دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الثِّقَةُ الْحَافِظُ سَعْدُ الْخَيْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ فِي مَنْزِلِهِ بِدَارِ الْخِلَافَةِ عَمَّرَهَا اللَّهُ قَالَ: أَنَا الشَّيْخُ الْفَقِيهُ أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُطَرَّزُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي دَارِهِ بِأَصْبَهَانَ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ: أَنَا الْإِمَامُ أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ قَالَ
1 / 29
: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُولِي النِّعَمَ الْجِسَامَ، وَمُسْدِي الْآلَاءِ الْعِظَامِ، الَّذِي تَرَادَفَتْ أَيَادِيهِ السَّابِغَةُ، وَثَبَتَتْ حُجَجُهُ الْبَالِغَةُ بِالدَّلَالَاتِ الْوَاضِحَةِ، وَالْعَلَامَاتِ اللَّائِحَةِ، مُخْتَرِعِ الْمَلَكُوتِ مِنَ الْأَرْضِينَ وَالسَّمَوَاتِ، وَمُبْدِعِ الصَّنَائِعِ الْمُتْقَنَةِ الْوَاقِعَةِ لِخَلْقِهِ بِالْحَرَكَاتِ مِنْهُمْ وَالسَّكَنَاتِ، وَالْمُنْشِئِ لِبَرِيَّتِهِ قَوَامَهُمْ وَأَقْوَاتَهُمْ مِنْ أَنْوَاعِ النَّبَاتِ وَأَلْوَانِ الثَّمَرَاتِ، الظَّاهِرِ آيَاتِهِ لِلْمُؤَيِّدِينَ بِالْعَقْلِ الرَّصِينِ، وَالْمُمَدِّينَ بِالنَّظَرِ الْمَكِينِ، الْمُوَفَّقِينَ لِلتَّفَكُّرِ فِيمَا أَشْهَدَهُمْ مِنْ لَطَائِفِ التَّرْكِيبِ وَأَعَانَهُمْ بِالنَّظَرِ فِي تَوَالِي التَّرْتِيبِ، وَتَحْوِيلِ الْأَعْيَانِ الْمُنْتَقِلَةِ مِنْ طَبَقَةٍ إِلَى طَبَقَةٍ، وَصَنْعَةٍ إِلَى صَنْعَةٍ، الدَّالُّ كُلُّهُ عَلَى تَدْبِيرِ الْعَالِمِ الْحَكِيمِ وَالْقَادِرِ الرَّحِيمِ، الْقَامِعِ لِسُلْطَانِ الْمُبْطِلِينَ بِالْآيَاتِ الْبَاهِرَةِ، الْقَاطِعِ لِطُغْيَانِ الْمُنْكِرِينَ بِالْأَدِلَّةِ الزَّاهِرَةِ، الَّذِي أَزَاحَ عِلَلَ الْمُكَلَّفِينَ بِالرُّسُلِ، الْمُؤَيَّدِينَ بِالْآيَاتِ بِمَا أُعْطُوا مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَالْبَيِّنَاتِ، فَقَالَ تَعَالَى ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [سورة: الحديد، آية رقم: ٢٥] وَقَالَ ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [سورة: النساء، آية رقم: ١٦٥] فَأَلْزَمَ الْخَلِيقَةَ بِهِمُ الْحُجَّةَ، وَأَوْضَحَ لَهَمْ بِمَا بَلَّغُوا عَنْهُ الْمَحَجَّةَ، فَحَيَّ مَنْ حَيَّ بِمَا بَعَثَهُمْ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَهَلَكَ بِمُفَارَقَتِهِمْ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى
1 / 31
خَيْرِ مَبْعُوثٍ خَتَمَ بِهِ الرِّسَالَةَ، وَغَنَمَ بِالتَّصْدِيقِ بِهِ النَّبَالَةَ وَالْجَلَالَةَ، وَقَرَنَ اسْمَهُ بِاسْمِهِ، وَرَفَعَ فِكْرَهُ لِذِكْرِهِ، مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَخَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، مَا عَبَدَ عَابِدٌ وَسَجَدَ سَاجِدٌ، أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ سَأَلْتُمْ - عَمَّرَ اللَّهُ بِالْبَصَائِرِ طُوِيَّاتِكُمْ، وَنَوَّرَ فِي الْمَسِيرِ إِلَى وِفَاقِهِ أَوْعِيَتَكُمْ وَنِيَّاتِكُمْ - جَمْعَ الْمُنْتَشِرِ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِي النُّبُوَّةِ، وَالدَّلَائِلِ وَالْمُعْجِزَاتِ، وَالْحَقَائِقِ، وَخَصَائِصِ الْمَبْعُوثِ مُحَمَّدٍ ﷺ بِالسَّنَاءِ السَّاطِعِ، وَالشِّفَاءِ النَّافِعِ، الَّذِي اسْتَضَاءَ بِهِ السُّعَدَاءِ، وَاشْتَفَى بِهِ الشُّهَدَاءِ، وَاسْتَوْصَلَ دُونَهُ الْبُعَدَاءُ، فَاسْتَعَنْتُ بِاللَّهِ وَاسْتَوْفَقْتُهُ، وَبِهِ الْحَوْلُ وَالْقُوَّةُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزِ، وَاعْلَمُوا - وَفَّقَكُمُ اللَّهُ - أَنَّ الْخَالِقَ الْحَكِيمَ أَنْشَأَ الْخَلْقَ مُخْتَلِفِي الصُّوَرِ وَالْجَوَاهِرِ، مُتَفَاوِتِي الْأَمْزِجَةِ وَالْبَصَائِرِ، أَجْزَاؤُهُمْ فِي الطَّبِيعَةِ وَالْقُوَّةِ مُتَفَاضِلَةٌ، وَأَخْلَاقُهُمْ فِي النَّظَرِ وَالِاعْتِبَارِ مُتَفَاوِتَةٌ، فَمِنْ مُعْتَدِلٍ فِي امْتِزَاجِهِ، مُسْتَغْنٍ بِصِحَّتِهِ عَنِ الْأَطِبَّاءِ وَالْعَقَاقِيرِ، وَمُتَوَسِّطٌ فِي الِاعْتِدَالِ يُطَيِّبُهُ الْقَلِيلُ مِنَ الْأَبَارِيزِ، وَسَاقِطٍ رَذِيلٍ لَا يُقِيمُهُ الْعَزِيزُ مِنَ الْعَنَاصِرِ، كَذَلِكَ الْأَرْوَاحُ مِنْهُمْ صَافٍ ذَكِيٌّ، بِالْحِكْمَةِ مَشْغُوفٌ، وَإِلَى التَّعَرُّفِ وَالتَّبَصُّرِ مَلْهُوفٌ، حَرِيصٌ عَلَى مَا اسْتَبَقَ إِلَيْهِ السُّعَدَاءُ، وَمِنْهَا رَوْحٌ أَكْدَرُ بَطِيْءٌ، عَنِ الْمَعَارِفِ وَالْبَصَائِرِ مَعْصُوفٌ، وَعَنِ الْآيَاتِ وَالْعِبَرِ مَصْرُوفٌ، خَمِيصٌ إِلَى مَا اسْتَلَدَّهُ الْبُعَدَاءُ، وَمِنْهَا رُوحٌ مُتَوَسِّطٌ، حَطَّ بِهِ عَنْ كَمَالِ الصَّفَاءِ وَالذَّكَاءِ، وَنَحَّى بِهِ مِنْ تِلَالِ الْكَدَرِ وَالْعَمَى، فَلِتَفَاوُتِ الْأَشْبَاحِ وَالْأَرْوَاحِ اخْتَلَفَتِ الْأَقْوَالُ وَالْأَحْوَالُ، فَالْمَحْنُوُّ بِصَافِي
1 / 32
الْأَرْوَاحِ يَحِنُّ جَوْهَرُهُ دَائِمًا إِلَى صَفْوَةِ الرَّوْحَانِيَّةِ الَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ الْعُلَى فِي السَّمَوَاتِ، وَالْمَحْنُوُّ بِكَدَرِ الْأَرْوَاحِ يَمِيلُ جَوْهَرُهُ دَائِمًا إِلَى مُمَاثَلَةِ الْمُسَخَّرَةِ مِنَ الْبَهَائِمِ وَالْأَنْعَامِ، الْمُرَكَّبَةُ مِنَ الْكَدَرِ وَالظُّلُمَاتِ، فَإِذَا اخْتْلَفَتِ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَمْزِجَةُ فَالْمَخْلُوقُ عَلَى أَعْدَلِ التَّرْتِيبِ وَأَصْفَى التَّرْكِيبِ مِنْ لُبَابِ الْبَشَرِ وَصِبَابِ النَّشْرِ مَنِ ارْتَاحَ لِلتَّأَلُّهِ وَالصَّلَاحِ وَاهْتَنَّ لِلتَّشْمِيرِ، وَالصَّلَاحُ مَخْصُوصٌ بِالْبِشَارَةِ وَالنَّذَارَةِ، مَقْصُودٌ بِالنَّفْثِ وَالْإِيمَاءِ مِنَ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، مُمَدٌّ بِالْمَوْهِبَةِ الْإِلَاهِيَةِ، والْأَثَرَةِ الْعُلْوِيَّةِ، وَيَسْعَدُ بِالْقَبُولِ مِنْهُ الْمُتَوَسِّطُ مِنَ الْمُقْبِلِينَ، وَيُحْجَبُ بِالنُّفُورِ عَنْهُ وَالتَّكَبُّرِ عَنْهُ الْعُمَاةُ مِنَ الْمُدْبِرِينَ، فَأُولَئِكَ الْمَقْصُودُونَ هُمُ الدُّعَاةُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ، وَالسَّادَةُ مِنَ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ، فَالنُّبُوَّةُ: سِفَارَةُ الْعَبْدِ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ الْأَلْبَابِ مِنْ خَلِيقَتِهِ، وَلِهَذَا تُوصَفُ أَبَدًا بِالرِّسَالَةِ وَالْبِعْثَةِ، وَقِيلَ: إِنَّ النُّبُوَّةَ إِزَاحَةُ عِلَلِ ذَوْيِ الْأَلْبَابِ فِيمَا تَقْصُرُ عُقُولُهُمْ عَنْهُ مِنْ مَصَالِحِ الدَّارَيْنِ، وَلِهَذَا يُوصَفُ دَائِمًا بِالْحُجَّةِ وَالْهِدَايَةِ لِيَزِيحَ بِهَا عِلَلَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْهِدَايَةِ وَالتَّثْقِيفِ، وَمَعْنَى النَّبِيِّ: هُوَ ذُو النَّبَأِ وَالْخَبَرِ، أَيْ يِكُونُ مُخْبِرًا عَنِ اللَّهِ ﷿ بِمَا خَصَّهُ بِهِ مِنَ الْوَحْيِ. وَقِيلَ: إِنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنَ «النَّبْوَةِ» الَّتِي هِيَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ عَنِ الْأَرْضِ، وَهُوَ أَنْ يُخَصَّ بِضَرْبٍ مِنَ الرِّفْعَةِ، فَجُعِلَ سَفِيرًا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، يَعْنِي بِذَلِكَ وَصْفَهُ بِالشَّرَفِ وَالرِّفْعَةِ، وَمَنْ جَعَلَ النُّبُوَّةَ مِنَِ الْإِنْبَاءِ الَّتِي هِيَ الْإِخْبَارُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، وَمَعْنَى الرَّسُولِ: فَهُوَ الْمُرْسَلُ، فَعُولٌ عَلَى لَفْظِ مَفْعَلٍ، وَإِرْسَالُهُ: أَمْرُهُ إِيَّاهُ بِإِبْلَاغِ الرِّسَالَةِ وَالْوَحْيِ
1 / 33
، وَمَعْنَى الْوَحْيِ: مِنَ الْوَحَا وَهُوَ الْعَجَلَةُ، فَلَمَّا كَانَ الرَّسُولُ مُتَعَجِّلًا لِمَا يَفْهَمُ، قِيلَ لِذَلِكَ التَّفَهُّمِ «وَحْيٌ»، وَلَهُ مَرَاتِبٌ وَوُجُوهٌ فِي الْقُرْآنِ وَحْيٌ إِلَى الرَّسُولِ: وَهُوَ أَنْ يُخَاطِبَهُ الْمَلَكُ شِفَاهًا، أَوْ يَلْقِيَ فِي رَوْعِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ ﷿ ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ﴾ [سورة: الشورى، آية رقم: ٥١] يُرِيدُ بِذَلِكَ خِطَابًا يُلْقِي فَهْمَهُ فِي قَلْبِهِ حَتَّى يَعِيَهُ وَيَحْفَظَهُ. وَمَا عَدَاهُ مِنْ غَيْرِ خِطَابٍ إِنَّمَا هُوَ ابْتِدَاءُ إِعْلَامٍ وَإِلْهَامٍ، وَتَوْقِيفٌ مِنْ غَيْرِ كَلَامٍ وَلَا خِطَابٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ [سورة: النحل، آية رقم: ٦٨]، ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى﴾ [سورة: القصص، آية رقم: ٧] وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا، ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ النُّبُوَّةَ الَّتِي هِيَ السِّفَارَةُ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِخَصَائِصَ أَرْبَعَةٍ يَهَبُهَا اللَّهُ ﷿ لَهُمْ، كَمَا أَنَّ إِزَالَةَ عِلَلِ الْعُقُولِ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِالسَّلَامَةِ مِنْ آفَاتٍ أَرْبَعَةٍ يُعْصَمُ مِنْهَا، فَالسَّفِيرُ السَّعِيدُ بِالْمَوَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ سَلِيمٌ عَنِ الْآفَاتِ الْأَرْبَعَةِ، وَالْعَاقِلُ السَّلِيمُ مِنَ الْآفَاتِ الْأَرْبَعَةِ لَيْسَ بِسَعِيدٍ بِالْمَوَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، فَالْمَوَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ: أَوَّلُهَا: الْفَضِيلَةُ النَّوْعِيَّةُ. وَثَانِيهَا: الْفَضِيلَةُ الْإِكْرَامِيَّةُ. وَثَالِثُهَا: الْإِمْدَادُ بِالْهِدَايَةِ. وَرَابِعُهَا: التَّثْقِيفُ عِنْدَ الزَّلَّةِ، وَالْآفَاتُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي يُعْصَمُ مِنْهَا السَّلِيمُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ. أَوَّلُهَا: الْكُفْرُ بِاللَّهِ ﷿، وَثاَنِيهَا: التَّقَوُّلُ عَلَى اللَّهِ، وَثَالِثُهَا: الْفِسْقُ فِي أَوَامِرِ اللَّهِ، وَرَابِعُهَا: الْجَهْلُ بِأَحْكَامِ اللَّهِ، فَمَعْنَى الْفَضِيلَةِ النَّوْعِيَّةِ: أَنَّ الْأَحْسَنَ فِي سِيَرِ الْمُلُوكِ وَالْأَحْمَدَ فِي حُكْمِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُرْسِلُونَ مُبَلِّغًا عَنْهُمْ إِلَّا الْأَفْضَلَ، وَالْمُسْتَقِلُّ بِأَثْقَالِ الرِّسَالِةِ قَدْ ثَقَّفَتْهُ خِدْمَتُهُ، وَخَرَّجَتْهُ أَيَّامُهُ، وَالْعُقُولُ تَشْهَدُ أَنَّ مِثْلَهُ مُقَيَّضًا مُرْتَادًا عِنْدَ الْمُرْسِلِ لِمِثْلِهِ فِي الْإِبْلَاغِ وَالتَّأْدِيَةِ عَنْهُ، فَاللَّهُ الْحَكِيمُ الْقَدِيرُ لَا يَخْتَارُ لِلرِّسَالَةِ
