توفي بين سنة ٣٢ هـ وسنة ٣٤ هـ عدد من كبار الصحابة رضوان اللَّه عليهم، فرأيت أن أقدم للقراء نبذة عن تاريخ كل منهم لأنهم توافوا في حياة عثمان ﵁. أما أبو ذر فقد سبق أن ذكرت سيرته عند تسييره إلى الربذة.
- وفاة أبي ذر الغفاري (١) (سنة ٣٢ هـ/ ٦٥٣ م): لما حضرت أبا ذر الوفاة في سنة ثمان في ذي الحجة من إمارة عثمان قال لابنته: "استشرفي يا بنية، فانظري هل ترين أحدًا؟ قالت: لا. قال: فما جاءت ساعتي بعد. ثم أمرها فذبحت شاة، ثم طبختها. ثم قال: إذا جاءك الذين يدفنونني فقولي لهم إن أبا ذر يقسم عليكم أن لا تركبوا حتى تأكلوا. فلما نضجت قدرها، قال لها: انظري هل ترين أحدًا؟ قالت: نعم، هؤلاء ركب مقبلون. قال: استقبلي بي الكعبة. ففعلت وقال: "بسم اللَّه وباللَّه وعلى ملَّة رسول اللَّه ﷺ . ثم خرجت ابنته فتلقتهم وقالت: رحمكم اللَّه اشهدوا أبا ذر فادفنوه قالوا: وأين هو؟ فأشارت إليه وقد مات. قالوا: ونعمة عين، لقد أكرمنا اللَّه بذلك. وإذا ركب من أهل الكوفة فيهم ابن مسعود فمالوا إليه وابن مسعود يبكي ويقول: صدق رسول اللَّه ﷺ "يموت وحده ويبعث وحده". فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه. فلما أرادوا أن يرتحلوا قالت: إن أبا ذر يقرأ عليكم السلام وأقسم عليكم أن لا تركبوا حتى تأكلوا. ففعلوا، وحملوهم حتى أقدموهم مكة، ونعوه إلى عثمان، فضم ابنته إلى عياله وقال: يرحم اللَّه أبا ذر ويغفر لرافع بن خديج (٢) سكوته. وفي رواية أخرى أنه قال: يرحم اللَّه أبا ذر ويغفر له نزوله الربذة. _________ (١) سبقت ترجمته. (٢) هو رافع بن خديج بن رافع الأنصاري الأوسي الحارثي، صحابي، عريق قومه بالمدينة، شهد أحد والخندق ولد سنة ١٢ ق. هـ، وتوفي في المدينة متأثرًا بجراحه سنة ٧٤ هـ. للاستزادة راجع: تهذيب التهذيب ج ٣/ص ٢٢٩، الإصابة ج ٢/ص ١٨٦.
- وفاة عبد الرحمن بن عوف (١) (سنة ٣٢ هـ/ ٦٥٣ م): ⦗١١٢⦘ وفي هذه السنة توفي عبد الرحمن بن عوف، وأمه الشفاء بنت عوف. ولد بعد الفيل بعشر سنين، وأسلم قبل أن يدخل رسول اللَّه ﷺ دار الأرقم. وكان أحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام. وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر. وكان من المهاجرين الأولين. هاجر إلى الحبشة، وإلى المدينة، وآخى رسول اللَّه ﷺ بينه وبين سعد بن الربيع كما ذكر في كتاب "محمد رسول اللَّه"، وشهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول اللَّه ﷺ. وبعثه رسول اللَّه إلى دومة الجندل، وعمَّمه بيده وسدلها بين كتفيه وقال: إن فتح اللَّه عليك فتزوج ابنة ملكهم، أو قال شريفهم، وكان الأصبغ بن ثعلبة بن ضمضم الكلبي شريفهم فتزوج ابنته تماضر بنت الأصبغ فولدت له أبا سلمة بن عبد الرحمن، وكان أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب لهم: الشورى الذين جعل عمر بن الخطاب الخلافة فيهم. وصلى رسول اللَّه ﷺ خلفه في سفره. وجرح يوم أُحد إحدى وعشرين جراحة في رجله فكان يعرج منها. وسقطت ثنيتاه فكان أهتم. وكان كثير الإنفاق في سيبل اللَّه ﷿. أعتق في يوم ثلاثين عبدًا. ولما آخى رسول اللَّه بينه وبين سعد بن الربيع (٢) قال