Jini da Adalci
الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر
Nau'ikan
سيدي، يسعدني أن أكون في خدمتك دائما، إليك خالص تمنياتي، مع كل المودة.
فرانسيس بوتر
كيلمانتون، 7 ديسمبر 1652
رغم عدم النجاح، لم يستسلم بوتر بسهولة وتشجع على الاستمرار في المحاولة عندما أرسل إليه أوبري مشرط جراحة. وبعد عام كتب إلى أوبري مرة أخرى ذكر فيها أنه حسن طريقته وأنه يستخدم منفاخا صغيرا لجمع الدم. كما استعاض عن أنابيب العاج ب «القصبة الهوائية لبعض الحيوانات الصغيرة»، ملمحا إلى أنه حقق نجاحا هامشيا في إدخالها إلى أوردة حيوانين مختلفين ومبادلة دميهما. إلا أنه من غير المرجح أنه لاقى أي نجاح فعلي؛ ذلك أنه لم يكن هناك أي فرق في الضغط ليدفع الدم من أحد الحيوانين للآخر، بل الأرجح أن الأنبوب امتلأ ببطء ثم تجلط الدم به.
شكل 3-1: خطاب من فرانسيس بوتر إلى جون أوبري بتاريخ 7 ديسمبر 1652، مكتبة بودليان، أكسفورد، مخطوطة أوبري 6/إف 61 آر، وبه مخطط للوعاء الذي يشبه المثانة. نسخ بتصريح من مكتبة بودليان، جامعة أكسفورد.
كما تشير الطرق التي ذكرها خطاب بوتر أنه كان يحاول سحب الدم من الأوردة بينما كان يتجاهل الشرايين. ربما يرجع ذلك إلى أن الوصول إلى الأوردة أسهل، ولم تكن تنفجر بالدماء عند قطعها. ولسوء حظ بوتر فإن الأوردة التي تنقل الدم من الشعيرات إلى القلب ليس بها ضغط كبير يحرك الدم، ومن ثم تنغلق هذه الأوعية بسهولة. فلو كانت تجري داخل العضلات، لكان من السهل أن تنضغط وتنسد. أما جريانها على السطح تحت الجلد مباشرة فيبقيها مفتوحة. إلا أن سهولة انغلاق الأوردة كان يمثل مشكلة لرواد نقل الدم الأوائل؛ فإذا حاولوا استخدام إبر الحقن لسحب الدم من الوريد بسرعة كبيرة، انغلق الوريد نتيجة قوة الشفط. ومن هذا المنطلق، كان احتمال النجاح أكبر لو سحب الدم من الشرايين التي تمتلئ بضغط أعلى، ومن ثم فإنها أقل عرضة للانغلاق.
لم يكن رحيل بوتر نهاية التجارب في أكسفورد - بل كان الوضع أبعد ما يكون عن ذلك. لكن من بقوا في أكسفورد، اتبعوا مسارا مختلفا بعض الشيء في الدراسة؛ إذ أخذوا في البداية يجربون فكرة حقن محاليل داخل مجرى الدم. وكان بويل أحد أهم رواد المجال، الذي جاء إلى أكسفورد حوالي عام 1656؛ ولطالما كان مندهشا من احتمال أن يؤدي تلوث الجرح إلى إصابة الإنسان بالعجز. وتساءل كيف يمكن لخراج في اليد أو الساق أن يتسبب في معاناة الجسد بالكامل؟ ربما كانت دورة هارفي هي التفسير. فربما كان الجرح يطلق سموما في الدم، فينشرها الدم بدوره في جميع أجزاء الجسم. كان الوقت قد حان لإجراء التجارب.
أطعم بويل في البداية كلبا رأس أفعى وذيلها ومرارتها. وكانت هذه هي الأجزاء التي يعتقد أنها تحتوي على سم الثعبان. مع ذلك لم يتأثر الكلب؛ وكان هذا لغزا محيرا؛ إذ كان بويل مدركا تمام الإدراك أن عضة واحدة من الثعبان قاتلة؛ لذا لم تكن تلك الملاحظة منطقية عنده، فإذا كان الطعام يتحول إلى دم مباشرة فإن إطعام السم للكلب ينبغي أن يكون له ذات تأثير حقنه عن طريق أنياب الثعبان. وفي ذلك الوقت، كان هناك تصور ضئيل للغاية، إن وجد، عن عملية الهضم. فكانت المعدة - على حد علم الجميع - تذيب الطعام وتطحنه حتى يتحول إلى عجين سائل. ولم يفكر أحد في احتمال أن مكونات الطعام - التي نسميها اليوم الدهون والبروتينات والكربوهيدرات - كانت تتفكك لتتحول إلى سائل من العناصر المكونة. وفي حالة السم، فإن الهضم يحوله إلى مادة غير ضارة.
اتبع بويل - الذي لم يكن على دراية بما ذكرناه سابقا - مسارا استدلاليا مختلفا؛ إذ فكر أنه لا بد أن هناك شيئا جوهريا في غضب الثعبان يجعل عضته قاتلة. فالجميع يعرف بأي حال أنه عندما تصاب الكلاب المسعورة بنوبة غضب وتعض شخصا فإنها تصيبه بمرض خطير. ولم يكن هناك أي علامة على أن الكلاب تفرز سما؛ لذا فإن من المؤكد أن هناك شيئا في الشعور بالغضب في حد ذاته ينقل المرض. (وقد بتنا الآن نعلم أن ذلك ينتج عن البكتيريا المسببة لداء الكلب الموجودة في أسنانه وتدخل إلى جسم المصاب عندما يغرس الكلب أسنانه في جسم الضحية. أو على الأقل هذا هو فهمنا الحالي لما يحدث!)
خلص بويل في كتابه «اعتبارات بشأن أهمية الفلسفة الطبيعية التجريبية» الذي نشره عام 1663 إلى أن خير طريقة لاختبار هذه الفكرة هي غمس إبرة ما في السم ثم غرسها في أوردة الكلب. وسيؤدي ذلك إلى نقل السم وليس إلى الغضب. لكن ليس لدينا أي سجل يشير إلى أن بويل أجرى تلك التجربة بالفعل، رغم أنه لو كان فعل لاكتشف أن السم قادر على القتل رغم انعدام الغضب في الطريقة التي أدخل بها السم إلى جسم الكلب. ولو أنه كان أدخل الإبرة في الوريد لكانت أول تجربة للحقن في الدم.
Shafi da ba'a sani ba