Dalalat Shakl
دلالة الشكل: دراسة في الإستطيقا الشكلية وقراءة في كتاب الفن
Nau'ikan
والفنون الجميلة جميعا هي «الفنون التي تشبع فينا حاسة الحرية وتتخطى بنا حدود الضرورة والحاجة، وما من شيء تستجمله وتخف نفسك إليه وهو مغلول الحياة منقبض عن وظائفها، حتى الأخلاق، ما من جميل فيها إلا كان جماله على قدر ما فيه من غلبة على الهوى وترفع عن الضرورة وقوة على تصريف أعمال النفس في دائرة الحرية والاختيار.»
12
إن قيود الضرورة هي مسبار ما في النفوس من جوهر الحرية الصحيحة، كما أن القيود التي تثقل بها أعضاء البهلوان الماهر هي مسبار مهارته وقدرته على الخطران والوثب واللعب، فليس النشاط الفني خروجا على كل قاعدة، أو انطلاقا في فضاء مطلق ليس به أدنى مقاومة، وإنما النشاط الفني طلاقة نفس تحيل العوائق إلى وسائط، وتتخذ من الضرورات أدوات للتحرر، وليست الضرورات والقوانين سوى القالب الذي تحصر فيه الحياة عند صبها وصياغتها، ليكون لها خير محدود في هذا الوجود، ولتسلم من العدم المطلق الذي تصير بها الفوضى إليه، وإلا فتصور عالما لا موانع فيه ولا أثقال، ثم انظر ماذا لعله يكون؟ إنه لا يكون إلا فضاء بغير فاصل أو هيولي بغير تكوين.
13
هذا ما يقوله أستاذنا العقاد، ونريد أن نذهب أبعد من ذلك، فنقول إن الحدود الفنية ليست إعاقة مجانية ولا حفزا سلبيا آليا؛ فالأمور في الفن أدق من ذلك وأعمق، فحين نقول إن الحدود الفنية (الأطر، المواضعات، القيود ...) ضرورة، فلسنا نعني بذلك أنها مجرد مصاعب لا مناص من تجشمها أو شر لا بد منه، ولسنا نعني حتى إنها (على طريقة أدلر أو توينبي) عثرات تحفز النشاط ومحن تلهب العزيمة، كلا. إن قيمة الحدود أعظم من ذلك بكثير؛ الحدود «تيسر» الإبداع الحقيقي! و«تلهم» الفنان الحقيقي، إنها مجرى يتولى انفعاله وينظم تدفقه ... شبكة تصيد له الأشكال الدالة، وعين ترمق له المعاني السانحة، وفرس قيد الأوابد تمكنه من شوارد المضامين، وبدونها يكون أشبه بنافخ في رماد، أو بكبش تعس أطلق في برية عراء وأرض مذابة، أو بطفل توحدي
autistic
يعبر عن نفسه بحركات مضطربة لا يفقهها غيره، ولغة مغتربة لا يفهمها سواه.
وليس بدعا أن نقول إن الوعي نفسه يتطلب الحدود وينشأ من إدراك الحدود: في بدايات الوعي يخلق كل فرد ذاتا أولية (أنا ترانسندنتالية) بأن يدع وعيه يلتف على نفسه فيفرق نفسا ما عن بقية العالم، عندئذ فقط يشرع الفرد - وقد صار الآن واعيا بذاته - في تأسيس الذوات الأخرى،
14
وعندئذ فقط يشرع المرء في رحلته الدائمة صوب المعرفة، وتأتي الإبستمولوجيا التكوينية (النشوئية)
Shafi da ba'a sani ba