له سعد: إن لي مالًا فهو بيني وبينك شطران. ولي امرأتان فانظر أيتهما أحببت حتى أخالعها فإذا حلت فتزوجها. فقال: لا حاجة لي في أهلك ومالك، بارك اللَّه لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق "لأنه كان من كبار التجار" فاشترى، وباع، وربح. وقال النبي ﷺ: "عبد الرحمن بن عوف أمين في السماء أمين في الأرض" (٣) . ولما توفي عمر ﵁ قال عبد الرحمن بن عوف لأصحاب الشورى الذين جعلوا عمر الخلافة فيهم: من يخرج نفسه منها ويختار للمسلمين؟ فلم يجيبوه إلى ذلك. فقال: أنا أخرج نفسي من الخلافة، وأختار للمسلمين. فأجابوه إلى ذلك، وأخذ مواثيقهم عليه فاختار عثمان فبايعه - كما ذكرنا في كتابنا الفاروق ⦗١١٣⦘. وكان عظيم التجارة مجدودًا فيها. كثير المال. قيل: إنه دخل على أم سلمة فقال: يا أمة قد خفت أن تهلكني كثرة مالي. قالت: يا بني أنفق. ولما كثر ماله قدم له ذات يوم راحلة تحمل البر، وتحمل الدقيق والطعام، فلما دخلت المدينة سمع لأهل المدينة رَجة، فقالت عائشة: ما هذه الرجة؟ فقيل لها عير قدمت لعبد الرحمن بن عوف، سبعمائة بعير تحمل البر والدقيق. فقالت عائشة: سمعت النبي ﷺ يقول: "يدخل عبد الرحمن بن عوف الجنة حبوًا" (٤) . فلما بلغ ذلك عبد الرحمن قال: يا أمة إني أشهدك أنها بأحمالها وأحلاسها وأقتابها في سبيل اللَّه ﷿. وتصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد رسول اللَّه ﷺ بشطر ماله. أربعة آلاف. ثم تصدق بأربعين ألفًا. ثم تصدق بأربعين ألف دينار. ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل اللَّه، ثم حمل على خمسمائة راحلة في سبيل اللَّه. وكان عامة ماله من التجارة. فهل يقتدي به في زماننا هذا كبار الأغنياء الذين يكنزون الذهب والفضة، والأوراق المالية، ويمتلكون الضياع الواسعة، والعمارات الشاهقة، فيبذلون جزءًا منها في سبيل اللَّه، وإعانة الفقراء الذين ضاقت مذاهبهم، وساءت حالهم، ولا يجدون لهم معينًا؟ اللَّهم لقد فسد الزمان. وفسدت القلوب، وزاد الجشع والطمع. وانمحت عاطفة الخير وصار كل إنسان لا يفكر إلا في نفسه ولذَّاته وشهواته. لذلك اتسعت مسافة الخلف بين الأغنياء والفقراء، وحقد كلٌ على أخيه في الإنسانية، وكثرت حوادث التعدي، وشعر الفقير بالحيف، ونقم على النظم الحالية، وتفككت روابط الأسر والصداقة، وفشا الربا. وهذه حالة محزنة، لطف اللَّه بعباده. كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها!. فبلغ ذلك النبي ﷺ، فقال: "دعوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه" (٥) . وهذا إنما كان بينهما لما سيَّر رسول اللَّه ﷺ خالد بن الوليد إلى بني جذيمة بعد فتح مكة فقَتل فيهم خالدٌ خطأ. فودى رسول اللَّه ﷺ القتلى وأعطاهم ثمن ما أخذ منهم، وكان بنو جذيمة قد قتلوا في الجاهلية ⦗١١٤⦘ عوف بن عوف والد عبد الرحمن بن عوف وقتلوا الفاكه بن المغيرة عم خالد. فقال له عبد الرحمن: إنما قتلتهم لأنهم قتلوا عمك. وقال له خالد: إنما قتلوا أباك وأغلظ في القول. فقال النبي ﷺ ما قال. توفي عبد الرحمن سنة ٣٢ هـ وهو ابن ٧٥ سنة، وأوصى بخمسين ألف دينار في سبيل اللَّه. وأوصى لمن بقي ممن