كانت تتعاطى الكلام الفصيح والبلاغة والخطابة. فدلّ أن العجز عنه إنما كان لأن يصير علما على رسالته وصحّة نبوته. وهذا حجّة قاطعة، وبرهان واضح.
قلنا: وفي القرآن وجهان آخران من الإعجاز.
(أحدهما): ما فيه من الخبر عن الغيب، وذلك فِي قَوْلِهِ ﷿:
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [(٤٤)] وقوله: لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [(٤٥)] وقوله في الروم: وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ [(٤٦)] وغير ذلك من وعده إياه بالفتوح في زمانه وبعده، ثم كان كما أخبر. ومعلوم أَنَّهُ ﷺ كان لا يعلم النجوم ولا الكهانة ولا يجالس أهلها.
(والآخر): ما فيه الخبر عن قصص الأولين من غير خلاف ادّعى عليه فيما وقع الخبر عنه مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ تلك الكتب. ومعلوم أَنَّهُ ﷺ كان أمّيا لا يقرأ كتابا ولا يخطّه. ولا يجالس أهل الكتب للأخذ عنهم. وحين زعم بعضهم أنما يعلمه بشر- ردّ الله ذلك عليهم فقال: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [(٤٧)] فزعم أهل التفسير أنه كان لابن الحضرميّ غلامان نصرانيان يقرآن كتابا لهما بالرومية، وقيل بالعبرانية. فكان ﷺ يأتيهما فيحدثهما ويعلّمهما، فقال المشركون: إنما يتعلّم محمد منهما، فَأَنْزَلَ اللهُ ﷿ هذه الآية [(٤٨)] .
[(٤٤)] الآية الكريمة (٣٣) من سورة التوبة.
[(٤٥)] الآية الكريمة (٥٥) من سورة النور.
[(٤٦)] الآية الكريمة (٣) من سورة الروم.
[(٤٧)] الآية الكريمة (١٠٣) من سورة النحل.
[(٤٨)] وهي شبهة من شبهات منكرى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وذلك لأنهم كانوا يقولون: إن محمدا إنما يذكر هذه القصص وهذه الكلمات؟؟ يستفيدها من انسان آخر ويتعلمها منه، واختلفوا في هذا البشر، فقيل: هو عبد لبني عامر بن لؤي، يقال له: «يعيش» وكان يقرأ الكتب، وقيل:
«عداس» غلام عتبة بن ربيعة وقيل «أبو ميسرة الرومي» وقيل غير ذلك، ولا فائدة من ذكر