1 / 34
إِلَّا الْمُتَقَدِّمَ عَلَى الْمَبْعُوثِ إِلَيْهِمْ، الَمُزَيَّنَ بِكُلِّ الْمَنَاقِبِ، وَلِهَذَا لِمْ يُوجَدْ نَبِيٌّ قَطُّ بِهِ عَاهَةٌ فِي بَدَنِهِ أَوِ اخْتِلَاطٌ فِي عَقْلِهِ، أَوْ دَنَاءَةٌ فِي نَسَبِهِ، أَوْ رَدَاءَةٌ فِي خُلُقِهِ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ قَوْلُهُ ﷿ ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [سورة: الأنعام، آية رقم: ١٢٤] . وَمَعْنَى الْفَضِيلَةِ الْإِكْرَامِيَّةِ: أَنَّ الْمُلُوكَ مَتَى أَرْسَلُوا رَسُولًا اخَتْارُوهُ لِلْوِفَادَةِ، أَيَّدُوهُ فِي حَالِ الْإِرْسَالِ بِلَطَائِفَ وَكَرَامَاتٍ وَزَوَائِدَ وَمُعَاوَنَاتٍ يُيَسِّرُ الْخَطْبَ عَلَيْهِ فَوْقَ مَا كَانَ مَكَّنَهُ مِنْهُ، وَخَوَّلَهُ فِي مَاضِي خِدْمَتِهِ، فَاللَّهُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ إِذَا أَمَرَهُ لِلْإِبْلَاغِ عَنْهُ أَمَدَّهُ بِزَوَائِدَ تُقَوِّي قَلْبَهُ، وَتَشْحَذُ قَرِيحَتَهُ، وَتُمَكِّنُهُ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ وَالْعَزَائِمِ الْقَوِيَّةِ، وَالْحُكْمِ الْمَدِيدِ، كَمَا أَيَّدَ مُوسَى ﵇ بِحَلِّ الْعُقْدَةِ مِنْ لِسَانِهِ، وَإِشْرَاكِهِ هَارُونَ فِي الْإِرْسَالِ، وَهُوَ قَوْلُهُ ﷿ ﴿فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي﴾ [سورة: القصص، آية رقم: ٣٤] فَإِلَيْهِ يَرْجِعُ قَوْلُهُ ﷿ ﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى﴾ [سورة: طه، آية رقم: ٣٦]، وَمَعْنَى الْإِمْدَادِ بِالْهِدَايَةِ: فَإِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا اخْتَارُوا لِلْإِبْلَاغِ عَنْهُمْ مَنْ عَلِمُوا مِنْهُ الْكَفَاءَةَ وَالِاسْتِغْلَالَ بِمَا وَلُّوهُ فَلَا يُخْلُونَهُ مِنْ كَتْبٍ مِنْهُمْ إِلَيْهِ تَتَضَمَّنُ الرُّشْدَ وَالْهِدَايَةَ، عِلْمًا مِنْهُمْ بِأَنَّهُ مَجْبُولٌ عَلَى صَنِيعَةِ الْآدَمِيِّينَ. فَاللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ مَتَى قَلَّدَ عَبْدًا قَلَائِدَ الرِّسَالَةِ فَحِكْمَتُهُ تَقْضِي أَنْ لَا يُخْلِيَهُ مِنْ مَوَادِّ الْإِرْشَادِ لِعِلْمِهِ أَنَّ الْعُلُومَ الْمُكْتَسَبَةَ لَا تَنَالُ إِلَّا تَعْرِيفًا، وَلَا تُصَابُ الْمَصَالِحُ الْكُلِّيَّةُ إِلَّا تَوْفِيقًا، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ قَوْلُهُ ﷿ ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِتَّ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ [سورة: الفرقان، آية رقم: ٣٢]، ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ﴾ [سورة: الإسراء، آية رقم: ٧٤]، وَمَعْنَى التَّثْقِيفَ عِنْدَ الزَّلَّةِ: فَمَا بَعَثَ مَلِكٌ وَاحِدًا يُحَبِّبُ بِهِ الرَّعِيَّةَ إِلَى طَاعَةٍ فَيَرَى طَبْعَهُ مَائِلًا فِي حَالَ الْإِبْلَاغِ إِلَّا زَجَرَهُ عِنْدَ أَدْنَى هَفْوَةٍ بِأَبْلَغِ
1 / 35
مَزْجَرَةٍ، يُثَقِّفُهُ بِهَا صِيَانَةً لِمَحِلِّهِ وَحِفْظًا لِحِرَاسَتِهِ وَاسْتِقَامَتِهِ، عِلْمًا مِنْهُ بِأَنَّ مَنْ يَنْتَهِ عَنْ فَلَتَاتِهِ أَوْشَكَ أَنْ يَأْلَفَهُ وَيَعْتَادَهُ، فَاللَّهُ اللَّطِيفُ بِعِبَادِهِ، الْوَافِي لِأَوْلِيَائِهِ بِالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ، لَا يَعْدِمُ وَافِدَهُ وَصَفِيَّهُ الْمُرَشَّحَ لِحَمْلِ أَثْقَالِ النُّبُوَّةِ التَّنْبِيهَ وَالتَّثْقِيفَ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ قَوْلُهُ تَعَالَى لِنُوحٍ ﵇ ﴿فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمُ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [سورة: هود، آية رقم: ٤٦] وَقَوْلُهُ ﷿ لِدَاوُدَ ﵇ ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ﴾ [سورة: ص، آية رقم: ٢٢] وَقَوْلُهُ ﷿ لِسُلَيْمَانَ ﵇ ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾ [سورة: ص، آية رقم: ٣٤] وَقَوْلُهُ ﷿ لِمُحَمَّدٍ ﷺ ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ [سورة: هود، آية رقم: ١١٢]، ﴿لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ﴾ [سورة: الأنفال، آية رقم: ٦٨] وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ﴾ [سورة: الأنعام، آية رقم: ٣٥]، فَهَذِهِ الْخَصَائِصُ الْأَرْبَعَةُ لَا تُنَالُ بِالِاكْتِسَابِ وَالِاجْتِهَادِ، لِأَنَّهَا مَوْهِبَةٌ إِلَهِيَّةٌ، وَأَثَرَةٌ عُلْوِيَّةٌ، حِكَمُهَا مُعَلَّقَةٌ بِتَدْبِيرٍ مَنْ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، وَلَا يُظْهِرُهَا إِلَّا فِي أَخَصِّ الْأَزْمِنَةِ، وَأَحَقِّ الْأَمْكِنَةِ، عِنْدَ إِحْسَاسِ الْحَاجَةِ الْكُلِّيَّةِ، وَإِطْبَاقِ الدَّهْمَاءِ عَلَى الضُّلَّالِ مِنَ الْبَرِيَّةِ، وَكُلُّهَا أَعْلَى مِنْ أَنْ تَفُوزَ بِهِ الْعُقُولُ الْجُزْئِيَّةُ، أَوْ تُحَصِّلُهَا الْمَسَاعِي الْمُكْتَسَبَةُ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ قَوْلُهُ ﷿ ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [سورة: آل عمران، آية رقم: ١٧٩] وَقَوْلُهُ ﴿إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [سورة: إبراهيم، آية رقم: ١١] وَقَوْلُهُ ﴿فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾
1 / 36
[سورة: الجن، آية رقم: ٢٧]، وَاعْلَمُوا أَنَّ مُعْجِزَاتِ الْمُصْطَفَى ﷺ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَحْصُرَهَا عَدَدٌ، وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَنْصُرَهَا سَنَدٌ، فَأَعْظَمُ مُعْجِزَاتِهِ الْقُرْآنُ الَّذِي هُوَ أُمُّ الْمُعْجِزَاتِ الَّذِي لَا يَدْفَعُهُ الْإِنْكَارُ وَلَا الْجَحْدُ، وَقَدْ حَرَّرَ الْكَلَامَ فِيهِ وَفِي مَسَائِلِه وَإِبْطَالِ طَعْنِ الَمَلَاحِدَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ وَأَصْحَابِ الطَّبَائِعِ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ عُلَمَائِنَا وَأَبْنَائِنَا، فَبَيَّنُوا فَسَادَ مَقَالَاتِهِمْ، وَبُطْلَانَ مُعَارَضَاتِهِمْ بِمَا يُعَارِضُ بِهِ أَمْثَالُهُمْ مِنَ الْجَائِرِينَ عَنْ مَنْهَجِ النُّبُوَّةِ وَمَنَارِ الشَّرِيعَةِ، وَكَذَلِكَ الْكَلَامَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى صِحَّةِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَأَنَّ بَعْثَةَ الْمُرْسَلَينَ مِمَّا لَا يَسْتَحِيلُ، وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُمْكِنِ وَالْمَقْدُورِ، وَأَنَّ إِرْسَالَ الرُّسُلِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى اللَّهِ ﷿، بَلْ هُوَ مِنَ الْجَائِزِ الَّذِي لِلَّهِ تَعَالَى فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ، وَأَنَّ الْمُعْجِزَاتِ أَقْسَامٌ، مِنْهَا مَا يَجُوزُ دُخُولُ نَوْعٍ مِنْهَا تَحْتَ مَقْدُورِنَا عَلَى وَجْهٍ، وَمِنْهَا مَا لَا يَدْخُلُ. وَذِكْرُ الْكَلَامِ فِي الْفَصْلِ بَيْنَ الْمُعْجِزَةِ وَالْكَرَامَةِ، وَأَنَّهُمَا مُتَّفِقَتَانِ فِي حَالَةٍ وَمُفْتَرِقَتَانِ فِي حَالَةٍ أُخْرَى، وَذِكْرُ أَنْوَاعِ مَا يَقَعُ بِه التَّحَدِّي فَسُمِّيَ مُعْجِزًا، وَذِكْرُ الرَّدِّ عَلَى مُنْكِرِي النُّبُوَّاتِ مِنْ بَرْهَمِيٍّ وَفَلْسَفِيٍّ وَطَبَائِعِيٍّ وَغَيْرِهِمْ سَكَتْنَا عَنْ ذَلِكَ إِذِ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَالِانْفِصَالُ عَنْ مُعَارَضَتِهِمْ مُسْلَمٌ إِلَى أَرْبَابِهِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالنُّظَّارِ، وَقَصَدْنَا جَمْعَ مَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ وَتَجْبِيَتَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمُنْتَشِرِ مِنَ الْآبَارِ، وَالصَّحِيحِ وَالْمَشْهُورِ مِنْ مَرْوِيِّ الْأَخْبَارِ، وَرَتَّبْنَاهُ تَرْتِيبَ مَنْ تَقَدَّمْنَا مِنْ رُوَاةِ الْآثَارِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ، وَجَعَلْنَا ذَلِكَ فُصُولًا، ذَكَرْنَاهَا لِتَسْهُلَ عَلَى الْمُتَحَفِّظِ أَنْوَاعُهُ وَأَقْسَامُهُ فَيَكُونَ أَجْمَعَ لِفَهْمِهِ، وَأَقْرَبَ مِنْ ذِهْنِهِ، وَأَبْعَدَ مِنْ تَحَمُّلِ الْكُلْفَةِ فِي طَلَبِهِ، وَبِهِ الْحَوْلُ وَالْقُوَّةُ فِي ذَلِكَ وَفِي كُلِّ مَا نُرِيدُهُ وَنَقْصُدُهُ.
1 / 37
الفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي ذِكْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مِنْ فَضْلِهِ ﷺ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ بِعْثَتَهُ لِلْعَالَمِينَ رَحْمَةً، فَقَالَ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧]، فَأَمَّنَ أَعْدَاءَهُ مِنَ الْعَذَابِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ ﵇، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال: ٣٣]، فَلَمْ يُعَذِّبْهُمْ مَعَ اسْتِعْجَالِهِمْ إِيَّاهُ تَحْقِيقًا لِمَا نَعَتَهُ بِهِ، فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُمْ إِلَى رَبِّهِ تَعَالَى أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِمْ مَا عَذَّبَهُمْ بِهِ مِنْ قَتْلٍ وَأَسْرٍ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ﴾ [الزخرف: ٤١]
١ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا قُتَيْبَةُ، ثنا الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، ﵁، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَهُدًى لِلْمُتَّقِينَ»
٢ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ⦗٤٠⦘، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: " إِنَّمَا بُعِثْتُ نِعْمَةً، وَلَمْ أُبْعَثْ عَذَابًا وَمِنْ فَضَائِلِهِ: إِخْبَارُ اللَّهِ ﷿ عَنْ إِجْلَالِ قَدْرِ نَبِيِّهِ ﷺ، وَتَبْجِيلِهِ، وَتَعْظِيمِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَا خَاطَبَهُ فِي كِتَابِهِ، وَلَا أَخْبَرَ عَنْهُ إِلَّا بِالْكِنَايَةِ الَّتِي هِيَ النُّبُوَّةُ وَالرِّسَالَةُ الَّتِي لَا أَجَلَّ مِنْهَا فَخْرًا، وَلَا أَعْظَمَ خَطَرًا، وَخَاطَبَ غَيْرَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَقَوْمِهِمْ، وَأَخْبَرَ عَنْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْهُمْ بِالْكِنَايَةِ الَّتِي هِيَ غَايَةُ الْمَرْتَبَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ ﷺ فِي جُمْلَتِهِمْ بِمُشَارَكَتِهِ مَعَهُمْ فِي الْخِطَابِ وَالْخَبَرِ، فَأَمَّا فِي حَالِ الِانْفِرَادِ، فَمَا ذَكَرَهُمْ إِلَّا بِأَسْمَائِهِمْ، وَالْكِنَايَةُ عَنِ الِاسْمِ غَايَةُ التَّعْظِيمِ لِلْمُخَاطَبِ الْمُجَلَّلِ، وَالْمَدْعُوِّ الْعَظِيمِ؛ لِأَنَّ مَنْ بَلَغَ بِهِ غَايَةَ التَّعْظِيمِ كُنِّيَ عَنِ اسْمِهِ، إِنْ كَانَ مَلِكًا قِيلَ لَهُ: يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ، وَإِنْ كَانَ أَمِيرًا قِيلَ لَهُ: يَا أَيُّهَا الْأَمِيرُ، وَإِنْ كَانَ خَلِيفَةً قِيلَ: يَا أَيُّهَا الْخَلِيفَةُ، وَإِنْ كَانَ دَيَّانًا قِيلَ: يَا أَيُّهَا الْحَبْرُ، أَيُّهَا الْقِسُّ، أَيُّهَا الْعَالِمُ، أَيُّهَا الْفَقِيهُ، فَفَضَّلَ اللَّهُ ﷿ نَبِيَّهُ ﷺ، وَبَلَغَ بِهِ غَايَةَ الرُّتْبَةِ، وَأَعَالِيَ الرِّفْعَةِ، فَقَالَ لِنَبِيِّهِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ [الأحزاب: ٤٥]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ﴾ [الأنفال: ٦٤]، ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ [المائدة: ٤١]، ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة: ٦٧] فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ⦗٤١⦘، وَخَاطَبَ آدَمَ وَمَنْ دُونَهُ مِنَ النَّبِيِّينَ بِأَسْمَائِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْإِخْبَارُ عَنْهُمْ، فَقَالَ: ﴿يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ [البقرة: ٣٥]، ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ [طه: ١٢١] فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ، وَ﴿يَا نُوحُ اهْبِطْ﴾ [هود: ٤٨]، ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ [هود: ٤٢]، وَ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ [هود: ٧٦]، وَ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ﴾ [البقرة: ١٢٧]، وَ﴿يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ﴾ [الأعراف: ١٤٤]، وَقَالَ: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ [القصص: ١٥]، وَ﴿يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ﴾ [المائدة: ١١٠]، وَ﴿إِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الصف: ٦]، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ﴿يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ﴾ [هود: ٥٣]، وَ﴿يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا﴾ [الأعراف: ٧٧]، وَ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ﴾، ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ﴾ [ص: ٣٤]، وَ﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ﴾ [مريم: ٧]، وَ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ﴾ [مريم: ١٢]، كُلُّ أُولَئِكَ خُوطِبُوا بِأَسْمَائِهِمْ؛ فَكُلُّ مَوْضِعٍ ذَكَرَ مُحَمَّدًا ﵇ بِاسْمِهِ أَضَافَ إِلَيْهِ ذِكْرَ الرِّسَالَةِ، فَقَالَ: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [آل عمران: ١٤٤]، وَقَالَ: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾ [الفتح: ٢٩]، وَقَالَ: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ، وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٤٠]، وَقَالَ: ﴿وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [محمد: ٢]، فَسَمَّاهُ لِيَعْلَمَ مَنْ جَحْدَهُ أَنَّ أَمْرَهُ وَكِتَابَهُ هُوَ الْحَقُّ؛ وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوهُ إِلَّا بِمُحَمَّدٍ، وَلَوْ لَمْ يُسَمِّهِ لَمْ يُعْلَمِ اسْمُهُ مِنَ الْكِتَابِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ لَوْ لَمْ يُسَمُّوا فِي الْكِتَابِ مَا عُرِفَتْ أَسَامِيهُمْ كَتَسْمِيَةِ اللَّهِ لَهُ مُحَمَّدًا، وَذَلِكَ كُلُّهُ زِيَادَةٌ فِي جَلَالَتِهِ، وَنَبَالَتِهِ، وَنَبَاهَتِهِ، وَشَرَفِهِ؛ لِأَنَّ اسْمَهُ مُشْتَقٌّ مِنِ اسْمٍ لِلَّهِ كَمَا مَدَحَهُ عَمُّهُ فَقَالَ: [البحر الطويل] وَشَقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ ... فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ ثُمَّ جَمَعَ فِي الذِّكْرِ بَيْنَ اسْمِ خَلِيلِهِ وَنَبِيِّهِ، فَسَمَّى خَلِيلَهُ بِاسْمِهِ ⦗٤٢⦘ وَكَنَّى حَبِيبَهُ بِالنُّبُوَّةِ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ﴾ [آل عمران: ٦٨]، فَكَنَّاهُ إِجْلَالًا، وَرَفَعَهُ لِفَضْلِ مَرْتَبَتِهِ، وَنَبَاهَتِهِ عِنْدَهُ، ثُمَّ قَدَّمَهُ فِي الذِّكْرِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَهُ فِي الْبَعْثِ، فَقَالَ: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا﴾، وَقَالَ: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ﴾ [الأحزاب: ٧]
١ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا قُتَيْبَةُ، ثنا الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، ﵁، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَهُدًى لِلْمُتَّقِينَ»
٢ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ⦗٤٠⦘، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: " إِنَّمَا بُعِثْتُ نِعْمَةً، وَلَمْ أُبْعَثْ عَذَابًا وَمِنْ فَضَائِلِهِ: إِخْبَارُ اللَّهِ ﷿ عَنْ إِجْلَالِ قَدْرِ نَبِيِّهِ ﷺ، وَتَبْجِيلِهِ، وَتَعْظِيمِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَا خَاطَبَهُ فِي كِتَابِهِ، وَلَا أَخْبَرَ عَنْهُ إِلَّا بِالْكِنَايَةِ الَّتِي هِيَ النُّبُوَّةُ وَالرِّسَالَةُ الَّتِي لَا أَجَلَّ مِنْهَا فَخْرًا، وَلَا أَعْظَمَ خَطَرًا، وَخَاطَبَ غَيْرَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَقَوْمِهِمْ، وَأَخْبَرَ عَنْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْهُمْ بِالْكِنَايَةِ الَّتِي هِيَ غَايَةُ الْمَرْتَبَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ ﷺ فِي جُمْلَتِهِمْ بِمُشَارَكَتِهِ مَعَهُمْ فِي الْخِطَابِ وَالْخَبَرِ، فَأَمَّا فِي حَالِ الِانْفِرَادِ، فَمَا ذَكَرَهُمْ إِلَّا بِأَسْمَائِهِمْ، وَالْكِنَايَةُ عَنِ الِاسْمِ غَايَةُ التَّعْظِيمِ لِلْمُخَاطَبِ الْمُجَلَّلِ، وَالْمَدْعُوِّ الْعَظِيمِ؛ لِأَنَّ مَنْ بَلَغَ بِهِ غَايَةَ التَّعْظِيمِ كُنِّيَ عَنِ اسْمِهِ، إِنْ كَانَ مَلِكًا قِيلَ لَهُ: يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ، وَإِنْ كَانَ أَمِيرًا قِيلَ لَهُ: يَا أَيُّهَا الْأَمِيرُ، وَإِنْ كَانَ خَلِيفَةً قِيلَ: يَا أَيُّهَا الْخَلِيفَةُ، وَإِنْ كَانَ دَيَّانًا قِيلَ: يَا أَيُّهَا الْحَبْرُ، أَيُّهَا الْقِسُّ، أَيُّهَا الْعَالِمُ، أَيُّهَا الْفَقِيهُ، فَفَضَّلَ اللَّهُ ﷿ نَبِيَّهُ ﷺ، وَبَلَغَ بِهِ غَايَةَ الرُّتْبَةِ، وَأَعَالِيَ الرِّفْعَةِ، فَقَالَ لِنَبِيِّهِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ [الأحزاب: ٤٥]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ﴾ [الأنفال: ٦٤]، ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ [المائدة: ٤١]، ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة: ٦٧] فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ⦗٤١⦘، وَخَاطَبَ آدَمَ وَمَنْ دُونَهُ مِنَ النَّبِيِّينَ بِأَسْمَائِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْإِخْبَارُ عَنْهُمْ، فَقَالَ: ﴿يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ [البقرة: ٣٥]، ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ [طه: ١٢١] فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ، وَ﴿يَا نُوحُ اهْبِطْ﴾ [هود: ٤٨]، ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ [هود: ٤٢]، وَ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ [هود: ٧٦]، وَ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ﴾ [البقرة: ١٢٧]، وَ﴿يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ﴾ [الأعراف: ١٤٤]، وَقَالَ: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ [القصص: ١٥]، وَ﴿يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ﴾ [المائدة: ١١٠]، وَ﴿إِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الصف: ٦]، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ﴿يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ﴾ [هود: ٥٣]، وَ﴿يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا﴾ [الأعراف: ٧٧]، وَ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ﴾، ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ﴾ [ص: ٣٤]، وَ﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ﴾ [مريم: ٧]، وَ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ﴾ [مريم: ١٢]، كُلُّ أُولَئِكَ خُوطِبُوا بِأَسْمَائِهِمْ؛ فَكُلُّ مَوْضِعٍ ذَكَرَ مُحَمَّدًا ﵇ بِاسْمِهِ أَضَافَ إِلَيْهِ ذِكْرَ الرِّسَالَةِ، فَقَالَ: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [آل عمران: ١٤٤]، وَقَالَ: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾ [الفتح: ٢٩]، وَقَالَ: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ، وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٤٠]، وَقَالَ: ﴿وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [محمد: ٢]، فَسَمَّاهُ لِيَعْلَمَ مَنْ جَحْدَهُ أَنَّ أَمْرَهُ وَكِتَابَهُ هُوَ الْحَقُّ؛ وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوهُ إِلَّا بِمُحَمَّدٍ، وَلَوْ لَمْ يُسَمِّهِ لَمْ يُعْلَمِ اسْمُهُ مِنَ الْكِتَابِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ لَوْ لَمْ يُسَمُّوا فِي الْكِتَابِ مَا عُرِفَتْ أَسَامِيهُمْ كَتَسْمِيَةِ اللَّهِ لَهُ مُحَمَّدًا، وَذَلِكَ كُلُّهُ زِيَادَةٌ فِي جَلَالَتِهِ، وَنَبَالَتِهِ، وَنَبَاهَتِهِ، وَشَرَفِهِ؛ لِأَنَّ اسْمَهُ مُشْتَقٌّ مِنِ اسْمٍ لِلَّهِ كَمَا مَدَحَهُ عَمُّهُ فَقَالَ: [البحر الطويل] وَشَقَّ لَهُ مِنِ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ ... فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ ثُمَّ جَمَعَ فِي الذِّكْرِ بَيْنَ اسْمِ خَلِيلِهِ وَنَبِيِّهِ، فَسَمَّى خَلِيلَهُ بِاسْمِهِ ⦗٤٢⦘ وَكَنَّى حَبِيبَهُ بِالنُّبُوَّةِ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ﴾ [آل عمران: ٦٨]، فَكَنَّاهُ إِجْلَالًا، وَرَفَعَهُ لِفَضْلِ مَرْتَبَتِهِ، وَنَبَاهَتِهِ عِنْدَهُ، ثُمَّ قَدَّمَهُ فِي الذِّكْرِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَهُ فِي الْبَعْثِ، فَقَالَ: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا﴾، وَقَالَ: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ﴾ [الأحزاب: ٧]
1 / 39
٣ - وَذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا بَقِيَّةُ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، ثنا قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ﴾ [الأحزاب: ٧] قَالَ: " كُنْتُ أَوَّلَ النَّبِيِّينَ فِي الْخَلْقِ وَآخِرَهُمْ فِي الْبَعْثِ وَمِنْ فَضَائِلِهِ أَنَّ النَّاسَ نَهَاهُمُ اللَّهُ ﷿ أَنْ يُخَاطِبُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِاسْمِهِ، وَأَخْبَرَ عَنْ سَائِرِ الْأُمَمِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُخَاطِبُونَ أَنْبِيَاءَهُمْ وَرُسُلَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ، كَقَوْلِهِمْ: ﴿يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ [الأعراف: ١٣٨]، وَقَوْلِهِ: ﴿يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ﴾ [المائدة: ١١٢]، وَ﴿يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا﴾ [هود: ٥٣]، وَ﴿يَا صَالِحُ ائْتِنَا﴾ [الأعراف: ٧٧]، وَقَالَ: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ [النور: ٦٣]، فَنَدَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى تَكْنِيَتِهِ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ؛ تَرْفِيعًا لِمَنْزِلَتِهِ، وَتَشْرِيفًا ⦗٤٣⦘ لِمَرْتَبَتِهِ، خَصَّهُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ مِنْ بَيْنِ رُسُلِهِ، وَأَنْبِيَائِهِ
1 / 42
٤ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأنا الْقَاضِي أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَهْوَازِيُّ، قَالَا: ثنا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ [النور: ٦٣] قَالَ: " كَانُوا يَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ؛ إِعْظَامًا لِنَبِيِّهِ ﷺ، قَالَ: فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ "
٥ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُقَاتِلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ [النور: ٦٣] يُرِيدُ يَصَيِحُ مِنْ بَعِيدٍ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَلَكِنْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحُجُرَاتِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ [الحجرات: ٣] وَمِنْ فَضَائِلِهِ ﷺ: أَنَّ اللَّهَ ﷿ فَصَّلَ مُخَاطَبَةَ الْمُتَقَدِّمِينَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ تَشْرِيفًا لَهُ، وَإِجْلَالًا، وَذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الْأُمَمِ كَانُوا يَقُولُونَ لِأَنْبِيَائِهِمْ وَرُسُلِهِمْ: رَاعِنَا سَمْعَكَ، فَنَهَى اللَّهُ ﷿ هَذِهِ الْأُمَّةَ أَنْ يُخَاطِبُوا ⦗٤٤⦘ رَسُولَهُمْ بِهَذِهِ الْمُخَاطَبَةِ الَّتِي فِيهَا مَغْمَزٌ وَضَعَةٌ، وَذَمَّهُمْ أَنْ يَسْلُكُوا بِنَبِيِّهِمْ ذَلِكَ الْمَسْلَكِ، فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينُ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾ [البقرة: ١٠٤]
٥ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُقَاتِلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ [النور: ٦٣] يُرِيدُ يَصَيِحُ مِنْ بَعِيدٍ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَلَكِنْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحُجُرَاتِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ [الحجرات: ٣] وَمِنْ فَضَائِلِهِ ﷺ: أَنَّ اللَّهَ ﷿ فَصَّلَ مُخَاطَبَةَ الْمُتَقَدِّمِينَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ تَشْرِيفًا لَهُ، وَإِجْلَالًا، وَذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الْأُمَمِ كَانُوا يَقُولُونَ لِأَنْبِيَائِهِمْ وَرُسُلِهِمْ: رَاعِنَا سَمْعَكَ، فَنَهَى اللَّهُ ﷿ هَذِهِ الْأُمَّةَ أَنْ يُخَاطِبُوا ⦗٤٤⦘ رَسُولَهُمْ بِهَذِهِ الْمُخَاطَبَةِ الَّتِي فِيهَا مَغْمَزٌ وَضَعَةٌ، وَذَمَّهُمْ أَنْ يَسْلُكُوا بِنَبِيِّهِمْ ذَلِكَ الْمَسْلَكِ، فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينُ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾ [البقرة: ١٠٤]
1 / 43
٦ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُقَاتِلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﵁ " ﴿لَا تَقُولُوا رَاعِنَا﴾ [البقرة: ١٠٤]، وَذَلِكَ أَنَّهَا سُبَّةٌ بِلُغَةِ الْيَهُودِ، وَقَالَ: ﴿وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾ [البقرة: ١٠٤] يُرِيدُ اسْمَعْنَا، فَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ بَعْدَهَا: مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يَقُولُهَا فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَانْتَهَتِ الْيَهُودُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَمِنْ فَضَائِلِهِ: أَنَّ مَنَ تَقَدَّمَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ﵈ كَانُوا يَدْفَعُونَ وَيَرُدُّونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ مَا قَرَفَهُمْ بِهِ مُكَذِّبُوهُمْ مِنَ السَّفَهِ، وَالضَّلَالِ، وَالْكَذِبِ، وَتَوَلَّى اللَّهُ ﷿ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: فِيمَا أَخْبَرَ عَنْ قَوْمِ نُوحٍ: ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الأعراف: ٦٠]، فَقَالَ دَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ: ﴿يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ﴾ [الأعراف: ٦١]، وَقَوْلُهُمْ لِهُودٍ ﵇: ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ﴾ [الأعراف: ٦٦]، فَقَالَ نَافِيًا عَنْ نَفْسِهِ مَا نَسَبُوهُ إِلَيْهِ: ﴿يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ﴾ [الأعراف: ٦٧] . وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِمُوسَى: ﴿إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا﴾ [الإسراء: ١٠١]، فَقَالَ مُوسَى مُجِيبًا لَهُ: ﴿إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا﴾ [الإسراء: ١٠٢]