شهد بدرًا لكل ٤٠٠ دينار، وكانوا مائة فأخذوها، وأخذ عثمان فيمن أخذ وأوصى بألف فرس في سبيل اللَّه. ولما مات قال علي بن أبي طالب: اذهب يا ابن عوف فقد أدركت صفوَها وسبقت رَنْقها (٦) . وكان سعد بن أبي وقاص فيمن حمل جنازته وهو يقول: واجبلاه وخلف مالًا عظيمًا من ذهب قطع بالفؤوس حتى مجلت يدي الرجال منه. وترك ألف بعير ومائة فرس وثلاثة آلاف شاة ترعى بالبقيع. وترك أربع نسوة. أخرجت امرأة من إرثها بثمانين ألفًا يعني صولحت وكان طويلًا أبيض مشربًا بحمرة. حسن الوجه. رقيق البشرة. أهدب الأشفار. أقنى. له جمة. ضخم الكفين. غليظ الأصابع (علامة الغنى) . لا يغير لحيته ولا رأسه. _________ (١) سبقت ترجمته. (٢) هو سعد بن الربيع بن عمرو، من بني الحارث بن الخزرج، صحابي من كبارهم، كان أحد النقباء يوم العقبة، وشهد موقعة بدر، واستشهد يوم أحد سنة ٣ هـ. للاستزادة راجع: صفة الصفوة ج ١/ص ١٩١، الإصابة ترجمة ٣١٤٧. (٣) رواه أحمد في (م ١/ص ١٩٣) بمعناه. (٤) رواه ابن كثير في البداية والنهاية (٧: ١٦٤) . (٥) رواه البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبي ﷺ، باب: قول النبي ﷺ: "لو كنت متخذًا خليلًا". ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب: ٢٢١، وأبو داود في كتاب السنة، باب: في النهي عن سبِّ أصحاب رسول اللَّه ﷺ، والترمذي في المناقب، باب: ٥٨، وابن ماجه في المقدمة، باب: في فضائل أصحاب رسول اللَّه ﷺ، وأحمد في (م ٣/ص ١١) . (٦) رَنْقَها: كدرها. [القاموس المحيط، مادة: رنق] .
- وفاة أبي ذر الغفاري (١) (سنة ٣٢ هـ/ ٦٥٣ م): لما حضرت أبا ذر الوفاة في سنة ثمان في ذي الحجة من إمارة عثمان قال لابنته: "استشرفي يا بنية، فانظري هل ترين أحدًا؟ قالت: لا. قال: فما جاءت ساعتي بعد. ثم أمرها فذبحت شاة، ثم طبختها. ثم قال: إذا جاءك الذين يدفنونني فقولي لهم إن أبا ذر يقسم عليكم أن لا تركبوا حتى تأكلوا. فلما نضجت قدرها، قال لها: انظري هل ترين أحدًا؟ قالت: نعم، هؤلاء ركب مقبلون. قال: استقبلي بي الكعبة. ففعلت وقال: "بسم اللَّه وباللَّه وعلى ملَّة رسول اللَّه ﷺ . ثم خرجت ابنته فتلقتهم وقالت: رحمكم اللَّه اشهدوا أبا ذر فادفنوه قالوا: وأين هو؟ فأشارت إليه وقد مات. قالوا: ونعمة عين، لقد أكرمنا اللَّه بذلك. وإذا ركب من أهل الكوفة فيهم ابن مسعود فمالوا إليه وابن مسعود يبكي ويقول: صدق رسول اللَّه ﷺ "يموت وحده ويبعث وحده". فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه. فلما أرادوا أن يرتحلوا قالت: إن أبا ذر يقرأ عليكم السلام وأقسم عليكم أن لا تركبوا حتى تأكلوا. ففعلوا، وحملوهم حتى أقدموهم مكة، ونعوه إلى عثمان، فضم ابنته إلى عياله وقال: يرحم اللَّه أبا ذر ويغفر لرافع بن خديج (٢) سكوته. وفي رواية أخرى أنه قال: يرحم اللَّه أبا ذر ويغفر له نزوله الربذة. _________ (١) سبقت ترجمته. (٢) هو رافع بن خديج بن رافع الأنصاري الأوسي الحارثي، صحابي، عريق قومه بالمدينة، شهد أحد والخندق ولد سنة ١٢ ق. هـ، وتوفي في المدينة متأثرًا بجراحه سنة ٧٤ هـ. للاستزادة راجع: تهذيب التهذيب ج ٣/ص ٢٢٩، الإصابة ج ٢/ص ١٨٦.
