( 1) لم تزل فكرة ذم الصحافة تدب في أفكار الغافلين ويستدلون على ذلك باشتغال بعضها بالأعراض ونشر الموبقات ، ولم يلتفتوا إلا إلى جانب العوارض فخفيت عنهم الذاتيات ، ولو علموا أن الصحافة بيد غيرأهلها كالسيف الصقيل بيد الصبي ، وكالثروة بيد المتهتك والحكمة ، عند من لا يعرفها لما عابوا الشمس في رابعة النهار ، نعم إن الحكومة الغشمة تمنحها غير أهلها لتكون لها الة ولا تكون سدا حائلا دون مقاصدها الخبيثة وهذا غير قادح في الصحافة .
أو أخذ حذو رسوم المبرزين الذين ينتحلون الكلام ويوقعونه مواقعه مع مراعاة رشاقة اللفظ ، وحلاوة المعنى ، وبلاغته ومناسبته مع ما يحتاج من اختراع المعاني الابكار للامور الحوادث والوقائع لاتتناهى ولا تقف عند حد.
أعظم شاهد لجليل قدر الكتابة ورفعة شأنها ذكر المولى عز شأنه لها على سبيل الامتنان ، واضافة تعليمها إلى نفسه وعده لها من كرمه ووافر افضاله وجزيل الائه ، فقال عز من قائل { اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم } ( العلق / 5،3)
مع أن الآية والتي قبلها من مفتتح التنزيل وحيا على أشرف نبي وأكرم رسول - صلى الله عليه وسلم - وآله وفي ذلك من التعظيم ورفعة الشأن ما لاخفاء فيه .
لا جرم أن الذي لا يعرف قواعد الإنشاء ولا شيئا من فنون الأدب يعيب تعاطي هذه المناقب ويعدها من قبيل الهزل وتضييع الفطرة السليمة و( المرء عدو ما جهل ) سترا لقبحه والتماسا لعجزه عذرا.
(فما حسن ان يعذر المرء نفسه وليس له من سائر الناس عاذر )
وعديم الاحساس والشعور الحي لا يخجل إذا كتب ما يكون اضحوكة بين الناس ولا سيما إذا كانت الكتابة رسمية .
Shafi 56