⦗٤٥⦘، فَنَزَّهَ اللَّهُ ﷿ نَبِيَّهُ ﷺ عَمَّا نَسَبُوهُ إِلَيْهِ؛ تَشْرِيفًا لَهُ، وَتَعْظِيمًا، فَقَالَ: ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ [القلم: ٢]، وَقَالَ: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ [يس: ٦٩]، وَقَالَ: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾ [النجم: ٢]، وَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ مَا رَمَوْهُ بِهِ مِنَ السِّحْرِ، وَالْكَهَانَةِ وَالْجُنُونِ، فَقَالَ: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ﴾ [هود: ١٧]، وَذَبَّ اللَّهُ عَنِ اسْتِهْزَائِهِمْ بِقَوْلِهِمْ لَهُ: ﴿هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ [سبأ: ٧]، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾ [سبأ: ٨] . وَمِنْ فَضَائِلِهِ: أَنَّ اللَّهَ خَاطَبَ دَاوُدَ ﵇ بِأَنْ لَا تَتَّبِعِ الْهَوَى، فَقَالَ: ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ، فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ، وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾، وَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الرَّسُولِ ﷺ بَعْدَ أَنْ أَقْسَمَ بِمَسَاقِطِ النُّجُومِ، وَطَوَالِعِهَا، وَنُزُولِ الْقُرْآنِ، وَمَوَاقِعِهِ أَنَّهُ لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، فَقَالَ: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾ [النجم: ٣]؛ تَبْرِئَةً لَهُ، وَتَنْزِيهًا عَنْ مُتَابَعَةِ الْهَوَى. وَمِنْ فَضَائِلِهِ: أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى حَالَهُ، وَأَنَّهُ غَفَرَ لَهُ مَا كَانَ مِنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ فِي قِصَّةِ مُوسَى: ﴿رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا﴾ [القصص: ٣٣]، وَقَالَ: ﴿إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي، فَغَفَرَ لَهُ﴾ [القصص: ١٦]، فَنَصَّ عَلَى ذَنْبِهِ، وَسَأَلَ رَبَّهُ الْمَغْفِرَةَ، وَأَخْبَرَ عَنْ دَاوُدَ إِذْ تَسَوَّرَ عَلَيْهِ الْمَلَكَانِ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً، وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ [ص: ٢٣]، فَذَكَرَ الظُّلْمَ وَالْبَغْيَ، فَقَالَ: ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى ⦗٤٦⦘ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [ص: ٢٤]، فَقَالَ: ﴿وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ﴾، وَنَصَّ عَلَى زَلَلِهِمْ، وَخَطَايَاهُمْ، وَأَخْبَرَ عَنْ غُفْرَانِهِ لِنَبِيِّهِ ﵇، وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ زَلَلِهِ إِكْرَامًا لَهُ، وَتَشْرِيفًا، فَقَالَ: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح: ٢]، فَهَذَا غَايَةُ الْفَضْلِ وَالشَّرَفِ. وَمِنْ فَضَائِلِهِ: أَخْذُ اللَّهِ الْمِيثَاقَ عَلَى جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ، إِنْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ آمَنُوا بِهِ، وَنَصَرُوهُ، فَلَمْ يَكُنْ لَيُدْرِكُ أَحَدٌ مِنْهُمُ الرَّسُولَ إِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِيمَانُ بِهِ، وَالنُّصْرَةُ لَهُ؛ لِأَخْذِ الْمِيثَاقِ مِنْهُ، فَجَعَلَهُمْ كُلَّهُمْ أَتْبَاعًا لَهُ، يَلْزَمُهُمُ الِانْقِيَادُ وَالطَّاعَةُ لَهُ لَوْ أَدْرَكُوهُ
1 / 44
٧ - وَذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا يُوسُفُ بْنُ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الدَّعَّاءُ، ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثنا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ قَالَ: أَتَيْتُ الْنَبَيَّ ﷺ، وَمَعِي كِتَابٌ أَصَبْتُهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ:، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي، وَمِنْ فَضَائِلِهِ: أَنْ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ عَلَى الْعَالَمِ فَرْضًا مُطْلَقًا لَا شَرْطَ فِيهِ، وَلَا اسْتِثْنَاءَ، كَمَا فَرَضَ طَاعَتَهُ، فَقَالَ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧]، وَلَمْ يَقُلْ مِنْ طَاعَتِي، أَوْ مِنْ كِتَابِي، أَوْ بِأَمْرِي ⦗٤٧⦘، وَوَحْيِي، بَلْ فَرَضَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ عَلَى الْخَلْقِ طُرًّا، كَفَرْضِ التَّنْزِيلِ لَا يُرَادُّ فِي ذَلِكَ، وَلَا يُحَاجُّ، وَلَا يُنَاظَرُ، وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ بَيِّنَةٌ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْ قَوْمِ مُوسَى، فَقَالُوا: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [البقرة: ٥٥] . وَمِنْ فَضَائِلِهِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ﷿ قَرَنَ اسْمَهُ بِاسْمِهِ فِي كِتَابِهِ عِنْدَ ذِكْرِ طَاعَتِهِ، وَمَعْصِيَتِهِ، وَفَرَائِضِهِ، وَأَحْكَامِهِ، وَوَعْدِهِ، وَوَعِيدِهِ، فَقَالَ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النساء: ٥٩]، وَقَالَ: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ١]، وَقَالَ: ﴿وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ﴾ [التوبة: ٧١]، وَقَالَ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [النور: ٦٢]، وَقَالَ: ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ٢٤]، وَقَالَ: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [النساء: ١٤]، وَقَالَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [الأحزاب: ٥٧]، وَقَالَ: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: ١]، ﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: ٣]، وَقَالَ: ﴿وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ﴾ [التوبة: ١٦]، وَقَالَ: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [التوبة: ٦٣]، وَقَالَ: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المائدة: ٣٣]، وَقَالَ: ﴿وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: ٢٩]، وَقَالَ: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [الأنفال: ١٣]، وَقَالَ ﴿قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ﴾، وَقَالَ ﴿فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩]، وَقَالَ: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: ٥٩]، وَقَالَ: ﴿فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾ [الأنفال: ٤١]، وَقَالَ: ﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: ٧٤]، وَقَالَ: ﴿وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ ⦗٤٨⦘ وَرَسُولَهُ﴾ [التوبة: ٩٠]، وَقَالَ: ﴿أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: ٣٧]، قَرَنَ اسْمَهُ بِاسْمِهِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ، وَالْأَحْوَالِ؛ تَعْظِيمًا لَهُ، وَتَشْرِيفًا ﷺ
1 / 46
مَا رُوِيَ فِي تَقَدُّمِ نُبُوَّتِهِ قَبْلَ تَمَامِ خَلْقِ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَسَلَامُهُ
٨ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ الْمِهْرَجَانِ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، ثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الثَّقَفِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثنا الْأَوْزَاعِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ؟ قَالَ: «بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ،»
٩ - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ هِلَالٍ السُّلَمِيِّ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، يَقُولُ: «إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ مَكْتُوبٌ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ،»
٨ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ الْمِهْرَجَانِ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، ثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الثَّقَفِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثنا الْأَوْزَاعِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ؟ قَالَ: «بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ،»
٩ - حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ هِلَالٍ السُّلَمِيِّ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، يَقُولُ: «إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ مَكْتُوبٌ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ،»
1 / 48
١٠ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَالِكٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ الْكَلْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالٍ السُّلَمِيِّ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ،»
١١ - حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شِيرَوَيْهِ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثنا مَعْمَرٌ، ثنا هَمَّامٌ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، ﵁، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،»
١٢ - حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ: ثنا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْحِيرِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ، وثنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عُمَرَ - وَرَّاقِ الْحُمَيْدِيِّ -، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي أُمُّ عُثْمَانَ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهَا سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، يَقُولُ: " لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ ﷿ نَبِيَّهُ، وَظَهَرَ أَمْرَهُ بِمَكَّةَ، خَرَجْتُ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا كُنْتُ بِبُصْرَى أَتَانِي جَمَاعَةٌ مِنَ النَّصَارَى، فَقَالُوا لِي: مِنْ أَهْلِ الْحَرَامِ أَنْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالُوا: هَلْ تَعْرِفُ هَذَا الَّذِي تَنَبَّأَ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَخَذُوا بِيَدِي، فَأَدْخَلُونِي دَيْرًا، لَهُمْ فِيهِ تَمَاثِيلُ وَصُوَرٌ، فَقَالُوا: انْظُرْ، هَلْ تَرَى صُورَةَ هَذَا الَّذِي بُعِثَ؟ فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ صُورَتَهُ، فَقُلْتُ: لَا أَرَى صُورَتَهُ ⦗٥٠⦘، فَأَدْخَلُونِي دَيْرًا أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْرِ، فَإِذَا فِيهِ تَمَاثِيلُ وَصُورٌ أَكْثَرُ مِمَّا فِي ذَلِكَ الدَّيْرِ، فَقَالُوا لِي: انْظُرْ هَلْ تَرَى صُورَتَهُ؟ فَنَظَرْتُ، فَإِذَا أَنَا بِصِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَصُورَتِهِ، وَإِذَا أَنَا بِصِفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصُورَتِهِ، وَهُوَ آخِذٌ بِعَقِبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالُوا: هَلْ تَرَى صُورَتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَقُلْتُ: لَا أُخْبِرُكُمُ، حَتَّى أَعْلَمَ مَا تَقُولُونَ، قَالُوا: هُوَ هَذَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَأَشَارُوا إِلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، أَشْهَدُ أَنَّهُ هُوَ، قَالُوا: هَلْ تَعْرِفُ هَذَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالُوا لِي: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا صَاحِبُكُمْ، وَأَنَّ هَذَا لَخَلِيفَةٌ مِنْ بَعْدِهِ "