- وفاة عبد الرحمن بن عوف (١) (سنة ٣٢ هـ/ ٦٥٣ م): ⦗١١٢⦘ وفي هذه السنة توفي عبد الرحمن بن عوف، وأمه الشفاء بنت عوف. ولد بعد الفيل بعشر سنين، وأسلم قبل أن يدخل رسول اللَّه ﷺ دار الأرقم. وكان أحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام. وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر. وكان من المهاجرين الأولين. هاجر إلى الحبشة، وإلى المدينة، وآخى رسول اللَّه ﷺ بينه وبين سعد بن الربيع كما ذكر في كتاب "محمد رسول اللَّه"، وشهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول اللَّه ﷺ. وبعثه رسول اللَّه إلى دومة الجندل، وعمَّمه بيده وسدلها بين كتفيه وقال: إن فتح اللَّه عليك فتزوج ابنة ملكهم، أو قال شريفهم، وكان الأصبغ بن ثعلبة بن ضمضم الكلبي شريفهم فتزوج ابنته تماضر بنت الأصبغ فولدت له أبا سلمة بن عبد الرحمن، وكان أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب لهم: الشورى الذين جعل عمر بن الخطاب الخلافة فيهم. وصلى رسول اللَّه ﷺ خلفه في سفره. وجرح يوم أُحد إحدى وعشرين جراحة في رجله فكان يعرج منها. وسقطت ثنيتاه فكان أهتم. وكان كثير الإنفاق في سيبل اللَّه ﷿. أعتق في يوم ثلاثين عبدًا. ولما آخى رسول اللَّه بينه وبين سعد بن الربيع (٢) قال له سعد: إن لي مالًا فهو بيني وبينك شطران. ولي امرأتان فانظر أيتهما أحببت حتى أخالعها فإذا حلت فتزوجها. فقال: لا حاجة لي في أهلك ومالك، بارك اللَّه لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق "لأنه كان من كبار التجار" فاشترى، وباع، وربح. وقال النبي ﷺ: "عبد الرحمن بن عوف أمين في السماء أمين في الأرض" (٣) . ولما توفي عمر ﵁ قال عبد الرحمن بن عوف لأصحاب الشورى الذين جعلوا عمر الخلافة فيهم: من يخرج نفسه منها ويختار للمسلمين؟ فلم يجيبوه إلى ذلك. فقال: أنا أخرج نفسي من الخلافة، وأختار للمسلمين. فأجابوه إلى ذلك، وأخذ مواثيقهم عليه فاختار عثمان فبايعه - كما ذكرنا في كتابنا الفاروق ⦗١١٣⦘. وكان عظيم التجارة مجدودًا فيها. كثير المال. قيل: إنه دخل على أم سلمة فقال: يا أمة قد خفت أن تهلكني كثرة مالي. قالت: يا بني أنفق. ولما كثر ماله قدم له ذات يوم راحلة تحمل البر، وتحمل الدقيق والطعام، فلما دخلت المدينة سمع لأهل المدينة رَجة، فقالت عائشة: ما هذه الرجة؟ فقيل لها عير قدمت لعبد الرحمن بن عوف، سبعمائة بعير تحمل البر والدقيق. فقالت عائشة: سمعت النبي ﷺ يقول: "يدخل عبد الرحمن بن عوف الجنة حبوًا" (٤) . فلما بلغ ذلك عبد الرحمن قال: يا أمة إني أشهدك أنها بأحمالها وأحلاسها وأقتابها في سبيل اللَّه ﷿. وتصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد رسول اللَّه ﷺ بشطر ماله. أربعة آلاف. ثم تصدق بأربعين ألفًا. ثم تصدق بأربعين ألف دينار. ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل اللَّه، ثم حمل على خمسمائة راحلة في سبيل اللَّه. وكان عامة ماله من التجارة. فهل يقتدي به في زماننا هذا كبار الأغنياء الذين يكنزون الذهب والفضة، والأوراق المالية، ويمتلكون الضياع الواسعة، والعمارات الشاهقة، فيبذلون جزءًا منها في سبيل اللَّه، وإعانة الفقراء الذين ضاقت مذاهبهم، وساءت حالهم، ولا يجدون لهم معينًا؟ اللَّهم لقد فسد الزمان. وفسدت القلوب، وزاد الجشع والطمع. وانمحت عاطفة الخير وصار كل إنسان لا يفكر إلا في نفسه ولذَّاته وشهواته. لذلك اتسعت مسافة الخلف بين الأغنياء والفقراء، وحقد كلٌ على أخيه في الإنسانية، وكثرت حوادث التعدي، وشعر الفقير بالحيف، ونقم على النظم الحالية، وتفككت روابط الأسر والصداقة، وفشا الربا. وهذه حالة محزنة، لطف اللَّه بعباده. كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها!. فبلغ ذلك النبي ﷺ، فقال: "دعوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه" (٥) . وهذا إنما كان بينهما لما سيَّر رسول اللَّه ﷺ خالد بن الوليد إلى بني جذيمة بعد فتح مكة فقَتل فيهم خالدٌ خطأ. فودى رسول اللَّه ﷺ القتلى وأعطاهم ثمن ما أخذ منهم، وكان بنو جذيمة قد قتلوا في الجاهلية ⦗١١٤⦘ عوف بن عوف والد عبد الرحمن بن عوف وقتلوا الفاكه بن المغيرة عم خالد. فقال له عبد الرحمن: إنما قتلتهم لأنهم قتلوا عمك. وقال له خالد: إنما قتلوا أباك وأغلظ في القول. فقال النبي ﷺ ما قال. توفي عبد الرحمن سنة ٣٢ هـ وهو ابن ٧٥ سنة، وأوصى بخمسين ألف دينار في سبيل اللَّه. وأوصى لمن بقي ممن شهد بدرًا لكل ٤٠٠ دينار، وكانوا مائة فأخذوها، وأخذ عثمان فيمن أخذ وأوصى بألف فرس في سبيل اللَّه. ولما مات قال علي بن أبي طالب: اذهب يا ابن عوف فقد أدركت صفوَها وسبقت رَنْقها (٦) . وكان سعد بن أبي وقاص فيمن حمل جنازته وهو يقول: واجبلاه وخلف مالًا عظيمًا من ذهب قطع بالفؤوس حتى مجلت يدي الرجال منه. وترك ألف بعير ومائة فرس وثلاثة آلاف شاة ترعى بالبقيع. وترك أربع نسوة. أخرجت امرأة من إرثها بثمانين ألفًا يعني صولحت وكان طويلًا أبيض مشربًا بحمرة. حسن الوجه. رقيق البشرة. أهدب الأشفار. أقنى. له جمة. ضخم الكفين. غليظ الأصابع (علامة الغنى) . لا يغير لحيته ولا رأسه. _________ (١) سبقت ترجمته. (٢) هو سعد بن الربيع بن عمرو، من بني الحارث بن الخزرج، صحابي من كبارهم، كان أحد النقباء يوم العقبة، وشهد موقعة بدر، واستشهد يوم أحد سنة ٣ هـ. للاستزادة راجع: صفة الصفوة ج ١/ص ١٩١، الإصابة ترجمة ٣١٤٧. (٣) رواه أحمد في (م ١/ص ١٩٣) بمعناه. (٤) رواه ابن كثير في البداية والنهاية (٧: ١٦٤) . (٥) رواه البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبي ﷺ، باب: قول النبي ﷺ: "لو كنت متخذًا خليلًا". ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب: ٢٢١، وأبو داود في كتاب السنة، باب: في النهي عن سبِّ أصحاب رسول اللَّه ﷺ، والترمذي في المناقب، باب: ٥٨، وابن ماجه في المقدمة، باب: في فضائل أصحاب رسول اللَّه ﷺ، وأحمد في (م ٣/ص ١١) . (٦) رَنْقَها: كدرها. [القاموس المحيط، مادة: رنق] .
1 / 111