالم جون ويلكنز الذي كان متزوجا لتوه من إحدى أخوات أوليفر كرومويل المترملات، والذي سينقل بعد ذلك الوقت بثلاث سنوات إلى كامبريدج على يد ريتشارد كرومويل ليصبح عميدا لكلية الثالوث.

لعدة سنوات كان تأييد عائلة كرومويل طريقا جيدا للنجاح؛ فقد أعدم الملك تشارلز الأول بضرب عنقه قبل ذلك بست سنوات؛ وبدت استعادة الملكية غير محتملة. ومن أجل موازنة الرهان حرصت عائلة بويل على تقسيم ولاء أفرادها بين المعسكرين الملكي والبرلماني.

التقى بويل ورين وويلكنز في يوم ما عند شقة بويل المفروشة في هاي ستريت بأكسفورد والمطلة على كلية بريزنوز ولا تبعد كثيرا عن مكتبة بودليان المشهورة بالفعل. كانت الشقة فوق صيدلية ميزها الهاون ويد الهاون المتدليان من أحد أعواد البلوط المتقاطعة التي تشكل سورا. فتح رين وويلكنز الباب الخشبي الثقيل ورحب بهما مالك الصيدلية جون كروس وهو رجل بدين في أواخر العقد الخامس من عمره يرتدي ذلك النوع من المعاطف ذات اللون البني الفاتح المقصوصة بإتقان التي كانت شائعة بين التجار الناجحين. وكانت صيدليته معرضا للأوعية الزجاجية اللامعة التي تحتوي على الصخور والمساحيق والأعشاب والتوابل؛ وكانت الأوعية مصفوف بعضها فوق بعض بعناية على أرفف من خشب الأرز.

أرشدهما كروس إلى الطريق، لكن لم تكن الإشارة ضرورية؛ فقد كان رين وويلكنز يعرفان إلى أين يذهبان؛ إذ لم تكن تلك الزيارة الأولى. عبر الاثنان الأرضية البلوطية ودلفا عبر باب وصعدا الدرج. كان بويل في انتظارهما - متأهبا - فقد اشترى كلبا صغيرا من السوق ذاك الصباح. وبعد عدد من المداعبات، شرع الثلاثة في العمل ، مرتدين مآزر فوق ملابسهم لتحميها من الرذاذ الحتمي الوشيك. أخرج رين البالغ من العمر 24 عاما ومساعدوه أحد الأوعية الدموية الكبيرة من الساق الخلفية للكلب، وربطوا حولها قطعة من الكتان. وأدى ذلك لغلق الوريد لكنه مكنهم من إمساكه بإحكام. وبعد أن «تجاوزوا المصاعب التي سببتها مقاومة الكلب المتألم» أدخلوا إبرة في الوريد وحقنوا مادة الأفيون بعد إذابتها في نبيذ أحمر. ويروي بويل ما حدث بعد ذلك قائلا إن الدورة الدموية نقلت الجرعة سريعا لدماغ الكلب وباقي أجزاء جسمه. وكان التأثير سريعا لدرجة أنهم لم يكادوا يفكون رباط قطعة الكتان حتى «بدأ مفعول الأفيون التخديري في الظهور، وبمجرد وقوف الكلب على قوائمه أخذ يومئ برأسه ويترنح ويتعثر في مشيته.» وفقد الكلب اتزانه لدرجة أن رين وبويل بدآ في المراهنة على كون الكلب سيبقى على قيد الحياة من الأساس. لقد كانت تلك أول حالة مسجلة يجري فيها حقن جرعة زائدة من عقار تخديري.

لكن الكلب ظل على قيد الحياة بل صار بدينا، ربما لأن الشهرة التي اكتسبها أدت إلى عدم توقف الناس عن إطعامه. لكن بويل يوضح في كتابته عن التجربة قائلا: «لكني لم أستطع مشاهدة أثرها عليه طويلا؛ فما لبث أن سرق مني بعد تلك الشهرة التي حظي بها نتيجة هذه التجربة.»

1

أحيانا ما يغتر الباحثون بأعمالهم، وأحيانا ما يشعرون بالخجل منها. أما رين فكان متواضعا؛ فلم يذع كثيرا من المزاعم المؤكدة، بل كتب لمعلم التشريح السابق السير ويليام بيتي الذي كان قد انتقل في وقت سابق إلى دبلن، فقد أرسل خطابا مع زميله روبرت وود الذي كان مرتحلا إلى المدينة نفسها طلبا للثراء. لم يكن قد مضى على تعيين بيتي طبيبا للجيش في أيرلندا وقت طويل، وكان رين متأكدا من أنه سيهتز طربا لمعرفة النجاحات التي حققها تلميذه. ووصف رين في الخطاب العمل الشيق الذي يجري في أكسفورد، فتحدث عن المجاهر والمناظير التي تتيح رؤية جديدة متميزة كاشفة للعمليات التي تدور في الكون بأكمله . وكتب عن تشريح الأسماك والديوك ودراسة الكبد والمخ والأعصاب. لم يكن أي من ذلك بالنسبة إلى رين بنفس أهمية التجربة الأكثر محورية التي جرى فيها حقن النبيذ والجعة في أوردة كلب. وكتب يقول: «لا يتسع المجال لأخبرك بتأثير الأفيون ونبات المحمودة وغيرهما من المواد التي جربتها بالطريقة نفسها. إنني مستمر في التجربة التي أرى أنها على أهمية كبيرة وأنها سيكون لها بالغ الأثر في نظرية الطب وممارسته.»

2

كانت الفكرة الرئيسية هي أن الحقن يمكن أن يكون وسيلة فعالة لإدخال المواد العلاجية إلى الدم. وكان من المعروف أن الأفيون مسكن فعال، وكان نبات المحمودة يشبه اللبلاب، وعند غليه في الماء ينتج ملينا قويا للأمعاء. ولم يستغرق الأمر طويلا قبل أن يدرك العلماء أن الأثر الفعال لم يكن قويا فحسب، بل إن التأثير نفسه كان ينتج من كميات أقل من اللازم يتم تناولها بالطرق التقليدية.

أجرى رين وأصدقاؤه - والحماس يملؤهم - مزيدا من التجارب. أجري عدد من هذه التجارب في منزل صديق قديم لهارفي هو هنري بييربوينت، أول نبلاء دورتشستر وأول زميل شرفي في الكلية الملكية للأطباء. أتاحت تلك التجارب لأفراد الفريق أن يتقنوا الأسلوب الذي يتبعونه، وسرعان ما استخدموا حوصلة مثبتة بإبرة بدلا من المحقن. وعلمتهم التجربة أن الكلب يجب أن يكون كبير الحجم ونحيلا لكي يمكنهم العثور على الأوردة التي يريدونها، ويتمكنوا من إدخال الإبرة بها. اندهش رين حينما وجد أنه بعد وهلة قصيرة من حقن «كمية كبيرة» من النبيذ والجعة في أوردة الكلب «ثمل الكلب إلى درجة قصوى، لكنه سرعان ما تخلص من أثرها عن طريق البول». وفي مواقف أخرى، ذكر رين أثر حقن أوقيتين من الزعفران، وهو صورة غير نقية من الأنتيمون يعمل عمل الملين والمقيئ في آن واحد. وما لبث الكلب بعد تناول هذا المقيئ أن بدأ في التقيؤ بقوة كبيرة جدا لدرجة أنه لفظ أنفاسه الأخيرة ومات.

Shafi da ba'a sani ba