١١ - حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شِيرَوَيْهِ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثنا مَعْمَرٌ، ثنا هَمَّامٌ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، ﵁، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،»
١٢ - حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ: ثنا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْحِيرِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ، وثنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عُمَرَ - وَرَّاقِ الْحُمَيْدِيِّ -، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي أُمُّ عُثْمَانَ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهَا سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ، يَقُولُ: " لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ ﷿ نَبِيَّهُ، وَظَهَرَ أَمْرَهُ بِمَكَّةَ، خَرَجْتُ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا كُنْتُ بِبُصْرَى أَتَانِي جَمَاعَةٌ مِنَ النَّصَارَى، فَقَالُوا لِي: مِنْ أَهْلِ الْحَرَامِ أَنْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالُوا: هَلْ تَعْرِفُ هَذَا الَّذِي تَنَبَّأَ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَخَذُوا بِيَدِي، فَأَدْخَلُونِي دَيْرًا، لَهُمْ فِيهِ تَمَاثِيلُ وَصُوَرٌ، فَقَالُوا: انْظُرْ، هَلْ تَرَى صُورَةَ هَذَا الَّذِي بُعِثَ؟ فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ صُورَتَهُ، فَقُلْتُ: لَا أَرَى صُورَتَهُ ⦗٥٠⦘، فَأَدْخَلُونِي دَيْرًا أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْرِ، فَإِذَا فِيهِ تَمَاثِيلُ وَصُورٌ أَكْثَرُ مِمَّا فِي ذَلِكَ الدَّيْرِ، فَقَالُوا لِي: انْظُرْ هَلْ تَرَى صُورَتَهُ؟ فَنَظَرْتُ، فَإِذَا أَنَا بِصِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَصُورَتِهِ، وَإِذَا أَنَا بِصِفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصُورَتِهِ، وَهُوَ آخِذٌ بِعَقِبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالُوا: هَلْ تَرَى صُورَتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَقُلْتُ: لَا أُخْبِرُكُمُ، حَتَّى أَعْلَمَ مَا تَقُولُونَ، قَالُوا: هُوَ هَذَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَأَشَارُوا إِلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، أَشْهَدُ أَنَّهُ هُوَ، قَالُوا: هَلْ تَعْرِفُ هَذَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالُوا لِي: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا صَاحِبُكُمْ، وَأَنَّ هَذَا لَخَلِيفَةٌ مِنْ بَعْدِهِ "
1 / 49
١٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ، ثنا مَسْعُودُ بْنُ يَزِيدَ الْقَطَّانُ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ الْقُرَشِيِّ، أَنَّ هِشَامَ بْنَ الْعَاصِ، وَنُعَيْمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَرَجُلًا، آخَرَ قَدْ سَمَّاهُ بُعِثُوا إِلَى مَلِكِ الرُّومِ زَمَنَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: " فَدَخَلْنَا عَلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ، وَهُوَ بِالْغُوطَةِ، فَإِذَا عَلَيْهِ ثِيَابٌ سُودٌ، وَإِذَا كُلُّ شَيْءٍ حَوْلَهُ أَسْوَدُ، فَقَالَ: يَا هِشَامُ، كَلِّمْهُ، فَكَلَّمَهُ وَدَعَاهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الثِّيَابُ السُّودُ؟ قَالَ: لَبِسْتُهَا نَذْرًا، وَلَا أَنْزِعُهَا، حَتَّى أُخْرِجَكُمْ مِنَ الشَّامِ كُلِّهَا، قَالَ: فَقُلْنَا: فَوَاللَّهِ، لَنَأْخُذَنَّهُ مِنْكَ، وَمُلْكَ الْمَلِكِ الْأَعْظَمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ نَبِيُّنَا ﷺ، قَالَ: فَأَنْتُمْ إِذًا السَّمْرَاءُ؟ قُلْنَا: السَّمْرَاءُ ⦗٥١⦘ قَالَ: لَسْتُمْ بِهِمْ، قُلْنَا: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ بِالنَّهَارِ، وَيَقُومُونَ اللَّيْلَ، قُلْنَا: نَحْنُ هُمْ وَاللَّهِ، قَالَ: فَكَيْفَ صَوْمُكُمْ؟ فَوَصَفْنَا لَهُ صَوْمَنَا، قَالَ: فَكَيْفَ صَلَاتُكُمْ؟ فَوَصَفْنَا لَهُ صَلَاتَنَا، قَالَ: فَاللَّهُ يَعْلَمُ لَقَدْ غَشِيَهُ سَوَادٌ، حَتَّى صَارَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ قِطْعَةُ مِنْ طَابِقٍ، قَالَ: قُومُوا، فَأَمَرَ بِنَا إِلَى الْمَلِكِ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَلَقِيَنَا الرَّسُولُ بِبَابِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتُمْ أَتَيْتُكُمْ بِبِغَالٍ، وَإِنْ شِئْتُمْ أَتَيْتُكُمْ بِبَرَاذِينَ؟ فَقُلْنَا: لَا وَاللَّهِ، لَا نَدْخُلُ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا نَحْنُ، قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنَّهُمْ يَأْبَوْنَ قَالَ: فَأَرْسَلَ أَنْ خَلِّ سَبِيلَهُمْ، قَالَ: فَدَخَلْنَا مُتَعَمِّمِينَ، مُتَقَلِّدِينَ السُّيُوفَ عَلَى الرَّوَاحِلِ، فَلَمَّا كُنَّا بِبَابِ الْمَلِكِ، إِذَا هُوَ فِي غُرْفَةٍ عَالِيَةٍ، فَنَظَرَ إِلَيْنَا، قَالَ: فَرَفَعْنَا رُءوسَنَا، فَقُلْنَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: فَاللَّهُ يَعْلَمُ لَنَفَضَتِ الْغُرْفَةُ كُلُّهَا، حَتَّى كَأَنَّهَا عِذْقٌ نَفَضَتْهُ الرِّيحُ، قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا إنَّ هَذَا لَيْسَ لَكُمْ، أَنْ تَجْهَرُوا بِدِينِكُمْ عَلَيَّ، فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا أَنِ ادْخُلُوا، فَدَخَلْنَا، فَإِذَا هُوَ عَلَى فِرَاشٍ إِلَى السَّقْفِ، وَإِذَا عَلَيْهِ ثِيَابٌ حُمْرٌ، وَإِذَا كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ أَحْمَرُ، وَإِذَا عِنْدَهُ بَطَارِقَةُ الرُّومِ، قَالَ: وَإِذَا هُوَ يُرِيدُ أَنْ يُكَلِّمَنَا بِرَسُولٍ، فَقُلْنَا: لَا وَاللَّهِ، لَا نُكَلِّمُهُ بِرَسُولٍ، وَإِنَّمَا بُعِثْنَا إِلَى الْمَلِكِ، فَإِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ نُكَلِّمَكَ، فَائْذَنْ لَنَا نُكَلِّمْكَ، فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ ضَحِكَ، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ فَصِيحٌ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، فَقُلْنَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: فَاللَّهُ يَعْلَمُ لَقَدْ نَفَضَ السَّقْفُ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ هُوَ ⦗٥٢⦘ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ: مَا أَعْظَمُ كَلَامِكُمْ عِنْدَكُمْ؟ فَقُلْنَا: هَذِهِ الْكَلِمَةُ قَالَ: الَّتِي قُلْتُمَاهَا قَبْلُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: وَإِذَا قُلْتُمُوهَا فِي بِلَادِ عَدُوِّكُمْ نَفَضَتْ سُقُوفُهُمْ؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: فَإِذَا قُلْتُمُوهَا فِي بِلَادِكُمْ نَفَضَتْ سُقُوفُكُمْ؟ قُلْنَا: لَا، وَمَا رَأَيْنَاهَا فَعَلَتْ هَذَا، وَمَا هُوَ إِلَّا شَيْءٌ مُيِّزْتَ بِهِ، فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ الصِّدْقَ فَمَا تَقُولُونَ إِذَا فَتَحْتُمُ الْمَدَائِنَ؟ قَالُوا: نَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ: تَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُحَيُّونِي بِتَحِيَّتِكُمْ بَيْنَكُمْ؟ قُلْنَا: إِنَّ تَحِيَّةً بَيْنَنَا لَا تَحِلُّ لَكَ، وَتَحِيَّتُكَ لَا تَحِلُّ لَنَا فَنُحَيِّيكَ بِهَا، قَالَ: وَمَا تَحِيَّتُكُمْ؟ قُلْنَا: تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، قَالَ: وَبِهَا كُنْتُمْ تُحَيُّونَ نَبِيَّكُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ قَالَ: وَبِهَا يُحَيِّيكُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: فَمَنْ كَانَ يُورَثُ مِنْكُمْ؟ قُلْنَا: مَنْ كَانَ أَقْرَبَ قَرَابَةٍ، قَالَ: وَكَذَلِكُمْ مُلُوكُكُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: فَأَمَرَ لَنَا بِمَنْزِلٍ كَبِيرٍ، وَمَنْزِلٍ حَسَنٍ، قَالَ: فَمَكَثْنَا ثَلَاثًا، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْنَا لَيْلًا، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ، فَاسْتَعَادَنَا كَلَامَنَا، فَأَعَدْنَاهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا عِنْدَهُ شِبْهُ الرَّبْعَةِ الْعَظِيمَةِ مُذَهَّبَةٌ، وَإِذَا فِيهَا أَبْوَابٌ صِغَارٌ ⦗٥٣⦘، فَفَتَحَ مِنْهَا بَابًا، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ خِرْقَةَ حَرِيرٍ سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ، فَإِذَا رَجُلٌ طَوِيلٌ أَكْثَرُ النَّاسِ شَعْرًا، فَقَالَ: تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا آدَمُ، ثُمَّ أَعَادَهُ، وَفَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ، فَإِذَا رَجُلٌ ضَخْمُ الرَّأْسِ، عَظِيمٌ، لَهُ شَعَرٌ كَشَعْرِ الْقِبْطِ، أَعْظَمُ النَّاسِ إِلْيَتَيْنِ، أَحْمَرُ الْعَيْنَيْنِ، فَقَالَ: أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا نُوحٌ، ثُمَّ أَعَادَهُ، وَفَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ، فَإِذَا رَجُلٌ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، كَأَنَّهُ حَيُّ يَتَبَسَّمُ، فَقَالَ: أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، فَقَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ أَعَادَهُ، وَفَتَحَ بَابًا آخَرَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ، قَالَ: قُلْنَا: النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ ﷺ، قَالَ: هَذَا وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: فَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَامَ، ثُمَّ قَعَدَ، ثُمَّ قَالَ: آللَّهِ بِدِينِكُمْ، إِنَّهُ نَبِيُّكُمْ؟ قُلْنَا: آللَّهِ بِدِينِنَا إِنَّهُ نَبِيُّنَا، كَأَنَّمَا نَنْظُرُ إِلَيْهِ حَيًّا، قَالَ: إِنَّمَا كَانَ آخِرَ الْأَبْوَابِ، وَلَكِنِّي عَجَّلْتُهُ؛ لِأَنْظُرَ مَاذَا عِنْدَكُمْ، ثُمَّ أَعَادَهُ، وَفَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ خِرْقَةً سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ، فَإِذَا رَجُلٌ مُقَلَّصُ الشَّفَتَيْنِ، غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، مُتَرَاكِبُ الْأَسْنَانِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ عَابِسٌ، فَقَالَ: تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا مُوسَى، وَإِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ يُشْبِهُهَ غَيْرَ أَنَّ فِي عَيْنَيْهِ قُبْلًا، وَفِي رَأْسِهِ اسْتِدَارَةٌ، فَقَالَ: هَذَا هَارُونُ، ثُمَّ رَفَعَهَا، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ خِرْقَةً سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ حَمْرَاءُ، أَوْ ⦗٥٤⦘ بَيْضَاءُ، وَإِذَا رَجُلٌ مَرْبُوعٌ، فَقَالَ: تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا دَاوُدُ، ثُمَّ أَعَادَهُ، وَفَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً، أَوْ خِرْقَةً سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ، وَإِذَا رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى فَرَسٍ طَوِيلِ الرِّجْلَيْنِ، قِصِيرِ الظَّهْرِ، كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ جَنَاحٌ تَحُفُّهُ الرِّيحُ، قَالَ: أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: سُلَيْمَانُ، ثُمَّ أَعَادَهُ، وَفَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ، وَإِذَا صُورَةُ شَابٍّ تَعْلُوهُ صُفْرَةٌ، صَلْتُ الْجَبِينِ، حَسَنُ اللِّحْيَةِ، يُشْبِهُهُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ قَالَ: أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، ثُمَّ أَعَادَهُ، وَأَمَرَ بِالرَّبْعَةِ، فَرُفِعَتْ، فَقُلْنَا: هَذِهِ صُورَةُ نَبِيِّنَا، قَدْ عَرَفْنَاهَا، فَإِنَّا قَدْ رَأَيْنَاهُ فَهَذِهِ الصُّوَرُ الَّتِي لَمْ نَرَهَا كَيْفَ نَعْرِفُهَا أَنَّهَا هِيَ؟ فَقَالَ: إِنَّ آدَمَ ﵇ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ صُورَةَ نَبِيٍّ نَبِيٍّ، فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ صُوَرَهُمْ فِي خِرَقِ الْحَرِيرِ مِنَ الْجَنَّةِ، فَأَصَابَهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ فِي خِزَانَةِ آدَمَ فِي مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَلَمَّا كَانَ دَانْيَالُ صَوَّرَهَا هَذِهِ الصُّوَرَ، فَهِيَ بِأَعْيَانِهَا، فَوَاللَّهِ لَوْ تَطِيبُ نَفْسِي فِي الْخُرُوجِ عَنْ مُلْكِي مَا بَالَيْتُ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا لِأَشَدِّكُمْ مَلَكَةً، وَلَكِنْ عَسَى أَنْ تَطِيبَ نَفْسِي قَالَ: فَأَحْسَنَ جَائِزَتَنَا، وَأَخْرَجَنَا. وَفِي رِوَايَةِ شُرَحْبِيلَ: فَفَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، إِذَا فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ، كَأَنَّهُ صُورَةُ آدَمَ سَبْطٍ رَبْعَةٍ، كَأَنَّهُ غَضْبَانُ حَسَنُ الْوَجْهِ قَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا قَالَ: هَذَا لُوطٌ، ثُمَّ أَعَادَهُ ⦗٥٥⦘، وَفَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ أَبْيَضَ، مُشْرَبِ حُمْرَةٍ، أَحْنَى خَفِيفِ الْعَارِضَيْنِ، حَسَنِ الْوَجْهِ قَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا قَالَ: هَذَا إِسْحَاقُ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ تُشْبِهُ صُورَةَ إِسْحَاقَ، إِلَّا أَنَّ عَلَى شَفَتِهِ السُّفْلَى خَالًا قَالَ: تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا قَالَ: هَذَا يَعْقُوبُ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ أَبْيَضَ، حَسَنِ الْوَجْهِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، حَسَنِ الْقَامَةِ، يَعْلُو وَجْهَهُ النُّورُ، يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْخُشُوعُ، يَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا قَالَ: هَذَا إِسْمَاعِيلُ جَدُّ نَبِيِّكُمْ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ كَأَنَّهُ صُورَةُ آدَمَ، كَأَنَّ وَجْهَهُ الشَّمْسُ قَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا قَالَ: يُوسُفُ، ثُمَّ ذَكَرَ الْقِصَّةَ إِلَى آخِرِهَا، وَزَادَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ حَدَّثْنَاهُ بِمَا رَأَيْنَا، وَمَا قَالَ لَنَا، وَمَا أَدْنَانَا، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: مِسْكِينٌ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا لَفَعَلَ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُمُ الْيَهُودُ يَجِدُونَ بَعْثَ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَقَالَ اللَّهُ ﷿: ﴿يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ﴾ [الأعراف: ١٥٧] قَالَ الشَّيْخُ ﵁: فَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ عِلْمُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ بِصِفَةِ نَبِيِّنَا ﵇ وَبِاسْمِهِ، وبَبَعْثِهِ ⦗٥٦⦘، وَانْتِفَاضِ الْغُرْفَةِ حِينَ أَهَلُّوا بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَمَا يُوجَدُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَنْبِيَاءِ، كَمَا يُوجَدُ أَمْثَالُهَا قَبْلَ بَعْثَتِهِمْ إِعْلَامًا، وَإِيذَانًا بِقُرْبِ مَبْعَثِهِمْ وَمَجِيئِهِمْ، وَلِهَذَا قَرَائِنُ وَنَظَائِرُ تُذْكَرُ فِي تَضَاعِيفِ الْأَبْوَابِ عَلَى مَا شَرَطْنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
1 / 50
ذِكْرُ فَضِيلَتِهِ ﷺ بِطِيبِ مَوْلِدِهِ، وَحَسَبِهِ وَنَسَبِهِ
١٤ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا هَارُونُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي، حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، ﵁، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «خَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ، وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى أَنْ وَلَدَنِي أَبِي وَأُمِّي، لَمْ يُصِبْنِي مِنْ سِفَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ شَيْءٌ»
١٥ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْهَاشِمِيُّ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ عِيسَى، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَمْ يَلْتَقِ أَبَوَايَ فِي سِفَاحٍ، لَمْ يَزَلِ اللَّهُ ﷿ يُنَقِّلُنِي مِنْ أَصْلَابٍ طَيِّبَةٍ إِلَى أَرْحَامٍ طَاهِرَةٍ، صَافِيًا، مُهَذَّبًا، لَا تَتَشَعَّبُ شُعْبَتَانِ إِلَّا كُنْتُ فِي خَيْرِهِمَا،»
١٤ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا هَارُونُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي، حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، ﵁، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «خَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ، وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى أَنْ وَلَدَنِي أَبِي وَأُمِّي، لَمْ يُصِبْنِي مِنْ سِفَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ شَيْءٌ»
١٥ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْهَاشِمِيُّ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ عِيسَى، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَمْ يَلْتَقِ أَبَوَايَ فِي سِفَاحٍ، لَمْ يَزَلِ اللَّهُ ﷿ يُنَقِّلُنِي مِنْ أَصْلَابٍ طَيِّبَةٍ إِلَى أَرْحَامٍ طَاهِرَةٍ، صَافِيًا، مُهَذَّبًا، لَا تَتَشَعَّبُ شُعْبَتَانِ إِلَّا كُنْتُ فِي خَيْرِهِمَا،»
1 / 57
١٦ - حَدَّثَنَا أَبُو بَحْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ كَوْثَرٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَارِثِ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ قُرَيْشًا جَلَسُوا، فَتَذَاكَرُوا أَحْسَابَهُمْ وَأَنْسَابَهُمْ، فَجَعَلُوا مَثَلَكَ مَثَلَ نَخْلَةٍ نَبَتَتْ فِي رَبْوَةٍ مِنَ الْأَرْضِ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ ﷿ حِينَ خَلَقَ الْخَلْقَ جَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ خَلْقِهِ، ثُمَّ حِينَ خَلَقَ الْقَبَائِلَ جَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ قَبِيلَتِهِمْ، وَحِينَ خَلَقَ الْأَنْفُسَ جَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ حِينَ خَلَقَ الْبُيُوتَ جَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ بُيُوتِهِمْ، فَأَنَا خَيْرُهُمْ أَبًا، وَخَيْرُهُمْ نَفْسًا،»
١٧ - حَدَّثَنَا أَبُو بَحْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ، ثنا سَعْدَانُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٩]، مَا زَالَ النَّبِيُِّ ﷺ يَتَقَلَّبُ فِي أَصْلَابِ الْأَنْبِيَاءِ، حَتَّى وَلَدَتْهُ أُمُّهُ "
١٨ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَارُونَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ وَاقِدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ذَكْوَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ ﷿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ سَبْعًا، فَاخْتَارَ الْعُلْيَا مِنْهَا فَسَكَنَهَا، وَأَسْكَنَ سَائِرَ سَمَاوَاتِهِ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَخَلَقَ الْأَرَضِينَ سَبْعًا، فَاخْتَارَ الْعُلْيَا مِنْهَا، فَأَسْكَنَهَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَاخْتَارَ مِنَ الْخَلْقِ بَنِي آدَمَ، وَاخْتَارَ مِنْ بَنِي آدَمَ الْعَرَبَ، وَاخْتَارَ مِنَ ⦗٥٩⦘ الْعَرَبِ مُضَرَ، وَاخْتَارَ مِنْ مُضَرَ قُرَيْشًا، وَاخْتَارَ مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاخْتَارَنِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَأَنَا مِنْ خِيَارٍ إِلَى خِيَارٍ، فَمَنْ أَحَبَّ الْعَرَبَ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَ الْعَرَبَ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ،»
١٧ - حَدَّثَنَا أَبُو بَحْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ، ثنا سَعْدَانُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٩]، مَا زَالَ النَّبِيُِّ ﷺ يَتَقَلَّبُ فِي أَصْلَابِ الْأَنْبِيَاءِ، حَتَّى وَلَدَتْهُ أُمُّهُ "
١٨ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَارُونَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا أحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ وَاقِدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ذَكْوَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ ﷿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ سَبْعًا، فَاخْتَارَ الْعُلْيَا مِنْهَا فَسَكَنَهَا، وَأَسْكَنَ سَائِرَ سَمَاوَاتِهِ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَخَلَقَ الْأَرَضِينَ سَبْعًا، فَاخْتَارَ الْعُلْيَا مِنْهَا، فَأَسْكَنَهَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَاخْتَارَ مِنَ الْخَلْقِ بَنِي آدَمَ، وَاخْتَارَ مِنْ بَنِي آدَمَ الْعَرَبَ، وَاخْتَارَ مِنَ ⦗٥٩⦘ الْعَرَبِ مُضَرَ، وَاخْتَارَ مِنْ مُضَرَ قُرَيْشًا، وَاخْتَارَ مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاخْتَارَنِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَأَنَا مِنْ خِيَارٍ إِلَى خِيَارٍ، فَمَنْ أَحَبَّ الْعَرَبَ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَ الْعَرَبَ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ،»
1 / 58
الْفَصْلُ الثَّالِثُ ذِكْرُ فَضِيلَتِهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَسْمَائِهِ
١٩ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا الْحُمَيْدِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: ثنا الزُّهْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ لِي أَسْمَاءً، أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يُمْحَى بِيَ الْكُفْرُ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، وَأَنَا الْعَاقِبُ الَّذِي لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ»
٢٠ - ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، ثنا سَيْفُ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " إِنَّ لِي عِنْدَ رَبِّي عَشَرَةَ أَسْمَاءٍ - قَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ ⦗٦٢⦘: حَفِظْتُ مِنْهَا ثَمَانِيَةً -: مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو الْقَاسِمِ، وَالْفَاتِحُ، وَالْخَاتِمُ، وَالْعَاقِبُ، وَالْحَاشِرُ، وَالْمَاحِي " قَالَ أَبُو يَحْيَى: وَزَعَمَ سَيْفٌ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ قَالَ لَهُ: إِنَّ الِاسْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ: طه ويس
١٩ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا الْحُمَيْدِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: ثنا الزُّهْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ لِي أَسْمَاءً، أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يُمْحَى بِيَ الْكُفْرُ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، وَأَنَا الْعَاقِبُ الَّذِي لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ»
٢٠ - ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، ثنا سَيْفُ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " إِنَّ لِي عِنْدَ رَبِّي عَشَرَةَ أَسْمَاءٍ - قَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ ⦗٦٢⦘: حَفِظْتُ مِنْهَا ثَمَانِيَةً -: مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو الْقَاسِمِ، وَالْفَاتِحُ، وَالْخَاتِمُ، وَالْعَاقِبُ، وَالْحَاشِرُ، وَالْمَاحِي " قَالَ أَبُو يَحْيَى: وَزَعَمَ سَيْفٌ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ قَالَ لَهُ: إِنَّ الِاسْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ: طه ويس
1 / 61
الْفَصْلُ الرَّابِعُ ذِكْرُ الْفَضِيلَةِ الرَّابِعَةِ بِإِقْسَامِ اللَّهِ بِحَيَاتِهِ، وَتَفَرُّدِهِ بِالسِّيَادَةِ لِوَلَدِ آدَمَ فِي الْقِيَامَةِ، وَمَا فُضِّلَ بِهِ هُوَ وَأُمَّتُهُ عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَجَمِيعِ الْأُمَمِ ﷺ
٢١ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ، قَالَ: ثنا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبَانَ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ النُّكْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﵄ قَالَ: " مَا خَلَقَ اللَّهُ ﷿، وَمَا ذَرَأَ نَفْسًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَمَا سَمِعْتُ اللَّهَ ﷿ أَقْسَمَ بِحَيَاةِ أَحَدٍ إِلَّا بِحَيَاتِهِ، فَقَالَ: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الحجر: ٧٢] "
٢٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ النُّكْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الحجر: ٧٢] قَالَ: " وَحَيَاتِكَ يَا مُحَمَّدُ قَالَ الشَّيْخُ: وَالْمَعْنَى فِي هَذَا الْقَسَمِ أَنَّ الْمُتَعَارَفَ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ أَنَّ ⦗٦٤⦘ الْأَقْسَامَ لَا تَقَعُ إِلَّا عَلَى الْمُعَظَّمِينَ وَالْمُبَجَّلِينَ وَالْمُكَرَّمِينَ، فَتَبَيَّنَ بِهَذَا جَلَالَةُ الرَّسُولِ ﷺ، وَتَعْظِيمُ أَمْرِهِ، وَمَا شَرَعَ اللَّهُ ﷿ عَلَى لِسَانِهِ مِنَ الشَّرَائِعِ، وَتَنْبِيهِهِ عِبَادَهُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، وَدُعَاؤُهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ، وَعُرِفَتْ جَلَالَةُ نُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ بِالْقَسَمِ الْوَاقِعِ عَلَى حَيَاتِهِ إِذْ هُوَ أَعَزُّ الْبَرِيَّةِ، وَأَكْرَمُ الْخَلِيقَةِ ﷺ تَسْلِيمًا
٢١ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ، قَالَ: ثنا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبَانَ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ النُّكْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﵄ قَالَ: " مَا خَلَقَ اللَّهُ ﷿، وَمَا ذَرَأَ نَفْسًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَمَا سَمِعْتُ اللَّهَ ﷿ أَقْسَمَ بِحَيَاةِ أَحَدٍ إِلَّا بِحَيَاتِهِ، فَقَالَ: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الحجر: ٧٢] "
٢٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ النُّكْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الحجر: ٧٢] قَالَ: " وَحَيَاتِكَ يَا مُحَمَّدُ قَالَ الشَّيْخُ: وَالْمَعْنَى فِي هَذَا الْقَسَمِ أَنَّ الْمُتَعَارَفَ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ أَنَّ ⦗٦٤⦘ الْأَقْسَامَ لَا تَقَعُ إِلَّا عَلَى الْمُعَظَّمِينَ وَالْمُبَجَّلِينَ وَالْمُكَرَّمِينَ، فَتَبَيَّنَ بِهَذَا جَلَالَةُ الرَّسُولِ ﷺ، وَتَعْظِيمُ أَمْرِهِ، وَمَا شَرَعَ اللَّهُ ﷿ عَلَى لِسَانِهِ مِنَ الشَّرَائِعِ، وَتَنْبِيهِهِ عِبَادَهُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، وَدُعَاؤُهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ، وَعُرِفَتْ جَلَالَةُ نُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ بِالْقَسَمِ الْوَاقِعِ عَلَى حَيَاتِهِ إِذْ هُوَ أَعَزُّ الْبَرِيَّةِ، وَأَكْرَمُ الْخَلِيقَةِ ﷺ تَسْلِيمًا
1 / 63